ضوابط الشريعة الإسلامية لحفظ عفة المجتمع

منذ 2013-02-05

الإسلام دين الفضيلة والحياء، بل إن الحياء خلق الإسلام، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لكل دين خلقًا وخلق الإسلام الحياء» ولذلك حرم الإسلام الفواحش وسدَّ كل الطرق المؤدية إليها، وهذه جملة من الضوابط لحراسة الفضيلة وحفظ الحياء.


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

فالإسلام دين الفضيلة والحياء، بل إن الحياء خلق الإسلام، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لكل دين خلقًا وخلق الإسلام الحياء» (رواه الإمام مالك وابن ماجه، وقال الألباني: صحيح لغيره)، وقال عليه الصلاة والسلام: «الحياء والإيمان قرنا جميعًا فإذا رفع أحدهما رفع الآخر» (رواه الحاكم والبيهقي، وصححه الألباني).

ولذلك حرم الإسلام الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وعلى رأس ذلك الزنا واللواط، بل جعل فيه حدًا رادعًا، ففي الزنا البكر يجلد مائة جلدة ويغرب عامًا، والثيب يرجم بالحجارة، وفعل قوم لوط فيه القتل، وذلك لما في هذه الفواحش من الضرر البالغ، والمفاسد العظيمة من جلب العار، وتدنيس العرض، واختلاط الأنساب، وكثرة اللقطاء، وضياع وفساد الأسر، وانتشار الأمراض، كما ثبت في الحديث: «لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا» (رواه ابن ماجه، وقال الألباني: صحيح لغيره).

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنحن نرى مصداق قوله في انتشار الأمراض الفتاكة التي لم تكن تعرف قبل ذلك كالإيدز والزهري وغيرهما... بسبب انتشار الفواحش، بل والإعلان بها عن طريق العفانة والقذارة الغربية.

وكما حرم الإسلام الفواحش سدَّ كل الطرق المؤدية إليها، وهذه جملة من الضوابط لحراسة الفضيلة وحفظ الحياء منها:

1- تنمية الشعور عند العبد بمراقبة الله عز وجل، وأن الله سميع، بصير، عليم، خبير، يراه ويطلع عليه سبحانه وتعالى، فيستحي من فعل القبائح.

2- إيجاب الحجاب والستر على المرأة حتى لا تكون مطمعًا لمن في قلبه مرض: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب:59].

3- حرمة التبرج وخروج المرأة متطيبة: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى}[الأحزاب:33]، وقال صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية» (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني).

4- وجوب غض البصر على الرجال والنساء: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}[النور:30].

5- المنع من خضوع المرأة بالقول عند محادثة الرجال: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً}[الأحزاب:32].

6- حرمة مصافحة المرأة الأجنبية لحديث: «لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له» (رواه البيهقي والطبراني، وصححه الألباني). وحديث: «واليد زناها البطش» (متفق عليه).

7- حرمة سفر المرأة بلا محرم منها، لحديث: «لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم» (متفق عليه).

8- تحريم الخلوة بالأجنبية، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: «لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم» (متفق عليه)، وحديث: «لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان» (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، والخلوة بالأجنبية من أعظم الذرائع وأقرب الطرق إلى اقتراف الفاحشة الكبرى. وقد صرح القرطبي رحمه الله بأن الخلوة بغير محرم من الكبائر.

ومن أخطر صور الخلوة تلك التي تحدث في المكاتب والدروس الخصوصية وأماكن العمل.

9- تحريم الاختلاط المستهتر بين الرجال والنساء، وحرص الشريعة على المباعدة بين الرجال والنساء، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}[الأحزاب:53]، وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو تركنا هذا الباب للنساء» قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات. (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

وتأمل في الصلاة والمسجد «خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها» (رواه مسلم).

10- حرمة البذاء والفحش، لحديث: «ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء» (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

11- حرمة قذف المؤمن أو المؤمنة بالفاحشة قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ . إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:4-5].

12- وحرّم مجرد حب إشاعة الفاحشة، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}[النور:19]، فهذا من كبائر الذنوب أن يأخذ بالوسائل التي تزين وتشجع على الفاحشة من المسلسلات، والأفلام الماجنة، والقصص الغرامية، وغير ذلك من عرض الأغاني الخليعة والصور العارية في وسائل الإعلام، مما يشجع على تقليد الفساق والفجار، ويفتح أبواب الفساد.

13- وجوب الاستئذان عند دخول البيت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ . فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُم} [النور:27-28]، ووضحت السنة الهدف من الاستئذان وهو: "خشية أن تقع عين آثمة على عورة غافلة"، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الاستئذان من أجل البصر» (متفق عليه).

تنبيه ورد شبهة:
بعض الناس يستحل مصافحة النساء بزعم أن قلبه طاهر ونيته طيبة، فنقول له: أأنت أطهر قلبًا أم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!! وقد كان لا يصافح النساء.

وعن عائشة رضي لله عنها قالت: "وما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة إلا امرأة يملكها" (رواه البخاري).

ثم إن الشريعة عامة لكل زمان ومكان، وكل أحد، والأحكام معلقة بالأمور الظاهرة، وما في القلوب لا يعلمه إلا الله، فلا نستطيع أن نقول: مَنْ في قلبه مرض فلا يصافح النساء، أما أصحاب القلوب النظيفة فلهم المصافحة.

تنبيه ثانٍ:
بعض الرجال والشباب يتساهل في مخالطة النساء والخلوة بهن، بزعم أنها مثل أمه أو أخته، وهذا أمر عجيب فنحن نعلم المحرمات كالأم والأخت... فليس فيهن مثل الأم أو الأخت، ثم تسمع بعد ذلك عن وقوع المنكرات والفواحش مع من هي مثل الأم والأخت، فعلى المسلمين أن يتقوا الله في أنفسهم وفي نسائهم.

تنبيه ثالث:
اعلم أنه من أكبر الزواجر عن اقتراف الفواحش معرفة قاعدة: "أن الجزاء من جنس العمل"، وأنه يـُخشى على من انتهك حرمات وأعراض الناس، أن يسلط عليه من ينتهك حرمته وعرضه، ولعل الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يشير إلى ذلك مع هذا الشاب الذي جاء يستأذنه في الزنا فقال له: أترضاه لأمك أترضاه لأختك أترضاه لعمتك أترضاه لخالتك، كل ذلك يقول: لا، فيقول: وكذلك الناس، ثم دعا له: اللهم طهر قلبه وحصن فرجه(1).

نصيحة:
على رجال المسلمين وشبابهم أن يتقوا الله في أنفسهم وفي بيوتهم، فلا يدخلوا أجهزة الفساد إلى بيوتهم كالتلفاز والنت، ويشاهدوا هذه المنكرات، فهي أعظم أبواب الفتنة في هذا الزمان، والتي تسببت في انتشار الفواحش والمنكرات.

جنبنا الله وسائر المسلمين الفواحش ما ظهر منها وما بطن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: "إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنى! فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا مه مه! فقال: ادنه. فدنا منه قريبا. قال: فجلس. قال أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله! جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال أتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم. قال أتحبه لعمتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال أتحبه لخالتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه. فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء" (رواه أحمد، وصححه الألباني).