هل نحن بحاجة إلى هيئة إنقاذ؟!

منذ 2015-03-09

في خضمّ الأحداث والمآسي التي يعيشها المسلمون، تكثر التساؤلات عن الأسباب التي أدّت بهم إلى ما هم فيه، وتكثر الحلول المقترحة للإنقاذ، ومن هذه المقترحات: دعوة إلى تشكيل (هيئة إنقاذ)، يعرضها كاتب هذه السطور، وهو يتساءَل: تُرى هل تجدي؟

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

في خضمّ الأحداث والمآسي التي يعيشها المسلمون، تكثر التساؤلات عن الأسباب التي أدّت بهم إلى ما هم فيه، وتكثر الحلول المقترحة للإنقاذ، ومن هذه المقترحات: دعوة إلى تشكيل (هيئة إنقاذ)، يعرضها كاتب هذه السطور، وهو يتساءَل: تُرى هل تجدي؟

ممّن تتكون هذه الهيئة؟

تتكون من مجموعةٌ من المخلصين الأكفياء الأقوياء، المؤمنين بالفكرة، وتكون تخصصاتهم في الميادين الآتية:
1- التاريخ: قرؤوه، وفقهوه، وتعلموا منه العبر، وقوانين نموّ المجتمعات وانحدارها، وسُننَ ارتفاع الحضارات وانهيارها، وأسبابَ انتصار الأمم وانكسارها، ولم يقتصروا على التاريخ السياسي، بل درسوا ووعوا التاريخ الاجتماعي، والتاريخ الاقتصادي، وغيرهما...

وبما أن كاتب هذه السطور ليس من (طلاب التاريخ)، فلا يعرف إلا كتابين جيدين يضربهما مثلاً لما ينبغي أن يستفاد منه من الكتب، وهما:
(مقدّمة ابن خلدون)، و(كتاب السّنن النفسية لتطور الأمم)، للمؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون، وله ترجمتان جيدتان باللغة العربية.

ودراسة التاريخ الحديث مهمة جداً لأن الأمم التي نعيش معها لا تزال صلتها به مستمرة، ورحم الله من قال:

ومن وعى التاريخ في صدرهِ***أضاف أعماراً إلى عمرهِ

2- علم الاجتماع: وهو يُعنى بدراسة المجتمعات، والأفراد، والمؤسسات التي تشكّل المجتمع، والمشكلات الاجتماعية: أسبابها وحلوها، وما إلى ذلك مما يعرفه المتخصّصون. وأهمية هذا العلم في هذا المقام تأتي من ضرورة معرفة المجتمع الذي نريد له أن: يتعلم، ويتقدم، وينمو، ويزدهر... إذ كيف يعالج طبيبٌ مريضاً لا يعرف عن حاله شيئاً؟!

3- علم النفس: وهو يدرس -من جملة ما يدرس- سلوك الناس، وأسرار تصرفاتهم، وطرائق تفكيرهم. وأخصّ منه بالذكر: (علم النفس الاجتماعي)، الذي يُعنى بدراسة الأسس النفسية لعلاقات الناس بعضهم ببعض، ودراسة عمليات مهمة عديدة، منها: الاتصال، والتعاون، والتنافس، واتخاذ القرار، والزعامة، وتغيير المواقف... إلخ.

وقد يستفاد من علم الاجتماع التربوي الذي يعتني بدراسة طرق نقل المؤسسات التربوية للاتجاهات الثقافية في المجتمع، وعلم الاجتماع السياسي، وعلم اللغة الاجتماعي.

4- علم التربية الإسلامية: الذي يقدّم أفضل ما يمكن أن يصل إليه الإنسان من أسس التربية: الروحية، والعقلية، والاجتماعية، والاقتصادية، والفردية، والجماعية، وسواها...

5- الدين الإسلامي: ولا بد من وجود علماء شرعيين متخصصين، يلقون على المناقشات والبحوث أنوار الكتاب والسنُّة ويتّصفون بعدد من الصفات، وإلا لا يتحقق الغرض من مشاركتهم، وهذه الصفات هي:
‌أ- المعرفة بمقاصد الشريعة وكلياتها بالإضافة إلى جزئياتها، أي: إدراك روح النصوص بالإضافة إلى فهم ظواهرها.

‌ب- أن يكونوا أبناء هذا الزمن، لا أبناء القرون الماضية، أي أنهم يحققون شرط معرفة الزمان، في المعادلة الحضارية التالية المستنبطة من الأثر القائل: "رحم الله امرءً عرف زمانه واستقامت طريقته"
رحمة الله= معرفة الزمان+استقامة الطريقة.

‌ج- روح التسامح، وحب الحوار، واحترام الآراء المخالفة، وعدم الشعور باحتكار الصواب.

‌د- سعة الثقافة أي: أن لا تكون ثقافتهم محصورة في ميدان تخصصهم من غير إلمام بعلوم أخرى. فتكون آراؤهم سطحية، ومما يؤسف له أن بعض الجامعات الإسلامية تَقْصُر العلومَ التي يدرسها طلابها على العلوم الشرعية بدعوى التخصص، وتنسى أن الغالب على علمائنا الأقدمين إلمامُهم بثقافاتِ عصرهم، وأقرب مثال هو الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه (زاد المعاد في هدي خير العباد)، صلى الله عليه وسلم، فالمجلد الخاص بالطب النبوي جُلُّه من الطب الذي كان معروفاً في عصر المؤلف.

كم عدد أعضاء هذه الهيئة؟

لعل وجود ثلاثة مختصين في كل مجال مناسب؛ فيكون العدد حوالي [15]، عضواً، وهذا عدد مقترح يمكن أن يزاد عليه أو ينقص منه.

ما هدف هذه الهيئة:

هدفها باختصار أن تقول للأمة: بعد أن درسنا، وتأملنا، وجدنا أن على الأفراد، وعلى الجماعات أن يقوموا بـ(كذا وكذا)، وينتهوا عن (كذا وكذا)، من أجل تحقيق النصر، والعزة، والكرامة، وذلك حتى تستحق الأمة الخطاب الإلهي لها: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[آل عمران من الآية: 110].

نظرة عملية إلى الواقع:

الأمل أن تكون هذه الهيئة على شاكلة (المجمع العالمي للفقه الإسلامي)، مثلاً فإذا تعذّر تحقيق هذا الأمل لسبب أو لآخر، فإن من غير المتعسّر أن تتبنى المشروع هيئة معينة، وتستكتب له عدداً من العلماء المشهود لهم بعمق التخصص والاقتدار، وتنشر دراستهم في مجلد أو اثنين، ثم تترجم إلى اللغات العالمية والإسلامية وأهمها: الإنجليزية، والفرنسية، والإسبانية، والأردية، والإندونيسية، والتركية، والسواحلية، والهاوسا..... إلخ، وينشر الكتاب بين المثقفين، والمعلمين، وطلبة الجامعات، على أوسع نطاق ممكن، ويفعّل، ويسوّق بشكل احترافي.

هذه فكرة مهداة لكل قارئ، له أن يأخذها، ويستفيد منها، ويعدّل فيها، حذفاً وإضافة، وتحويراً وتغييراً لتحقيق الآمال المرجوة.

والله من وراء القصد.

أحمد البراء الأميري

دكتوراة في الدراسات الإسلامية من جامعة الإمام محمد بن سعود.

  • 0
  • 0
  • 1,028

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً