(رايح لأُمّي)!

منذ 2014-04-20

كان مؤذِّن مسجدنا.. على مشارف السبعين من عمره.. فوجئتُ به يومًا يسعى في الطريق معتمِدًا على عُكَّازِه مواريًا في كُمِّه كيس فاكهة.. سألته مُلاطِفًا: "على فين يا عم الحاج؟!".

تجاعيد السنين اختفت فجأة من وجهه، وعُكَّازِه خفَّ ثقلها فعادت عصا شابٍ لا يتوكّأ عليها، بل له فيها مآرب أخرى..

أجابني بنظرةٍ صافيةٍ بارَّة: "رايح لأمي"!

تركته يمضي.. وأنا أُتابِع خطواته المشتاقة للبيت الوحيد الذي ما زال يُشعِره أنه صغير..! للحضن الوحيد الذي يضمّه كطفل غير عابئ برأسٍ ولحيةٍ اشتعلتا شيبًا.. إنه "ابن بطنها" وسيظل!

بضعة أشهر مرَّت! وإذا بي أمشي في جنازة أُمّه.. رأيته بعد الدفن مُسنِدًا ظهره لقبرها يبكي كطفل ضاقت به الدنيا لا يدري أي حضن يأوي إليه بعد أُمّه!

ثقُلَت حركته مُذْ ماتت.. صوته بالأذان صار مُختنِقًا.. دبَّت الشيخوخة فيه كما لم تكن!

تظل صغيرًا -مهما كَبرت- ما دمت بحضور أُمّك.. فإذا فقدتها فقد هَرِمتَ فجأةً..!

كل حضن بعد حضنها سيُشعِرك -ولا بد- أنك لم تعُد هذا الصغير!

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

محمد عطية

كاتب مصري

  • 5
  • 0
  • 1,045

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً