دلالات في مشي النبي (3)

منذ 2014-04-21

دلالة الجلال والشرف والتوكل

الجلال والشرف والتوكل:
ولِم لا؟ وقد كان سيد ولد آدم، فاصطفى الله تعالى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفى نبينا صلى الله عليه وسلم من بني هاشم. وفي وصف أم معبد في أثناء هجرته صلى الله عليه وسلم حين مرّ على خيمتها جملة حدَّثت بها زوجها لم تكن لتخطئه صلى الله عليه وسلم وذلك في قولها: "محفود محشود".

المعنى اللغوي: يقال (محفود أي مخدوم، والحفدة الخدم؛ قال الله جل وعز: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النحل: من الآية 72]، يقول: "هم بنون وهم خدم، ويقال في دعاء الوتر: "وإليك نسعى ونَحفِد"، يريد بـ"نحفد" نبادر، وقولها "محشود": هو من قولك أحشدت لفلان في كذا إذا أردت أنك أعددت له وجمعت له) [1].

المعنى الدلالي: من العجيب حقا أن تستشعر هذه الأعرابية هاتين الصفتين بهذه الطريقة في تلك اللحظات تحديدًا، فالأحرى -لكي نكون منصفين في تصوير وصفها- أن نقول: محفود بلا خدم محشود بلا حشد، بل إن قاصر النظر يرى أنه كان الحشد عليه صلى الله عليه وسلم بجائزة مادية قدرها مائة ناقة لمن يعثر عليه ويسلمه لقريش، فأي حشد توسمته هذه الأعرابية النجيبة وأي حفد استشعرت به تلك الأريبة؟!!

فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في هذه اللحظات مهاجرًا من مكة إلى المدينة مع الصديق رضي الله عنه، حاله حال الطريد -إن تكلمنا على ظاهر الحال- الذي يخشى عواقب صناديد قريش وما يدبرونه له من مكايد، ومَنْ في مثل حاله صلى الله عليه وسلم قد تحفه مشاعر التخفي والتحرز من الآخر والترصد والترقب لكل ما حوله، لكن هذا الوصف المفترض لم يكن يرافقه وتلك المشاعر لم تكن تنتابه صلى الله عليه وسلم رغم كونها أصعب اللحظات التي يمكن أن يلاقيها بشر في سفره، بل رأينا توكله على الله عز وجل حتى في حلب شاة أم معبد الهزيلة العجفاء.

إن هذا الوصف يثبت لنا شرفه وجلاله وبهاءه صلى الله عليه وسلم، ويثبت لنا بديهة صفاته وانسيابها قلبا وقالبا، قولا وعملا بلا تكلف صلى الله عليه وسلم ليكون خلقه القرآن.

وفي الختام أقول: الحديث عن دلالات مشيه صلى الله عليه وسلم لا ينتهي إلا أن الأسطر تكتظ بالكلمات بقصد الاختصار، وهذا الحديث يبقى كدلالات لنا لنتعلم منه ونقتفي أثره، وإلا فالنبي صلى الله عليه وسلم غني عن المدح وسوق الأدلة، ولا يزيد المصباحُ ضوءَ الشمس نورًا.

رحاب حسّان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] غريب الحديث لابن قتيبة.          

المصدر: فريق عمل طريق الإسلام
  • 1
  • 1
  • 1,483

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً