هزائم إسرائيل والدرس المستفاد

منذ 2015-05-13

استفادت إسرائيل من الفساد المالي والاداري الذي يعم العالم العربي بحكوماته وجيوشه، وهو الأمر الذي أدى إلى تخلف في التسليح والتصنيع العسكري لدى العرب، كما أدى لصدور العديد من القرارات العربية الخاطئة السياسية والعسكرية، مثل قرارات إيقاف القتال أو قبول الهدنة أو حتى دخول الحرب دون إعداد كاف..

صورة أرشيفية لمصاب إسرائيلي.
كانت إسرائيل في السابق توقع الهزائم بالعرب سواء بشكل حاسم كما في (1948 و1967و1982)، أو بشكل محدود لكنه مؤثر كما في (1956 و1973)، لكن الدولة الصهيونية تكبدت في العقدين الأخيرين العديد من الهزائم الكبرى على أيدى قوى عربية، فمن هزائمها على أيدي حزب الله والمقاومة اللبنانية في لبنان إلى هزائمها على أيدي المقاومة الفلسطينية في فلسطين وفي قلبها المقاومة الاسلامية الفلسطينية (حماس والجهاد الإسلامي)، ولانتصار إسرائيل في هذه السنوات أسباب سياسية وإستراتيجية ولانهزامها في العقدين الأخيرين أسباب أيضا سياسية وإستراتيجية سنحاول الاطلال عليها في السطور التالية:

أسباب انتصارات إسرائيل:
- اعتمدت إسرائيل على الخيانات في الصف العربي، والتي ضمنت لإسرائيل تفوقات عسكرية لا تستحقها كما في حرب (1948 و1967).

- كما استفادت إسرائيل من الفساد المالي والاداري الذي يعم العالم العربي بحكوماته وجيوشه، وهو الأمر الذي أدى إلى تخلف في التسليح والتصنيع العسكري لدى العرب، كما أدى لصدور العديد من القرارات العربية الخاطئة السياسية والعسكرية، مثل قرارات إيقاف القتال أو قبول الهدنة أو حتى دخول الحرب دون إعداد كاف، وذلك في حرب 1948 ومثل كل قرارات حرب 1967، خاصة قرار الانسحاب من سيناء، ومثل القرار السلبي المتمثل في السكوت على بناء إسرائيل لخط بارليف وللساتر الترابي على الضفة الشرقية لقناة السويس في الفترة من 1967 وحتى 1970.

- اعتمدت إسرائيل على دعم أوروبي وأمريكي غير متناه في مجال التسليح، متفوقة بذلك تكنولوجيًا وكميًا على كل الجيوش العربية مجتمعة.

- دأبت إسرائيل على استخدام أسلوب الحرب الخاطفة، واستخدام إستراتيجية الاقتراب غير المباشر أثناء العمليات العسكرية، مما أدى لنجاحها في إحداث اختراقات ناجحة لخطوط الدفاع العربية، والالتفاف حول مؤخرات الجيوش وضرب قواعدها الخلفية، ومن ثم إيقاع الهزيمة بها في النهاية، كما نجحت في الاستخدام الواسع والفعال لسلاح طيارانها المتفوق لتدمير القوى العربية وضرب عمقها الإستراتيجي دون قدرة عربية على الرد.

وكان على القوى العربية للرد على هذا التحدي الصهيوني أن تطور قدراتها العسكرية عبر تسليح متطور، وبكميات كافية كي تشل فاعلية القوات الجوية الإسرائيلية، وتتتمكن من الرد في العمق الصهيوني، وكي تكشف التحركات الإسرائيلية في مسرح العمليات كي تمنعها من اختراق خطوط الدفاع والالتفاف على مؤخرات الجيوش العربية، لكن تعنت الدول المالكة للسلاح المتطور إزاء العرب منع العرب من التفوق على إسرائيل في التسليح، وبالطبع منعهم أيضًا من الحصول على أسرار تكنولوجيا التسليح المتقدم.. 

وليس من الإنصاف إلقاء تبعة ذلك على هذه الدول فقط، بل الحقيقة أن الحكومات العربية لم تكن صادقة ولا ذات عزيمة قوية في الحصول على التكنولوجيا المتطورة بصفة عامة، وفي صناعة السلاح بصفة خاصة، بدليل أن دولاً كانت متخلفة وحازت استقلالها بالقرب من الوقت الذي حازت فيه الدول العربية الكبرى استقلالها كالهند والصين، ومع ذلك تقدمت وحازت التكنولوجيا المتطورة في السلاح بينما نحن محلك سر، بل لم نلحق في هذا المجال بدول حازت استقلالها بعدنا ككوريا الشمالية التي منذ زمن وهي تصنع صواريخها، ودباباتها وطائرتها وإن كانت طائرتها نسخ سوفيتية قديمة متواضعة لكنها تضمن الدفاع عنها.

أسباب انتصارنا على إسرائيل:
لكن رغم هذا كله كيف بدأنا نوقع الهزائم بإسرائيل رغم أننا لم نتطور تكنولوجيا؟
بدأت انتصاراتنا على إسرائيل بسبب عدة عوامل كان من أبرزها:

- امتلاك قوى عربية زمام القرار وهي صادقة في منازلتها الدولة الصهيونية عسكريًا، فهي تحارب إسرائيل بجدية لا مجال فيها للفساد الإداري أو التهريج أو الميوعة، هذه القوى موجودة وكامنة دائمًا في جسد الأمة العربية لكنها كانت مهمشة في الصراعات السابقة، لكنها الآن أخذت زمام المبادرة في كل من لبنان وفلسطين فكانت لها بصمتها في الصراع وكانت ذروة هذه البصمة هزيمتان إسرائيليتان في حرب لبنان 2006 وحرب غزة 2009.

- استخدام هذه القوى العربية إستراتيجية حرب العصابات وحرب التحرير الشعبية بتكتيكاتهما المتعددة، المعتمدة على الكر والفر والشراك الخداعية، والكمائن والتمويه والتخفي والدفاع العميق، واستطاعت عبر ذلك وعبر التحصن بالأنفاق والخنادق من تحييد ضربات الطيران الصهيوني.

- انتشار تكنولوجيا صناعة الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى عبر العالم مكن دولاً عديدة كسوريا وإيران من صناعة وحيازة عشرات الآلاف من هذه الصواريخ مما مكنها من ردع الصهاينة، ومنعهم من قصف العمق الإستراتيجي لهذه الدول رغم دعمها الإستراتيجي للمقاومة اللبنانية والفلسطينية.

- حيازة المقاومة العربية للصواريخ قصيرة المدى مع قرب موطن هذه المقاومة من خاصرة إسرائيل الرخوة مكن المقاومة من ردع إسرائيل تارة وتكبيدها خسائر فادحة تارة أخرى، لأنه في السابق كانت إسرائيل قد نجحت في دحر القوات العربية وإرجاعها لمسافات بعيدة، أبعدت هذه القوات عن خاصرتها الرخوة لمسافات تكفل الحماية لها من القصف الصاروخي قصير المدى والمدفعي بعيد المدى، والذي لم يكن العرب يملكون سواه وقتها بينما عجز الطيران العربي -ومازال- عن الوصول لإسرائيل.

لقد مكنت هذه العوامل قوى المقاومة من إيقاع الهزائم المتتالية بإسرائيل مما دفعها للانسحاب المذل من كل من لبنان وغزة تحت وطاة هذه الهزيمة لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، ولكن هذا التدهور في بنيان القوة الإسرائيلية رغم أنه يرجع لعوامل تتعلق بتطور الفكر الإستراتيجي للمقاومة وانتشار تكنولوجيا صناعة الصواريخ، إلا أنها أيضًا تدين في التحليل النهائي لدورة التاريخ أو دوران عجلة التاريخ، فالمقاومون العرب قبل ستين عامًا لم يجدوا مناخًا دوليًا وإقليميًا مواتيًا كما هو الآن، كما لم يتمكنوا من حيازة صواريخ الكاتيوشا -رغم كونها كانت موجودة في روسيا وقتها- كما هو الآن، فدوران عجلة التاريخ هو الذي أتاح فرصة الهزائم الإسرائيلية كما هي الآن، وصدق الله تعالى إذ قال: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران:140].

وكما هو واضح لقد انتظرنا عقود حتى يدور التاريخ دورته ويسهل علينا إيقاع الهزيمة بإسرائيل.
ولكن لا بد أن نتعلم ونعي العبر والدروس من دورة التاريخ هذه؛ حتى نحقق النجاحات في مستقبلنا ولا نظل ننتظر أملاً في أن يسقط النصر في حجورنا ونحن قاعدون، وبصيغة أخرى ينبغي أن نفهم سنن الله تعالى التي لا تتبدل بشأن حركة التاريخ حتى نسير وفقها.

ومن أبرز هذه السنن التي لعبت دورًا في الحدث الذي نحن بصدد تحليله والتعلم منه هي:
- وجوب الأخذ بالأسباب لدفع القدر بالقدر، وهذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين.
- وثاني هذه السنن هي وجوب الأعداد بأقصى ما نستطيع قال تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} [الأنفال:60]، فدفع قدر العدوان بقدر الجهاد يلزمه أيضًا الإعداد بأقصى ما نستطيع وليس بفضول ما نستطيع.

- وثالث هذه السنن التي هي سنن الله في النصر هو التطوير الدائم مع حيازة أسبابه سواء في الفكر الإستراتيجي أو وسائل و أدوات القتال، فالنبي صلى الله عليه وآله و سلم حوَّل جيش المدينة من مشاة إلى فرسان مدرعين، ففي غزوة بدر كان الفرسان ثلاثة أفراد و الباقي مشاة معظمهم حاسرون أما في فتح مكة فكان المهاجرون، و الأنصار كلهم فرسان مدرعون لا يُرَى منهم سوى الحدق من الحديد، كما استخدم النبي صلى الله عليه وآله و سلم الخندق كتكيك دفاعي لأول مرة في الجزيرة العربية كلها، كما أرسل نفرًا من الصحابة ليتعلموا صناعة المنجنيق في الشام، و عادوا ليستخدم آلة الحرب الجديدة على العرب لأول مرة في الجزيرة العربية في غزواته.

وكما هو واضح فهذه السنن هي أيضًا من أبرز محاور السياسة الشرعية لأن السياسة الشرعية من وظائفها أن توافق وتتواءم مع سنن الله تعالى الثابتة في الكون لا أن تعاندها أو تتجاهلها أو حتى تغفل عنها، وإذا كان الأمر هكذا فهي من أعظم جوانب الهدي النبوي لأنه صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من توافق مع سنن الله تعالى في خلقه، وهو أعظم من مارس السياسة الشرعية.

كتبته في يوليو 2010

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

عبد المنعم منيب

صحفي و كاتب إسلامي مصري

  • 1
  • 0
  • 3,610

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً