السورة التي أسلمت طائفة من اليهود حينما سمعتها

منذ 2012-06-25
السؤال:

ما هي السورة التي أسلمت طائفة من اليهود حينما سمعتها؟ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فلم يَثْبُتْ في السُّنَّة -حسب علمنا- وقوعُ مثل تلك الواقعة التي ذكرها السائل وفَّقَه الله تعالى، وكل ما وَقَفْنا عليه في المعنى المذكور هو:

ما أخرجه البَيْهَقِي في "دلائل النبوة" من طريق محمد بن مروان، عن الكلبي، عن أبي صالح، قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما: "إن حَبْرًا من أحبار اليهود دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، وكان قارئًا للتوراة، فوافقه وهو يقرأ سورة يوسُف؛ كما أُنْزِلَتْ على موسى في التوراة، فقال له الحَبْر: "يا محمد، مَنْ عَلَّمَكَها؟" قال: "اللهُ عَلَّمَنِيهَا"، قال: فتعجب الحَبْر لما سَمِع منه، فرجع إلى اليهود، فقال لهم: "أتعلمون واللهِ إن محمدًا ليقرأ القرآن؛ كما أُنْزِل في التوراة"، قال: فانطلق بنفر منهم، حتى دخلوا عليه، فعرفوه بالصفة، ونظروا إلى خَاتَم النبوة بين كَتِفَيْه، فجعلوا يستمعون إلى قراءته لسورة يوسُف، فتعجَّبُوا منه، وقالوا: "يا محمد، من عَلَّمَكَها؟"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عَلَّمَنِيهَا الله"، ونزل: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آَيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} [يوسف: 7] يقول لمن سأل عن أمرهم، وأراد أن يعلم علمهم، فأسلم القوم عند ذلك".

وهذا حديث ساقط موضوع أو شبه الموضوع:
ففي إسناده أبو صالح: رَاويه عن ابن عباس، اختلف المُحَدِّثُون فيه، فقال القطان: "لم أَرَ أحدًا من أصحابنا تركه، وما سمعْتُ أحدًا من الناس يقول فيه شيئًا"، وقال ابن مَعِين: "ليس به بأس".

لكن ضعفه كثيرٌ من المُحَدِّثين، فقال أحمد: "كان ابن مهدي ترك حديث أبي صالح"، وقال النَّسائي: "ليس بثقة"، وقال ابن عَدِي: "ولم أعلمْ أحدًا من المُتقَدِّمِينَ رضيه"، وقال زكريا بن أبي زائدة: "كان الشعبي يَمُر بأبي صالح، فيأخذ بأُذنه، فيهزها، ويقول: ويلك، تُفسر القرآن، وأنت لا تَحْفظ القرآن"، وقال العُقَيلي: قال مغيرة: "إنما كان أبو صالح يُعَلِّم الصبيان، وكان يُضَعّف تفسيره، وقال: كُتُبٌ أصابها، ويعجب ممن يَرْوي عنه"، وقال أبو حاتم: "يُكْتَب حديثه، ولا يُحْتَجُّ به"، وقال الجوزجاني: "كان يقال له: ذو رأي غير محمود"، وقال أبو أحمد الحاكم: "ليس بالقَوِي عندهم"، وقال الجوزقاني: "متروك"، وقال عبدالحق في الأحكام: "ضعيف جدًّا، لكن ابن القطان أنكر عليه ذلك".

وأما روايته عن ابن عباس، ورواية الكلبي عنه - كما هو الحال في الرواية التي معنا- فقد قال ابن معين: "إذا رَوَى عنه الكَلْبي، فليس بشيء"، وقال ابن حِبَّان: "يُحَدِّث عن ابن عباس، ولم يسْمَعْ منه"، وقال ابن عدي: "عامة ما يَرْوِيه تفسير، وما أقل ما له من المُسْنَد - أي الأحاديث المُسْنَدة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي ذلك التفسير ما لم يتابعه عليه أهلُ التفسير"، وقال ابن المدِيني: عن القطان، عن الثَّوْري، قال الكَلْبي: "قال لي أبو صالح: "كلّ ما حدثتك كَذِب"، لكن الكلبي نفسه كَذَّاب كما سيأتي، فلا يُوثق بنقله، وسيأتي من كلام أبي صالح -وهو أحسن حالاً من الكَلْبي- ما يُناقِض ذلك. [انظر: ترجمة أبي صالح في "تهذيب التهذيب" (1/364)].

