معركة القصير والخذلان العربي الخطير

منذ 2013-06-20

إن وعي أنقرة لخطورة هذا المشروع الإيرانى على أمن المنطقة العربية الإسلامية، فضلاً عن ذبح الشعب السوري، فإن صمود الثورة وقوتها الميدانية القائمة حالياً فرصة أخيرة لتحالف خليجي عربي تركي لتسليح الثورة سيجذب حتى مصر من تورطها الأخير، وسيخلق أرضية دعم نهائي وهي وحسب مآل الحسم والأمن الإستراتيجي.


نكتب هذه المقالة على مشارف الهجوم الذي يحشد له التحالف الطائفي الإيراني وميلشيا النظام على مدينة القصير بعد المذبحة الشنيعة في بانياس، وهي المعركة التي يعتبرها النظام قاعدة الرحى لتحقيق عودة المبادرة بيده للسيطرة على الأرض ميدانياً وليس فقط لإقامة دولة العلويين، وهي مركزية للتحالف الطائفي من إيران إلى حزبها في لبنان وحكومتها في العراق، حيث يندفع الحزب كلياً للداخل السوري عبر محور القصير، فيما قصفت قوات المالكي منطقة اليعربية التي يسيطر عليها الجيش السوري الحر لمحاولة توزيع واضطراب الجبهة العسكرية رغم ابتعاد النقطتين! لكن أي جهد يعتقده التحالف الطائفي يصب في معركة عودة الأسد يبادر به فوراً.

ويسعى النظام إلى تحقيق اختراق له في موازاة الصفقة الأمريكية الروسية التي رحبت طهران بها وأعلنت مشاركتها فيها، وكذلك فعل نظام الأسد كدلالة على أن اتفاق (لافروف – كيري) لم يكن إلا مشروعا لتصفية الثورة السورية سياسياً، وبقاء هيكل النظام الرئيسي في مفاصل الدولة، وهو الواضح تماماً في تفاصيل كل تسريبات المشروع الذي يُعتبر خلاصة التقاطع الإسرائيلي الإيراني للموقف من الثورة السورية كخطر إستراتيجي عليهم، وهو ما يتبناه الغرب قديماً وإن صدرت منه تصريحات مختلفة عن موقف كيري الأخيرة..

إلا أن الموقف النهائي هو منع الثورة السورية من الانتصار وتغطية التكلفة الدموية للمذابح بالإدانات الإنسانية، التي لا تُقدم ولا تُؤخر في مضمار حماية المدنيين ورعايتهم، في حين يعود الغرب إلى إدارة تنافس موجه بينه وبين الروس والإيرانيين بعد تصفية العدو المشترك وهو (الثورة السورية)، وبُعدها التحرري العربي كحياة سياسية جديدة وإرادة مستقلة للشعب، وكقوة صاعدة في مثلث التأثير الحيوي للمشرق العربي..

ومع اختراق إيران للموقف المصري ودعوة الرئيس مرسي الخطيرة وخطيئته الكبرى لضم الأسد للرباعية بعد تفاهمات مع الروس! تكتمل الحبكة السياسية ضد الثورة السورية وتمرير المشروع الدولي على أجساد الضحايا ودماء الشعب..

غير أنّ ذلك كله لا يكفي بحسب التجارب السابقة لصراع الثورة مع حلقات التآمر الدولي والإقليمي العديدة، فإن خلاصة النتائج تُشير إلى أنّ هذه القوى لم تكن تستطيع أن تحقق أي اختراق نوعي لسبب واحد وهو (قوة الميدان الثوري) وحصانته الذاتية وبرنامجه الداخلي المتماسك، ورغم أن الروس والأمريكيين استغلوا بأبشع الوسائط حماقة القاعدة في اقتحام الميدان وبلبلة الرأي العام، إلا أنّ الواقع الميداني عاد ليُثبت قوته المستقلة عن القاعدة بقيادة الجيش السوري الحر وفصائل إسلامية عديدة متحالفة أو منسقة معه، وصولاً إلى حركة تنسيق ميدانية مع بعض الكتائب التابعة لجبهة النصرة كميدان عسكري يواجه التحالف الإرهابي الطائفي وغطائه الغربي الروسي، ورغم كل التشويهات التي تورطت فيها جهات دينية وسياسية فضلاً عن الإعلام الغربي والإيراني من قدرة وتماسك وتنسيق فصائل الجيش السوري الحر، إلا أن شهادات محايدة ومباشرة وواقعا ميدانيا يثبت مركزية قيادة الجيش الحر، التي تعتبر كافية في ظل سجل الثورات المسلحة عالميا لتحقيق النصر النوعي..

حيث أنه لا توجد أي ثورة على الإطلاق خلت من فصائل جانبية أو خلافات وحتى مواجهات فرعية، لكن المفصل في سياق انتصارها النهائي هو القوة المركزية للثورة ميدانيا التي يمثلها الجيش السوري الحر بين فصائله المتوزعة على جغرافيا القطر السوري وظروفه الاجتماعية واللوجستية، وأثبتت مشاريع المجالس المحلية التي تُدير اليوم الشؤون الإنسانية والحياتية والأمن الجنائي والشرطي بالتنسيق مع الجيش السوري الحر قدرة الثورة على تحقيق قاعدة إدارة حكومة محلية مهيأة لأي تحول نوعي.

إن هذا الموجز الذي قدمناه عن وضعية الثورة غرضه التأكيد على أنّ مقولات صعوبة الدعم للمركزية الثورية لتشتتها واضطرابها غير صحيح، رغم وجود حالات فوضى محدودة هنا وهناك فهذا أمر طبيعي يدركه كل من عرف التاريخ الاجتماعي السياسي للثورات، فما بالك بثورة اجتمع العالم عليها وهي تحقق إلى الآن قوة صعود وتماسك..!

ثانياً: إن حدوث هذه الفجوات كان مرده إلى انزواء وانسحاب عنصر الدعم العربي المادي النوعي كماً وكيفاً للثورة، والذي كان بالإمكان أن يحقق بعون الله حسماً سريعاً لمصلحة الثورة ومستقبل الشعب في إطار وحدوي وحر للشعب السوري، يحاسب الجناة الإرهابيين ويبسط العدالة لبقية الشعب بكل طوائفه، لكن تقطّع هذا الدعم وضآلته هو ما وسّع هذه الفجوات وساعد الإيرانيين وحلفاءهم على ارتكاب المجازر وكذلك تدخل الآخرين.

إن هذا التخاذل العربي لن تصاب به سوريا فحسب، بل إن المشروع الإيراني لو خسرت الثورة لا سمح الله سيتحول إلى مارد عسكري يُطارد دول الخليج العربية، ولنا أن نتصور تهديد إيران الأخير للكويت من خلال مشهد القصير السورية، حيث حدود إيران من خلال العراق الذي تحتله ووجود شبكات لها داخل الكويت بحسب تصريحات رسمية سابقة، لقد أوهم الغرب بعض العرب أن ترك سوريا لوضع استنزاف قاتم ودائم سيشكل لهم أمنا إستراتيجيا -فلا تسلحوا الثورة- وهذا وهم يتبدد اليوم فتقدم قوات النخبة الإيرانية أو انفجار المشهد الإقليمي العام لدى الغرب خططا للتعامل معه من خارج دوله، لكن! ماذا عن دول الخليج العربي..؟ أين خططها وعلى ماذا ستراهن؟

إن المسار الإستراتيجي لأمن الخليج العربي يتقاطع كرؤية سياسية مصلحية محضة مع طموح الشعب السوري بتأمين انتصاره وانتقاله للدولة الجديدة، التي ستتحقق بعون الله بتسليح نوعي ودعم مادي ضخم، ومعارضة تركيا للاتفاق الأمريكي الروسي الإيراني الأخير ينطلق من وعي أنقرة لخطورة هذا المشروع على أمن المنطقة العربية الإسلامية، فضلاً عن ذبح الشعب السوري، ولذلك فإن صمود الثورة وقوتها الميدانية القائمة حالياً فرصة أخيرة لتحالف خليجي عربي تركي لتسليح الثورة سيجذب حتى مصر من تورطها الأخير، وسيخلق أرضية دعم نهائي وهي وحسب مآل الحسم والأمن الإستراتيجي.





مهنا الحبيل