الحيوانات المنزلية بين القبول والرفض

منذ 2013-11-17

في مجتمعات البداوة والريف لا يُسأل الشخص: لماذا تقتني كلباً؟ لأنه يستخدمه في الحراسة اليومية لمنزل متهالِك البنيان، بسورٍ قصير وباب شبه مفتوح، لكن اليوم في مجتمعات المدينة البيوت أسوارها عالية، والأبواب لا يمكن فتحها إلا بآلات قاسية يصحو لفعلها الحي كله، ورغم ذلك، تجد بالبيت كلباً! لا صيد هنا ولا حراسة! تدخل إلى الداخل فتجد الطيور، أسماك الزينة، القطط...


بسم الله الرحمن الرحيم

في مجتمعات البداوة والريف لا يُسأل الشخص: لماذا تقتني كلباً؟ لأنه يستخدمه في الحراسة اليومية لمنزل متهالِك البنيان، بسورٍ قصير وباب شبه مفتوح، لكن اليوم في مجتمعات المدينة البيوت أسوارها عالية، والأبواب لا يمكن فتحها إلا بآلات قاسية يصحو لفعلها الحي كله، ورغم ذلك، تجد بالبيت كلباً! لا صيد هنا ولا حراسة! تدخل إلى الداخل فتجد الطيور، أسماك الزينة، القطط.


والسؤال الذي يطرح نفسه كيف يستقيم الوضع النفسي والاجتماعي والشرعي في هذه المسألة؟

بعضها الشرع لا يمنعه، لكن ربما العُرف والذوق الاجتماعي يمنع، والعكس عند البعض الآخر، بل بعضها قد يُجيزه الشرع ويُجيزه الذوق الاجتماعي، لكن الرأي الصحي والطبي يرفضه بشدة.

لكن أثناء البحث في إجابات هذه النقاشات، قد نجد أبناء من يربُّون بعض هذه الحيوانات في بيوتهم أكثر رحمة، أكثر جرأة وشجاعة، أكثر قابلية للتعاطي مع ظروف الحياة الاجتماعية والاقتصادية، أي أنك قد تجد النتائج قادتك لتُقِرَّ بإيجابيات عظيمة تثمرها تربية الحيوانات المنزلية على الأبناء خاصة، وما من نبي إلا ورعى الغنم.

أطباء يُحذِّرون:

تقول (د. سومة عمارة)، أخصائية الأمراض الباطنية والصدرية: "إن تربية الحيوانات المنزلية تسبب وتنقل كثيراً من الأمراض؛ فالقطط تسبب مرض "التوكسوبلازما"، كما أنها تتسبب في الإصابة ببعض الديدان عن طريق الأيدي الملوثة ببقايا براز القطة الذي على جسمها، ومن الأيدي تصل إلى الفم ثم الأمعاء. كذلك تنقل أنواعاً من البكتريا عن طريق فروها، الذي يسبب حساسية الصدر والأنف والجلد. وكذلك تنقل أمراض تساقط الشعر. أما عن الكلاب فبالإضافة إلى حرمة تربيتها -إلا في نطاق شرعي ضيق- فهي تسبب "داء الكلب" عن طريق العض".

ومن جانبه يقول (د. أحمد طلعت العدوي) مدير عام الأمراض المشتركة بالهيئة المصرية للخدمات البيطرية: "هناك أكثر من 200 مرض مشترَك ينتقل من الحيوان للإنسان ويهدد صحة الآدميين. في مقدمة هذه الأمراض: السل، أمراض الجهاز المعدي، البروسيلا، الكلب، السعال، الديدان الشريطية وحويصلاتها، الديدان الكبدية، الحمى المجهولة، القراع، أنفلونزا الطيور وأخيراً أنفلونزا الخنازير".

منافع تربوية:

يقول (د. عادل صادق) أستاذ الطب النفسي: "أجمع علماء النفس على أن الحيوانات الأليفة تساعد على البناء السليم لشخصية الطفل، فهي تساهم في تعلُّمِه العديد من الصفات الحسنة. فعندما يتولى الطفل الصغير مسئولية الحيوان، يعتني بمأكله ومشربة، فينمو لديه إحساس بالمسئولية تجاه الحيوان، كذلك اكتساب صفة الرحمة وحب الغير، وكذلك يتعلم النظام لأنه يُقدِّم لها الغذاء في أوقاتٍ معينة، بشرط أن يترك له الأبوان مسئولية رعاية الحيوان كاملة. كذلك هي مفيدة للكبار، حيث تقلل الشعور بالاكتئاب، وهو من أكثر الأمراض التي يتعرَّض لها الناس خلال هذه الأيام، خاصة كبار السن".

وبالنسبة لتربية القطط -مثلاً- لا يخلو الأمر من بعض النافع التربوية للأطفال منها:

1ـ  القطط من أنظف الحيوانات، فهي تقضي ساعات طوال تنظِّف نفسها، وهي بذلك تمثل أنموذجاً يُحتذى للنظافة العامة·

2ـ  في مراقبة أطفالنا لشيءٍ حي يتحرّك وينمو معرفة بقدرة الله تعالى وعظمة خلقه، فيتعلمون احترام الحياة وتوقير الخالق سبحانه وتعالى·

3ـ  في عناية أطفالنا بتغذية حيواناتهم ورعايتها تعلُّم للرحمة والمسؤولية، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عُذبت امرأة في هرة، حبستها حتى ماتت فدخلت فيها النار لا هي أطعمتها وسقتها، إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خَشاش الأرض» (متفق عليه)·

4ـ  الرفقة الجيدة ـمن خلال التعامل مع شيء حي يتحرّك- بعد قضاء أطفالنا لساعات طوال في المذاكرة والدرس أو أمام الكومبيوتر·

5ـ  يحفز وجود القطط دوافع التعلم والإبداع لدى أطفالنا، فهم يتعلمون منهم السلوك الاستكشافي عندما يدخل القط مكاناً جديداً -للمرة الأولى- فيتعرِف إليه ويستكشفه·

6ـ  مازال القط صائداً ماهراً للفئران يتعلم منه أطفالنا مهارة الصيد والاستعداد له·

7ـ  حتى حين يموت القط، فهو يُمهِّد نفسية الطفل لفقد عزيز عليه في قابل الأيام·

رأي الدين:

يقول (د. نور الدين مختار الخادمي): "في كثير من البيوت والديار والمنازل أصبحت البيوت بيوتاً للكلاب، تقيم فيها مع أهلها وساكنيها، وتتخذ منها سكناً ورزقاً حسناً، لهم حق الاقتيات والادخار، وحق التداوي والعلاج، وحق التربية والتعليم، وحق التأمين على الحياة والممتلكات، وحتى حق الدفاع والترافع لدى القضاء والعدالة والمحاكم، وبناء على هذا أصبحت -وأضحت وأمست- هذه البيوت مُسخَّرة للكلاب، لا الكلاب مُسخَّرة للبيوت، وأدّى هذا إلى ما أدّى إليه من تقهقر في العقيدة والحضارة والسلوك، ومن تبعثر لمنظومة القيم وسُلَّم الأولويات والمشكلات".

بحث علماء الفقه والمقاصد والأصول اتخاذ الكلب في نقاط متنوعة، ومن زوايا كثيرة؛ فقد تناولها الفقهاء على مستوى أحكامه الفقهية المتصلة بطهارته ونجاسته وولوغه وبيعه وشرائه وإتلافه وضمانه، وغير ذلك، مما هو مبسوط في مظانه من كتب الفقه والحديث وغيرهما.

أما علماء الأصول والمقاصد فقد تناولوا اتخاذ الكلاب أو قد يتناولونه على مستوى الأصول والمقاصد الشرعية المرعية التي يجب على المسلم رعايتها ومراعاتها والالتفات إليها، بغرض جلب المصالح والمنافع، ودفع المفاسد والمضار، وبقصد تحقيق مرضاة الله عز وجل والفوز بجناته والنجاة من غضبه وأليم عقابه.

فعلى هذا المستوى المقاصدي تكلم العلماء عن كون استعمال الكلاب ينبغي أن يكون موجهاً لجلب مصالح المستعمل ومنافعه في حياته ورزقه وماله وأمنه وعِرضه، ولذلك أبيح اتخاذ الكلاب للحرث والزرع والحراسة من الذئب ومن السارق والغاصب وقاطع الطريق والجناة والبغاة وسائر المخالفين والمعتدين.

كما تكلموا عن ضوابط ذلك وشروطه؛ فأكدوا على أن يكون هذا الاستعمال مُقدَّراً بقدرِه، وتدعو الحاجة إليه، وغير مفض إلى الوقوع في الرذائل والأدران والأوساخ، وغير مفوت لصحة العبادات والقربات والتعاملات والسلوكيات، كما تكلموا -تصريحاً وتلميحاً- عن الطابع التميزي للمسلم، وعن ترك الاتصاف بصفات الغير التي تجعله في حكم التشبه والتقليد والانتماء والولاء، ولذلك يتفرّع عن هذا لزوم ترك الكلاب المتخذة للتسلية والترفيه والتآلف وسدّ الحاجات العاطفية والروحية، وشغل النفس بسفاسف الأمور كما يمارسه الكثير من ذوي الحضارات المادية والنفعية والإباحية، وكما يعشقه العديد من أصحاب الحياء المخدوش والمروءة المنخرمة والالتزامية المهتزة أو الضائعة أو الغائبة.

فكم من كلبٍ ضيَّع دين صاحبه وفوت عليه صلواته وجمعاته وجماعته. وكم من كلبٍ حل محل الأقارب وذوي الأرحام والأصدقاء فمنعت زياراتهم ومواساتهم. وكم من صاحب كلبٍ أصبح على طريقة كلبه، نجاسةً وقذارةً وتلهثاً ودناءة، "فالمرء على دين خليله، ومن جاور العطار نال عطره".

والأسرة المسلمة الناهضة والواعية لا ينبغي أن تشذ عن هذا التوجيه الشرعي (فقهاً وأصولاً ومقاصد)، فلا يجوز لها أن تنشئ أفرادها على عشق الكلاب وثقافة الكلاب وحضارة الكلاب، ولو كان ذلك في أدنى صوره وتطبيقاته كتجميع الصور لأنواع الكلاب وتعليقها في الجدران والتسابق فيها، وغير ذلك مما يصرِف عن معالي الأمور وكبريات القضايا والالتزامات.

والأسرة المسلمة كذلك لا ينبغي لها أن تجافي وتعادي الاستعمالات المشروعة للكلاب المأذون في اتخاذها، ككلاب الصيد وكلاب الحرث والزرع وكلاب الحراسة، ولهم في ذلك النصوص الشرعية المبيحة، والقواعد والمقاصد الموجهة والمعللة والمصلحة، ولهم كذلك موقف الفقيه القيرواني المالكي (ابن أبي زيد القيرواني) الذي كان يتخذ كلباً للحراسة من اللصوص والسراق الذين ظهروا في عصره وبلده، وقد قيل له إن الإمام مالكاً كان يكره أو يمنع هذا، قال: "لو كان الإمام مالكاً حياً لاتخذ أسداً ضارياً".

اشتراطات صحية

- عند اتخاذ القرار بتربية حيوان داخل المنزل، يجب الانتباه أولاً إلى نقطة هامة وهي أن العدوى من الحيوانات الأليفة تشكّل خطراً على الأطفال والنساء الحوامل وكبار السن والأشخاص الذين يعانون من بعض أمراض الحساسية والربو، أو الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة كالمصابين بالسرطان. فإذا كانت داخل الأسرة أي من هذه الحالات، يُنصح بعدم اقتناء حيوان أليف.

- عندما نفكر في اقتناء الحيوان الأليف يفضل أن يكون من مصدر موثوق به.

- إعطاء الحيوان اللقاحات اللازمة للوقاية من الأمراض وأهمها مرض السُّعار.

- النظافة العامة للأولاد وغسل أيديهم جيداً بعد اللعب مع الحيوان الأليف وقبل الأكل·

- عدم غسل الحيوان الأليف في حمّام العائلة، وعدم السماح له بالشرب من مياه المرحاض.

- الرعاية الصحية الجيدة للحيوان، وعدم إعطائه لحوماً غير معروفة المصدر، والمسارعة باستشارة الطبيب البيطري متى ظهرت أعراض غير عادية على حيوانناً الأليف ومتابعة الطبيب دورياً.

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

خالد سعد النجار

كاتب وباحث مصري متميز

  • 9
  • 0
  • 35,904

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً