إلا القرآن يا بني ليبرال!

منذ 2016-07-17

أيّ شرٍّ هذا الذي يسكنهم ويدفعهم للسعي في حرمان الناس من رياض الجنة، مجالس القرآن التي تحفهم فيها الملائكة وتغشاهم السكينة والرحمة ويذكرهم الله بها فيمن عنده؟

إنه {الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق من الآية:1]، {أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} [الزمر من الآية:23]، {نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ} [المائدة من الآية:15]، {يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء من الآية:9]، {بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ} [النساء من الآية:174]، {وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل من الآية:89]، {شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء من الآية:82].

إنه القرآن، التجارة الرابحة، والثروة التي لا تفنى! شفيع القيامة، أُنس القلوب، وسنا الدروب.

قال أبو بكر الآجري رحمه الله: "أنزل اللهُ عز وجل القرآن على نبيه صلى الله عليه وسلم، وأعلمه أن القرآن عصمةٌ لمن اعتصم به، وحِرزٌ من النار لمن اتّبعه، ونورٌ لمن استنار به، وشفاءٌ لما في الصدور، وهدىً ورحمةٌ للمؤمنين".

تلاوته وحفظه وتدبره تعلّمه وتعليمه والعمل به من أعظم الطاعات والقربات، وأوسع أبواب الأجر وتحصين النفس وتطهيرها ونفض الآثام والسيئات عنها.

عن عثمان رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ» (صحيح البخاري [5027])، وطلبًا لهذه الخيرية درج سلف الأمة وحتى عصرنا هذا على العناية بهذا الكتاب وتدارسه وتنشئة الأجيال في كنفه.

وقد تأسست بلاد الحرمين -بفضل الله- على ذلك، أن يكون القرآن دستور الدولة، وعلى هذا بويع ملوكها بالحكم، ومما يُشهد به لولاة الأمر فيها أنهم ممن دعم هذا التوجّه الرشيد في إقامة وإنشاء صروح القرآن، فبالإضافة إلى جمعيات تحفيظ كتاب الله التي ترعى الحِلق والمدارس وعدد من المؤسسات والمراكز القرآنية في مختلف مناطق المملكة وعدد الدارسين فيها أكثر من 771 ألف طالب وطالبة، تُشرِف وزارة التربية والتعليم أيضًا على 2077 مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم -بحسب إحصائيات 1430هـ- ويدرس فيها 259 ألف طالب وطالبة، إلى غير ذلك من حلقات التحفيظ التي تتبع للمؤسسات الخيرية الخاصة، ويبلغ عدد الملتحقين بها ما يزيد على 91 ألف دارس ودارسة.

وبهذا الواقع الذي نفخر به ونعدّه من أعظم النعم التي جاد الله بها على هذه البلاد وأهلها والمقيمين فيها، يخرج علينا -كعادتهم- أهل الأهواء والشهوات، ممن يضيقون بكل فضلٍ وفضيلة، فما فتئوا يهاجمون ويتهمون ويبثّون باطلهم وشبهاتهم ضد محاضن القرآن ومعلميها ومخرجاتها.

ولو أن أدعياء الليبرالية انتقدوا آلية عملها أو بعض جوانب الخلل فيها وطالبوا بالتطوير ومزيدٍ من المتابعة والضبط والتصحيح لكان ذلك أدعى للقبول منهم، وأنفع لنا ولهم، ولكن محاولاتهم الدنيئة انصبّت منذ عقدين وأكثر على محاربة وجود حلقات ومدارس التحفيظ ككل، وربطها بالإرهاب والتطرف، والمناداة بإغلاقها، ولو أن مشكلتهم مع أخطاء فردية وحالاتٍ من القصور هنا أو هناك لهان الأمر، ولكن حين تكون مشكلتهم مع ذات القرآن وحفظه فالأمر خطيرٌ وجلل!!

وحين تراهم وقد جنّدوا أقلامهم وجيّشوا مساعيهم للمطالبة بفتح دور السينما والمسارح وتعليم الموسيقى، ثم في المقابل يحشدون الجهود للمطالبة بإغلاق دور التحفيظ وإيقاف تعليم القرآن، فإنك تتساءل: أي خبثٍ وسوء طوية وحقد يحمله هؤلاء على مجتمعنا ودولتنا، ليستميتوا في حرماننا من هذا الخير العميم؟! فالله يحمي ويرفع هذه الديار بقدر ما تحفظ وترفع من شأن كتابه، أيّ شرٍّ هذا الذي يسكنهم ويدفعهم للسعي في حرمان الناس من رياض الجنة، مجالس القرآن التي تحفهم فيها الملائكة وتغشاهم السكينة والرحمة ويذكرهم الله بها فيمن عنده؟ وحرمانهم من أن يكونوا أهل الله وخاصته بحسب ما وصف به الرسول صلى الله عليه وسلم أهل القرآن؟

لماذا ازدادت حربهم شراسةً هذه الأيام على حلقات ومدارس تحفيظ القرآن، وازداد حرصهم على قطع منافعها وبركاتها عن أبناء هذا المجتمع؟ لأنهم يخشون جيل المساجد والقرآن ويعلمون أنه جيلٌ ربّته الآيات المحكمات ولن يسهل إسقاطه ولا العبث بهويته وقيمه؟ أم لأنهم على يقين أن القلب العامر بالقرآن لا يتسع للشرك والبدع والضلال. والنفس التي تشرّبت حب كتاب الله وفهمه وتدبره ونشأت على ذلك مهما ضعفت أو حادت قليلا عن الطريق، ما أسرع ما تعيدها مشاعل القرآن إلى جادة الحق والهدى؟!

من يملك مواقف معادية ونظرة استئصالية تجاه تلك الدور والمدارس المباركة إنما يعادي تلك المكاسب والأهداف النبيلة التي تتحقق لمرتاديها من الرفقة الصالحة، والتعاون على الخير، والتنافس الشريف، والانضباط وحفظ الأوقات وتنظيمها، والتربية على معاني الحب في الله، واستثمار القدرات وتوجيه الطاقات وصرف الهمم إلى مراقي السمو وإبعادها عن مهاوي الانحراف والفتن، وبناء الشخصية القرآنية التقية الواثقة الإيجابية، وتزويد الدارس بكثير من المهارات وتقويمه معرفيا ولغويا، وقد أثبتت العديد من الدراسات الميدانية أثر حفظ القرآن والانتساب لحلقاته ومدارسه في التفوق العلمي وتحفيز الإبداع وتقوية ملكة الحفظ وتنشيط الذاكرة وطلاقة اللسان والتقدّم في القراءة والكتابة.

وفي تقريرٍ سابق أكدت وزارة التربية والتعليم أن طلاب التحفيظ أكثر تفوقًا من نظرائهم بنسبة تصل إلى %35، وفي الدراسة التي أعدتها الإدارة العامة للبحوث التربوية بالوزارة بعنوان (دراسة مقارنة مستويات خريجي التعليم العام وخريجي تحفيظ القرآن الكريم)، تم عقد المقارنة بين نتائج طلاب مدارس التعليم العام ونتائج طلاب مدارس تحفيظ القرآن التابعة للوزارة لثلاثة أعوام دراسية، وقد أظهرت النتائج تصدّر طلاب التحفيظ في جميع المناطق والأعوام.

ومؤخرًا أثبتت الإحصاءات التي نشرها المركز الوطني للقياس والتقويم تفوق، بل استحواذ طلاب التحفيظ على المراتب العشر الأولى في نتائج أداء اختباري القدرات والتحصيلي للأعوام من 1431-1433هـ على مستوى مدارس المملكة.

ختامًا: يكثر التساؤل ما الحل تجاه هذه الحملة القذرة؟

وأقول: تمسّكوا بمكتسباتكم وحقوقكم، نافحوا وقاوموا دعواتهم، فنّدوا وأسقِطوا مغالطاتهم، أقْبِلوا على القرآن بكل ما فيكم، ادعموا الحلقات ماديًا ومعنويًا، ربّوا أبناءكم على حب كتاب الله وتعظيمه وتعهّده بالحفظ والتدبّر وادفعوا بهم إلى مدارس وحِلق القرآن ثم كونوا قدوتهم وابدؤوا بأنفسكم وأعيدوه (حبًا وأثرًا وسُلطةً) إلى قلوبكم وكامل حياتكم.

 

ريم سعيد آل عاطف

المصدر: صحيفة العرب القطرية، بتاريخ 21 سبتمبر 2014م
  • 0
  • 0
  • 2,492

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً