انحرافات الأمة في القرون المتأخرة

منذ 2014-08-30

أصيبت الأمة الإسلامية في القرون المتأخرة في أعز ما تملك وهو دينها ومنهجها الرباني الذي لا قيام لها إلا به فتناولتها معاول الهدم والتخريب حتى أصبح الناس يخرجون من دين الله أفواجًا كما كانوا يدخلونه أفواجًا

أصيبت الأمة الإسلامية في القرون المتأخرة في أعز ما تملك وهو دينها ومنهجها الرباني الذي لا قيام لها إلا به فتناولتها معاول الهدم والتخريب حتى أصبح الناس يخرجون من دين الله أفواجًا كما كانوا يدخلونه أفواجًا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وفي عهد صحابته الكرام رضي الله عنهم أجمعين. وهذه المصيبة العظيمة ناتجة عن أمرين عظيمين:

الأمر الأول: انحراف الأمة الداخلي

بدأ الانحراف في الأمة الإسلامية مبكرًا ثم بدأ يتسع حتى وصل إلى الحال التي هو عليها الآن. ويمكن تلخيص أهم تلك الانحرافات فيما يلي:

1- كانت الدولة الإسلامية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام تحتكم إلى كتاب الله وسنة رسوله في كل شؤون الحياة وكان حكم الله يجري على الحاكم والمحكوم سواء، وكان الناس يتلقون أوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم للتنفيذ لا للمعرفة الذهنية فقط ولا للاحتيال عليها لإسقاطها. ثم بدأ التساهل في تطبيق بعض أحكام الله واستمر هذا الانحراف يتسع أحيانًا ويضيق أحيانًا حتى بلغ أقصى مداه في العصور المتأخرة وحتى أصبحت القوانين الوضعية التي يضعها البشر بأهوائهم يتحاكم إليها كثير من المسلمين عند التنازع.

2- كان حكم الدولة الإسلامية في أيدي علماء الأمة الأتقياء أمثال أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية رضي الله عنهم أجمعين. ثم بدأ الانحراف وصار يتولى حكم المسلمين من ينقصه الفقه في دين الله والورع عن المحرمات في أغلب الأحيان بل لقد نزا على حكم المسلمين في فترات ليست قصيرة مبتدعة يدعون إلى بدعتهم كبدعة الاعتزال في المأمون والمعتصم وكبدعة الرفض في الدولة الصفوية؛ بل وحتى زنادقة كالعبيديين، واستمر هذا الانحراف حتى صار يحكم المسلمين في القرون المتأخرة كثيرٌ من العلمانيين والماسونيين والقوميين والبعثيين والحداثيين.

3- بعد أن كان الجهاد مستمرًا وبلاد الكفار تدخل في دين الله تباعًا وتنعم بتطبيق حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم عليها. أصبح قتال المسلمين لأجل الملك لا للجهاد واستمر الانحراف حتى صار بعض أمراء المسلمين يستعينون بالكفار في قتال بعضهم بعضًا لأجل شهوة الدنيا ومتاعها كما حدث في الأندلس وغيرها من بقاع المسلمين.

4- بعد أن كانت العقيدة صافية نقية لا تتلقى إلا من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أصبحت تتلقى من كتب فلاسفة اليونان الوثنيين المترجمة ومن آراء الرجال ونظرياتهم ومن العقول البشرية القاصرة عن معرفة الحق كاملًا فحدثت في الأمة الإسلامية البدع العظيمة كبدعة الخوارج وبدعة القدرية وبدعة الروافض وبدعة الصوفية وبدعة الجهمية وبدعة المعتزلة ونحو ذلك واستمر هذا الانحراف في الأمة يفتت وحدتها ويضعف قوتها ويفسد عقيدتها ويجعلها مرتعًا خصبًا للبدعيات والشركيات.

 

الأمر الثاني:

استيلاء الكفار على بلاد المسلمين بالقوة العسكرية المصحوبة بالغزو الفكري فنحّوا ما تبقى من شريعة الله عن الحكم وصارت البلاد المستعمرة تحكم بقوانين الكفار الوضعية وغيّرت مناهج التعليم ووسائل الإعلام المتلفة وصيغت على نحو يجتث العقيدة الإسلامية من أساسها فاختلط الحابل بالنابل وفقد المسلمون أعز ما يملكون وهو العقيدة الصحيحة وأصبح يطلق على الرجل اسم الإسلام لأنه يقول لا إله إلا الله فقط ولو كان لا يصلي ولا يزكي ولا يحكّم شرع الله في أغلب شؤونه؛ بل قد يكون منتسبًا إلى حزب شيوعي يرى الشيوعية أصلح من الإسلام ويجاهد بكل ما أوتي من قوة لإحلال المذهب الشيوعي محل الإسلام أو منتسبًا إلى حزب قومي يرى التجمع تحت راية القومية خيرًا من التجمع تحت راية لا إله إلا الله. وانتشرت من جراء الغزو الفكري والعسكري في أبناء المسلمين المفاهيم العلمانية التي تجعل الدين مسألة شخصية يمارسه الإنسان بينه وبين ربه.

أما واقع الحياة فتحكمه أنظمة وقوانين من وضع البشر بآرائهم وأهوائهم لا تعتمد على كتاب الله ولا على سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وظهرت الدعوة إلى الإنسانية الواحدة وأبرزت على أنها الهدف النبيل السامي الذي يجب أن تسعى له البشرية بكاملها وجُعلت عوضًا عن التقرب إلى الله والمراد منها أن لا يكون هناك تمايز بين المسلمين والكفار بل يعيش البشر بعضهم مع بعض سواسية مختلطين لا يكدر صفو عيشهم ولهوهم حروب دينية ولا يوجد بينهم بغضاء بسبب العقيدة بل يعتبر الإنسانيون الحرب من أجل إظهار المعتقد أو نشره جريمة يعاقب عليها القانون.. وأصبحنا نرى أناسًا من المسلمين وقد يطلق عليهم علماء يستحون أن يذكروا آيات الجهاد وأحاديثه أمام أصدقائهم من الكفار ويستحون من ذكر الآيات والأحاديث الآمرة ببغض الكفار والبراءة منهم وتحمرُّ وجوههم خجلًا من ذكر أحكام الجزية والاسترقاق وقتل الأسرى.. ويودون لو محوا تلك الآيات والأحاديث من القرآن والسنة حتى لا ينتقدهم العالم (المتحضر!!)

وإذ لم يستطيعوا ذلك لأن الله قد حفظ دينه {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] فإنهم قد قاموا بما يستطيعون فأوّلوا تلك الآيات والأحاديث تأويلات تشبه تأويلات الباطنية في أكثر الأحيان ودفعهم إلى تلك التأويلات أعداء الله (الموسومون بالمستشرقين) بما يحرجونهم به من انتقادات حادة حينًا وبما يفتحونه لهم من باب التأويلات الباطلة أحيانًا ونتيجة لذلك لا يكاد المرء يسمع الآن إلا رنين العبارات الآتية: السلام العالمي.. التعايش السلمي.. الحدود الآمنة.. المجتمع الدولي المستقر البعيد عن ويلات الحروب..

وإن كان هناك حروب فلا يسمح أن تكون لله ولا لإعلاء كلمة الله وخفض كلمة الكفر ولا لإنقاذ المستضعفين في الأرض، وإنما تكون لأجل الوطن ولأجل القومية ولأجل المصالح الاقتصادية ولأجل حفظ التوازن الدولي ونحو ذلك، وإن كان هناك طائفة تريد أن تكون حربها لإعلاء كلمة الله وخفض كلمة الكفر فإنه تنهال عليها عبارات الشتم والتنفير. انظروا إنهم متطرفون.. أعداء السلام.. متزمتون يرون نشر الدين بالعنف.. مصاصون للدماء.. يريدون القضاء على حضارة القرن العشرين..

 

هذا المقال مقتبس من كتاب: (أهمية الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية والرد على الطوائف الضالة فيه) للدكتور علي بن نفيع العلياني حفظه الله.

محمد المصري

معلم وباحث إسلامي مهتم بالقضايا التربوية والاجتماعية ،وله عديد من الدراسات في مجال الشريعة والعقيدة والتربية الإسلامية.

  • 7
  • 2
  • 5,839

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً