الزوجة بين مشكلات أهل زوجها وطاعته!

منذ 2014-03-30
السؤال:

أنا امرأةٌ متزوِّجة منذ سنوات، ولديَّ أولاد، والحمد لله. مشكلتي مع أهل زوجي؛ فمنذ بداية زواجي وهم يُحاولون استفزازي بكلِّ الطرُق؛ تحت بند المزَح، وهم غير صادقين في ذلك.

لكني -ولله الحمد- أصبر جدًّا، وأتفهَّم غَيْرَة أمِّ زوجي، وأراعي شعورها، ليس هذا عنْ ضعفٍ، بل لأني لا أحب المشاكل، ولا أريد أن أجعلَ في نفس زوجي شيئًا مِن أمِّه، وأكون سببًا في الكره والعقوق -والعياذ بالله- لكن ما زالتِ المشاكل مستمرَّة، وهناك محاولة لأن أكره زوجي، والكذب على لساني دائمًا بأشياء لم أفعلْها، وكلامٍ لم أَقُلْه؛ فهل يحقُّ لي أن أمتنعَ عن زيارتهم؛ حتى يراجعوا أنفسهم، ويمتنعوا عن إيذائي؟! مع العلم بأن زوجي لا يقبل هذا الحل، ويُجبِرني على الذَّهاب لهم، مع أنه واثقٌ من أنهم سيُؤذونني!

وإن لم أذهبْ يغضب زوجي عليَّ أيامًا، ولا يُظهِر غضبه لهم حال مضايقتي إلا بالكلام فقط، وإذا أراد زوجي حلَّ مشكلة ما، قلبوا الحق باطلًا، فهل يجوز برُّ الوالدين في مقابل إهمال حق الزوجة؟ وهل هذا يُرضِي الله؟ وهل يجب عليَّ دائمًا تلبية طلبات زوجي بدون رضاي، وبالإجبار؛ ليرضَى هو وأهله فقط؟

هو لا يحب الجدال؛ لأن طاعته واجبة، وأنا مطيعةٌ له دائمًا إلا في الشيء الذي يُضايقني؛ فهو يريد مني التنفيذ بدون مناقشة.

أنا لا أقصِّر مع أهل زوجي، ولا مع زوجي، ولا أردُّ على كلام أمه الذي يُضايقني، أو كلام أخواته؛ فهم ناسٌ مُتغطرسون بسبب أموالهم! أما أبوه فلا يُنصفني؛ لأني يجب أن أتحمَّل!

أفيدوني رعاكم الله.

 

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعد:

فإن ما تُعانِين منه -أيتها الأخت الكريمة- من أهلِ زوجكِ لا سيما أمه، وما تفعله معكِ من إساءة لمعاملتكِ، واختلاقِ المشاكل، أمرٌ ليس جديدًا على مجتمعاتنا العربية -مع الأسف الشديد- فكلُّ ما تذكرينه عنهم، وعن زوجكِ، لا يُقرُّه الشرع الحنيف، ولا قِيَمُنا الأصيلة؛ فطاعة الزوجة لزوجها لا تَعنِي قهر إرادتها، وإرغامها على فِعْل ما لا تريد، والحمد لله الذي مَنَّ عليكِ بالصبر الجميل، والقدرة على التحمُّل، وتفهُّمِ ما يدور حولكِ، فهذا مما يهوِّن المشكلة، ولا يزيدُ حدَّتها، هو الذي سيُنهِي المشاكل؛ كما هو مشاهَد في حياة الناس، فكم مِن زوجةٍ ظُلِمتْ، فلما صَبَرتْ واحتسبتْ، وقابلتِ السيئةَ بالحسنة؛ عُرِف لها فضلها، ورَفَع الله ذكرها، وجلبت حبَّ وتقدير كل مَن عاداها؛ وصدق الله العظيم: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34].

فمَن يصمد ويتحمَّل هو القوي حقًّا، بخلافِ مَن ينفذ غضبه، ويردُّ السيئة بالسيئة؛ فقد كان -صلى الله عليه وسلم- لا يردُّ السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح، فاحتسبي الأجرَ عند الله تعالى، وعن أبي الدرداء - رضي الله تعالى عنه - قال: أوصاني خليلي بسبعٍ أوصيكم بهنَّ؛ ومنها: "أن أعفوَ عمَّن ظَلَمني، وأُعطِي مَن حَرَمني، وأَصِل مَن قطعني، وأُحسِن إلى مَن أساء إليَّ".

وقال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134]؛ فهذه صفاتُ كمال وإن ظنَّها الناس ضعفًا، فتلك الأخلاق -وإن كانتْ مطلوبةً مع عامة الناس- فهي مع زوجكِ وأهله أحسنُ وأكمل، وسيشعر زوجكِ مع مضي الوقت بخطأ أهله!

وقد أحسنتِ حينما لم تكوني سببًا في قطيعة الرحِم، أو معاداة الأهل، وهذه أخلاق الكبار، ولكن إن افترى أحدٌ الكذب عليكِ، فدافعي عن نفسكِ، وبيِّني له الحق، واغتنمي أوقات صفاء زوجكِ، وهدوء نفسه، وناقشيه بهدوء ولطفٍ؛ محاولة إقناعَه بشكواكِ، وأن يتفهَّم موقفكِ من تخفيفِ الزيارات، إذا شعر بتغير أسرته معكِ.

كذلك انصحيه بما يجب عليه تُجاهَكِ، وأن برَّه لأمه وأهله لا يتعارضُ مع استيفائه لحقوقكِ؛ فإنَّ الله أعطى كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، فأوصى بالأمِّ بما نعرفه جميعًا، وأوصى كذلك بالزوجة؛ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «خيركم خيرُكم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» (أخرجه ابن حبان في صحيحه).

وأخبريه أنكِ يمكن أن تصبري وتَسعَدِي إذا علمتِ أنه يُقَدِّر ذلك، ويُقر بمعاناتكِ، ويُسمِعكِ كلمات جميلة، ويُريكِ أفعالًا حانية، فإن هذا يسهل عليكِ التفاعل، والتعامل مع أزمات الحياة.

وفي الختام استمرِّي في الصبر، ولا تتوقَّفي عن الإحسان إلى أهل زوجكِ؛ فهذا عن تجربةٍ صادقةٍ هو أقصر الطرُق إلى قلب زوجكِ، وإن أظهر خلاف ذلك، كما أنها من أكبر خصالِ مكارم الأخلاق، خصوصًا مع الأقارب ونحوهم، فإن قطعوكِ فصِلِيهم، وإن ظلموك فاعفي عنهم، وإن تكلَّموا فيكِ فلا تُكافئيهم، بل اعفي عنهم، والْزَمي القول الليِّن؛ فهذا يحصل لكِ فوائد عظيمة في دينكِ ودنياك؛ {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34]؛ أي: كأنه قريبٌ شفيق، أما ثواب الآخرة {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10].

ومما يُعِينكِ على امتثال أمر ربكِ، أن تعرفي جزيلَ الثواب، فمَن تواضَع لله رَفَعه، وهان عليه الأمر. ومن هنا فنحن نحذِّركِ مِن الرد عليهم، ونحذركِ مِن مُقاطعتهم، ولا مانع من أن تتجنَّبي الأمور التي تولِّد الاحتكاكات.

ونسأل الله لكِ التوفيق والسداد.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 20
  • 1
  • 83,914

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً