رسالة إلى كل عاقٍّ لوالديه

عبد الله بن علي بصفر

يسب الرجل أباه ثم يأتي ليصلي ويقف بين الله تبارك وتعالى ويسب أمه ثم يخرج من بيته يريد أن يتصدق ويريد أن يساعد المسلمين فلا شك إنه غافل عن أن الله تبارك وتعالى، يطالبنا بأن نأخذ الدين بأكمله لا أن نقطعه أوصالا ونعمل بجانب من الإسلام ونترك جانبا منه، وإنما ينبغي على كل مسلم أن يأخذ الإسلام جملة واحدة.

  • التصنيفات: الأدب مع الوالدين -

 

عقوق الوالدين وضعها علماء الإسلام في كتب الكبائر، وضمُّوها جنباً إلى جنب مع الشرك بالله تبارك وتعالى وشرب الخمر والزنا والربا؛ لذلك كان جديراً بنا أن نفرد الحديث عن عقوق الوالدين، فإنه من الكبائر كما ذكرنا، ويؤكِّد ذلك من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر، ألا أنبئكم بأكبر الكبائر (ثلاثاً): الإشراك بالله وعقوق الوالدين» (البخاري: 2645). أما الإشراك بالله تبارك وتعالى فإن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، ونحن نعلم مكانة الشرك عند الله تبارك وتعالى، وكيف إنها تقذف بصاحبها -دون توبة ودون عودة- إلى النار.

ويقترن بها في هذا الحديث عقوق الوالدين وكما ذكر سبحانه وتعالى إنه قرن بين عبادة الله تبارك وتعالى وبر الوالدين حيث قال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23] جمع بين البر بالوالدين وتوحيد الله تبارك وتعالى. وهنا في العقوق والعقوبة جمع بين عقوقهما والإشراك بالله تبارك وتعالى والعياذ بالله من ذلك، ثم إن عاق والديه ملعون على لسان رسول الله، وأما كلمة ملعون أي: مطرود من رحمة الله تبارك وتعالى، ومن طرده الله من رحمته فليس له جزاء إلا جهنم والعياذ بالله من ذلك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: لعن الله سبعة من فوق سبع سماوات وذكر منها «ملعون من عمل عمل قوم لوط ملعون من ذبح لغير الله تبارك وتعالى، ملعون من عق والديه» (صحيح الترغيب: 2516)، وقال أيضاً: لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من غير تخوم الأرض أي من غير علامات الأرض في حدودها حتى يوسع أرضه، ولعن الله تبارك وتعالى من سب والديه، والعاق لا يقبل الله تبارك وتعالى عملاً من أعماله الصالحة، أي لا يقبل منه فريضة ولا نافلة ولا صلاة منه ولا يقبل منه حجاًّ.

وأُوجه حديثي هذا للذين يريدون أن يلتزموا بدين الله تبارك وتعالى. إذ إن الالتزام ليس هو أداء الفروض والنوافل فقط، فإن هناك حقوقاً لعباد الله منها حقوق الوالدين، من تركها لم يقبل منه الله تبارك وتعالى شيئا من ذلك لما روي عن رسول الله أن ثلاثة لا يقبل الله منهم صرفاً ولا عدلاً وذكر منهم العاق، وهو أولهم جميعاً، وفي رواية: ثلاثة لا ينفع معهن عمل صالح (عملا يقترب به من الله تبارك وتعالى) الشرك بالله وعقوق الوالدين والفرار من يوم الزحف. يسب الرجل أباه ثم يأتي ليصلي ويقف بين الله تبارك وتعالى ويسب أمه ثم يخرج من بيته يريد أن يتصدق ويريد أن يساعد المسلمين فلا شك إنه غافل عن أن الله تبارك وتعالى، يطالبنا بأن نأخذ الدين بأكمله لا أن نقطعه أوصالا ونعمل بجانب من الإسلام ونترك جانبا منه، وإنما ينبغي على كل مسلم أن يأخذ الإسلام جملة واحدة.

ثم إن الله تبارك وتعالى جعل عقوبة عاق الوالدين في الدنيا كما أنه يعاقبه يوم القيامة فإنه تبارك وتعالى يعجل له العقوبة في هذه الحياة الدنيا كما لأنه يعاقبه يوم القيامة فإنه تبارك وتعالى يعجل له العقوبة في هذه الحياة الدنيا، فعن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل الذنوب يؤخر الله عز وجل عقوبتهما إلى يوم القيامة، أما العاق لوالديه فقد عجل تبارك وتعالى له العقوبة في الحياة الدنيا وأجزله مثلها إلى يوم القيامة، ثم إن الله تبارك وتعالى حرم عقوق الوالدين وإن ظلما أبناءهما، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصبح مطيعاً لله في والديه أصبح له بابان مفتوحان من الجنة، وإن كان واحداً فواحداً»؛ أي إن كان له أب أو أم فقط فتح الله له باباً إلى الجنة إن كان قد أصبح وهو طائع لهما بار بهما، «ومن أمسى عاصياً لله تعالى في والديه أصبح له بابان من النار وإن كان واحداً فواحداً». قال رجل من الصحابة: وإن ظلماه يا رسول الله، قال: «وإن ظلماه وإن ظلماه وإن ظلماه» (ضعفه الألباني في السلسلة الضعيف برقم: 6271). فيجب عليك أخي المسلم ألا تعقهما.

ومن العقوق أن تحزنهما وتظهر الغضب لهما وتتسبب في بكائهما، فعن أبي علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحزن والديه فقد عقَّهما وأحزنهما» (ضعفه الألباني في ضعيف الجامع: 5353)؛ أي أدخل في الغضب والضجر والملل إلى نفسيهما، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "بكاء الوالدين من العقوق"؛ أي من تسبب في بكائهما فإنه يكون عاقاًّ لهما.
 

المصدر: جريدة عكاظ السعودية