ضبط غريزة حب التملّك عند الأطفال

منذ 2014-04-16

مدار تهذيب اﻷطفال يقوم على التربية الأسرية الناجحة القائمة على القدوة الحسنة والتلقي الجيد نظريًّا وعمليًّا، فلا يستطيع الطفل بدون التربية والتوجيه أنْ يضبط رغباته الجامحة نحو امتلاك الأشياء.

زيَّن الله في نفوس البشر من مختلف الطيبات التي أحلها لهم، فقال سبحانه مبينًا ذلك: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ‌ الْمُقَنطَرَ‌ةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْ‌ثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّـهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران:14]، مما يدل على أن حب هذه الشهوات والملذات زُيِّن في النفوس ورُكِّبَ فيها، ولا مجال لانتزاعه منها، وتلعب البيئة وأساليب التربية دورًا كبيرًا في تقوية حبّ التملُّك وتنميته أو تضعيفه وتخفيف حِدّته.

وهذا الميل الفطري في نفس الإنسان إنْ لم يُهَذَّب ويُحَدّ بحدود واضحة أصبح مؤذنًا بالخطر والانحراف، فلربما تمنَّى الإنسان ملك كل شيء، وانطلق في ذلك يبتلع من كل صَوْبٍ حقًّا وباطلًا دون ما عقلٍ أو رَوِيّة، ولهذا المعنى يشير النبي صلى الله عليه وسلم محذِّرًا من الاسترسال وراء هذه الرغبة النفسية الجامحة، فيقول: «لو كان لابن آدم واديان من ذَهَبٍ لتمنَّى لهما ثالثًا، ولا يملأ جوفَ ابنِ آدم إلا التراب» (رواه البخاري [6439]، ومسلم [1050])، فالحديث يؤكد أنّ الاندفاع وراء محاولة إشباع هذه الرغبة لن يصل إلى إشباعها حقيقةً، ولكن ستظل هذه الرغبة تزيد وتتنامى داخل النفس إلى أنْ يصل ابنُ آدم إلى قبره، فيمتلئ جوفَه بالتراب.

ومدار التهذيب لهذه الغريزة الفطرية يقوم على التربية الأسرية الناجحة القائمة على القدوة الحسنة والتلقي الجيد نظريًّا وعمليًّا، فالولد الصغير في بداية نشأته -خاصةً دون السادسة- لا يُمَيِّز بين ما هو له وما هو لغيره، فتراه يندفع يطلب كل ما ترغب فيه نفسه، فيأخذ لعبة هذا، ويطالب بثوب أخيه زاعمًا أنه ثوبه، وربما وَجَدَ قطعةً نقدية على الأرض، فأخذها ونَسَبَها لنفسه، فلا يستطيع الطفل بدون التربية والتوجيه أنْ يضبط رغباته الجامحة نحو امتلاك الأشياء.

وذلك بالتركيز على الجوانب الآتية:

1-يبدأ الوالدان في تأصيل مبدأ تحديد الملكيات لدى طفلهما بتحديد ملكياته أولًا، ليعرف ما له من أشياء وما لغيره من ممتلكات فيحترمها ولا يعتدي عليها، ويُحَفَّظ حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحِلُّ لامرئٍ أنْ يأخُذَ عصا أخيه بغيرِ طِيبِ نفسٍ منه» (رواه ابن حبان [3714])، أو كما قال صلى الله عليه وسلم. كما يَمنحُ الوالدان طفلَهما صلاحيات التصرُّف في أشيائه الخاصة كيف يشاء، ويُفضّل أنْ تكون تلك الممتلكات في حجرته الخاصة أو في خزانةٍ تخصّه وحده.

فإنْ حَدَثَ بعد ذلك أنْ تعدَّى أحد إخوته على ممتلكاته، وحاول أنْ يأخذ منها شيئًا، فبَرَزَ له الولد ومنعه، فإنَّ ذلك التصرُّف وَرَدَّ الفعلِ يكون دليلًا على أنه قد علم وفَهَمَ حدود ممتلكاته الخاصة، وأنَّ ذلك يعني أنه ليس لأحدٍ أنْ يأخذ منها شيئًا إلا بإذنه وموافقته، فإنْ حاول هو نفسه أنْ يتعدى على خصوصيات أحدِ إخوتِهِ فمُنِعَ، كان ذلك الموقف درسًا عمليًّا يدرك منه الطفل حدودَ ممتلكات غيره أيضًا، ويعلم أنه ليس له حق في ممتلكات غيره.

ويساعد في تأصيل هذا المبدأ ألا تكون ألعاب الأبناء مشاعة لا يَعْرِف كلٌّ منهم ما له وما ليس له، ولكن كلٌّ يعرف لعبته، ويشتركون جميعًا في اللعب بها مع الاحتفاظ لكل منهم بملكية لعبته.

2-لابدّ مِن إشباع رغبة الولد في تملُّك النقود، بأنْ يعطيه المصروف اليومي أو الأسبوعي، على أنْ يُوجِّهه لأفضل طرق الإنفاق، ويفسح له في شراء بعض ما يحب من ألعاب وحلوى أو غير ذلك، فإنَّ ذلك يعني الكثير من القيم الإيجابية بالنسبة له، من الشعور بالملكية الخاصة، والقدرة على التصرُّف في حدودها، إلى تنمية مَلَكات التدبير والتوفير والادخار والكرم والعطاء للغير، كما أنَّ ذلك مِن شأنه أنْ يجعل الطفل لا يتطلع لممتلكات الآخرين.

3-لا بأس أنْ يُعطَى الولد فرصة للادخار، وجمع بعض المال، ولكن نوضِّح له الفرق بين الادخار المحمود والشح المذموم، ثم يُسمَح له باستغلال بعض ما جمع في شراء ممتلكات جديدة، فيُشبِع بذلك رغبته الفطرية في حبِّ التملُّك.

4-توضيح المعنى الحقيقي للغِنَى، وإبرازه في ذهن الولد مع التلقين والتكرار، ذلك المعنى الذي وضّحه النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه: «ليس الغنى عن كثرة العرض، إنما الغنى غنى النفس» (رواه البخاري [6446]، ومسلم[1051])، وذلك أنَّ المندفع وراء حبِّ التملك بدون عقل ولا رَوِيّة، لن يشعر بالغنى والاكتفاء مهما جمع، بل سيظل يطلب المزيد بلا حدود، فهو في حقيقة الأمر فقير مع كثرة ما يملك، أما مَنْ رضي بما قسمه الله له عاملًا وآخذًا بأسباب الرزق في غير تكلُّف وحِرْصٍ، فإنَّ قلبه يمتلئ بالغنى والاطمئنان.

وأخيرًا..

نؤكد أنَّ غَرْس الصورة الصحيحة للملكية، مثلها مثل أي قيمة طيبة يعتمد على توفُّر القدوة الحسنة الثابتة على المبدأ الذي تدعو إليه، أمام ناظري الطفل حتى يعيها عقله، وتتشربها نفسُه، ومِنْ ثَمَّ يتخلّق بها، ويَثبُت عليها طوال حياته.

 

Editorial notes: المقال بتصرف يسير.
المصدر: موقع مفكرة الإسلام.
  • 0
  • 0
  • 8,746

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً