كيف تنهار الدول؟

منذ 2014-04-23

إذا انتشر الظلم في بلدٍ وشاع فيه الفساد، وقال كل مَن سمع وشاهد هذا الظلم والفساد: ما لي ولهذا؟، وانشغل بنفسه فحسب، في مثل هذه الحال يكون الاضمحلال قدَرًا مكتوبًا على الدولة لا مفر منه أبدًا.

كان عهد السلطان سليمان القانوني -في رأي معظم المؤرخين- هو العهد الذهبي للدولة العثمانية؛ فقد اتسعت حدود الدولة وفُتحت بلدان وأمصار عديدة في هذا العهد، وعمَّ الرخاء والرفاه جميع أنحاء المملكة.

ولكن السلطان سليمان كان يعلم مِن استعراض التاريخ أن كل دولة قوية لابد أن تضعف وتدبّ فيها عوامل الضعف والانحلال؛ إذ لكل أمة أجل، فهل سيكون هذا هو مصير الدولة العثمانية أيضًا؟ أليس هناك مِن مَهْرب من هذا المصير؟ بدأت هذه الأسئلة بإشغال فِكره عدة أيام يحاول أن يجد لها جوابًا.

وعندما طال تفكيره وحيرته؛ قرر طرح هذا السؤال وهذا الموضوع على العالِم المشهور يحيى أفندي، الذي كان في الوقت نفسه أخاه من الرضاعة؛ لذا كتب له رسالة ضمَّنها سؤاله.

كان هذا العالم يقيم في تكية في منطقة "بَشِكتاش" في "إسطنبول"، فكتب إليه يقول بعد الديباجة الاعتيادية: "أنتم مُلِمون بمعرفة العديد من الأسرار؛ لذا نرجو منكم أن تتلطفوا علينا وتُعلمونا متى تنهدم الدول؟ وما عاقبة الدولة العثمانية ومصيرها؟".

كان جواب يحيى أفندي جوابًا قصيرًا ومحيِّرًا في الوقت نفسه، حيث قال: "ما  لي ولهذا أيها السلطان؟! ما  لي أنا؟".

تعجَّب السلطان سليمان من هذا الجواب وتحيَّر. أيوجد في هذا الجواب معنى سرِّيّ لم يفهمه؟ ولم يجد حلًّا سوى الذهاب بنفسه إلى يحيى أفندي في تكيّته، وهناك كرَّر السؤال نفسه، وأضاف في لهجة يشوبها العتاب: "أرجو منك يا أخي أنْ تجيب على سؤالي، وأن تعدّ الموضوع جديًَّا، وخبِّرني ماذا قصدتَ من جوابك؟".

قال يحيى أفندي: "أيها السلطان، إذا انتشر الظلم في بلدٍ وشاع فيه الفساد، وقال كل مَن سمع وشاهد هذا الظلم والفساد: ما لي ولهذا؟، وانشغل بنفسه فحسب...وإذا كان الرعاة هم الذين يفترسون الغنم، وسكت مَن سمع بهذا وعرفه...وإذا ارتفع صراخ الفقراء والمحتاجين والمساكين وبكاؤهم إلى السماء، ولم يسمعه سوى الشجر والمدر...عند ذاك ستلوح نهاية الدولة.

وفي مثل هذه الحال تفرغ خزينة الدولة، وتهتزُّ ثقة الشعب واحترامهم للدولة، ويتقلَّص شعور الطاعة لها، وهكذا يكون الاضمحلال قدَرًا مكتوبًا على الدولة لا مفر منه أبدًا".

 

أورخان محمد علي.

  • 27
  • 0
  • 2,900

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً