كرامات الأوليــاء

منذ 2009-11-15

ليس كل ما يظهر علي أيدي الصالحين - أو غيرهـم - يكون كرامة من الله عز و جل، بل قد تكون غواية من الشيطان، أو إضـلالاً من بعض الجان...



الحمدلله وحده، والصـلاة والسلام على من لا نبي بعده... وبعد:

فإن أهل السنة والجماعة - وهم أسوتنا وقدوتنا - يؤمنون بوقوع الكرامات علي أيدي الصالحين؛ وهم المؤمنون المتقون.

والكرامة - عند علماء الشريعة - أمـر خارق للعادة، يظهره الله عز و جل علي أيدي أوليـائه، والكرامات للأوليـاء تشبه معجزات الأنبيـاء في نقضها للعادة المعروفة، وبينهما فروق كثيرة؛ من أهمها أن الكرامة غير مقرونة بدعوى النبوة، وليست إرهاصاً لها، وغير مقرونة كذلك بالتحدي، ويمكن للعبد الصالح أن تقع له كرامة أو كرامات، وهو لا يعلم بها!!؟

ومن أهم الفروق بينهما أيضاً؛ أن الكرامة - علي القول الراجح - لا يمكن أن تبلغ إلي مثل معجزات الأنبيـاء والمرسلين، ولا تكون مساوية لها على الإطلاق، فكل ما وقع معجزة لنبي لا يمكن أن يقع كرامة لولي!!

ضوابط الكرامة وشروطها (راجع "أصـول الاعتقـاد" لللالكائي ):

ليس كل ما يظهر علي أيدي الصالحين - أو غيرهـم - يكون كرامة من الله عز و جل، بل قد تكون غواية من الشيطان، أو إضـلالاً من بعض الجان، من أجـل هـذا وضع العلماء شـروطاً تعرف بها الكرامة التي هي منحة إلهيه، وتتميز عن الخوارق التي هي حيلة شيطانية!!


ومن أهم تلك الشروط:

1- أن يكون صاحب الكرامة مؤمناً تقياً، لقوله تعالي: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿٦٢﴾ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [سورة يونس: 63-62].

وهـذا يعني: أن كل مؤمن تقي فهو لله ولي، وعلامته أداء الفراض والواجبات، وترك المحرمات، ثم التقرب إلى الله بفعل المستحبات وترك المكروهات.

2- ألا يدعي صاحب الكرامة الولاية.
لأن ادعاء العبد الولاية لنفسه أو لغيره رجم بالغيب، وذلك لأن المؤمن لا يدري ما الذي قبله الله من أعماله، وما الذي رده من غير قبول!!، والله يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [سورة المائدة: 27].

ولأن ادعـاء الولاية - كذلك - تزكية للنفس قد نهى عنها القرآن الكريم في قوله تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ} [سورة النجم: 32].

3- أن لا تكون الكرامة سبباً في ترك شيء من الواجبات.

4- أن لا تخالف الكرامة أمراً من أمور الدين.


قال الشاطبي - رحمه الله -: "إن الشريعة كما أنها عامة في جميع المكلفين، وجارية علي مختلف أحوالهم، فهي عامة أيضاً بالنسبة إلي عالم الغيب، وعالم الشهادة من جهة كل مكلف، فإليها نرد كل ما جاءنا من جهة الباطن كما نرد إليها كل ما في الظاهر".

فمن أخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاءه يقظة بعد موته، فهذا من الكذب وكيد الشيطان.

هـذا وقد وردت أمثلة كثيرة لكرامات الأوليـاء في الكتاب والسنة الصحيحة نذكر بعضها لتأكيد وتثبيت هذة العقيدة الصحيحة، وإقامة الحجة الدامغة علي منكري الكرامات من أهل الزيغ والضلال.


كرامات وردت في القرآن الكريم:

- قوله تعالى في قصة مريم -عليها السلام-: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [سورة آل عمران: 37]، وقـد ذكر المفسرون في بيان هذة الكرامة أقوالاً كثيرة يرجع إليها في كتب التفسير.

وكذلك قوله تعالى في نفس القصة: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} [سورة مريم: 25].

ومن المعلوم أن النخلة لا يقدر على هزها لإسقاط الرطب عصبة من الرجال الأقوياء، فكيف تفعل ذلك امرأة في حال الولادة و الضعف؟!! فهي كرامة ظاهرة.

- ومنها قوله تعالى عن زوجة إبراهيم الخليل عليه السلام: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴿٧١﴾ قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} [سورة هود: 71-72]. قال المفسرون: "ضحكت أي: حاضت، و هي في سن الشيخوخة".

- ومن الكرامات في القرآن أيضاً ما جاء في قصة سليمان عليه السلام: {قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [سورة النمل: 40]، وكان الحديث عن عرش بلقيس.


كرامات وردت في السنة الصحيحة:

- منها ما ورد في (صحيح البخاري) من ح عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "وافقت ربي في ثلاث!!، فقلت: يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلي فنزلت: {وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [سورة البقـرة: 125]؛ وآية الحجاب، قلت : يا رسول الله لو أمرت نساءك أن يحتجبن فإنه يكلمهن البر والفاجر فنزلت آية الحجاب؛ واجتمع نساء النبي صلي الله عليه و سلم في الغيرة عليه فقلت لهن: عسى ربه إن طلقكن إن يبدلن أزواجاً خيراً منكن، فنزلت هذه الآية".

- ومن الكرامات الواردة في السنة الصحيحة حديث الثلاثة الذين آواهم المبيت إلي غار، فنزلت صخرة عظيمة فسدت عليهم باب الغار، فدعا كل منهم ربه وتوسل إليه بأعظم عمل صالح فعله في حياته، حتي فرج الله عنهم وفتح باب الغار. وهو حديث صحيح رواه البخاري و مسلم.

- وقـد ورد في السنة كرامات كثيرة لأوليـاء الله الصالحين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كأسيد بن حضير، وعباد بن بشير، وعاصم بن ثابت، وغير هؤلاء كثير. وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون وبقية العشرة المبشرين. وكذلك ثبتت كرامات كثيرة للصالحين من التابعين رضي الله عنهم.

ومن أراد أن يقف علي هذه الكرامات بشيء من التفصيل فليرجع إلي المجلد الخامس من كتاب (أصول الاعتقـاد) لللالكائي، وكتاب (سيف الله على من كذب على أوليـاء الله) تأليف صُـنع الله الحنفي.


هـذا و ينبغي التنبيـه علي مسألتين عظيمتين تتعلقان بموضوع كرامات الأوليـاء:

الأولـي: لا توجد علاقة شرعية بين الولاية والضريح؛ فليس كل مدفون في ضريح يكون من أوليـاء الله، فقد يدفن في الضريح فاسق أو فاجر، وقد يدفن ولي الله في شق أو لحد لا يعرف أحد مكانه.

وقد تعلق بأذهان العوام والجهال هذه العلاقة الوهمية، لكن الحقيقة أن الولاية إيمان وتقوي، والضريح قبر مُـبتدع مخالف للسنة الصحيحة، وإنما وقعت المخالفة ممن بناه و شيده وليست ممن دفن فيه إلا إذا أوصــى بذلك أو رضي به حال حياته.

وأما المسألة الثانية: فهي الخلط الذي يقع عند بعض الناس بين الكرامة الربانية والخوارق الشيطانية.


وهـذا مثال يوضح هذا الفرق المهم:

قال ابن الحاج - رحمه الله - حكي عن بعض المريدين أنه كان يحضر مجلس شيخه، ثم انقطع فسأل الشيخ عنه فقالوا له: "هو في عافية"، فأرسل إليه فحضر فسأله ما الموجب لانقطاعك؟!

فقال: "يا سيدي كنت أجيء لكي أصل، والآن قد وصلت فلا حاجة تدعو إلى الحضور". فسأله عن كيفية وصوله!! فأخبره: "أنه في كل ليلة يصلي ورده في الجنة". فقال له الشيخ: "يا بني، والله ما دخلتها أبداً، فلعلك أن تتفضل علي فتأخذني معك لعلي أن أدخلها كما دخلتها أنت". قال: "نعم".

فبات الشيخ عند المريد، فلما أن كان بعد العشاء جاء طائر فنزل عند الباب فقال المريد للشيخ: "هذا الطائر الذي يحملني في كل ليلة علي ظهره إلي الجنة".

فركب الشيخ والمريد على ظهر الطائر بهما ساعة ثم نزل بهما في موضع كثير الشجر، فقام المريد ليصلي وقعد الشيخ، فقال له المريد: "يا سيدي، أما تقوم الليلة؟!"، فقال الشيخ: "يا بني الجنة هذه و ليس في الجنة صـلاة"!!. فبقي المريد يصلي والشيخ قاعد.

فلما طلع الفجر جاء الطائر ونزل، فقال المريد للشيخ: "قم بنا نرجع إلي موضعنا". فقال له الشيخ: "اجلس، ما رأيت أحدا يدخل الجنة ويخرج منها". فجعل الطائر يضرب بأجنحته ويصيح حتي أراهم أن الأرض تتحرك بهم. فبقي المريد يقول للشيخ: "قم بنا لئلا يجري علينا منه شيء". فقال له الشيخ: "هذا يضحك عليك، يريد أن يخرجك من الجنة"، فاستفتح الشيخ يقرأ القرآن، فذهب الطائر وبقيا كذلك إلى أن تبين الضوء، وإذا هما علي مزبلة والعذرة والنجاسات حولهما، فصفح الشيخ المريد وقال له: "هذه الجنة التي أوصلك الشيطان إليها"!!!.


إن الصوفية تعيش بين الأوهـام والأحـلام!!، وتستمد معظم عقيدتها من الخيال الذي أورثه الخبال!!

والله أعلم... وصلي الله وسلم وبارك علي نبينا محمد وآله وصحبه.
المصدر: مجلة التوحيـد - العدد (4/ 1420)

صفوت الشوادفي

كان رحمه الله نائب رئيس جمعية أنصار السنة المحمدية ورئيس تحرير مجلة التوحيد

  • 19
  • 2
  • 101,414

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً