شروط التوبة من الزنا في نهار رمضان

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: التوبة -
السؤال:

أرجو أن ترشدني إلى الصواب، حاولت ممارسة الزنا مع امرأة أجنبيه في شهر رمضان وما أذكره أني كنت صائماً ذات يوم، وأغرتني الملعونة، فأفطرت 3 أيام من شهر رمضان، ولكني لا أذكر: هل مارست الزنا أم لا؟ والله، أحاول أن أتذكر، ولكن لا أذكر، ولكن أذكر بعد رمضان أني وقعت في الفاحشة.

والسؤال: لقد ندمت على ما فعلت، ومنذ 6 سنين حتى اليوم أصلي ، كي يسامحني الله، ماذا عليَّ أن افعل، كي أكفر عن ذنبي؟ أرشدني -يا أخي- ماذا عليَّ أن أفعل قبل أن أقابل ربي؟ أريد أن أُكَفِّر عن ذنبي.

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالحمدُ لله الذي منَّ عليك بالتوبة، ووفقك لها، فهي نعمة من أعظم النعم، ونسأل الله لك الثبات.


أما ما أقدمت عليه من فعل تلك الفاحشة، فهو ذنب عظيم، وخطيئة كبيرة من أقبح الذنوب وأعظمها، وقد حذَّرَنا الله تعالى في كتابه المحكم من الاقتراب منها، فقال سبحانه: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} [الإسراء:32]، قال ابن كثير: "يقول الله تعالى ناهياً عباده عن الزنا، وعن مقاربته، ومخالطة أسبابه ودواعيه". وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، والتوبة معروضة بعد".


ومع كل هذا، فإن من سعة رحمة الله بعباده أنه وعد التائبين بقبول توبتهم، مهما بلغت ذنوبهم، فقال سبحانه وتعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا . إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الفرقان:67-70]، وقال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور31]. 


وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبسط يده بالليل، ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار، ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها" (رواه مسلم من حديث أبي موسى).
وأخرج الترمذي وغيره عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: "يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني، غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني، غفرت لك ولا أبالي".


فالواجب على من ابتُلي بإثم كهذا المسارعةُ بالتوبة النصوح، والاستغفار، والندم على التفريط. هذا، ومن لوازم التوبة: الإقلاع عن الذنب، والابتعاد عن أسبابه، وكلِّ ما يؤدي إليه، والعزمُ على عدم العود إليه، والندمُ على ما فات، فإن كانت توبتك على هذا النحو، فأبشر بفضل الله تعالى ،مادامت توبتُك قبل أن تغرغر- أي: قبل أن تبلغ الروح الحلقوم - ويستحب أن تصلي ركعتي التوبة، وأَكْثِرْ من العمل الصالح، ومخالطة أهل الخير، ومجانبة أهل الشر، قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [هود: 114-115].


وقد ذكر أهل العلم أمارات تدل على صدق توبة العبد :

منها: أن العبد التائب يجد حرقة في قلبه على ما فرط منه في جنب الله. ومنها: أنه ينظر لنفسه بعين التقصير في حق الله الجليل، فيكون أشد تجافياً عن الذنب وعن أسبابه.


ومنها: أنه يميل إلى الإقبال على ربه ومولاه، فيصاحب أهل الفضل والخير، ويقاطع أصدقاء السوء، وينظر إلى توفيق الله له بالتوبة، فيفرح بها، ويحافظ عليها، ويخاف زوالها، ويخشى عقوبة نكثها.
وهذا إذا كانت التوبة لا تعلُّق لها بحق بني آدم، أما إن كان لها تعلق بحقوق الآخرين من عرض أو مال، فلا بُدَّ من التحلل منهم مع الشروط السابقة.


واعلم -عافاك الله ووقاك-: أن مما يحفظ المؤمن من الوقوع في الحرام: أن يسد على الشيطان مجاريه،ويقطع عليه حبائله، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النور:21]، فعليك بغض البصر، فإن البصر بريد الزنا، وعدم الخلوة بالنساء، فما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما.


واعلم: أنه يجب عليك صيام تلك الأيام الثلاثة التي أفطرتها إن لم يغلب على ظنك أنه حصل فيها جماع, ولا كفارة عليك، إلا إذا غلب ظنك حصول الجماع فيه، واحرص على الإكثار من الاستغفار، والندم على ماحصل منك، والعزم على عدم العودة إليه، فإن انتهاك حرمة شهر رمضان ليس بالأمر الهيِّن، نسأل الله لنا ولك الثبات على دينه،، والله أعلم.