وأما الكلبي: فإنه كَذَّاب خَبيث، مُتَّهم بقول السَّبَئِيَّة، وهم طائفة من غُلاة الرَّوَافِض الذين يُؤَلِّهُون عليًّا رضي الله عنه حتى أن الرَّوافِض أنفسَهم -مع ضلالهم- يتَبَرَّؤُن منهم، ويعدونهم من الغُلاة.

أما عن روايته عن أبي صالح خاصَّة، فقد حلف أبو صالح أنه لم يقرأ على الكلبي من التفسير شيئًا، وقال سُفيان الثوري: قال الكلبي: "ما حَدَّثْتُ، عن أبي صالح، عن ابن عباس، فهو كَذِب، فلا تَرْوُوه". وقال ابن حبَّان: "روى عن أبي صالح التفسيرَ، وأبو صالح لم يسمع من ابن عباس، لا يحل الاحتجاج به"، وقال الحاكم أبو عبدالله: "روى عن أبي صالح أحاديثَ مَوْضُوعة". [انظر: "تهذيب التهذيب" (9/157- 158).]

ومحمد بن مروان: هو الملقب بالسُّدِّي الأصغر، وهو متروك الحديث، مُتَّهم بالكَذِب والوَضْع؛ كما في ترجمته من "تهذيب التهذيب" (9/378).

ومع ذلك فمتن الحديث منكر؛ فإنَّ سيرة اليهود مع النبي صلى الله عليه وسلم تشهد أنهم ما كان يسلم منهم إلا الواحد بعد الواحد؛ بل ثَبَت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة، قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ تَابَعَنِي عَشْرَةٌ مِنَ الْيَهُودِ لَمْ يَبْقَ عَلَى ظَهْرِهَا يَهُودِيّ إِلاَّ أَسْلَمَ".

وقد أورد الحديث عددٌ من العلماء رحمهم الله تعالى في تصانيفهم، دون أن يُنَبِّهُوا على ما في إسناده من ضعف شديد، منهم: السمرقندي في "بحر العلوم"، والبقاعي في "نَظْم الدرر"، والسيوطي في "الخصائص الكُبْرى" (ص329)، والصالحي في "سُبُل الهدى والرشاد" (3/378)، والشوكاني في "فتح القدير" (3/5)، والألوسي في "روح المعاني" (12/170) غير أن الألوسي رحمه الله تعالى قال بعد إيراد الحديث: "وفي القلب من صحة الخبر ما فيه".

وقد استدل الإمام البقاعي رحمه الله تعالى بالحديث على ما في سورة يوسُف عليه السلام من حُسْن ترتيب، وإحكام نظام، وإبداع اقْتِصَاص.

قال رحمه الله تعالى: "ولما بين أنه يقص عليه من أنباء الرسل ما يُثَبِّت به فؤاده، قال مثبتًا ومعللاً بأنه الكتاب بعِلَّة أُخْرى مشاهدة هي أخص من الأول: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ}، وعظم هذه القصة بمظهر العظمة، وأكد ذلك بقوله تعالى: {أَحْسَنَ الْقَصَصِ}؛ أي الاقْتِصَاص، أو المقصوص بأن نتبع بعض الحديث؛ كما نعلمه بعضًا، فنُبينه أحسن البيان؛ لأنه من قصِّ الأثر؛ تثبيتًا لفُؤادِك؛ وتصديقًا لنبوَّتِك؛ وتأييدًا، على أحسن ترتيب، وأحكم نظام، وأكمل أسلوب، وأَوْفى تحرير، وأَبْدع طريقة، مع ما نفصلها به من جواهر الحكم، وبدائع المعاني من الأصول والفروع، وهي قصة يوسف عليه السلام قصة طويلة هي في التوراة في نيف وعشرين ورقة، لا يَضْبِطها إلاَّ حُذَّاق أَحْبارِهم، من تأمل اقتصاصها فيها أو في غيرها من تواريخهم ذاق معنى قوله تعالى: {أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف: 3]، حتى لقد أَسْلَم قوم من اليهود لما رأوا من حُسن اقتصاصها، ثم ساق رحمه الله الحديث، ولم يُنَبِّه على ضعفه الشديد،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 2
  • 0
  • 11,738

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً