الحداثة والجمهور.. قطيعة وفجور

منذ 2013-11-23

إن قضايا الوطن العربي والتي تدفعه إلى التخلف والهمجية -من وجهة نظر الحداثيين والحداثيات- هي عدم اعترافه بالمثلية الجنسية، وعليه فنضال الأديب الحداثي هو تحطيم الطابوهات، وكسر دائرة الممنوع والمسكوت عنه، حتى يضع الوطن العربي قدمه في ركب الحضارة.

 

لم يلق مصطلح من مصطلحات الأدب والنقد من الغموض والإبهام مثلما لقي مصطلح الحداثة، لما له من الشمولية والعموم، مما حدا بالنقاد إلى الإجماع على أنه ليس هناك حداثة واحدة بل حداثات متعددة تختلف فيما بينها أكثر مما تتفق، مما يجعل لفظ الحداثة ينسحب على الشيء ونقيضه على حد تعبير د. عبد العزيز حمودة.

لهذا كان من أهم سمات الحداثة أنها نفيٌّ للنموذج ورفض للمثال، وبالتالي تأبى الحداثة المعيارية فتحارب الضوابط اللغوية والقواعد الفنية، وتسعى دوما إلى هدم الأنساق الثقافية واختراق الأجناس الأدبية، ومن هنا كانت الوسيلة الفضلى للحداثة التجريب بلا ضابط أو قيد. وهذا ما أوقع الحداثة عموماً والحداثة العربية على وجه الخصوص في إشكالية القطيعة مع الجمهور، فأصبح الحداثيون العرب يهيمون في وديان التجريب دون تقديم نموذج محدد الملامح، فما أن يستقر شكل من الأشكال التجريبية حتى يثوروا عليه ويدعوا إلى تجاوزه، فما أن ظهرت الرواية حتى تجاوزتها الحداثة إلى رواية اللارواية، وما أن تشكل الشعر الحر حتى هاجمته قصيدة النثر، وما تجلت الواقعية في الأدب حتى أزاحتها العبثية واللامعقول... إلخ.

هذا من ناحية الشكل الفني والجنس الأدبي، أما من حيث المضمون فالحداثة تقف موقف العدو من الحاضر والماضي، فتنظر إلى الحاضر نظرة ريبة وشك، في حين أنها تدعو إلى قطيعة جذرية مع التراث والماضي، فالحداثة كما يعرفها (تريلنج) هي العداء الكامل للحضارة. وعليه فهي كالمنبت لا أرضًا قطع ولا ظهرًا؛ أبقى فلا هي عبرت عن مشكلات الحاضر وهموم الواقع، ولا هي استلهمت أصالة التراث وعبق التاريخ، مما حدا بالقارئ العربي أن يجد النص الحداثي هلامي الشكل فارغ المضمون، لا يعبر عن واقع معاش، ولا يستدعي ماضٍ أصيل.

فمثلا الشاعر الحداثي لا يجد من المشكلات التي ترزح تحتها المرأة العربية سوى شبق المثلية الجنسية، وكأن المرأة العربية لا تعاني من أي مشاكل اجتماعية أو اقتصادية، فلا مشكلة في التعليم ولا ثمة أمية، فهي تعيش في رفاهية صحية، ولا تعاني من الأمراض، ولا تشتكي من الأزمات الاقتصادية وارتفاع العنوسة، بل مشكلتها الوحيدة أنها لا تستطيع أن تعبر عن شبقها الجنسي بحرية، نتيجة الجمود الفكري والتخلف الحضاري للمجتمعات العربية التي ترفض الاعتراف بعشقها لبنات جنسها، فكانت مهمة المرأة الحداثية ورسالتها التي تحملها في المجتمع العربي هي هدم هذا الطابوه العقيم.

 

مطرٌ.. مطرٌ.. وصديقتها معها، ولتشرين نواحُ
والباب تئنّ مفاصله ويعربد فيه المفتاحُ
شيءٌ بينهما.. يعرفه اثنان أنا والمصباحُ
وحكاية حبٍّ.. لا تحكى في الحب يموت الإيضاحُ
الحجرة فوضى فحليٌّ تُرمى.. وحرير ينزاحُ
ويغادر زرٌّ عروته بفتورٍ، فالليل صباحُ
الذئبة ترضع ذئبتها ويد تجتاح وتجتاحُ
ودثار فرَّ.. فواحدة تدنيه، وأخرى ترتاحُ
وحوار نهودٍ أربعةٍ تتهامس، والهمس مباحُ


ومن ثم فإن قضايا الوطن العربي والتي تدفعه إلى التخلف والهمجية -من وجهة نظر الحداثيين والحداثيات- هي عدم اعترافه بالمثلية الجنسية، وعليه فنضال الأديب الحداثي هو تحطيم الطابوهات، وكسر دائرة الممنوع والمسكوت عنه، حتى يضع الوطن العربي قدمه في ركب الحضارة.

وهذا نص مقتبس، من إحدى القصص التي تدافع عن هذه القضايا المحورية في الأدب الحداثي، ويجتمع عليها الرفقاء، وقد تحريت أن يكون النص خاليا من الوصف والتجسيد والتشخيص وكل علوم البلاغة الحداثية، التي تصف وتشف:

" ألهذه الدرجة أنتم متأخرون؟ تقولين أن أمك مثقفة وواعية جداً فما هذه الثقافة وما هذا الوعي؟ أقبَلُ بأن تقول لي أنني سحاقية، لكن أن تنعتني بالقذارة والمرض وبتلويث ابنتها فهذا ما لا أسمح به إطلاقاً".

هذا التخريب الفكري والتجريب اللافني أدى إلى قطيعة حتمية بين جمهور يعاني من مشكلات الواقع، ويحتاج إلى متنفس يعبر عن آلامه وآماله فيتفاعل معه، إلا إنه في أدب الحداثة يصطدم هذا الجمهور المغلوب على أمره بأدب اللأدب والذي يتنافى مع ذوقه السليم، ويفتقد إلى أبجديات جماليات النص العربي.
 

 

هاني إسماعيل محمد
 

  • 0
  • 0
  • 2,322
  • Ragab Elmasry

      منذ
    أستاذى العزيز ان العولمة من اهم اهدافها هى تصغير مساحة العالم حتى يصبح قرية واحدة صغيرة ولكن مع هذا الهدف تضع نفسها فى ابشع ملامحها فى تقوية الفروق بين المجتمعات الامر الذى انعكس على مجتمعنا العربى بشكل مباشر بحت حيث عزلت النخبة بكل ما تحتوتيه من ادباء وناقدين واعلاميين وسياسيين وعزلوا أنفسهم بعيدا عن الواقع وانشغلوا بتكثيف الضوء على مشاكل تهم الغرب تلمعهم فى الغرب وليس ما يشغل هموم الوطن بالفعل لكنهم يريدون ان يثبتوا للغرب انهم قادرون على تغيير المفاهيم للحداثة الغربية ومن بندوها الثقافة الجنسية وذلك الاقتتال من اجل نشر الثقافة الجنسية فى المدارس وادماج كل ما هو جنسى فى احاديثنا وفى خلال اغلب الروايات المعروضة للنشر ولكن من جهة اخرى فى الواقع نجد انفسنا من كثرة الهموم ابتعدنا عن مطالبنا الاساسية وهمومنا المشتركة وتناقشنا فى القشور وتنافسنا فى التوافه ولعلها من اهم الامثلة على ذلك برامج المواهب كمثل ارب ايدول واكس فكتور وارب جود تلنت وما يمثلونه من تطبيق غربى واضح فى المحتوى والشكل وما تفرضه على اجيال الشباب من اشكال موسيقى غربية واساليب حياة غربية ..... الخ خلاصة القول ان اهم مبادئ الحداثة العربية لابد ان تكون نابعة من انفسنا لادماج تقاليدنا العربية بجوار منجزات العصر العلمية والاجتماعية والمتغيرات السياسية فى سبيل تطوير وتقدم عربى نحو احتلال قيادة الامم

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً