الخروج من التيه

منذ 2013-04-04

عندنا أزمة شديدة جدًا في أوساط شباب الإسلاميين، الحقيقة أن المثقفين بين أوساط الإسلاميين عددهم قليل جدًا وأغلب الأسماء الشهيرة تطبق مبدأ (الأعور وسط العميان ملك)


عندنا أزمة شديدة جدًا في أوساط شباب الإسلاميين، الحقيقة أن المثقفين بين أوساط الإسلاميين عددهم قليل جدًا وأغلب الأسماء الشهيرة تطبق مبدأ (الأعور وسط العميان ملك). فقط في عالم مثل هذا يمكن لأفكار شديدة الشذوذ أن تصبح براقة رغم أنها لو وضعت تحت منهاج النقد العلمي لما صمدت أصولها قبل فروعها، مثل المثير للدهشة أن تجد أغلب الإنتقادات الموجودة للأفكار العالمية السائدة انتقادات شديدة السطحية والضحالة لأن أصحابها في الأغلب لم يقرئوا عنها إلا من كتب على غرار (الرد على كذا ...)، أو (حكم **** في الإسلام) المصيبة الأخطر أن تجد البعض يقاوم من يحاول إصلاح المفاهيم الخاطئة، حين تقول لفلان مثلاً يجب التفرقة بين المدرسة الفلانية والمدرسة العلانية حين الحديث عن الأيديلوجيا الفلانية، ينظر إليك شذرًا وكأنك تدافع عن هذه الأيديولوجية! تحاول أن تفهمه أنك تشرح ذلك من باب ألا يضحك عليك من يناقشك فقط وليس من باب الدفاع عن الأيديولجية فلا تجد لكلامك منفذًا!
يمكنك مثلًا أن تقرأ نقدًا علميًا رصينًا لبعض الأيديولوجيات ككتاب الشيخ الطريفي (العقلية الليبرالية) أو كتاب (نقد التسامح الليبرالي) لتدرك الفارق بين نقد محترم صاحبه له حظ وافر من العلم الشرعي وبين كتاب شهير آخر في نقد العلمانية لا علاقة له بالعلمانية أصلًا!

هذا الإضطراب في البنية المعرفية للشباب الإسلامي يقابل بإضطراب أشد وأكثر إثارة للسخرية، ذات مرة قابلت شابًا قال لي أنه شيوعي فسألته عنه معنى شيوعيته فاتضح لي أنه فهم أن الشيوعية أنه لا يجب أن يركب السيارة ويجب أن يستقل الحافلة مع الشعب! سألته عن المادية الجدلية أو نظرية الحتمية التاريخية فاتضح أنه لم يسمع عنهما أصلًا!

بنفس منطق الفتاة التي زارت شيخًا شهيرًا وقالت له أنها تنوي أن تتنصر وأنها قرأت الإنجيل أكثر من مرة واقتنعت به فسألها سؤالًا -قد لا يبدو حينها منطقيًا- إن كانت قرأت القراّن ولو مرة واحدة في حياتها بتفسير أو من غير؟ فكانت اجابتها أن لا! لم تقرأ المصحف ولا مرة في حياتها كلها!

هذا الخلل في البنية المعرفية لا يقتصر على الأسماء والمعاني والأيديلوجيات أو كما يقول بعض المبررين (أنا عندي ميزان القراّن والسنة وأقيس به أي منهج وافد وأخضعه لهذا الميزان) وهذا الكلام ظاهره الرحمة ولكنه يستر عوارًا لا ستر له، فهذا يعني أنك ستظل متلقيًا دفاعيًا Passive. هذا يعني أن مقدار وعيك لما يحاك لك مرتبط بالضرورة بما يصلك وأنك قد تظل أعوامًا والسوس ينخر في عظام المجتمع وأنت لا تدريه، أو تحذر من خطر لا وجود له كحال علماء القرن التاسع عشر والثامن عشر الذين اتسموا بالخمول، وانتقلت جهودهم من العالم الواقعي لحل مشكلات والتحذير من مخاطر الجمعيات اليهودية السرية وحركات النهضة الأوروبية والجهل المدقع الذي عانت منه الأمة ردحًا من بدايات حركات التحرر القومي وتأثيرها المدمر لاحقًا في العالم الإسلامي، إلى التحذير من مخاطر أسهب الأقدمين في التحذير أو الخوض في معارك أنهكت الأمة فكريًا وعلميًا!

الأسوأ من ذلك هو الخلل المعرفي الخطير بالتاريخ، ليس التاريخ الإسلامي فحسب بل حتى التاريخ المعاصر وتاريخ المخاطر التي يزعم الدراية بالرد العلمي عليها، فتاريخ الدولة الصفوية وتأثيرها في إسقاط الخلافة العثمانية، وفتوحات العثمانيين في أوروبا، ونشأة الدولة الأمريكية والإمبراطوريات الأوروبية ومستعمراتها في آسيا وإفريقيا، وأثر ذلك على إنحسار الإسلام في هذه البلاد، وتاريخ شبه الجزيرة الهندية وبدايات الثورة البلشفية وتأثيرها على الإسلام في آسيا وشرق أوروبا وبداية عصور الحداثة وما بعد الحداثة، وحقيقة العلمانية الأوروبية والأمريكية ودور الدين في صياغة الخطاب السياسيي لهذه الدول، وتأثيره على القرار السياسي وصعود اليمين الصهيو مسيحي في الولايات المتحدة وأثره، وكذلك صورة عمل اليهود في فلسطين المحتلة وطريقة عمل الأجهزة الأمنية اليهودية في العالم كله وتنوعاتها وأدوراها. كل ذلك أضفى تكلسًا على الفكر وركودًا على الحياة الفكرية والثقافية لأبناء الصحوة الإسلامية فانشغلوا بمجموعات من الصراعات خارج حدود الزمان وعقدوا عليها الولاء والبراء.

جزء كبير من هذه الصراعات كان يتم تأجيجها بمؤثرات خارجية أو بعوامل مقصودة دفعًا حقيقيًا للإنصراف عن مقاصد الشريعة، ولذلك تجد أن أكثر البضاعات كسادًا هي بضاعة المفكرين الإسلاميين العظماء الذين حاولوا الخروج من هذه البوتقات وهدم الأوثان الفكرية التي تنامت وعظم دورها مع البعد عن أزمنة الفكرة، فحيثما غابت الفكرة بزغ الصنم، والصنم قد يكون الهًا معبودًا سوى الله عز وجل أو وليًا مقربًا، أو مولدًا يغيب فيه العقل مع صيحات الصائحين مع أنات المكلومين، ثم يصير الدّين أشكال متداخلة ترتدي زيًا غربيًا، سراج منير تم تغطيته من كل زاوية وسمح بنفاد نوره من مسارات محددة سلفًا ليسقط على نقاط ويخفي نقاط أخرى، نقاط تسمح بالوضوء والصلاة مع مشابهة الزي الزي والقلب القلب.

لذلك لم يكن عجيبًا أن يظهر دلالات المشهد الرمزي الذي عايناه جميعًا في حرب أفغانستان، الطائرات الأمريكية والبريطانية تقصف المدن بالصواريخ وفي نفس الوقت تقذف نفس الطائرات شطائر البرجر الأمريكية! هذا غزو ثقافي متسرع! هذا يا حمقى ما نرغب بكم أن تذوقوه وتحبوه وتصيروا مثله!

لذلك كان الحرص شديدا على فتح محل (كوافير) نسائي بمجرد الدخول لكابول، هذا الغزو الثقافي مطلوب جدًا، احتفظوا بما تعتقدون أهمية الاحتفاظ به، ولكن تذوقوا طعم حضارة لم تحصنوا منها أنفسكم ولا أولادكم حتى تذوبوا في أوصالها جميعًا فلا تعرفون معروفًا ولا تنكرون منكرًا إلا معروفًا أمريكيًا أو منكرًا أوروبيًا!         


مروان عادل
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 0
  • 0
  • 1,495

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً