أنيس المرأة في شهر الرحمة

منذ 2013-07-12

إن رمضان موسمٌ عظيمٌ فيه تتجلّى الرّحمات وتقبل الحسنات ويتجاوز ربّنا عن السيئات، فحريّ بكِ أخيّتي أن تستفيدي من هذا الموسم وذلك بالتوبة إلى الله والعودة إليه.

 


بسم الله الرّحمن الرحيم

المقدّمة

الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين. أمّا بعد:
أختي المسلمة:

يسرّني عبر هذه العجالة أن أهنئكِ بشهر رمضان المبارك شهر الرحمة والغفران وشهر الذكر والقرآن.
قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة:185].

وقال عليه الصّلاة والسّلام: «أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغلّ فيه مردة الشياطين، وفيه ليلة هي خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم» رواه الأمام أحمد والنسائي.

قد جاء شهر الصـوم فيه الأمان *** والعتق والفوز بسكنى الجنـــان
شـهرٌ شـريفٌ فيـه نـــــيـل المنى *** وهو طراز فوق كم الزمــــــــان
طوبى لمن قـد صــــامه واتـــقى *** مولاه في الفعل ونطق اللســان
ويا هنا مـن قــام في ليــــــــــلة *** ودمـعه في الخــد يحكي الجمان
ذاك الــذي قد خصــّه ربّــــــــــه *** بجنّة الخلـــد وحور حســـــــان
هنــاكم الله بشـــــــــهر أتـــــــى *** في مدحه القــرآن نص عيــــان

ولما لاحظت من إضاعة الأوقات والسّهر على اللّهو والمنكرات في هذا الموسم العظيم من قبل بعض الأخوة والأخوات، ولكون المرأة أكثر تأثّراً في مثل هذا الموسم، ومن باب النصيحة، جمعت لها بعض النصائح في رسالة أسميتها "أنيس المرأة في شهر الرحمة"، أسأل الله أن ينفع بها الجميع وصلّى الله على نبيّنا محمّد.


فضل الصّيام

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له، إلا الصّوم فإنه لي، وأنا أجزي به، والصّيام جنّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابّه أحدٌ أو قاتله فليقل: إنّي صائم، إنّي صائم، والذي نفس محمّد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه». رواه البخاري(1904)

وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال عليه الصّلاة والسّلام: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدّم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه». رواه البخاري(2014)

وعن سهل بن سعد الساعدي قال: قال عليه الصّلاة والسّلام: «إنّ في الجنّة باباً يُقال له الرّيّان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحدٌ غيرهم، يُقال: أين الصائمون فيقومون لا يدخل منه أحدٌ غيرهم، فإذا دخلوا أُغلق فلم يدخل منه أحد». رواه البخاري(1896)

وعن أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال عليه الصّلاة والسّلام: «ما من عبدٍ يصوم يوماً في سبيل الله !لا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً». رواه مسلم (1153)

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال عليه الصَلاة والسَلام: «الصّيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصّيام: أي ربّ منعته الطعام والشّهوة، فشفّعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل، فشفّعني فيه، قال: فيشفعان». مسند أحمد (10/118)

وعن أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: أتيتُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: مرني بأمرٍ آخذه عنك، قال: «عليك بالصّوم فإنه لا مثل له» صحيح النسائي(2219)


وقفةٌ مع الوقت

الوقت هو حياتك أيّتها المرأة هو عمرك، وإذا كان ذلك الوقت في موسم الخيرات والبركات، فكيف يا ترى تمضينه في هذا الشهر الكريم؟
إنّنا إذا تأمّلنا واقع كثيرٍ من النساء في رمضان وكيف تقضي وقتها رثينا لحالها وعزّيناها، فالنوم في نهار رمضان يأخذ نصيب الأسد من وقت المرأة المسلمة، ثمّ يأتي في الدّرجة الثانية المطبخ، فنجدها تنام إلى الظهر، ثم تبدأ بترتيب المنزل، ثم الدخول إلى المطبخ لإعداد وجبة الإفطار إلى حوالي العصر، وبعد العصر إعداد المشروبات ومائدة الإفطار، وبعد الإفطار الاستعداد لمأدبة العشاء، وبعد العشاء العودة للمطبخ لغسل الأواني، ثم الاشتغال بالمسلسلات أو المكالمات الهاتفية الفضوليّة أو التجول في الأسواق بلا ضرورة ولا حاجة وهكذا!! إلى وقت السحور، ثم إعداد وجبة السحور، ثم النوم!! فبالله عليكِ هل استنفدتِ من شهر الرّحمات؟! هل تعرّضت لنفحات الرّحمن؟!

وقفةٌ بالله عليكِ مع بعض السّلف وكيف كانوا يحافظون على الأوقات، كان السلف الصالح ومن سار على نهجهم من الخلف أحرصَ الناس على كسب الوقت وملئه بالخير، سواء في ذلك عالمهم وعابدهم، فقد كانوا يسابقون الساعات ويبادرون اللّحظات، ضنّاً منهم بالوقت، وحرصاً على أن لا يذهب منهم هدراً.

نُقل عن عامر بن عبد قيس -أحد التابعين الزهّاد- أنّ رجلاً قال له: كلّمني، فقال له عامر بن عبد قيس: أمسك الشمس. يعني أوقف لي الشمس واحبسها عن المسير حتى أكلّمك، فإنّ الزمن متحرّكٌ دائبُ المضيّ لا يعود بعد مروره، فخسارته خسارةٌ لا يمكن تعويضها واستدراكها، لأنّ لكلّ وقتٍ ما يملؤه من العمل. قال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "ما ندمت على شيء ندمي على يومٍ غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي".

وقال الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : "إنّ اللّيل والنّهار يعملان فيك، فاعمل فيهما".

وقال الحسن البصري: "يا ابن آدم، إنما أنت أيام، فإذا ذهب يومٌ ذهب بعضك"، وقال أيضا: "أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشدّ منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم".

وقال عمار بن رجاء: سمعت عبيد بن يعيش يقول: "قمت ثلاثين سنة ما أكلت بيدي بالليل، كانت أختي تلقمني وأنا أكتب الحديث".

إذا كان رأس المال عمرك فاحترز *** عليه من الإنفاق في غير واجب
فبين اختلاف الليل والصبح معرك *** يكرّ علينا جيشـه بالعجـــــــائـب

وقال الوزير بن هبيرة :
والوقت أنفس ما عنيت بحفظـه *** وأراه أسهل ما عليك يضيـع


برنامجٌ يومي لاستغلال الشهر

وبعد تلك الوقفة مع الوقت وأهميته يطيب لي أن أرسم لكِ منهجاً يومياً للاستفادة من الوقت في هذا الشهر العظيم:

* فبعد صلاة الفجر يمكنك الجلوس في المصلّى لقراءة القرآن، وذكر الأوراد الصباحية إلى أن تطلع الشمس وترتفع قيد رمح ثمّ تصلين ركعتين أو أكثر. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال عليه الصّلاة والسّلام: «من صلّى الصبح في جماعة ثم قعد يذكر اللّه حتى تطلع الشمس ثمّ صلّى ركعتين، كانت له كأجر حجةٍ وعمرة تامّة تامّة تامّة». الترغيب والترهيب (1/220)

وعن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا صلّى الفجر لم يقم من مجلسه حتى تمكنه الصّلاة، وقال: «من صلّى الصبح ثمّ جلس في مجلسه حتى تمكنه الصّلاة، كان بمنزلة عمرة وحجّة متقبلتين». صحيح الترغيب (468)

* وبعد ذلك لا بأس من أخذ قسطٍ من النوم إلى وقت ذهاب الأولاد إلى المدرسة، فتعدّ للأطفال وجبة الإفطار إن كانوا لا يقدرون على الصوم، مع ملاحظة تعويدهم وتربيتهم على الصّيام وحثّهم عليه وترغيبهم فيه.
روى البخاري عن الربيع بنت معوذ قالت: كنا نصومه -أي يوم عاشوراء- بعد ونصوّم صبياننا ونجعل لهم اللّعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذلك حتى يكون عند الإفطار.

* وبعد ذهاب الأولاد للمدرسة الاستفادة إمّا بسماع شريط إسلامي أو تلاوة قرآن ثم صلاة الظهر وحافظي على السنن الرواتب، فعن أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان قالت:  قال عليه الصّلاة والسّلام: «ما من عبدٍ مسلمٍ يصلّي للّه تعالى كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوّعاً غير الفريضة، إلا بنى اللّه له بيتاً في الجنة أو إلا بُني له بيتٌ في الجنة». صحيح الترغيب(579)

* وبعد صلاة الظهر والنافلة أخذ قسط من القيلولة إلى قبيل العصر ثمّ صلاة العصر ويا حبذا لو تصلّين قبل الفريضة، فعن عبد الله بن عمر قال: قال عليه الصّلاة والسّلام: «رحم اللّه امرأ صلّى قبل العصر أربعاً» سنن الترمذي (430)

* وبعد صلاة العصر اجتماع عائلي "مجلس ذكر" وذلك بإجراء مسابقة لحفظ سور من القرآن وأحاديث من رياض الصالحين أو الأربعين النووية، وتشجيع الأولاد على ذلك ومنحهم الجوائز القيّمة. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال عليه الصّلاة والسّلام: «لا يقعد قوم يذكرون اللّه عز وجل إلا حفّتهم الملائكة وغشيتهم الرّحمة ونزلت عليهم السّكينة». صحيح مسلم (2700)

* وبعد ذلك إعداد وجبة الإفطار، وأذكّركِ بقول اللّه تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء:127]، فلا تبذّري وتسرفي، فكثيرٌ من المسلمات جعلوا من رمضان عرضاً لأصناف المأكولات والمشروبات، فتجد على المائدة أكثر من عشرة أصناف من أشكال الطعام وألوانه، فالمرأة المفرطة هي التي تقضي أغلب وقتها في المطبخ لإعداد ألوان الطعام، فيذهب يومها كأمسها وغدها كيومها وهكذا حتى ينتهي الشهر الكريم وهي حبيسة المطبخ، لا تزيد في رصيدها من الدّرجات ولا تثقل ميزانها بالحسنات.

فيا أختي المسلمة هذا شهر القرآن والقيام لا شهر الطبخ والطعام، وتذكّري أخواتك المسلمات اللاتي لا يجدن ما يسدّ رمقهن.
وعند الإفطار لا تنسي الدعاء لإخوانك الذين شُرِّدوا من ديارهم وأوذوا وقتلوا وهُتكت أعراضهم وذلك بالإلحاح والتضرّع إلى اللّه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال عليه الصّلاة والسّلام: «ثلاث دعوات مستجابات دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده». سنن الترمذي (3448)

* ثم بعد الإفطار وصلاة المغرب طعام العشاء واستراحة قليلة ثم الاستعداد لصلاة التراويح، وحذار من التفريط في صلاة التراويح، ويا حبذا لو أدّيت الصّلاة في البيت، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال عليه الصّلاة والسّلام: «لا تمنعوا النّساء أن يخرجن إلى المساجد وبيوتهن خيرٌ لهن». مسند أحمد (7/234)

وإذا أرادت المرأة الصّلاة في المسجد فيجب ملاحظة ما يلي:
1- أن تكون متستّرة بالثياب والحجاب الكامل.
2- أن تخرج غير متطيّبة.
3- أن لا تخرج متزينة بالثياب والحلي.
4- أن لا تركب مع السائق بمفردها.
5- عدم اصطحاب الأطفال.

* ثم بعد صلاة التراويح صلة رحم أو زيارة أخويّة، وحذار من إضاعة الوقت أمام الأجهزة المدمّرة والأفلام الهابطة، وجليسات السوء اللاتي لا همّ لهن إلا الدنيا وأحدث ما نزل للأسواق، وآخر ما ابتُدع من الموديلات، فهنّ يُمتن القلوب الحيّة ويثبّطن العزائم العالية، فابحثي عمن تعينك على الطّاعة وتقرّبك إلى الرّحمن.

عن المرء لا تسأل واسأل عن قرينه *** فكل قرينٍ بالمُقــــــــارَن يقتدي

* وبعد ذلك أخذ قسطٍ من النوم في اللّيل لأن نوم النهار لا يغني عن نوم اللّيل، وإن تيسّر قيام اللّيل فحسن، عن أبي أمامة الباهلي قال: قال عليه الصّلاة والسّلام: «عليكم بقيام الّليل، فإنّه دأب الصّالحين قبلكم، وقربة إلى ربّكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم». شرح السنّة (2/458)

وعن عمرو بن عبسة السلمي قال: قا? عليه الصلاة والسلام: «أقرب ما يكون الربّ من العبد في جوف اللّيل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر اللّه في تلك السّاعة فكن». سنن الترمذي (3579)

يا نفـس فاز الصّالحون بالتقى *** قد أبصروا الحق وقلبي قد عمي
يا حسـنهــم والليل قد جنّـــهـم *** ونــورهــم يفـوق نـــور الأنجــــمِ
ترنّمـــوا بالــذكـر فـي ليلــهــم *** فعيشهــم قــد طــــــــاب بـالتّــرنّمِ
قلوبهــم للذكـــر قـد تفــرّغــت *** دمــوعهــم كـلـؤلـــؤٍ مـنـتـــــظــمِ
أسحارهم بـــهم لم قـد أشرعت *** وخلع الغـفران خــيــر القســــــم ِ
ويحـك يــا نفـــس ألا تـيــقـــظ *** ينفـــع قبـــــل أن تــزل قـــدمـــي
مضى الزمان في توان وهوى *** فاســـتدركي ما قـد بقى واغتنمي

* وبعد ذلك الاستعدادُ للسحور والمحافظة عليه، فعن عبد الله بن عمر قال: قال عليه الصّلاة والسّلام: «إنّ اللّه تعالى وملائكته يصلّون على المتسحّرين» الترغيب والترهيب (1/149)، وأكثري في ذلك الوقت من الاستغفار، قال تعالى: {وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُون} [الذاريات:18].

* وأمّا بالنسبة للعشر الأواخر فينبغي استغلال كلّ أوقاته بالصّلاة والذكر والدّعاء، وهذه عائشة رضي اللّه عنها تخبرنا بفعل الرسول في العشر فتقول: "كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أحيا اللّيل، وأيقظ أهله، وجدّ وشدّ المئزر".

أدم الصّـيــام مـع القـيــام تـعـبـّــــداً *** فكلاهما عمـــــــلان مـقــبـولانِ
قم في الدجى واتل الكتـــاب ولا تنم *** إلا كنـــومـــة حــائـــرٍ ولـهــانِ
فلـربمـــــا تـأتــي المنـيـّــة بــغـتـــةً *** فتُســــــاق من فُرُشٍ إلى أكفانِ
يا حبّذا عينـان في غســــق الـدجى *** من خشــــــية الرحمــن باكيتانِ
فــاللّه يـنــزل كـلّ آخـــــر لـيــلـــــةٍ *** لسمــائـه الــدنـيـا بـلا كتمــــانِ
فـيــقــول: هـل من ســــائلٍ فأجيبـه *** فأنـــا القريب أجيب من ناداني


شهر القرآن

قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة:185].

وعن أبي أمامة الباهلي قال: قال صلّى اللّه عليه وسلّم: «اقرءوا القرآن فإنّه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه». صحيح مسلم (804)

وعن عبد الله بن مسعود قال: قال عليه الصّلاة والسّلام: «من قرأ حرفاً من كتاب اللّه فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول : ألم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف». سنن الترمذي (2910)

وكان جبريل عليه السّلام يدارس النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم القرآن في رمضان، وكان عثمان بن عفّان يختم القرآن كلّ يومٍ مرّة، وكان الشافعيّ يختم في رمضان ستين ختمة، وكان الزهريّ إذا دخل رمضان يقول إنّما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام، وكان الإمام أحمد بن حنبل يختم القرآن في كل أسبوع.

وإذا أردتِ أُخيّتي ختم القرآن كلّ سبعة أيّام فعليك بقراءة ثمان وثمانين صفحة كلّ يومٍ تقريباً، فاقتدي رحمكِ اللّه بأولئك الأخيار الأطهار واغتنمي ساعات الليل والنهار.

فبــادر إلـى الخيـرات قبل فـواتـها *** وخالف مراد النفس قبل مماتها
تبكي نفوسٌ في القيامة حســــــرة *** علـى فوت أوقـات زمان حياتها
فـلا تـغـتـر بالعـز والمـال والمنــى *** فكم قد بُلينا بانقلاب صفـــــاتها


أذكار وأدعية مأثورة

يطيب لي أن أورد لكِ بعض الأذكار المهمّة والتي غفل عنها كثيرٌ من المسلمين قال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً. وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الأحزاب:41-42].

وعن أبي الدرداء قال: قال عليه الصّلاة والسّلام: «ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخيرٌ لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخيرٌ لكم من أن تلقوا عدوّكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى، قال: ذكرُ اللّه عزّ وجلّ». جامع العلوم والحكم (2/67)

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال عليه الصّلاة والسّلام: «كلمتان خفيفتان على اللّسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرّحمن، سبحان اللّه وبحمده سبحان اللّه العظيم». رواه البخاري (6406)

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال عليه الصّلاة والسّلام: «من قال لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرّة كانت له عدل عشر رقابٍ وكُتبت له مائة حسنة، ومُحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحدٌ بأفضل ممّا جاء به إلا رجلٌ عمل أكثر منه». رواه البخاري (6403)

وعن سعد بن أبي وقاص قال: كنا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أيعجز أحدكم أن يكسب في كلّ يومٍ ألف حسنة؟ فسأله سائلٌ من جلسائه: كيف يكسب ألف حسنة؟ قال: يسبّح مائة تسبيحة، فيُكتب له ألف حسنة، أو يُحطّ عنه ألف خطيئة». صحيح مسلم (2698)

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال عليه الصّلاة والسّلام: «ألا أدلّك على كنزٍ من كنوز الجنة؟ فقلت: بلى يا رسول الله قال: قل: لا حول ولا قوّة إلا بالله». صحيح مسلم (2704)

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال عليه الصّلاة والسّلام: «من صلّى عليّ صلاة صلّى الله عليه بها عشراً». صحيح مسلم (384)

وعن زيد رضي الله تعالى عنه قال: قال صلّى الله عليه وسلّم : «من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحيّ القيّوم وأتوب إليه، غُفر له وإن كان قد فرّ من الزحف». سنن أبي داوود (1517)

عليك بمـا يفيدك في المعاد *** وما تنجو به يوم التنــــاد
فمالك ليس ينفع فيك وعظ *** ولا زجر كأنك من جــ،ـماد
ستندم إن رحـلـت بغير زاد *** وتشـــقى إذ يناديك المنـاد
فـــلا تفـــرح بـمــال تقتنيه *** فإنك فيه مـعكــوس المراد
وتـب مما جنيت وأنت حيّ *** وكن متنبها مــن ذا الرقاد
يســرك أن تكون رفيق قوم *** لـهـم زاد وأنـت بغيـر زاد


العمرة في رمضان

عن أبي معقل قال: قال صلّى الله عليه وسلّم: «عمرة في رمضان تعدل حجّة». الترغيب والترهيب (2/177)

فحاولي يا أخيّة بقدر استطاعتك بأن لا يفوتك هذا الأجر العظيم والموسم الكريم.
وإذا تيسّر لك ذلك فينبغي ملاحظة عدم السفر إلا مع محرم، والتفقه في كيفيّة العمرة الصحيحة وتطبيقها كما فعلها المصطفى عليه الصّلاة والسّلام.

ومن الأمور التي يحسن التنبيه عنها بالنسبة للمرأة في مكّة المكرّمة ما يلي:

عدم إضاعة الأوقات في التسوّق والأسواق، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال عليه الصّلاة والسّلام: «أحبّ البلاد إلى الله مساجدها وأبغض البلاد إلى الله أسواقها». صحيح مسلم (671)

وسُئل الشيخ صالح الفوزان عن حكم التردّد باستمرارٍ على الأسواق لمعرفة الجديد من السلع والتسابق للفوز بها؟ فأجاب الشيخ قائلاً: "مطلوبٌ من المرأة البقاء في بيتها والقيام بأعماله وبتربية أولادها ورعايتهم، فإنها راعيةٌ في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، قال تعالى : {{C}{C}وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ{C}{C}} أي الزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة. وقال صلّى الله عليه وسلّم: «{C}{C}إنّ المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان{C}{C}» وليست معرفة الجديد من السلع حاجة تبرّر لها الخروج من بيتها، فالخطر عظيمٌ خصوصاً في هذا الزمن الذي كثر فيه الشرّ".


فتاوى مهمّة

س1 - سُئل الشيخ ابن عثيمين حفظه الله عن جواز وضع الحنّاء على الشّعر في أثناء الصّيام وهل ذلك يفطر الصّائم؟ فأجاب حفظه الله بقوله:
هذا لا صحّة له، فإنّ وضيع الحنّاء أثناء الصّيام لا يُفطر ولا يؤثّر على الصّائم شيئاً، كالكحل وقطرة الأذن وكالقطرة في العين، فإنّ ذلك كلّه لا يضرّ الصّائم ولا يفطره.

س2- سُئل فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله: هل يجوز لطاهي الطعام أن يتذوّق طعامه ليتأكّد من صلاحيته وهو صائم؟
فأجاب حفظه الله بما نصّه: لا بأس بتذوّق الطعام للحاجة بأن يجعله على طرف لسانه ليعرف حلاوته وملوحته وضدّها، ولكن لا يبتلع منه شيئاً، بل يمجّه أو يخرجه من فيه، ولا يفسد بذلك صومه إن شاء الله تعالى.

س3- ما حكم تأخير قضاء الصّوم إلى ما بعد رمضان القادم؟
أجاب سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله بقوله:
من أفطر في رمضان لسفرٍ أو مرضٍ، أو نحو ذلك، فعليه أن يقضي قبل رمضان القادم، وما بين الرمضانين محلّ سعة من ربنّا عزّ وجلّ، فإن أخّره إلى ما بعد رمضان القادم، فإنّه يجب عليه القضاء ويلزمه مع القضاء إطعام مسكينٍ عن كلّ يومٍ حيث أفتى به جماعة من أصحاب النّبي صلّى الله عليه وسلّم، والإطعام نصف صاعٍ من قوت البلد، وهو كيلو ونصف الكيلو تقريباً من تمرٍ أو أرزٍ أو غير ذلك، أمّا إن قضى قبل رمضان القادم فلا إطعام عليه.


فرصة التوبة في رمضان

إن رمضان موسمٌ عظيمٌ فيه تتجلّى الرّحمات وتقبل الحسنات ويتجاوز ربّنا عن السيئات، فحريّ بكِ أخيّتي أن تستفيدي من هذا الموسم وذلك بالتوبة إلى الله والعودة إليه.

أخيّتي: إذا كنتِ قد ابتُليتِ ببعض المعاصي والذنوب فابدأي بالتوبة من هذا الشهر واجعلي رمضان ميلادك الجديد إلى الاستقامة والصلاح إلى التوبة والفلاح.

فإذا أردتِ أن تسلكي الطريق المستقيم فعليكِ بما يلي:
1- حافظي على جميع الصّلوات في أوقاتها مع السنن الرّواتب.
2- ابتعدي عن قرينات السوء.
3- تجنّبي سماع الأغاني ومشاهدة الأفلام.
4- أكثري من قراءة القرآن.
5- جاهدي وصابري على ذلك.
6- أكثري من الدّعاء بقبول التوبة.
7- استمعي إلى الشريط الإسلامي.
8- تعرفي على رفيقات صالحات واحذري مجالس الغيبة والنميمة.
9- ساعدي والدتك في أعمال المنزل.

فإن طبّقت تلك الأمور فبإذن الله ستكونين من الصالحات القانتات التائبات، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُواْ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ. أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأحقاف:13-14].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال عليه الصّلاة والسّلام: «لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالّته بالفلاة» صحيح مسلم (2675).

هذا ما يسّر الله جمعه في هذه الرسالة، أسأل الله أن ينفع به، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 إبراهيم بن صالح المحمود

 

المصدر: الجبيل نت