عام على إبادة الروهنجيا

منذ 2013-06-19

تتوالى النكبات والأمم المنكوبة تُنسى في خضم الأحداث. ومن بين القضايا التي تفجرت حيناً ثم اندثرت رغم ما يعانيه أهلها من إبادة ربما هي الأشنع في القرن الماضي وهي قضية أراكان المسلمة...


الجسد الإسلامي مثخن بالجراحات، لايكاد يندمل جرح إلا ويتدفق شلال من الدم من جرح آخر، كانت قضايا الأمة الإسلامية محدودة حتى رأى الغرب أن المسلمين انشغلوا بأنفسهم مع تلك الحدود البغيضة التي قسمت الجسد الإسلامي وأن كل دولة تستأثر بما لديها وأن مفهوم الأخوة أصبحت مبنية على المصالح لا على الدين حينها طمع الكفار في خيرات المسلمين فأصبحوا يحتلون دولة عقب دولة وأصبح المسلم الأبي يتلفت يمنة ليضمد جرحًا فيصاب من خلف ظهره بجراحات أكبر.

أصبح الطبيب الذي يداوي هذا الجسد مذهولاً لايدري من أين يبدأ فما أن يضمد جرحًا حتى يُفتح جرح آخر ينسيه الأول، وهكذا تتوالى النكبات والأمم المنكوبة تُنسى في خضم كل تلك الأحداث. ومن بين القضايا التي تفجرت حيناً ثم اندثرت رغم ما يعانيه أهلها من إبادة ربما هي الأشنع في القرن الماضي وهي قضية أراكان المسلمة.

أراكان .. مجدٌ تليد


أراكان؛ هي ولاية من ولايات اتحاد ميانمار تقع غربي بورما ويفصلها عن بقية ولايات بورما سلسلة جبال الهملايا فهي منفصلة تماماً عن بقية الولايات الميانمارية البوذية.

وصل المسلمون من التجار العرب إلى أراكان في عهد الخليفة هارون الرشيد حوالي سنة 788م، فبدأ الناس يتعرفون على هذا الدين المجيد وبدؤوا يدخلون في دين الله أفواجًا على أيدي هؤلاء التجار حتى جاء السلطان شهاب الدين وفتح البلاد إلى أن وصل إلى أراكان فأقيمت أول مملكة إسلامية على أراكان حوالي عام 1231م، فعاشت أراكان قرونا ذهبية تحت حكم الإسلام وعدله وسماحته وتناوب الحكام المسلمون على هذه المملكة والذين بلغوا 24 حاكماً خلال فترة وجود الدولة الإسلامية يحكمون بالعدل والرحمة ومن أشهرهم سليمان شاه وشيخ شاه وشجاع شاه.

وازدهرت الحياة في هذا العصر وبنيت العديد من الآثار الإسلامية والتي بقيت إلى الآن شاهدة على حضارة عريقة عادلة سكنت المنطقة، وبقيت الدولة في أيدي المسلمين حتى القرن الثامن عشر حينما اعتدى عليها الملك البوذي ثم وقعت تحت سيطرة الإنجليز مع جميع ولايات بورما.

تاريخ أراكان وأرقام من دماء


استولى الحقد على قلوب البوذيين وخططوا طويلاً لإخراج المسلمين من هذه الديار، ومن هنا بدأت فصول حكاية العذاب للشعب الروهنجي المسلم ففي عام 1942م ومع جلاء الاحتلال الانجليزي أقامت طائفة الماغ مذبحة عظيمة على الشعب الروهنجي المسلم؛ حيث قاموا بمهاجمة قرى المسلمين في أراكان وأحرقوا المزارع والبيوت؛ كما أخرجوا النساء والأطفال والرجال وقتلوهم بالسيوف والبنادق وبقروا بطون النساء الحوامل وقد وصف بعض شهود عيان هذه الواقعة بأنها أشبه بيوم الحشر.

1949م قامت قوات الحكومة بأعمال وحشية ضد الأقلية الروهنجية المسلمة فسلبوا الأموال وانتهكوا الأعراض وأحرقوا البيوت، وأدت هذه العملية إلى قتل الكثير وتهجير أكثر من 20,000 مسلم إلى البلاد المجاورة.

1955م قام البوذيون بحملة لتدنيس مساجد المسلمين وحولوا بعضها إلى معسكرات للجيش البوذي.

1978م اعتقلت الحكومة الميانمارية أعداداً كبيرة من الروهنجيا بحجة عدم حملهم لبطاقات المواطنة كما أهانوا النساء وعرضوهم للعذاب النفسي والجسدي، وألقيَ القبض على كل من حاول أن يحتج أو يقاوم وعذبوا فيه، وقد انتهكت الشرطة أعراض كثير من النساء المسلمات أثناء استجوابهن كما أن فتاة مسلمة قد اغتصبت من قبل مجموعة من البوذين حتى قضت نحبها واضطر الكثيرون للفرار بدينهم إلى الدول المجاورة ومنها دولة بنغلاديش.


هذا عرض مختصر لسلسلة من الانتهاكات التي تعرضت لها الأقلية الروهنجية المسلمة بهدف إبعادهم عن البلاد واحتلال أراكان.

التاريخ يعيد نفسه


10/يونيو/2012 كانت بداية شرارة مذبحة القرن الحادي والعشرين؛ حيث قتلت مجموعة من البوذيين عشرة من علماء المسلمين ومثلوا بجثثهم بطريقة وحشية فخرج المسلمون متظاهرين مطالبين بحقوقهم ولأن المسلم دمه هدر عندهم ولا حقّ له بالمطالبة قام البوذيون بإحياء حقدهم الدفين، فبدؤوا بشن حملة إبادة شرسة لم يشهدها العالم منذ قرون.

والمطلع على أوضاع الداخل يرى حجم الفاجعة وقدر المعاناة، حيث أُحرقت كثير من القرى بمن فيها وشُرد الآلاف وقُتل الكثير والأدهى والأمر هو انتهاك أعراض أخواتنا في الدين وبالرغم من كل ذلك إلا أن الشهامة الإسلامية في نفوس أبنائها قد ماتت؛ فلا مجيب لنداءاتهم ولاسامع لصرخاتهم وليس في الأمة واحد كالمعتصم ليحترق غيرة على هذه الأعراض التي انتهكت فيرفع راية الحق ليعيد الحقوق.

مرّ عام والأرقام التي وصلتنا تشير إلى عظم المأساة رغم أنها أرقام تقريبية للتكتم الإعلامي الذي تفرضه السلطات الميانمارية، ولتكونوا على معرفة بحجم الفاجعة إليكم هذه الأرقام السريعة خلال عام واحد:
أكثر من 10,000 شهيد قتلوا على أيدي البوذيين.
أكثر من 4000 غريق غرقوا أثناء هروبهم بدينهم عبر البحار.
أكثر من 5330 سجين وسجينة يمارس عليهم أبشع أنواع العذاب.
أكثر من 1200 روهنجي تم الاتجار بهم وبيعهم كعبيد في سوق النخاسة.
أكثر من 55 حيّا روهنجيا تم إحراقها.
أكثر من 320 مسجدا تم هدمه وأكثر من 1223 مسجدا تم إغلاقه.
أكثر من 243 مدرسة تم هدمها وأكثر من 643 مدرسة تم إغلاقها.
أكثر من 220,000 مشرد يعيشون ظروفا حالكة في مخيمات اللاجئين.
هذه نظرة سريعة وإحصائية تقريبية لعام واحد فيا مسلمون هل ننتظر عاما آخر حتى يباد الشعب بأكمله؟!

التاريخ يعيد نفسه وسيتكرر كل حين مادام أن المسلمين غارقين في نعيمهم وترفهم ومادام أننا ننتظر الغرب في كل صغيرة وكبيرة ليحلوا عنا أزماتنا مع أننا نرى عياناً موقف الغرب من القضية، وأن قتل المسلم بطولة يُكرم صاحبها وهذا مافعلت الدول الغربية حيث رفعت عن ميانمار العقوبات وأقامت الولايات المتحدة نشاطاً عسكريًا في المنطقة كما قدمت اليابان والبنك الدولي قرضا لميانمار كل ذلك بعد أن تواطأت الحكومة لإبادة المسلمين.


ولا عجب فملة الكفر واحدة، ولايحق لنا أن نلوم الغرب ونحن أمة الجسد الواحد لا نحرك ساكنا لتضميد جراحاتنا.
عام كامل مرّ على إبادة المسلمين ولازال المسلمون غارقون في الشهوات يجيدون كل شيء إلا الدفاع عن إخوانهم وأعراضهم.
مرّ عام ولازال المسلمون في أراكان يعيشون حالة الخوف والرعب فالموت يحيط بهم من كل مكان.


مرّ عام ولازال أطفال أراكان يستغيثون، سُرقت أحلام طفولتهم ورجال الأمة لم تتداركهم رحمة الأبوة بعد.
مرّ عام وآلاف الأعراض انتهكت وشباب أمتني يتفاخرون بذكوريتهم في بلاد الخنا وأماكن الدعارة وهم أشباه رجال.
مرّ عام وكل عام يتكاثر ذكور أمتي ويتناقص رجالها!
مرّ عام فيا أمة الإسلام إلى كم عام تنتظرون ؟؟ أما يبكيكم أنين مسلمة حرة؟ أما يشجيكم صراخ طفل جائع؟ أما يحزنكم آهات أم مكلومة؟!

مرّ عام ولازالت فصول الإبادة في استمرار فمتى يا أمتي نرى نهاية هذه الحكاية! متى سنرفع راية التوحيد أعزاء ونعيد الوطن المسلوب والحق المنتهك؟؟


اللهم إنك ترى حال إخواننا وما نزل بهم فاللهم انصرهم نصرا مؤزرا، اللهم إنهم عباد ضعفاء يؤمنون بك ولا ملجأ لهم إلا أنت فكن لهم يا رب خير معين.

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

إبراهيم محمد صديق ( الأراكاني )

باحت شرعي وداعية من أراكان