سورة سبأ - تفسير السعدي



" الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير "

الثناء الجمبل والشكر الكامل لله وحده الذي له ملك ما في السموات وما في الأرض, وله الثناء التام في الآخرة, وهو الحكيم في فعله, الخبير بشؤون خلقه.

" يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور "

يعلم كل ما يدخل في الأرض من قطرات الماء, وما يخرج منها من النبات والمعادن والمياه, وما ينزل من السماء من الأمطار والملائكة والكتب, وما يصعد إليها من الملائكة وأفعال الخلق.
وهو الرحيم بعباده فلا يعاجل عصاتهم بالعقوبة, الغفور لذنوب التائبين إليه المتوكلين عليه.

" وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين "

وقال الكافرون المنكرون للبعث: لا تأتينا القيامة, قل لهم -يا محمد-: بلى وربي لتأتينكم, ولكن لا يعلم وقت مجيئها أحد سوى الله علام الغيوب, الذي لا يغيب عنه وزن نملة صغيرة في السموات والأرض, ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا هو مسطور في كتاب واضح, وهو اللوح المحفوظ;

" ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم "

ليثيب الذين صدقوا بالله, واتبعوا رسوله, وعملوا الصالحات.
أولئك لهم مغفرة لذنوبهم ورزق كريم, وهو الجنة.

" والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم "

والذين سعوا في الصد عن سبيل الله وتكذيب رسله وإبطال إياتنا مشاقين الله مغالبين أمره, أولئك لهم أسوأ العذاب وأشده ألما.

" ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد "

ويعلم الذين أعطوا العلم أن القرآن الذي أنزل إليك من ربك هو الحق, ويرشد إلى طريق الله, العزيز الذي لا يغالب ولا يمانع, بل قهر كل شيء وغلبه, المحمود في أقواله وأفعاله وشرعه.

" ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد "

ويعلم الذين أعطوا العلم أن القرآن الذي أنزل إليك من ربك هو الحق, ويرشد إلى طريق الله, العزيز الذي لا يغالب ولا يمانع, بل قهر كل شيء وغلبه, المحمود في أقواله وأفعاله وشرعه.

" أفترى على الله كذبا أم به جنة بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد "

هذا الرجل أختلق على الله كذبا أم به جنون, فهو يتكلم بما لا يدري؟ ليس الأمر كما قال الكفار, بل محمد أصدق الصادقين.
والذين لا يصدقون بالبعث ولا يعملون من أجله في العذاب الدائم في الآخرة, والضلال البعيد عن الصواب في الدنيا.

" أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء إن في ذلك لآية لكل عبد منيب "

أفلم ير هؤلاء الكفار الذين لا يؤمنون بالآخرة عظيم قدرة الله فيما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض مما يبهر العقول, وأنهما قد أحاطتا بهم؟ إن نشأ نخسف بهم الأرض, كما فعلنا بقارون, أو ننزل عليهم قطعا من العذاب, كما فعلنا بقوم شعيب, فقد أمطرت السماء عليهم نارا فأحرقتهم.
إن في ذلك الذي ذكرنا من قدرتنا لدلالة ظاهرة لكل عبد راجع إلى ربه بالتوبة, ومقر له بتوحيده, ومخلص له في العبادة.

" ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد "

ولقد أتينا داود نبوة, وكتابا وعلما, وقلنا للجبال والطير: سبحي معه, وألنا له الحديد, فكان كالعجين يتصرف فيه كيف يشاء.

" أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير "

أن اعمل دروعا تامات واسعات وقدر المسامير في حلق الدروع, فلا تعمل الحلقة صغيرة فتضعف, فلا تقوى الدروع على الدفاع, ولا تجعلها كبيرة فتثقل على لابسها, واعمل يا داود أنت وأهلك بطاعة الله, إني بما تعملون بصير لا يخفى علي شيء منها.

" ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير "

وسخرنا لسليمان الريح تجري صن أول النهار إلى انتصافه مسيرة شهر, ومن منتصف النهار إلى الليل مسيرة شهر بالسير المعتاد, وأسلنا له النحاس كما يسيل الماء, يعمل به ما يشاء, وسخرنا له من الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه, ومن يعدل منهم عن أمرنا الذي أمرنا به من طاعة سليمان نذقه من عذاب النار المستعرة.

" يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور "

يعمل الجن لسليمان ما يشاء من مساجد للعبادة, وصور من نحاس وزجاج, وقصاع كبيرة كالأحواض التي يجتمع فيها الماء, وقدور ثابتات لا تتحرك من أماكنها لعظمهن, وقلنا يا آل داود: اعملوا شكرا لله على ما أعطاكم, وذلك بطاعته وامتثال أمره, وقليل من عبادي من يشكر الله كثيرا, وكان داود وآله من القليل.

" فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين "

فلما قضينا على سليمان بالموت ما دل الجن على موته إلا الأرضة تأكل عصاه التي كان متكئا عليها, فوقع سليمان على الأرض, عند ذلك علمت الجن أنهم لو كانوا يعلمون الغيب ما أقاموا في العذاب المذل والعمل الشاق لسليمان.
ظنا منهم أنه من الأحياء.
وفي الآية إبطال لاعتقاد بعض الناس أن الجن يعلمون الغيب; إذ لو كانوا يعلمون الغيب لعلموا وفاة سليمان عليه السلام, ولما أقاموا في العذاب المهين.

" لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور "

لقد كان لقبيلة سبأ بـ(اليمن) في مسكنهم دلالة على قدرتنا: بستانان عن يمين وشمال, كلوا من رزق ربكم, واشكروا له نعمه عليكم; فإن بلدتكم كريمة التربة حسنة الهواء, وربكم غفور لكم.

" فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل "

فاعرضوا عن أمر الله وشكره وكذبوا الرسل, فأرسلنا عليهم السيل الجارف الشديد الذي خرب السد وأغرق البساتين, وبدلناهم بجنتيهم المثمرتين جنتين ذواتي أكل خمط, وهو الثمر المر الكريه الطعم, وأثل وهو شجر شبيه بالطرفاء لا ثمر له, وقليل من شجر النبق كثير الشوك.

" ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور "

ذلك التبديل من خير إلى شر بسبب كفرهم, وعدم شكرهم نعم الله, وما نعاقب بهذا العقاب الشديد إلا الجحود المبالغ في الكفر, يجازي بفعله مثلا بمثل.

" وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين "

وجعلنا بين أهل (سبا) -وهم (باليمن)- والقرى التي باركنا فيها -وهي (الشام)- مدنا متصلة يرى بعضها من بعض, وجعلنا السير فيها سيرا مقدرا من منزل إلى منزل لا مشقة فيه, وقلنا لهم: سيروا في تلك القرى في أي وقت شئتم من ليل أو نهار, آمنين لا تخافون عدوا, رلا جوعا ولا عطشا.

" فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور "

فبطغيانهم ملوا الراحة والأمن ورغد العيش, وقالوا: ربنا اجعل قرانا متباعدة; ليبعد سفرنا بينها, فلا نجد قرى عامرة في طريقنا, وظلموا أنفسهم بكفرهم فأهلكناهم, وجعلناهم عبرا وأحاديث لمن يأتي بعدهم, وفرقناهم كل تفريق وخربت بلادهم, إن فيما حل (بسبأ) لعبرة لكل صبار على المكاره والشدائد, شكور لنعم الله تعالى.

" ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين "

ولقد ظن إبليس ظنا غير يقين أنه سيضل بني آدم, وأنهم سيطيعونه في معصية الله, فصدق ظنه عليهم, فأطاعوه وعصوا ربهم إلا فريقا من المؤمنين بالله, فإنهم ثبتوا على طاعة الله.

" وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ "

وما كان لإبليس على هؤلاء الكفار من قهر على الكفر, ولكن حكمة الله اقتضت تسويله لبني آدم; لنعلم من يصدق بالبعث والثواب والعقاب ممن هو في شك من ذلك.
وربك على كل شيء حفيظ, يحفظه ويجازي عليه.

" قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير "

قل -يا محمد- للمشركين: ادعوا الذين زعمتموهم شركاء لله فعبدتموهم من دونه من الأصنام والملائكة والبشر, واقصدوهم في حوائجكم, فإنهم لن يجيبوكم, فهم لا يملكون وزن نملة صغيرة في السموات ولا في الأرض, وليس لهم شركة فيهما, وليس لله من هؤلاء المشركين معين على خلق شيء, بل الله -سبحانه وتعالى- هو المتفرد بالإيجاد, فهو الذي يعبد وحده, ولا يستحق العبادة أحد سواه.

" ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير "

ولا تنفع شفاعة الشافع عند الله تعالى إلا لمن أذن له.
ومن عظيم قدرة الله عز وجل أنه إذا تكلم سبحانه بالوحي فسمع أهل السموات كلامه أرعدوا من الهيبة, حتى يلحقهم مثل الغشي, فإذا زال الفزع عن قلوبهم سأل بعضهم بعضا: ماذا قال ربكم؟ قالت الملائكة: قال الحق, وهو العلي بذاته وقهره وعلو قدره, الكبير على كل شيء.

" قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين "

قل -يا محمد- للمشركين: من يرزقكم من السموات بالمطر, ومن الأرض بالنبات والمعادن وغير ذلك؟ فإنهم لا بد أن يقروا بأنه الله, وإن لم تقروا بذلك فقل لهم: الله هو الرزاق, وإن أحد الفريقين منا ومنكم لعلي هدى متمكن منه, أو في ضلال بين منغمس فيه.

" قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون "

قل: لا تسألون عن ذنوبنا, ولا نسأل عن أعمالكم; لأننا بريئون منكم ومن كفركم.

" قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم "

قل: ربنا يجمع بيننا وبينكم يوم القيامة, ثم يقضي بيننا بالعدل, وهو الفتاح الحاكم بين خلقه, العليم بما ينبغي أن يقضى به, وبأحوال خلقه, لا تخفى عليه خافية.

" قل أروني الذين ألحقتم به شركاء كلا بل هو الله العزيز الحكيم "

قل: أروني بالحجة والدليل الذين ألحقتموهم بالله وجعلتموهم شركاء له في العبادة, هل خلقوا شيئا؟ ليس الأمر كما وصفوا, بل هو المعبود بحق الذي لا شريك له, العزيز في انتقامه ممن أشرك به الحكيم في أقواله وأفعاله وتدبير أمور خلقه.

" وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون "

وما أرسلناك -يا محمد- إلا للناس أجمعين مبشرا بثواب الله, ومنذرا عقابه, ولكن أكثر الناس لا يعلمون الحق, فهم معرضون عنه.

" ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين "

ويقول هؤلاء المشركون مستهزئين: متى هذا الوعد الذي تعدوننا أن يجمعنا الله فيه, ثم يقضي بيننا, إن كنتم صادقين فيما تعدوننا به؟

" قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون "

قل لهم -يا محمد-: لكم ميعاد هو آتيكم لا محالة, وهو ميعاد يوم القيامة, لا تستأخرون عنه ساعة للتوبة, ولا تستقدمون ساعة قبله للعذاب.
فاحذروا ذلك اليوم, وأعدوا له عدته.

" وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين "

وقال الذين كفروا: لن نصدق بهذا القرآن ولا بالذي تقدمه من التوراة والإنجيل والزبور, فقد كذبوا بجميع كتب الله.
ولو ترى -يا محمد- إذ الظالمون محبوسون عند ربهم للحساب, يتراجعون الكلام فيما بينهم, كل يلقي بالعتاب على الآخر, لرأيت شيئا فظيعا, يقول المستضعفون للذين استكبروا -وهم القادة والرؤساء الضالون المضلون-: لولا أنتم أضللتمونا عن الهدى لكنا مؤمنين بالله ورسوله.

" قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين "

قال الرؤساء للذين استضعفوا: أنحن منعناكم من الهدى بعد إذ جاءكم؟ بل كنتم مجرمين إذ دخلتم في الكفر بإرادتكم مختارين.

" وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون "

وقال المستضعفون لرؤسائهم في الضلال: بل تدبيركم الشر لنا في الليل والنهار هو الذي أوقعنا في التهلكة, فكنتم تطلبون منا أن نكفر بالله, ونجعل له شركاء في العبادة, وأسر كل من الفريقين الحسرة حين رأوا العذاب الذي أعد لهم, وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا, لا يعاقبون بهذا العقاب إلا بسبب كفرهم بالله وعملهم السيئات في الدنيا.
وفي الآية تحذير شديد من متابعة دعاة الضلال وأئمة الطغبان.

" وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون "

وما أرسلنا في قرية من رسول يدعو الى توحيد الله وإفراده بالعبادة, إلا قال المنغمسون في اللذات والشهوات من أهلها: إنا بالذي جئتم به -أيها الرسل- جاحدون.

" وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين "

وقالوا: نحن أكثر منكم أموالا وأولادا, والله لم يعطنا هذه النعم إلا لرضاه عنا, وما نحن بمعذبين في الدنيا ولا في الآخرة.

" قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون "

قل لهم -يا محمد-: إن ربي يوسع الرزق في الدنيا لمن يشاء من عباده, ويضيق على من يشاء, لا لمحبة ولا لبغض, ولكن يفعل ذلك اختبارا, ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن ذلك اختبار لعباده; لأنهم لا يتأملون.

" وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون "

وليست أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا قربى, وترفع درجاتكم, لكن من آمن بالله وعمل صالحا فهؤلاء لهم ثواب الضعف من الحسنات, فالحسنة بعشر أمثالها إلى ما يشاء الله من الزيادة, وهم في أعالي الجنة آمنون من العذاب والموت والأحزان.

" والذين يسعون في آياتنا معاجزين أولئك في العذاب محضرون "

والذين يسعون في إبطال حججنا, ويصدون عن سبيل الله مشاقين مغالبين, هؤلاء في عذاب جهنم يوم القيامة, تحضرهم الزبانية, فلا يخرجون منها.

" قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين "

قل -يا محمد- لهؤلاء المغترين بالأموال والأولاد: إن ربي يوسع الرزق على من يشاء من عباده, ويضيفه على من يشاء; لحكمة يعلمها, ومهما أعطيتم من شيء فيما أمركم به فهو يعوضه لكم في الدنيا بالبدل, وفي الآخرة بالثواب, وهو -سبحانه- خير الرازقين, فاطلبوا الرزق منه وحده, واسعوا في الأسباب التي أمركم بها.

" ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون "

واذكر -يا محمد- يوم يحشر الله المشركين والمعبودين من دونه من الملائكة, ثم يقول للملائكة على وجه التوبيخ لمن عبدهم: أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون من دوننا؟

" قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون "

قالت الملائكة: ننزهك يا ألله عن أن يكون لك شريك في العبادة, أنت ولينا الذي نطيعه ونعبده وحده, بل كان هؤلاء يعبدون الشياطين, أكثرهم بهم مصدقون ومطيعون.

" فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون "

ففي يوم الحشر لا يملك المعبودون للعابدين نفعا ولا ضرا, ونقول للذين ظلموا أنفسهم بالشرك والمعاصي: ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون.

" وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين "

وإذا تتلى على كفار (مكة) آيات الله واضحات قالوا: ما محمد إلا رجل يرغب أن يمنعكم عن عبادة الآلهة التي كان يعبدها آباؤكم, وقالوا: ما هذا القرآن الذي تتلوه علينا -يا محمد- إلا كذب مختلق, جئت به من عند نفسك, وليس من عند الله, وقال الكفار عن القرآن لما جاءهم: ما هذا إلا سحر واضح.

" وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير "

وما أنزلنا على الكفار من كتب يقرؤونها قبل القرآن فتدلهم على ما يزعمون من أن ما جاءهم به محمد سحر, وما أرسلنا إليهم قبلك -يا محمد- من رسول ينذرهم بأسنا.

" وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي فكيف كان نكير "

وكذب الذين من قبلهم كعاد وثمود رسلنا, وما بلغ أهل (مكة) عشر ما آتينا الأمم السابقة من القوة, وكثرة المال, وطول العمر وغير ذلك من النعم, فكذبوا رسلي فيما جاؤوهم به فأهلكناهم, فانظر -يا محمد- كيف كان إنكاري عليهم وعقوبتي إياهم؟

" قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد "

قل -يا محمد- لهؤلاء المكذبين المعاندين: إنما أنصح لكم بخصلة واحدة أن تنهضوا في طاعة الله اثنين اثنين وواحدا واحدا, ثم تتفكروا في حال صاحبكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيما نسب إليه, فما به من جنون, وما هو الا مخوف لكم, ونذير من عذاب جهنم قبل أن تقاسوا حرها.

" قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد "

قل -يا محمد- للكفار: ما سألتكم على الخير الذي جئتكم به من أجر فهو لكم, ما أجري الذي أنتظره إلا على الله المطلع على أعمالي وأعمالكم, لا يخفى عليه شيء فهو يجازي الجميع, كل بما يستحقه.

" قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب "

قل -يا محمد- لمن أنكر التوحيد ورسالة الإسلام: إن ربي يقذف الباطل بحجج من الحق, فيفضحه ويهلكه, والله علام الغيوب, لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.

" قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد "

قل -يا محمد-: جاء الحق والشرع العظيم من الله, وذهب الباطل, واضمحل سلطانه, فلم يبق للباطل شيء يبدؤه ويعيده.

" قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي إنه سميع قريب "

قل: إن ملت عن الحق فإثم ضلالي على نفسي, وإن استقمت عليه فبوحي الله الذي يوحيه إلي, إن ربي سميع لما أقول لكم, قريب ممن دعا وسأله.

" ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب "

ولو ترى -يا محمد- إذ فزع الكفار حين معاينتهم عذاب الله, لرأيت أمرا عظيما, فلا نجاة لهم ولا مهرب, وأخذوا إلى النار من موضع قريب التناول.

" وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد "

وقال الكفار -عندما رأوا العذاب في الآخرة-: آمنا بالله وكتبه ورسله, وكيف لهم تناول الإيمان في الآخرة ووصولهم له من مكان بعيد؟ قد حيل بينهم وبينه, فمكانه الدنيا, وقد كفروا فيها.

" وقد كفروا به من قبل ويقذفون بالغيب من مكان بعيد "

وقد كفروا بالحق في الدنيا, وكذبوا الرسل, ويرمون بالظن من جهة بعيدة عن إصابة الحق, ليس لهم فيها مستند لظنهم الباطل, فلا سبيل لإصابتهم الحق, كما لا سبيل للرامي إلى إصابة الغرض من مكان بعيد.

" وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك مريب "

وحيل بين الكفار وما يشتهون من التوبة والعودة إلى الدنيا ليؤمنوا, كما فعل الله بأمثالهم من كفرة الأمم السابقة, إنهم كانوا في الدنيا في شك من أمر الرسل والبعث والحساب, محدث للريبة والقلق, فلذلك لم يؤمنوا.

 

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً