محبةٌ زائفة والذي بعث محمدًا بالحق

منذ 2017-02-15

لا جرم أن من وقف على حقيقة مقصد إسلام الوحي، وصحيح سيرة سيد الخلق، ومنهج أصحابه معه ومن بعده في الاعتقاد والفقه والسلوك، ثم طفق يقارن بين هذا الثرات الصحيح السليم، وبين ما يُفعل في هذه الموالد ومواسم الاحتفال الصوفي في مشارق الأرض ومغاربها من بدع ومحدثات، ومعاصي ومقبوحات، وكبائر وشركيات، وسفه وخرافات... عرف حقيقة المحتفى بذكراه: أكان يوم مولده أو تاريخ مصيبة موته صلى الله عليه وسلم.

روائح الاستعدادات لإحياء الفرق الصوفية بكل أطيافها وأنواعها وأضرابها وأصنافها وطرائقها لطقوس وتراجيديا الاحتفال بذكرى مولد النبي عليه الصلاة والسلام ـ إن سلمت التسمية وحاز التأريخ لها محاوز الضبط والصحة ـ وتبيّن من نوع ونشاط هذه الاحتفالات مدى قربها في مقام التعبير عن الفرح والاستبشار من ذكرى ولادته أو مأساة ومصيبة وفاته عليه الصلاة والسلام.

ما دام الترجيح يذهب مذهب الاتفاق على معلوم تاريخ وفاته، من جهة أنه لم يمت إلا بعد أن ملأ اسمه ورسمه وسيرة حياته الشريفة، ودأب دعوته الخالدة أركان الدنيا وزوايا المعمور، بينما ولد عليه الصلاة والسلام كأيّها الناس، فلعل أحدًا، بل الراجح الأكيد يذهب في صوب حقيقة عدم الالتفات إلى يتيمٍ خرج من رحم امرأةٍ قرشية كانت تأكل القديد في أطراف مكة كما جاء على لسان نبينا عليه الصلاة والسلام، بل لم تقبل به كرضيع حليمة السعدية إلا بعد تردد وسوق من الله جميل...بله فعمدة ما في أمر هذه الولادة الطيبة المباركة نسبتها إلى عام كانت ميزته الطافحة بها كتب السير هي محاولة أبرهة الأشرم غزو مكة وهدم الكعبة، حيث رده الله بما هو معلوم من تلك الآية العقابية الباهرة التي وصفها الله لنبيّه في كتابه المعجز .


ولا شك أن الكلام عن هذه الطقوس ومظاهر الاحتفال المحدثة باسم المحبة يدفعنا من جهة كونها ذات ملامح وتجليات مبناها على عقائد وأطروحات ومسلمات تدور في فلك التعبد لا التعود، وتنفك في عملها وكل تفاصيلها عن عقال التوقف وضابط الكف والإمساك عما كف وأمسك عنه السلف الصالح، وعلى رأس هؤلاء السلف من اختارهم الله لصحبة نبيه وحازوا بهذه الصحبة مفاوز الفضل المطلق، وضربوا في بيضاء محجتها كونا وشرعا أروع الأمثلة وأطيب المواقف محبة وتضحية من أجله بالنفس والمال والولد، فهذا أبو بكر رضي الله عنه نهض ليبارز ابنه عبد الرحمن وقد خرج مقاتلا مع جيش المشركين في غزوة أحد، لولا أن الرحمة المهداة حال بينه وبين مبارزته لابنه رضي الله عنهما، وتلك ولا شك مقتضيات المحبة ولوازم الانتساب الصادق إلى هذا الدين العظيم...


فهل متى رجعت إلى سيرة هؤلاء الأشراف مع صاحبهم وهاديهم بتوفيق من الله إلى صراطه المستقيم، ومنقذهم من الشرك وبغي وضلالة وشر الجاهلية الأولى، ومخرجهم من عبادة الأوثان والأحجار والأشجار إلى عبادة رب الأرباب، فهل وجدت واحدًا منهم أو ممن تبعهم بإحسان عبّر عن محبته وصدق تقفّي أثره، فأكل شوكا أو عجن زجاجا أو لاعب أفاعي وثعابين أو شرب ماء ساخنا أو ضرب طبلا أو نفخ نايًا ومزمارًا أو رفع صوتًا بغناء وورد ذكر مبتدع وهيأة حضرة وشطح وتمايل وصراخ وهتاف وجوقة مكاءٍ وتصدية، وشذ رحالٍ إلى مقبورٍ أو دفين ضريح أو حفرةٍ أو حجارةٍ أو شجرةٍ أو حيٍ دعا الناس إلى عبادة اسمه ورسمه، وغير هذا من جنس المعطوفات التي اطرد انعدامها في سيرة ولازم تجليات محبة السابقين الأولين من الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، ووصف الله سبحانه معيّتهم لنبيه صلى الله عليه وسلم بقوله جل جلاله: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّـهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح جزء من الآية: 29].

ولا جرم أن من وقف على حقيقة مقصد إسلام الوحي، وصحيح سيرة سيد الخلق، ومنهج أصحابه معه ومن بعده في الاعتقاد والفقه والسلوك، ثم طفق يقارن بين هذا الثرات الصحيح السليم، وبين ما يُفعل في هذه  الموالد ومواسم الاحتفال الصوفي في مشارق الأرض ومغاربها من بدع ومحدثات، ومعاصي ومقبوحات، وكبائر وشركيات، وسفه وخرافات... عرف حقيقة المحتفى بذكراه: أكان يوم مولده أو تاريخ مصيبة موته صلى الله عليه وسلم.

ولسنا هنا نوجه سهام الطعن إلى نوايا الناس، أو نقتحم حرمة سرائرهم، وإنما المقصود هو محاولة وضع هذه الأفعال والسلوكيات المؤطرة للطقس الاحتفالي الصوفي، وذلك في سياق بلاء أمر دعوى ومزاعم المحبة من عدمها، ولعله السياق الذي يحيل باللازم على الاستفسار الذي غايته استقراء موقف النبي عليه الصلاة والسلام إزاء سلوكٍ احتفاليٍ بمولده وقع اعتسافًا من أحد أصحابه على شاكلة ما يقوم به مدعو المحبة اليوم، وربما لم يكن ليعنينا التفصيل أو حتى الإجمال في بيان موقفه صلى الله عليه وسلم، ذلك أنه موقف تحدد ملامحه البداهة الواضحة الظاهرة في استغراق التبديع والتضليل من النبي لكل محدثة وابتداع يخالف محض الاتباع، ولو ذاق فيه أهله أنواعا من اللذات التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، والتي إثمها أكبر مما يتوهم من نفعها، ذلك أن مكمن الخطورة هنا هو الانقلاب على الإسلام باسم الإسلام، والتلاعب بشريعته باسم سمو الحقيقة وتميّز خصوصيتها.

وعلى أي فعلينا أن نعلم أن الأحداث والتجارب أثبتت أن دعاوى المحبة الزائفة في دائرة التعبد لطالما كان استهلالها وسير مدّعيها في مناكب الأرض يفتقد إلى قوة الرسوخ اللازم لاستمرار بريقها الخادع ليس في نفوس المصابين بعدواها بطبيعة الحال، وإنما في نفوس المستهدفين بسهام الاستقطاب، ومطارحة الإقناع ببهتانها.
ولعل هذا يرجع بالأساس إلى أمور من أهمها أن الخرافة لا يمكن أن تحل محل حقيقة التوحيد وصحيح الاتباع، حتى وإن ناح وصاح وتمايل أصحابها من ثقل دعواها والتلبس بعراها، فإنهم سرعان ما ينزوون في سلبية مقيتة وصمت مريب، والحال أن عِرض النبي وشخص النبي وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم تتعرض لعاديات وشبهات الطاعنين والمتخرصين والمتجرئين على الجناب الشريف، والذين ما فتئوا يفجؤون المسلمين في اعتقاداتهم النبوية المقدسة.

ولا أدل على هذا الفزع إلى الصمت الرهيب والانزواء المريب، ضربهم صفحا عمّا تخرّص ويتخرّص به العلمانيون في صدع أفمام ومحبور أقلام وأضغاث أحلام ، بله موادعتهم لهم ووصفهم لهم بالأخوة في دائرة مشترك مواجهتهم للإسلام الوهابي المتطرف في تعاطيه الحائف مع مكرمة الاحتفال بمولد سيد الخلق، وفي موقفه المحجر على واسع وجدان المريدين وفجاجة الاستدراك على خشوعهم وعملهم ونصبهم، وهم يترجمون هذه المحبة بالشطح والنطح والمكاء والتصدية، بل وقصره وحصره المحبة في المعهود التقليدي المتجاوز في أدبيات الشيخ والمريد والذي مفاده: "تصديق النبي فيما أخبر وطاعته في ما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر وألا يعبد الله إلا بما شرع"...نسأل الله أن يديمها محبة وأن يحفظها من الزوال وأن يرزقنا الثبات على فضيلتها، وإن عشنا بها في غربة ورمانا غيرنا ونحن نؤمن بأركانها ونرفل في زينة ووقار ثوبها بالتطرف والوهابية وهلم جرا من المقدوحات التي هي من جنس الزبد الموعود بالذهاب جفاءً ولو بعد حين.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

محمد بوقنطار

محمد بوقنطار من مواليد مدينة سلا سنة 1971 خريج كلية الحقوق للموسم الدراسي 96 ـ97 الآن مشرف على قسم اللغة العربية بمجموعة مدارس خصوصية تسمى الأقصى.

  • 2
  • 0
  • 3,524

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً