دلائل النبوة

منذ 2013-10-30

الإيمان بالنبوة -أي الصلة بين الله تعالى ومجتمع الإنسان عن طريق الأنبياء- من خصائص الدين الحق، والنبي هو الإنسان الذي يختاره الله ليقوم بأداء رسالة معينة، وقد وجدت مذاهب تؤمن بالله وتنكر النبوات، وتزعم أنه لا حاجة لوجود النبي؛ لأن ما أتى به الأنبياء موافق للعقل، ففي العقل غنى عنه، أو مخالف له فلا حاجة لنابه، فالعقل عندهم طريق الاستدلال. ولكننا لا نستطيع بالمنطق التجريبي والرياضي التوصل إلى حقائق ما وراء المادة، فالعلم الصحيح بذات الله، وأوصافه وحساب الآخرة، من ثواب وعقاب، وكل ما يتعلق بعالم الغيب، كل ذلك لا يعرف إلا عن طريق الأنبياء.

 

فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ} [الشعراء:107]، واليد: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [النمل:12].

وهكذا كل نبي من الأنبياء تأتي المعجزة مناسبة لقومه ولفكرهم ورقيهم الحضاري. وقبل بعثة خاتم النبيين بلغت الفصاحة والبلاغة وفنون القول مبلغاً عظيماً وأخذت الكلمة مكاناً في نفوس العرب من التقديس والتعظيم لم يبلغه شيء آخر، مما حدا بهم أن يعلقوا المعلقات السبع في جوف الكعبة، وكانت القصيدة تفعل فعلها في القبائل وربما نزلت منزلة قبيلة إلى الحضيض لأن شاعراً أقذع في هجائها. وربما ارتفعت مكانتها لأن شاعراً قد أجاد في تمجيد مآثرها. فكانت معجزة خاتم النبيين في الكلمة والقول.

والحكمة الإلهية في اختيار المعجزة من جنس ما اشتهر بين القوم هي أن الإنسان إذا أوتي من قبل ما يعتبره مفخرته ومجال إجادته واعتزازه تكون الحجة عليه أقوى، والمعجزة أكثر فعلاً وأثراً. ولكي تكون معجزة النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم أشد لمعاناً وأسطع برهاناً، فقد جعل الله معجزته كتاباً معجزاً، وهو الإنسان الأمي الذي لم يخط بيده كتاباً ولم يتلق من أحد من البشر معرفة (مباحث في إعجاز القرآن لمصطفى السباعي؛ ص: [28-29]).

طريقة القرآن في إثبات النبوة:

الطريقة القرآنية في إثبات النبوة هي إيراد أدلة كثيرة تتكاتف لتؤدي إلى اليقين، فالقرآن الكريم تحدٍ للعرب والعجم والإنس والجن أن يأتوا بمثله، أو بسورة من مثله: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:23].

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم أربعين عاماً، فلم يحدثهم بنبوة ولا رسالة فهذا الأمر يخضع لمشيئة الله فقط: {قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [يونس:16]. فلم الشك في أمره مع أنه قد تجرد عن كل مطمع دنيوي: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [سبأ:47].

ولم الشك في أمره وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، ولا يمكن أن يستمد من كتاب: {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:48].

ومعجزات النبي صلى الله عليه وسلم الدالة على صدقه كثيرة جداً منها ما هو حسي، كانشقاق القمر، ونبع الماء بين أصابعه، وتكثير الطعام، وخطابه الأشجار والأحجار والحيوان وانقيادها له صلى الله عليه وسلم، وإخباره عن أمور غيبية فوقعت كما أخبر، ومن دلائل النبوة الحسي خاتم النبوة، وحنين الجذع ورميه بكف من حصى في وجوه الكفار، وإخبار الذراع وكثير من المعجزات والدلائل الحسية.

وقد يقول قائل: إن عصا موسى أو ناقة صالح، أو هذه الدلائل لنبينا لم نرها في هذا القرن الحادي والعشرين فنريد علامة حاضرة حية تبقى إلى قيام الساعة.

فنقول: هذه العلامة الحية الحاضرة المستمرة إلى قيام الساعة هي القرآن الكريم كلام الله تعالى المعجز. فهو معجز في فصاحته، فلم يستطع العرب على فصاحتهم أن يأتوا بسورة واحدة من مثله. وهو معجز في نظمه، وهو معجز في عدم تبدليه وتغييره أو تحريفه أو زيادته ونقصانه؛ لأنه من عند الله {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْد غَيْر اللَّه لَوَجَدُوا فِيهِ اِخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء:82].

قال ابن عقيل: "حفظ جميعه، وآياته وسوره التي لا يدخل عليها تبديل من حيث عجز الخلائق عن مثلها فكان القرآن حافظ نفسه من حيث عجز الخلائق عن مثله".

قال أيضاً: "إذا أردت أن تعلم أن القرآن ليس من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فانظر إلى كلامه كيف هو إلى القرآن".

قال وأيضاً: "ومن إعجاز القرآن أنه لا يمكن لأحد أن يستخرج منه آية قد أخذ معناها من كلام قد سبق، فإنه ما زال الناس يكشف بعضهم عن بعض فيقال: المتنبي أخذ من البحتري".

وقال: "وقد استخرجت معنيين عجيبين: أحدهما: أن معجزات الأنبياء ليست كمعجزة نبينا، فلو قال ملحد اليوم: أي دليل على صدق محمد وموسى؟ فقيل له: محمد شق له القمر، وموسى شق له البحر لقال: هذا محال. فجعل الله سبحانه هذا القرآن معجزاً لمحمد صلى الله عليه وسلم يبقى أبداً. ليظهر دليل صدقه بعد وفاته وجعله دليلاً على صدق الأنبياء، إذ هو مصدق لهم ومخبر عن حالهم".

"وعن إعجاز القرآن يقول الأستاذ المهتدي: (أتيين دينيه) الكاتب الفرنسي الذي أسلم وحج وكتب الكثير عن الإسلام، في كتابه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن معجزات الأنبياء الذين سبقوا محمداً كانت في الواقع معجزات وقتية، وبالتالي معرضة للنسيان السريع، بينما نستطيع أن نسمي معجزة الآية القرآنية (المعجزة الخالدة) ذلك أن تأثيرها دائم، ومفعولها مستمر، ومن اليسير على المؤمن في كل زمان وفي كل مكان، أن يرى هذه المعجزة بمجرد تلاوة كتاب الله" (مقدمة دلائل النبوة للبيهقي تعليق عبد المعطي قلعجي؛ [1/ 61-62]).

لقد أعجز القرآن الخلق في أسلوبه ونظمه، وفي علومه وحكمه، وفي تأثير هدايته وفي كشفه الحجب عن الغيوب الماضية والمستقبلية، وفي كل باب من هذه الأبواب للإعجاز فصول، وفي كل فصل منها فروع ترجع إلى أصول، وقد تحدى العرب بإعجازه، ونقل العرب هذا التحدي إلى كل الأمم فظهر عجزها.

إن دلائل النبوة لا تحصر في معجزة القرآن أو غيرها من المعجزات الحسية. بل هذه الشريعة كلها من أبرز دلائل النبوة شريعة مرنة صالحة لكل زمان ومكان، ولقد تكلم العلماء في هذا الباب وصنفوا المصنفات من ذلك كتاب دلائل النبوة للبيهقي، قال فيه الحافظ ابن كثير: دلائل النبوة لأبي بكر البيهقي من عيون ما صنف في السيرة والشمائل.

وقال تاج الدين السبكي: "أما كتاب دلائل النبوة "وكتاب شعب الإيمان" وكتاب "مناقب الشافعي" فأقسم ما لواحد منها نظير" (دلائل النبوة للبيهقي).

وكذلك كتاب دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني.وغيرها من الكتب والمؤلفات والمصنفات التي تكلمت وأسهبت وأطالت في هذا الموضوع العظيم {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر من الآية:31]، وليعلم من لم يكن مؤمناً علّ الإيمان إلى قلبه يكون هذا طريقه. وأما الجاحد المعاند الذي يريد أن يمنع نور الشمس عن الناس بيده فليخسأ وليعلم أن الله متم نوره ولو كره الكافرون والحمد لله ربّ العالمين.

المراجع:

- دلائل النبوة للبيهقي.
- الصحيح المسند من دلائل النبوة للوادعي.
- مباحث في إعجاز القرآن لمصطفى السباعي.
- الإعجاز العليم في القرآن الكريم لحسن أبو العينين.

 

المصدر: موقع إمام المسجد