السلفيون والثورة والتغيير

منذ 2011-03-01

بداية أكتب هذا المقال وأنا أعتز بانتمائي للسلفية ولكني انتمي للسلفية بمعنى المنهج السلفي القائم على فهم الكتاب والسنة بمنهج السلف، أقول ذلك لأن الواقع يشهد أسماء وأفكار مختلفة في حقيقة تطبيق منهج السلف وهى تدعى الانتماء للسلفية...


بداية أكتب هذا المقال وأنا أعتز بانتمائي للسلفية ولكني انتمي للسلفية بمعنى المنهج السلفي القائم على فهم الكتاب والسنة بمنهج السلف، أقول ذلك لأن الواقع يشهد أسماء وأفكار مختلفة في حقيقة تطبيق منهج السلف وهي تدعي الانتماء للسلفية، وأذكر أن من حببني في السلفية هو ما كتبه الشيخ الألباني رحمه الله عندما قرأت له عام 1980 كتاب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أشد ما وقع في قلبي واستولى عقلي مقدمته التي تكلم فيها عن الاجتهاد والتقليد واتباع الدليل فحفر في عقلي وزرع في قلبي خارطة طريق في العمل الإسلامي لم أتخلى عنها بفضل الله ولكني رأيت البعض يتخلى عنها لأسباب كثيرة منها محبة الشيخ والعلاقة الشخصية، أو المنفعية من وراء علاقته بالشيخ فظهر في السلفية سلفية الشيوخ بدلاً من سلفية المنهج وظهرت سلفية الشكل لا المضمون والتفاصيل كثيرة وترتب على ذلك إشكاليات كثيرة في الحالة السلفية لم تتوقف.
كان من نتائجها توقيف وتجميد بعض الشباب المسلم في العمل بالدليل بحسب رؤية كل شيخ اتبعوه رغم أن قواعد المنهج ترشد لإتباع الدليل لكن الهوى غلب وتقليد الشيوخ صار منهج وليس اتباع الدليل.


وكان من أهم ما شاهدته في الحالة السلفية هو تجميد الحركة في إطار تلقي العلم الشرعي فقط وكأن بقية العلوم ليست من فروض الكفايات والكثيرون لم يقصدوا ذلك، ولكن الواقع العملي والخوف من التفاعل مع الأحوال العامة بسبب القهر الأمني والخوف التقليدي من مغبة تقليد جماعة الإخوان (بسب الخلاف الذي تم ترسيخه بين الإخوان والسلفيين كأنه ثابت مقدس) وبعض تقليد للحالة السعودية (التي لها خصوصيتها) كل ذلك وغيره جمد آليات الحركة عند الحالة السلفية في مصر، رغم أن الحالة السلفية يجتمع فيها صفاء العقيدة وصفاء المنهج والتربية وإخلاص الفرد واجتهاده في العلم لكن الخوف من الحركة جمد كل تلك الأسس الجميلة الرائعة التي بها وعليها تنهض وتقوم الأمة.

أكتب ذلك لأن المشهد السلفي حدث فيه تغيير لافت جداً بسبب ثورة 25 يناير فقد تفاعل مع الثورة فريق من السلفيين تفاعل رائع في ميدان التحرير أدهش المراقبين، وفريق ظل في ترقب ثم تفاعل بحرص ثم بدأ يفتش عن حتمية التغيير والفريقين من المخلصين، وهنا لا ألتفت للمرجفين ولا المتخاذلين ولا المنافقين المتلونين مهما كانت مسمياتهم وأشكالهم لأنهم لا يمثلون منهج السلف بل يعبرون عن أنفسهم، ولكنى أهتم بأولئك المخلصين الذين تفاعلوا مع الثورة وانطلقوا يهتفون ويحرضون ضد الظلم بموقف سلفي واضح يعيد إلى الأذهان منهج السلف الصالح الحقيقي.


ويوم الجمعة 25 فبراير حضرت خطبة في مسجد شهير للسلفيين لشيخ هو رجل أعتز به على المستوى الشخصي وهو من أولئك الذين تفاعلوا مع الثورة من أول يوم بموقف شجاع لافت وهو تطبيق لمنهج السلف الصالح، وقد جاء في الخطبة عدة نقاط كأنها تلخيص للحالة السلفية الجديدة الرائعة منها تجديد إشادته بالثورة وحرصه على الوقوف عند الإيمان بالله وقدره في رؤية الأحداث، ثم كان الجديد جداً هو طلبه وحثه على أن يكون لكل مسلم بطاقة انتخابية ليشارك في صنع نظام وطنه السياسي واتبع ذلك بإشادته بجماعة الإخوان، وكان من أجمل ما قال أن اعتبر من ينتقدون الثورة من يّدعون أنهم سلفيين أنهم ليسوا سلفيين بل السلفية بريئة منهم.


تلك النقاط تعتبر لوحدها ثورة في الحالة السلفية وأذكر عام 1999 عندما تقدمت بمشروع حزب الشريعة كيف كانت نظرة السلفية في مصر لمجلس الشعب والعمل السياسي والانتخابات لكن التغيير بفضل الله جاء بسبب الثورة التي أزالت كثير من المعوقات.

لكن استوقفني نقطتان:
1- أن الشيخ انتقد من يقولون أن وجود مبارك في شرم الشيخ خطأ وأنه مازال بأعوانه يحكم واعتبر ذلك من قبيل الإرجاف والإشاعات التي ينهى عنها الشرع، وأعتقد أن نقده مقبول من قبيل الرأي لكن تحميل الرأي الآخر تحميلاً دينيا أعتقد أنه ينبغي على الإسلاميين أن يراجعوا أنفسهم فيه فليس كل رأي مخالف نحمله على المخالفة في الدين بل ممكن أن تتعدد الآراء في تحليل الموقف السياسي وكل مجتهد وهو ما ينبغي أن يعيه الدعاة عند تعرضهم لشأن سياسي.

2- طلب الشيخ أن تعود الشرطة كي يعود الأمن، وهو كلام جميل فلابد من الأمن وتحقيقه لن يتحقق إلا برجال الشرطة، لكنه قال أنه ينبغي أن نبدأ صفحة جديدة وأثنى عليهم وعفا عنهم وهنا مكمن الخطورة فالكلام لابد من التوقف معه فبلا شك يوجد في رجال الشرطة شرفاء ولكن كل من تعامل مع الشرطة المصرية من الشعب المصري يعلم أن المعاملة السيئة للشعب من غالبهم هي العنوان وأعتقد أن ذلك من المعلوم بالضرورة ثم يوجد حقوق ليس للشيخ وللسلطة الحاكمة أن ترغم الناس على التنازل عنها يوجد دماء شهداء قتلى وجرحى وحقوق مظلومين ظلموا في السجون وعذبوا وأموال نهبت وكل ذلك مرتبط بحتمية رد الحقوق وأن يتغير جهاز الشرطة في طريقة تعامله مع الشعب ثم أليس لافتا أنه لم يحاكم شرطي واحد في وقائع القتل حتى وزير الداخلية السابق المسؤول الأول؟؟

من تلك النقطتين أتوقف لأقول للدعاة أنه مع حرصكم على الخير لابد أن تتريثوا ولم يعد مقبولاً أن تتكلموا في الأمور العامة والناس تسمع لكم فقط فراجعوا ما تقولون!!!


الشاهد أن من أجمل ثمار الثورة أن السلفية تتغير وتعود إلى قواعدها السليمة في إتباع منهج السلف الصالح وينبغي أن يعي ذلك بعض الشباب الذي مازال أسير صورة الشيخ والكتب ويعي أن العلم إذا لم تعمل به فهو حجة عليك، وأن الشيخ مهما كان شكله وشهرته إنسان يخطئ ويصيب فعليه بإتباع الدليل وليس الشيخ، فكم من شيخ تسبب تقليده في إشكاليات ومفاسد.

وأخيراً يقينا الغد لن يكون مثل الأمس بفضل الله، ولكن علينا أن نعي أخطاء الأمس كي يكون الغد أفضل جدًا.


ممدوح إسماعيل محام وكاتب
عضو مجلس النقابة العامة للمحامين
[email protected]

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 0
  • 0
  • 5,515
  • د/ شريف

      منذ
    أكن للكاتب كل تقدير واحترام واتفق معه في رأيه وبالذات اتباع الدليل فهو ما وصى به كل الأئمة الفقهاء من قبل ,ايضا موضوع العفو والمسامحة فأولا العفو يكون عند المقدرة ثانيا فإنه بدون حساب وعقوبات رادعة فلن يؤدي ذلك الا الى زيادة في الفساد والطغيان والذي سيمتد للأجيال التالية والتى لم تر ان من سبقهم قد حاسبهم أحد وبالتالي فلا رادع لهم

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً