التساهل مع الرجال من أجل الدعوة

منذ 2015-02-14
السؤال:

أرغَبُ في الزواج مِن شخصٍ يكون على دين وخُلُق؛ كحلم أي فتاة، وأتمنى أن يكونَ همُّه نشْر الدعوة، والسفر لبلدان العالم لنشْر الرسالة في سيبل خدمة الدين؛ كما فعل الدكتور عبد الرحمن السميط - رحمه الله -.

فهذا أكبرُ هدفٍ أريد تحقيقه مِن الزواج؛ وذلك لتخصُّصي في العلوم الدينية، ومعرفتي بلُغات مختلفة، وكل ذلك فضل مِن الله.

أول ما بدأتُ الدعوة كان بدخولي إلى مواقع الإنترنت، وقد عرَض عليَّ أحدُهم وهو داعية أمرَ الزواج، وطلَب رقْم والدي!

اعترضتُ على موضوع المُحادَثة مِن البداية؛ لأنَّ ذلك مُحَرَّمٌ في الشريعة، فأصبحتُ أتواصَل مع إحدى الأخوات كواسطة بيننا.

أما هذا الشابُّ فيحمِل جنسيَّةً أوروبيةً، لكن أصوله آسيوية؛ أسلم قبلَ عامين، وأنا -شخصيًّا- راقبتُ صفحته على مواقع التواصل وتعليقاته لعامٍ مضى مع أصحابه، ولم أرَ ما يُثير شكوكًا، بل هو مُلتزمٌ يريد فتاة محجبةً وملتزمةً بالدين، تُعَلِّمه دينه.

الشابُّ مُتزوِّج، ولديه أولاد، أسْلَم بعد الزواج، لكن مشكلته أنَّ زوجته لا ترتدي الحجاب، وتلبس ملابسَ غربيةً، ومُتَحرِّرة جدًّا، ولا تقبَل أحكام الدين، وهو مُلتحٍ وملتزمٌ.

علمتُ منه بأنه يُحبها، وحاوَل معها كثيرًا أن تلتزمَ لكنها لا تستجيب، والطلاق بالنسبة إليها شيء عادي، لكنه لم يطلقها إلى الآن بسبب الأولاد.

هو الآن في حيرةٍ هل يتزَوَّج مرة أخرى أو يطلقها؟ هو يخاف على أولاده كثيرًا، ولا يريد أن يتأثر الأولاد بتحرُّر الأمِّ.

سؤالي الآن: أنا أراه مُتَحَمِّسًا لنشْر الدين والسفر، ويُعَلِّمني المناظرة مع الأديان الأخرى، يعني هدفُنا مُشتركٌ، وقد طلبني للزواج؛ فهل أوافَق أو أرفض؟

اشترطتُ عليه أن أسافر وأنشر الدين، في مقابل حمل أولاده وتربيتهم!

من خلال حديثي معه عرفتُ أنه رجلٌ يحترم المرأة ويُقَدِّرها، لكن مشكلته أنَّ معرفته بالدين قليلة جدًّا، بسبب نشأته في البلاد المُنْفَتِحَة. أخاف أن تحصل مشكلة في المستقبل، وأندم على قرار الموافقة.

أشيروا عليَّ ماذا أفعل؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فأنت -أيتها الأخت الكريمة- مَن أدخلتِ نفسك في الحيرة؛ بالوقوع في علاقةٍ أنت تعلمين -سلفًا- أنها محرمةٌ، وأن الاسترسال فيها لهذا الحدِّ الذي وصلتِ إليه لا يجوز.

أنا أُوافقك، وأُحَيِّيك على ذلك القصد النبيل؛ أعني: الاعتناء بأمر الدعوة، ونشر الإسلام، ولكنك سلكتِ طريقًا خاطئًا جدًّا، سلكه قبْلَك أناسٌ لا يُحصيهم إلا اللهُ كثرةً، فلم يرجعوا منه إلا بالحسرة والندامةِ، وتلك الحيرةُ التي تمرين بها هي المرحلة الأولى، ثم يعقبها مراحلُ أخرى أشد وأشد، فهذا العالمُ الافتراضي ليس هو المكان المناسب للزواج -كما ذكرنا ذلك كثيرًا- فهو مليءٌ بالغرر والفخوخ، ودائمًا رغبة الإنسان في الشيء تُعميه عن رؤية الحقيقة؛ كما قيل: حبك الشيء يُعمي ويصمّ.

فكيف إذا انضمَّ لهذه المخاطرة والمغامرة ما تذكرينه عن هذا الشخص، مما يزيد الأمر وُعورةً؛ فالرجل -كما ذكرت- نشأ وترعرع وعاش جميع سني عمره في بيئةٍ تختلف -جذريًّا- عن بيئتك العربية، ولا يعرف عن أصول آبائه الأقدمين شيئًا، ولا شك أن اختلاف الطباع والبيئات له تأثيرٌ كبيرٌ على فشَل الحياة الزوجية، والرجل عنده مشكلةٌ أسريةٌ كبيرةٌ؛ وليس مِن الحكمة أن تحمليها، أو تدخلي نفسك فيها؛ ظنًّا منك أنه يصلح كطريق للوصول لنشْر الحق؛ وهل سيكون عندك وقتٌ ساعتها لتتفرغي لذلك؟!

وقد ذكرتِ أن زوجة الرجل غير محجَّبةٍ، وهو مع هذا متمسِّك بها، محبٌّ لها، وهذا طعنٌ في الدين، أنتجتْه البيئةُ التي عاش فيها.

أمرٌ أخيرٌ: أنت ذكرتِ في بداية كلامك رغبتك في الدعوة إلى الله، فابحثي عن أفضل السبُل لتحقيق تلك الأمنية النبيلة، والقصْد الحسَن، ولا تجعلي الشيطان يصرف همك، ويُحَوِّله لأمرٍ آخر، ومشاكل مُتلاحقةٍ تنسيك الهدف الرئيس؛ وهو العمل لدين الله تعالى.

واحذري مِن علاقات الإنترنت، والتساهُل مع الرجال الأجانب، فتعاقبين مِن الله تعالى، ويلحقك شُؤمها؛ فضلًا عن أن وعودَ الإنترنت كلمع السراب، وبعضُها كنقع التراب، أو كما قال تعالى: {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} [النور: 39]، وتأمَّلي فإن الله تعالى لم يقلْ: يَحْسَبُه الرائي، ولكن قال: الظمآن؛ لأن حاجته إلى الماء أشد، وهو على الماء أحرص، وكذلك الحال في التعارف على الإنترنت، لا يغتر بها ويتردَّى في فخاخها إلا مع شدة العطش المعنوي، فيتوهم ما لا يتوهم غيره؛ بسبب ذلك العطش، فيقصده ليزيل ظمأه، فيرجع بخُفّي حُنينٍ، ثم يندم أشد الندم لألم الفوت.

فاتركي هذا الطريق، وابحثي عن طرقٍ شرعيةٍ، واحذري حبائلَ الشيطان التي يزين بها الحرام؛ ليوقع الإنسان في الشر، ويصده عن طريق الخير.

رزقنا الله وإياك علمًا نافعًا وعملًا مُتَقَبَّلًا.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 0
  • 0
  • 4,645

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً