التدين الجديد وأثره في تمرير ثقافة التغريب في مجتمعاتنا

منذ 2014-03-24

نظرًا لأن الإنسان متدين بالفطرة، فهناك تيار عام وظاهر اليوم ينحو باتجاه الشخصية المتدينة، بعد أن سادت لفترة من الفترات طبيعة اللامبالاة والإعراض والتخلي عن الدين، وذلك تحت وطأة التوجه العلماني الذي عمل على تغييب الخطاب الديني ومحاربته وصدِّ الناس عنه.

مقدمة:

 

استطاعت الصحوة الإسلامية خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي فرض نفسها كواقع ملموس في الحياة العامة، والأوساط الاجتماعية المختلفة؛ ذلك أنها خاطبت كافة الشرائح والفئات والنخب، بغض النظر عن مدى مضمون هذا الخطاب وسلامته!

ونظرًا لأن الإنسان متدين بالفطرة، فهناك تيار عام وظاهر اليوم ينحو باتجاه الشخصية المتدينة، بعد أن سادت لفترة من الفترات طبيعة اللامبالاة والإعراض والتخلي عن الدين، وذلك تحت وطأة التوجه العلماني الذي عمل على تغييب الخطاب الديني ومحاربته وصدِّ الناس عنه.

والقارئ أو المستمع أو المشاهد أو الزائر -في العالم العربي والإسلامي- لا يخطئ مظاهر التدين التي تنتشر في أوساط المجتمع وتلوح على مؤسساته وأنشطته وتعاطيه مع الأحداث.. هنا وهناك.

 

ويبقى من الضروري في ظل هذا الاتساع والانتشار السريع والمتزايد دراسة الظواهر المصاحبة لهذا التوجه (أو التيار) الديني.. أو ما اصطلح عليه (الصحوة الإسلامية). وهذه الضرورة لدراسة من هذا النوع تنبع من عدة جوانب:

 

أولًا: أن توجه الناس نحو التدين يرافقه غالبًا جهل بأحكام الدين ومقاصد الشريعة، الأمر الذي قد يوقع البعض في الغلو أو المحدثات أو إضافة شيء إلى العقائد والعبادات والشرائع، وهو ليس منها أصلًا!

وبالتالي فيجب على العلماء والدعاة مواجهة أي خطأ من هذا النوع مع نشوء بوادره، كما كان هديه صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، فحديث (ذات أنواط)، وحديث الثلاثة نفر الذين سألوا عن عبادة الرسول صلى الله عليه وسلم فتقالُّوها.. وغيرها، هي من باب حرص الشارع على ألاَّ تخرج طبيعة التدين الناشئ في النفس البشرية عن حدود الشرع ومقاصد الدين.

 

ثانيًا: أن هناك من شياطين الإنس والجن -في كل زمان ومكان ومجتمع- من يحاول أن يحرف توجه الناس إلى التدين إلى مسار مخالف، أو منحرف، مع كونه يبدو في مظهره أنه المسار الصحيح؛ وأغلب انحرافات الأمم عن التدين إنما وقعت في بداياتها الأولى بشيء يسير من المخالفات التي لبست عليهم الشياطين فيها، ليصبغوها بصبغة التدين، ثم ما لبثت أن صارت طرقًا مضاهية للدين، ولكل طريقة أشياع، ولكل شيعة مطاع!

 

ثالثًا: أن التدين في غالبه هو استجابة لخطاب ديني موجه، وبحسب سلامة هذا الخطاب وصحة مضامينه تكون سلامة الأتباع وصحة أعمالهم وأقوالهم ومعتقداتهم. ونظرًا لكثرة الخلاف وتعدد الاجتهادات على مدار أكثر من أربعة عشر قرنًا، فإن من الصعب على العامة والجماهير الغفيرة المقبلة على التدين الوصول إلى الرؤية الصحيحة والمناهج الحقة والتغذية المتكاملة والمتزنة والمتدرجة، والتي يصلون بها إلى مراتب الكمال البشري بصوره المختلفة؛ وهذا قد يؤدي بهم إلى الانتقاء والاختيار من (المعروض) وبحسب الرغبة والحاجة، وبالتالي تصنع الجماهير لأنفسها في ظل غياب الخطاب والتوجيه الموحد (تدينًا جديدًا)، يحمل ملامح غير متجانسة وعناصر غير مترابطة.. وهو بدوره قد يشكل وعيًا جمعيًا ضاغطًا، وأخطر ما فيه أنه غير موجه ولا إرادي، ومع مرور الوقت يربوا فيه الصغير ويهرم فيه الكبير، ويصبح دينًا له مفاهيمه وقيمه وسننه وشرائعه! فإذا أراد العالِم أن ينكر على أهله قالوا: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ} [الزخرف من الآية:23].

 

التدين بين الجديد والقديم:

 

إن التدين باعتباره جهدًا بشريًا في جانب التعاطي مع الدين وتطبيقه في الحياة، يتغير ويتبدل ويتجدد، بحسب أحوال الناس وظروفهم المحيطة ووفرة القائمين بواجب الدعوة والتذكير والإرشاد والتعليم. ومن الطبيعي أن يعتريه نقص أو قصور أو خلل، لأن هذا شأن النفس الإنسانية والمجتمع البشري. ومن هنا فإن تسمية ما يحدثه الناس في واقعهم الديني بـ(التدين الجديد) أمر لا غبار عليه، وهو من باب الاصطلاح على الظواهر الجديدة؛ والمهم في الأمر هو التوصيف الموضوعي لهذا الاسم بما يتطابق مع واقعه؛ حتى لا تبنى بقية الأحكام بعيدا من الواقع وحقائق الأمور!

ولست أول من يلتفت إلى هذه الظاهرة ويسميها بهذا الاسم، فهناك من كتب عن (الدعاة الجدد) وآخرون كتبوا عن (المتدينون الجدد)، وهي في مجموعها كتابات تتطرق إلى الظاهرة من رؤى مختلفة! وتحليلات متباعدة! فماذا نقصد بـ(التدين الجديد)؟!

إن هذا المفهوم متصل بمصطلح (المتدينون الجدد) باعتبارهم النموذج المادي لهذا المفهوم! وعليه فما هي خصائص هذه الفئة من المتدينين، والتي تميزهم عن غيرهم ليحملوا هذا اللقب؟ 


خصائص (المتدينين الجدد):

 

ظهر في الفترة الأخيرة من العقد الماضي دعاة: "استطاعوا أن ينتقلوا بالأفكار الدعوية والتربوية إلى مدارات جديدة ومختلفة، ومنها إعادة عرض الأفكار الدعوية بشكل جديد، معتمدين على تقنيات حديثة، وأساليب مستحدثة، ومن هذه المشروعات المزدهرة في مصر: مدارس القرآن التي انتشرت بمنهجية متطورة وأسلوب عمل محترف، واعتماد على تقنيات جديدة، وكذلك العدد الضخم من الجمعيات الخيرية والأهلية التي تدار بمجلس إدارة أقل من الثلاثين عمرا، وبأفكار تنموية رائدة" (مقالة (أثر المتدينين الجدد على الحركة الإسلامية) لأحمد زين، على موقع إسلام أون لاين).

 

وانطلق أتباعهم: "نحو عمل اجتماعي شبابي لا يقول: نحن إسلاميون، بل ينخرط فيه الجميع، محجبات وغير محجبات، متمسكون بالصلاة أو غير ذلك!، ولم يجعل هدفه التغيير الكامل لهؤلاء الأفراد، ولكن التعاون على أهداف بعينها: زيارة لملجأ أو المشاركة في إنشاء مستشفى أو غير ذلك" (مقالة المتدينون الجدد من الـ(تيك أواي) إلى الـ(وان كليك) لأحمد زين، موقع إسلام أون لاين).

 

ومما يلاحظ على هؤلاء الأتباع وجود الهم للإسلام، لكن وكما يقول أحمد زين: "التعاطي ونمط المعيشة والتصورات تتم وفقًا لنمط الحياة الغربية بصورة طاغية ولافتة، وأعتقد أن الرجوع للأحكام الفقهية يمكن أن يُدين نموذجًا هذا توجهه، كما أن هذه الفترة التي نحياها كفيلة من الناحية الحضارية أن تُوجه نحو أنماط أخرى من الحياة مختلفة عن هذا النموذج، كما أتصور أن التعاطي مع الأغاني والسينما -الغربية خاصة- وغير ذلك لا يُرضَى عنه فقهيًا بجملته" (مقالة (المتدينون الجدد وفقه القص واللصق) لأحمد زين، موقع إسلام أون لاين).


إنه جيل يتلقى ثقافته بنفسه عن طريق الكم الهائل من الفضائيات ومواقع الإنترنت! ويتمتع بقدر من المكانة الاجتماعية، باعتبار الطبقة التي نشأ فيها وظهر منها! كما أنه متمرد اجتماعيًا نتيجة الحرية التي يتلقها في أسرته! وله علاقاته المنفتحة مع الجنس الآخر في العائلة والجيرة والدراسة والعمل! ويشكل مواقعه الخاصة على الإنترنت، والتي تجمع بين ما هو إسلامي وما هو مخالف للإسلام.. فصور مشاهير الممثلين والرياضيين والمغنيين.. إلخ، مع روابط الأغاني والموسيقى (المنتخبة)! ويعد برامجه المتنوعة على القنوات الفضائية، وهي متأثرة إلى حد بعيد بالبرامج المختلطة الأخرى!


إنه جيل منطلق يريد تحقيق الأفكار التي اقتنع بها، ونشر الآراء التي تبناها! مستغلًا الوسائل العصرية كالفضائيات والإنترنت والصحافة والمجلات! وتتوفر له كافة وسائل الترفيه والمتعة! وإمكانيات الاستقلال بأعمال خاصة! وليس عند هذا الجيل إشكالية في التعايش مع المفهوم العلماني للدين! نظرًا لمفهوم (الإرجاء) الشائع في أوساطه، ولاختلاط المفاهيم والأحكام الشرعية لديه. 


وهؤلاء في الغالب هم نتاج فقهاء الرُّخص والتيسير والتسامح، ونتاج ما عرف بـ(الدعاة الجدد)، لذلك فلا غرابة أن تجد في سلوكياتهم الكثير من المخالفات الشرعية الظاهرة! وفيما ينظرون إلى أنفسهم بأنهم عاملين ودعاة للإسلام (الذي يحملونه)، تظهر على أشخاصهم وسلوكياتهم مخالفات شرعية، هي في نظرهم أمورا مباحة أو سهلة!


وبالتالي فإن أعمالهم العشوائية والمستقلة تأخذ طابعًا منافسًا للطابع التقليدي للجهود والأعمال القائمة! ومن الأمثلة على دعاة هذا التيار الأستاذ عمرو خالد: "فهو من هذا الوسط، الذي يذهب للنادي ويختلط مع فتيات عائلته، فهو لن يقدم وجهة نظر مثالية أو متخيَّلة، بل على العكس، سيقدم وجهة نظر واقعية تحاول أن تتحرك بالواقع بعض الشيء، لا أن تتجاوزه وتتخطاه، فليس ثمة فراغ اجتماعي، بل هو مجرد التعديل على النمط، فلا مشكلة أن تتحدث الفتاة في التليفون مع ابن عمها، ولا مانع أن ترافقه إلى عمل أو زيارة، ولا مشكلة أن يتصلا ببعضهما لترتيب زيارة إلى ملجأ أو رحلة جماعية مع بعض المسنين، أو ينزلا في سيارة أحدهما لشراء احتياجات هذه الرحلة، وهذا ما يمكن أن يفسر ابتعاد عمرو خالد عن هذه المساحة، وعدم محاولة أن يتدخل في مساحة لن يستجيب له أحد فيها؛ فالجانب الاجتماعي والفقهي سيتعرض لحراك كبير داخل الحركة تأثرًا بهذا الجيل الجديد" (مقالة (المتدينون الجدد من الـ(تيك أواي) إلى الـ(وان كليك)) لأحمد زين، موقع إسلام أون لاين).


"وعلى سبيل المثال فإن مفهوم عزل الرجل عن المرأة في الزيارات الاجتماعية قد اكتسح سلوكيات الأفراد، على الرغم من أن داعية كبيرًا بحجم مرشد الإخوان عمر التلمساني كان قد أصدر كتاب (المرأة ومكانتها السامية) سخر فيه من هذا المفهوم، وأثبت بأحاديث صحاح أن المرأة يمكن أن تقدم لضيوف زوجها واجب الضيافة، وحمل بشدة على موجبي النقاب على المرأة"! (مقالة (المتدينون الجدد من الـ(تيك أواي) إلى الـ(وان كليك)) لأحمد زين، موقع إسلام أون لاين، بتصرف).

 

"إنني ألمح خلف هذه السلوكيات ثقة غير محدودة بالنفس، كما أشعر بتجاوز شديد للمرجعيات الفقهية، بالإضافة إلى عملية انتقاء مخلة، سواء بالنسبة لمصادر التلقي (الدعاة غالبًا)، أو في الفتاوى التي تُختار، ولا شك أن تنامي معارف هؤلاء المتدينين الحياتية وقدرتهم المبهرة على التوصل للمعلومات (لا العلم)، والثقة الشديدة بالنفس تشعرهم بالقدرة -ولو الزائفة- على الاجتهاد.. فتكون المعادلة: اجتهاد العلماء الميسر + اجتهاد شبابي واثق بلا حدود ودون ثقافة شرعية = حالات تساهل وترخص" (مقالة (المتدينون الجدد وفقه القص واللصق) لأحمد زين، موقع إسلام أون لاين).


يقول الدكتور صلاح عبد المتعال الخبير الاجتماعي المصري، المستشار بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر، وهو من المتابعين والمراقبين لهذه الظاهرة، في حوار له مع موقع "إسلام أون لاين": "في تصوري ظاهرة الدعاة الجدد ظاهرة محمودة، وعلينا تشجيعها ومباركتها، وإن كان لي عليها تحفظ؛ وهو أنها تبتسر الدين وتنتقص من شمولية الإسلام، وإن كان بعضهم لا يريد أن يتناول الإسلام بمفهومه الشامل، ولا يتطرق إلى أمور سياسية حتى لا تمنعه السلطات. غير أنه على أي حال جهد مشكور، وكلٌ يؤجر حسب نيته" ("الدين اللذيذ".. لغة الدعاة الجدد!، الدكتور صلاح عبد المتعال الخبير الاجتماعي المصري، المستشار بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر، وهو من المتابعين والمراقبين لهذه الظاهرة، في حوار له مع موقع "إسلام أون لاين"، إعداد: صباح هاشم).


ويفسر نجاح تيار "الدعاة الجدد" في أنه: "يقدم للشباب وجبة شهية من (الدين اللذيذ)، دون (التكليف المر)؛ فلم يحمِّلهم هم هذا الدين؛ حيث عرض عليهم دينا "لا شوكة فيه". وقد ذكرني ذلك ببعض الفرق المتصوفة التي تتقرب إلى الله وتقوم الليل وتصوم وتتعبد، أما المسئولية السياسية ومعايشة مشكلات الناس.. فلا" ("الدين اللذيذ".. لغة الدعاة الجدد!، الدكتور صلاح عبد المتعال الخبير الاجتماعي المصري، المستشار بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر، وهو من المتابعين والمراقبين لهذه الظاهرة، في حوار له مع موقع "إسلام أون لاين"، إعداد: صباح هاشم).

 

أما الكاتب عاصف بيات، فيرى أن: "هناك تحولا من التركيز على فكرة "الحاكمية للإسلام" إلى التدين الشخصي والأخلاق في المعاملات اليومية، وهو تحول من فلسفة تستهدف الطبقات الاجتماعية المتوسطة والفقيرة إلى استهداف الطبقات العليا في السلم الاجتماعي، وهذا التحول يجعل الإسلام ليس مشروعًا سياسيًا بقدر ما هو نشاط دعوي يهدف إلى الخلاص الذاتي" (مقالة (الشباب المتدين بين عمرو خالد وعمرو دياب!) لعاصف بيات، موقع إسلام أون لاين).

 

إنهم "يتحركون في المساحات الممكنة بعيدًا عن المشاكل، مفضلين ألا تهدر أوقاتهم في محاولة تغيير ما قد يبدو مستحيلًا"؛ بحسب وجهة نظر نهى الإبياري.. وهي تكتب عن حالة إندونيسيا كمثال!

وحول سؤال لصحيفة (الشرق الأوسط) ل"باتريك هاني" عن مدى احتمال تحول خطاب عمرو خالد و"الدعاة الجدد" إلى وجهة سياسية؟!

 

يجيب: "الابتعاد عن السياسة كان سر نجاح هذه الظاهرة، وما يميزها عن خطاب جماعات الإسلام السياسي الآخذ في الأفول، كما أن التدين الجديد ذا الطابع (المتعولم) والذي يتصاعد خطابه عالميًا دائمًا ما يتكون وينمو خارج السياسة، إضافة إلى أن خطاب عمرو هو بالأساس خطاب للطبقات العليا والصاعدة التي لا مصلحة لها في أي تغيير سياسي ولا تملك تصورًا ولا رغبة فيه" (راجع صحيفة "الشرق الأوسط" في 13/12/م مقالة (تدين نيولوك.. إسلام البورجوازية في مصر!) لحسام تمّام وباتريك هايني، موقع إسلام أون لاين).


مظاهر "التدين الجديد" وآثاره:

 

إن جيل "المتدينين الجدد" ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد كما يبدو للتدين الذي بدأ في منتصف القرن الماضي وعاش دوامة الصراع السياسي بين العلمانية والإسلام، وبدا في حينه أنه لم يحقق شيئًا فاتخذ طابع الكسب الجماهيري لمواجهة المد العلماني، ومن ثم ترخص في كثير من الأمور تماشيًا مع الظروف والملابسات التي أحاطت به في ذلك الوقت! وهو كأي تغير ناشئ له مظاهره التي لا تخطئها العين أو السمع في المجتمع أو عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، وهنا نضع سردًا عامًا لهذه الظواهر من خلال مشاهدات شخصية أو كتابات تطرقت للموضوع!


ومن أول مظاهر "التدين الجديد" أنه تدين في أوساط اجتماعية ثرية ورفيعة ومثقفة بل ومنفتحة، يقول أحمد زين: "إذا ركزنا على المجتمع المصري كمثال؛ فسنجد تغيرًا يُلحَظ في المجتمع المصري -ربما منذ 1998م- في خريطة التدين به، فثمة انتقال لثقل التدين نحو طبقات أعلى اجتماعيًّا واقتصاديًّا وأقوى وأكثر تأثيرًا" (مقالة (المتدينون الجدد من ال"تيك أواي" إلى ال"وان كليك") لأحمد زين، موقع إسلام أون لاين).


ويضيف: "لكن في العقد الذي نعيشه برزت مظاهر التدين وسط طبقات أكثر ثراءً، أو بشكل أدق: الطبقات "الأكثر ثراءً".. مجتمعات (مارينا) التي غزاها الحجاب، ومساجد النوادي الراقية (الشمس والصيد وسبورتنج) التي امتلأت بجمهور كان قد تعود على ارتياد أماكن اللهو، وقد نشر هذا الجمهور في أنديته صلاة القيام والدروس الدينية، وشهدت الجامعة الأمريكية -وهي مكان نخبة النخبة ماديا في مصر- صعودًا لتيار إسلامي متعدد الوجهات والاتجاهات" (مقالة (المتدينون الجدد من ال"تيك أواي" إلى ال"وان كليك") لأحمد زين، موقع إسلام أون لاين).

 

وهو تدين في أوساط الفتيان والفتيات، أي شريحة الشباب! ففي تونس: "يرى الباحثون أن هناك إقبالًا متزايدًا من قبل فئات الشباب على المساجد، ومن النساء والفتيات -خصوصًا في المدن الكبرى- على ارتداء الحجاب، على الرغم من وجود نص قانوني صريح مانع له" (مقالة (تونس.. الفضائيات البديل الأمثل للدعاة) ل د. خالد شوكات، موقع إسلام أون لاين).

 

لكن طبيعة هذا الإقبال في تونس: "ترتبط بتوجه اجتماعي وأخلاقي محض، يقوم على وعي المتدينين بأهمية النأي بالتزامهم الديني عن أي صراع سياسي أو حزبي"؛ وهذا البعد عن الجانب السياسي ليس إلا نتيجة للحرب التي لاقتها الأجيال السابقة، إلى درجة ينتقدها الغرب على هذه الأنظمة العميلة له أصلًا!

 

وقد صاحب تدين هذه الشريحة من الناس مظاهر غريبة عن الوسط المتدين حقًا: "فلا مشكلة أن تتحدث الفتاة في التليفون مع ابن عمها، ولا مانع أن ترافقه إلى عمل أو زيارة، ولا مشكلة أن يتصلا ببعضهما لترتيب زيارة إلى ملجأ أو رحلة جماعية مع بعض المسنين، أو ينزلا في سيارة أحدهما لشراء احتياجات هذه الرحلة"! (مقالة (المتدينون الجدد من ال"تيك أواي" إلى ال"وان كليك") لأحمد زين، موقع إسلام أون لاين).

 

وتجاوز الأمر إلى الفضائيات الرسمية وغير الرسمية: "فلم يعد التلفزيون الرسمي يظهر المتدين بالصورة الساذجة التي تلمز الدين وقيمه، بل ظهرت المحجبات في الأعمال الدرامية وانتشرت فيه البرامج الدينية حتى في أوقات ذروة المشاهدة، ووصل الأمر إلى أن تكون البرامج الدينية من السهرات الأساسية (نور على نور، ورب اشرح لي صدري)" (مقالة (المتدينون الجدد من ال"تيك أواي" إلى ال"وان كليك") لأحمد زين، موقع إسلام أون لاين).


وقد بلغت آثار هذا التيار على الصحوة الإسلامية، يقول أحمد زين: "لقد بدأ التأثير في الحركة الإسلامية بالفعل خاصة في الجانب الاجتماعي الذي هو وثيق الصلة بالجانب الفقهي؛ فقد أصبح داخل الحركة الإسلامية الآن شبه حراك في هذين الجانبين، خاصة أن الحركة قد دعمت نمطًا معينا خلال الثمانينيات. مما يلفت النظر الآن - مثلًا وليس حصرًا- أن كثيرًا من السيدات والفتيات المنتسبات للحركة قد استبدلن ب(الخمار التقليدي) الذي تعود عليه المجتمع المصري والذي كانت توصف كل من تلبسه ب(الأخت).. استبدلن به غطاء الرأس والصدر القصير المتعدد الأنماط والألوان.

 

هذا التغير وإن أخذ شكلًا مظهريًا إلا أنه ينبئ عن حراك ما، هذا الحراك ربما يكون تم تحت ضغط الأناقة التي يبدو عليها حجاب المتدينات الجدد، وانخراط الكثيرات منهن في مناشط الحركة، وربما تحت ضغط الانفتاح على أشكال الحجاب المختلفة (الإيراني والخليجي والأوربي...)، التي وسعت الخيارات أمام هذا الجمهور الذي تعود على نمط واحد من الاختيارات. ولكنه في رأيي يبقى تأثرا بالتدين الجديد، وثورة على النمط التقليدي الذي دعمته الحركة -ولو بطريق غير مباشر- في فترة الثمانينيات.

 

ومن هذا التأثير تغير الأنماط السائدة في المناشط الاجتماعية؛ كالأفراح والزيارات؛ فأصبح من الطبيعي والمعتاد أن تكون هناك أفراح مختلطة أو رحلات مشتركة، أو ما شابه" (مقالة (أثر المتدينين الجدد على الحركة الإسلامية) لأحمد زين، موقع إسلام أون لاين).


ويضيف قائلًا: "ثانية هذه الملاحظات العابرة حول التأثيرات أيضا: التعامل مع الفنون؛ فالقطاعات الشبابية داخل الحركة الإسلامية أصبحت تتعامل مع الفنون بقوة؛ بل أصبحت بعض التزكيات داخل الحركة توصي بمشاهدة بعض الأفلام السينمائية والأعمال المسرحية، وكثيرة هي النقاشات حول الأعمال الفنية حتى الهوليودية منها داخل مواقع الإنترنت، وساحات الحوار المتعلقة بالحركات الإسلامية". (مقالة (أثر المتدينين الجدد على الحركة الإسلامية) لأحمد زين، موقع إسلام أون لاين).


يقول أحمد زين من واقع تعامله مع هذا الوسط: "أعتقد أنني تعاملت كثيرًا مع المتدينين الجدد فتيانا وفتيات، سواء في العمل أو الدراسة أو العمل الخيري وغير ذلك من مناشط، وفي كثير من هذه الاحتكاكات تولدت عندي بعض الملاحظات التي أثارت دهشتي؛ فهذه الشريحة التي ترى نفسها ملتزمة بالإسلام، وبعضهم يمارس بعض الواجبات الدعوية، وكثيرًا ما يحدثك عن قصة التزامه، وعن روعة التدين الذي وجد نفسه من خلاله، ومع كل هذه المظاهر؛ فإن ثمة ترخصًا تلاحظه على سلوكياتهم، وسأحاول وضع هذه المظاهر بين قوسين دون ترتيب: (فتيات يضعن الماكياج الخفيف- يتساهلن في التعطر والنمص- ملابس ضيقة أحيانًا- مزاح وضحكات عالية بين الجنسين- حديث بين فتى وفتاة بعيدًا عن المجموع، لا مانع أن يكون استشارة أو شكوى -متابعة أحدث الأفلام في السينما العربية والغربية- سماع الموسيقى الغربية ومتابعة أخبار الفنانين- عدم ظهور الاهتمام بغض البصر... إلخ).


هذه المظاهر يمكن التأكيد عليها من خلال متابعة جمهور الدعاة الجدد من خلال الفضائيات، أو حتى من خلال التجمعات الشبابية في صلاة القيام أو الاعتكاف في رمضان".

 

ويضيف متابعًا: "يحضرني مثال تعجبت له، وهو أن إحدى رموز المتدينات الجديدات وهي مذيعة شهيرة لبرنامج ديني؛ هو المصدر الأكثر شهرة وأهمية بالنسبة لمصادر التلقي للتدين الجديد -سأغفل دور هذه المذيعة في توجيه الظاهرة، لكنني سأعتبرها إحدى أفراد الظاهرة في التعريف بها- سردت بموقع برامجها على الإنترنت قائمة طويلة من المغنين والممثلين العرب والهوليوديين والأفلام والأغاني الأمريكية، ورغم أنها تقول في نهاية حوارها: (إن الحشمة تعطي للمرأة الجمال الحقيقي وهو جمال الأخلاق)، فإنها في بداية الحوار وصفت ب(الجمال المبتسم) -لاحظ الدلالة، وأخيرًا فإنها تحلم للإسلام، يقول الحوار: (أما أكثر حلم تتشوق لتحقيقه فهو تغيير شكل البرامج التي تقدم الإسلام..)، وتقول: (أريد أن أعرض الإسلام بصورة تجعل كل فرد في العالم يفهم المعنى الصحيح لهذا الدين القويم)" (مقالة (المتدينون الجدد وفقه القص واللصق) لأحمد زين، موقع إسلام أون لاين).

 

ومن المظاهر المصاحبة -وربما تكون أيضا من الأسباب- في هذه الظاهرة: "القص واللصق من الفتاوى والاجتهادات والتي تجري على أشدها لإكساب المشروعية لكثير من الأفعال التي درج الشباب عليها؛ فبدلًا من أن يتنازل عن عادات ما قبل التدين إذا به يحاول أن يجد لها مبررًا شرعيًا محترمًا" (مقالة (المتدينون الجدد وفقه القص واللصق) لأحمد زين، موقع إسلام أون لاين).

 

وحتى لا نتجاوز في القول، ونعمم في الأحكام، فإن مظاهر "التدين الجديد" -الذي نحن بصدده- تختلف من بلد لآخر.. بحسب طبيعة الدعاة فيه، ومدى محافظة المجتمع أو انفتاحه، لكن هناك مظاهر مشتركة إلى حد ما؛ وهي في حد نظري:

 

- تصنيف الفقهاء والعلماء إلى متشددين ومتسامحين، وأخذ الفتاوى عن الطرف الثاني بمبرر تسامحهم ليس إلا! أي عدم الاعتماد على العلمية والموضوعية في انتقاء الأقوال، وإهمال النصوص والبحث عن الرخص بشكل واضح!

 

- وجود مظاهر مخالفة للشريعة في السلوك أو إهمال واجبات بدعاوى تقسيم الدين إلى قشور ولباب! فالأزياء ذات الزينة والجمال مع حجاب (الشعر فقط) لدى الفتيات أصبح مظهرًا للتدين المقبول والمشجع عليه، بل خصصت إحدى القنوات الفضائية المنتسبة للإسلام برنامجا عن الأزياء لتقديم "الموضة" التي يمكن أن تظهر بها المرأة المسلمة في الشارع والعمل.. مع وجود مقدمة وعارضات أزياء "إسلاميات"! ويا لها من طرفة!

 

- البرامج التلفزيونية التي يقوم عليها شباب من الجنسين ليتناولوا مسائل دينية ونفسية وتربوية من منظور "إسلامي"، مع تبادل الحوار والطرفة والجلسة "الأخوية"! من مثل برنامج "يلا شباب" على ال M.B.C.

 

- الاختلاط في أوساط الشباب والفتيات السالك في هذا السبيل من "التدين الجديد"، في الجامعات والمعاهد، إلى درجة خروج رحلات مشتركة.. في بعض الدول! وتعد هذه الرحلات برامج دعوية "يجدد فيها الإيمان"!

 

- صبغ المخالفات الواقعة في المجتمع بالصبغة الدينية في بعض الأحوال، أو إعطاءها الشرعية، وقد يصل الأمر إلى الحكم على أحوال شركية وأقوال كفرية بأنها صور من الإبداع الذي لا صلة للدين في الحكم عليه، وبالتالي يثنى على بعض المرتدين ويحكم لهم بالإسلام! فالإسلام عند أتباع هذا الفريق قومية ينتسب إليها وليس دينًا يلتزم به!! ففي اليمن مثلًا، نشرت صحيفة منسوبة إلى الإسلام قصيدة كفرية، تحت مبرر الإبداع! فما كان من الحركة التي تقوم على هذه الصحيفة إلا أن شكلت لجنة شرعية للرقابة على الصحيفة، بعدما ترددت الانتقادات حول هذا الأمر، فاعترضت اللجنة بدورها على رئيس التحرير، فما كان منه إلا أن قدم استقالته.. رافضًا تدخل العلماء فيما لا يحسنون!

 

- نشر ثقافة التسامح مع الكفار فضلًا عن المبتدعة، وهو تسامح يتجاوز الثوابت الشرعية في تأصيل الرؤية تجاههم وإبداء المواقف إزاء أعمالهم والتعامل معهم! أحد دعاة هذا المسلك ظهر ليروي تجربته عند تعلمه اللغة في دولة غربية على نظام الالتحاق بالأسر.. فذكر تجربته هذه مشيدا -والحق يقال- (ببعض القيم)! لدى هذه الأسرة على مستوى الأبوين والأبناء.. دون أي تعليق على هذا المسلك في الدراسة والمخالفات التي تحيط به! بل قدمت التجربة كأنموذج للكيفية التي ينبغي أن نستفيد بها من الغرب وخبراته في العيش! -هكذا! كما أن بعض اللقاءات المتلفزة بين الشباب (مقدمي هذا النوع من البرامج) وبين شخصيات غربية تكسر الحواجز النفسية مع الكافر من خلال السلوك المقدم والثقافة المصاحبة لهذه اللقاءات!

 

- جمع المتناقضات في الشخصية المتدينة، في المظهر، وفي السلوك، وفي التصور..! خذ مثلًا الزي والسمة الخارجية هي ذاتها عند هذا الفريق قبل وبعد "التدين"! في حين يتكلم هؤلاء عن الفن الإسلامي والموسيقى الإسلامية و.. و..، إلا أن الزي لا ينقسم فيما يبدو إلى زي إسلامي (أي بشروطه ومواصفاته) وغير إسلامي!

 

مثال آخر، يحاول هذا الصنف من "المتدينين الجدد" الجمع بين العادات الخاطئة القديمة والعادات الجديدة، فالخدينات (أي الصاحبات) سلوك قائم قبل وبعد "التدين"!! الفارق هو (القشور) التي يحرص عليها الطرفين في التعامل! مشاهدة "الأفلام والمسلسلات" المحافظة وسماع الأغاني الكلاسيكية أو الموسيقى غير الصاخبة.. فوارق!! لكنها ليست جوهرية بين ما قبل "التدين" وما بعده!

 

- الاهتمام بجانب حسن السلوك مع الآخرين والإحسان إليهم بالعطاء والعون.. وببعض أعمال القلوب التي قد لا تخلو منها قلوب العامة على فطرتها، هذا مع شيء من الرقائق، وإغفال جوانب مهمة في مسائل العقيدة والإيمان والتوحيد والولاء والبراء، وحقيقة اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته، ومسائل الأحكام التي خالفها كثير من الناس اليوم حتى اندرست!

وهذه المظاهر تتفاوت من شخص لآخر، لكنها بطبيعة الحال موجودة وقائمة ومنتشرة في هذه الأوساط.

 

أسباب ظاهرة "التدين الجديد":

 

1- الدعاة الجدد:

 

ظهر في الآونة الأخيرة طائفة من الدعاة الذين ينتسبون إلى النخب المتعلمة والمثقفة والطبقة الاجتماعية الثرية، يتقنون فنون الإلقاء والخطاب الوعظي والقصصي ويظهرون على الجماهير من خلال الشاشات الفضائية؛ (في وقت تعاني فيه الساحة الإعلامية من جفاف روحي وفراغ إيماني في برامجها الهابطة إلى مستوى الحضيض).

 

هؤلاء الدعاة الذين برزوا في الآونة الأخيرة، وأصبح الحديث والكتابة عنهم بمصطلح "الدعاة الجدد"، ليس لهم توجه واحد، أو منهج يجمعهم؛ فلكل منهم ثقافته واهتماماته وأفكاره، وليس من السهل الحكم عليهم إجمالًا! وحديثنا عنهم في هذه السطور، هو من باب الكلام العام! وما قد نطلقه من أحكام ليست بالضرورة تشملهم جميعا! فمنهم من يستغرق في محاضراته ودروسه في الحديث عن الأمور الحياتية اليومية: اهتمامات الناس، واحتياجاتهم الخاصة؛ بلغة ميسرة، إنهم يجيبون الناس على سؤالين مهمين: ماذا أفعل؟ وكيف؟ والبعض منهم يقدم: "محمدًا عليه الصلاة والسلام كرجل أعمال ناجح جدًا" في حديثه عنه أمام الناس!

 

لكن الدعاة الجدد رغم تنوعهم واختلاف مشاربهم، يلتقون في أربع نقاط: فهم جميعا قادمون من قطاعات التعليم العالي، واكتسبوا ثقافتهم الدينية بأنفسهم، وينتمون غالبا إلى أوساط ثرية وراقية، وفي حين يظهرون مستقلين عن "المؤسسة الدينية الرسمية" من جهة و"الجماعات الإسلامية".

 

من جهة أخرى.. يسيرون في مسعى توفيقي بين الإسلام والواقع الذي تعيشه الشريحة المخاطبة، "فرسالتهم تعمل أساسا في وسط تسوده الثقافة الاستهلاكية؛ حيث لا محالة من خلق تناغم بين قيم الدين والمكانة في المجتمع.

 

إن هذا النوع من الدعوة يشبه في ذلك اتجاه الكنيسة الميثودية في أمريكا والتي يتبعها الأغنياء في الأساس؛ لأنه يمكنهم في ظلها الجمع ببساطة بين الإيمان والثروة وهذا ما يفعله "الدعاة الجدد": جعل الأغنياء يشعرون بالرضا عن ثرواتهم" (مقالة (الشباب المتدين بين عمرو خالد وعمرو دياب!) لعاصف بيات، موقع إسلام أون لاين، بتصرف).

 

إن هدفهم الرئيس هو "تصحيح القيم الأخلاقية لدى الأفراد فيما يتعلق بسلوكياتهم اليومية".(مقالة (الشباب المتدين بين عمرو خالد وعمرو دياب!) لعاصف بيات، موقع إسلام أون لاين).

 

وليس لدى -هؤلاء- من مشروع سوى رفع المستوى الأخلاقي لدى الشباب المنفتحين على الحداثة، من خلال خطاب ديني يحمل قيم تحقيق الذات، على النمط الليبرالي الجديد: الطموح والثروة والنجاح والمثابرة في العمل والفاعلية والاهتمام بالذات.

 

وهذه الطائفة من الدعاة تتميز بلغة سهلة ومظهر عصري غير تقليدي (!)، أي قريب لمظهر المتلقي، وتقدم استشارات نفسية وتربوية واجتماعية وإدارية، مازجة بين الثقافة الغربية والموروث الإسلامي.. وإلى هنا يظل الأمر طبيعيًا، وليس فيه ما يمنع من سماع الناس لهؤلاء والاستفادة مما لديهم واستشارتهم في مجال تخصصهم؛ إلا أن الأمر تجاوز ذلك، إلى حدِّ الاقتداء بهذه الطائفة من الدعاة في مظهرها العام وسلوكها في الحياة وتعاطيها مع المسائل ورؤيتها للقضايا، ليصبحوا مرجعية للمتلقين عنهم وأسوة للأتباع المتأثرين بنجاحاتهم وشهرتهم الإعلامية. 


إن "الدعاة الجدد" يوصلون للشباب رسالة أنه "بإمكانهم أن يصبحوا متدينين، وفي الوقت نفسه أن يمارسوا حياتهم الطبيعية من عمل ودراسة وترفيه، كما يمكنهم أن يظهروا بمظهر عصري يشبه أبناء جيلهم، والأهم من ذلك أنه يمكن للشباب أن يكون متدينا ويحتفظ في الوقت نفسه بسلطته ومكانته الاجتماعية". (مقالة (الشباب المتدين بين عمرو خالد وعمرو دياب!) لعاصف بيات، موقع إسلام أون لاين، بتصرف).


إن تيار الدعاة الجدد لا يكتفي باختيار الأماكن التي تتناسب مع جمهوره؛ بل هو نفسه في مظهره يشبه هذا الجمهور؛ فبعكس الشيوخ التقليديين يرتدي هؤلاء الدعاة البدلة أو الجينز وربطة العنق، وهو أيضًا حليق الذقن؛ في حين يقدمون للشباب إمكانية أن يجمع بين التدين والاستمتاع بالحياة العصرية، مع شيء من الضوابط الأخلاقية! فأصبحت طائفة "الدعاة الجدد" -إن صح التعبير- تزاحم دور علماء الدين وفقهاء الشريعة، أدركت ذلك أم لم تدرك، وشاركت فيه أو لم تشارك، وأصبحت المخالفات الظاهرة التي ترتكبها هذه الطائفة، أو الانحرافات التي تحملها أحيانًا، محط اقتداء من الجماهير.

 

وقد وصل الأمر بالبعض إلى إلغاء الحقائق المعلومة من الدين والواقع تجاه مخالفة ظاهرة، كمخالفات فرقة ك"الصوفية" مثلًا.. تحت تأثير بعض هؤلاء "الدعاة الجدد" من التيار الصوفي!! وأحيانا يعطي "الدعاة الجدد" صورة مشوهة عن العلماء والدعاة والفقهاء، وانطباعًا عن توجه ناقد لهم.. باعتبار أنهم متشددون أو أنهم مختلفون أو غير مواكبين للحياة العصرية اليوم!

 

2- دور بعض أهل العلم والفتيا في تتبع الرخص والتوسع في التسهيل:

 

إن البداية تكون بفتاوى تيسر على الناس وترخص لهم في بعض المسائل، وشيئا فشيئا يتولد عند هؤلاء الأتباع فقه مبني على تتبع الأقوال والاجتهادات الموافقة للهوى، وإذا كانت إرادة الفقيه من التيسير تقريب الناس من الدين وتحبيبه إليهم.. فإن النتيجة تكون بابا يخرج منه الناس من الدين.. وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا!

 

يقول أحمد زين: إن "البراح في المساحات الفقهية للعلماء الذين ينتهجون التيسير والتسهيل على المسلمين؛ أوجد -عند هؤلاء المتدينين- رأيًا متساهلًا في كل قضية فقهية، وأنه لا جناح عليهم في انتهاجه؛ فهو رأي فقهي معتبر من عالم معتبر". بتصرف؛ ويضيف: "وأنا أرى أن ظاهرة القص واللصق من الفتاوى والاجتهادات تجري على أشدها لإكساب المشروعية لكثير من الأفعال التي درج الشباب عليها؛ فبدلًا من أن يتنازل عن عادات ما قبل التدين إذا به يحاول أن يجد لها مبررًا شرعيًا محترمًا" (مقالة (المتدينون الجدد وفقه القص واللصق) لأحمد زين، موقع إسلام أون لاين).

 

وهذا القول لأحمد زين جاء من استقراء: ف "من خلال فتاوى المرأة على موقع "إسلام أون لاين.نت" نستطيع أن نرسم صورة لحركة المرأة في المجتمع؛ فهي تصافح ابن عمها أو ابن عمتها عند الضرورة (فتوى: مصافحة الرجل للمرأة.. الحكم والضوابط، د. القرضاوي)، وهي تقابل مطلقها لأغراض شريفة (هل يجوز للمرأة المطلقة أن تتقابل مع من طلقها بعد الطلاق لأغراض شريفة؟ د. القرضاوي)، وتستطيع أن تتابع رياضيين يرتدون الشورت (فتوى: ضوابط النظر بين الرجل والمرأة، د. القرضاوي)، كما أنه لا بأس أن ترقق المرأة حاجبيها (فتوى: ترقيق المرأة حواجبها، الشيخ عطية صقر)، وتستطيع أن تخطب لنفسها من أرادت (فتوى: ما حكم أن تخطب المرأة الرجل؟ د. علي جمعة)، ويجوز أن تضع العطر الخفيف (فتوى: حكم وضع المرأة للعطر، الشيخ عطية صقر)، وهي تخدم الضيوف (فتوى: خدمة الزوجة للضيوف، عطية صقر)، كما يجوز لها ركوب الدراجة (فتوى بدون اسم مفت)، كما يجوز لها العدو في الشارع (فيصل مولوي)، كما يجوز لها قراءة القرآن أمام الرجال (فتوى: د. نصر فريد واصل)... إلخ"!


وهذه الفتاوى تستند في غالبها إلى دليل شرعي أو قاعدة شرعية أو قول سابق، وصادرة عن أشخاص منتسبين للفقه، لكنها في الحقيقة فتاوى تأخذ بالأقوال الشاذة والأدلة الضعيفة أو المرجوحة، وتفترض في بيئة المستفتي أنها محافظة.. سليمة من الفتن!


وتشكل عند الجمهور المتساهل منهجا مبيحا للمحرمات، التي هي دون الكبائر المعدودة على أصابع اليدين!! ويقابل هذه الفتاوى المتساهلة: "إلحاح الدعاة الجدد على الرجاء ورحمة الله وغفران الذنوب مهما كانت، وهي مساحة لا شك فيها ولا إنكار لها، إن الإلحاح عليها كأنها المسار الوحيد.. والخيار الفذ أوجد خللًا لدى المتعرضين لهذا الخطاب، ووجههم إلى مزيد من الجرأة على الحرام مع التأكد من مغفرة الله لهم، وكذلك من تركيز بعض الدعاة الجدد على مسألة أعمال القلوب وأهميتها والتقليل من شأن أعمال الجوارح والسلوكيات والأخلاق" (مقالة (المتدينون الجدد وفقه القص واللصق) لأحمد زين، موقع إسلام أون لاين، بتصرف).


3- القنوات الفضائية:

 

إن وسائل الإعلام -اليوم- تقع تحت ضغط الجماهير التي بدأت تنفر من المستوى الهابط الذي وصلت إليه كثير من البرامج، وتطالب -في ذات الوقت- ببديل إسلامي يتفق مع الهوية الثقافية والحضارية للأمة في ظل احتفاء الآخر بقيمه وثقافته ومحاولة تمريرها بالقوة على مجتمعاتنا المسلمة. وفي محاولة منها لإرضاء التوجهات المختلفة إسلامية وعلمانية، فإن القنوات الفضائية تجد في هذا الصنف من "الدعاة الجدد" فرصة في تقديم البديل الإسلامي المطالب به جماهيريًا؛ بل هي تحاول صنع أمثال هؤلاء الدعاة "على أعينها" لأنهم في الغالب لا يتصادمون مع مضامين الرسالة الإعلامية لها.

 

وتحاول بعض هذه القنوات ركوب الموجة واستغلال التيار.. فهي إما تقدم نفسها كبديل إسلامي، أو أنها تمزج بين هذا وذاك! خاصة وأن هناك قنوات إسلامية قوية بدأت تظهر في الساحة الإعلامية!


يقول د. خالد شوكات في إيضاح العلاقة بين مظاهر التدين في تونس والقنوات الفضائية: "يؤكد المتابعون والمهتمون بالشأن الاجتماعي والثقافي في تونس وجود صحوة دينية كبيرة لدى شرائح اجتماعية واسعة داخل المجتمع التونسي، تتجلى بصورة خاصة في إقبال التونسيات على ارتداء الحجاب، كما يلحظون أن وجود القنوات الفضائية الإسلامية قد مثل بديلا جيدا للمعرفة الدينية بالنسبة للمتدينين في هذا البلد الذي يتعرض فيه التيار المتدين لقمع شديد، ويكاد يغيب فيه دور الدعاة" (مقالة (تونس.. الفضائيات البديل الأمثل للدعاة) لـ د. خالد شوكات، موقع إسلام أون لاين).

 

إذن هذا الجمهور لابد له من بديل، وهذا البديل مع غياب الدعاة كان القنوات الفضائية! "وقالت الباحثة الجامعية التونسية سنية المنصوري في تصريح ل(إسلام أون لاين.نت) بتاريخ 31/7/23م: إن وجود قنوات فضائية إسلامية أمثال اقرأ والمجد وغيرهما من الفضائيات، قد مثل مصدرا بديلا للمعرفة الإسلامية وللفتوى الدينية، خصوصا لدى الفتيات والنساء، في ظل غياب الدعاة والوعاظ الدينيين عن المساجد والبرامج الإذاعية والتلفزيونية المحلية (بسبب التضييق الأمني من جانب السلطات التونسية)، كما أن الدعاة الدينيين من أمثال عمرو خالد وحبيب علي الجفري قد تحولوا إلى شخصيات مؤثرة في أوساط اجتماعية كبيرة بتونس" (مقالة (تونس.. الفضائيات البديل الأمثل للدعاة) لـ د. خالد شوكات، موقع إسلام أون لاين).

 

"إن هذا التيار الجديد من الدعوة ظهر ليوفِّي بمتطلبات الشباب الذين ينفتحون أكثر فأكثر على الثقافة الغربية؛ فهذا الشباب الممتلئ بالأفكار المختلفة غير المتناغمة أنتج هذه الثقافة الجديدة من التدين، التي تعبر عن نفسها من خلال تجديد في الأسلوب والذوق واللغة والرسالة" (مقالة (الشباب المتدين بين عمرو خالد وعمرو دياب!) لعاصف بيات، موقع إسلام أون لاين).

 

"إن الشباب هو الذي خلق لنفسه هذه الثقافة الدينية الجديدة التي تتمحور حول ظاهرة (الدعاة الجدد) كنوع من (الموضة)؛ فهي منفذ للتنفيس عن احتياجات إنسانية متناقضة: احتياجات للتغيير والتأقلم، للتميز عن الآخر والتشابه معه، للتفرد والالتزام بالمعايير الاجتماعية، وبالتالي فإن التمسك بهذا النوع من التدين الإيجابي يسمح للشباب بأن يحافظ لنفسه على هوية تميزه، وفي الوقت نفسه يتعامل مع التغيير الحادث من حوله، وهو إذ يفعل ذلك يتحرك في إطار المعايير الاجتماعية ولا يضطر إلى خرقها" (مقالة (الشباب المتدين بين عمرو خالد وعمرو دياب!) لعاصف بيات، موقع إسلام أون لاين).

 

إن تعدد مصادر التلقي ووسائل الإعلام المتنوعة قدمت للشباب الراغبين للالتحاق بالصحوة قدرًا وافرًا من الاختيارات البديلة؛ وهو ما أدخل عناصر أخرى ساهمت في توجيههم وتشكيلهم، وغيرت مسار توجههم على خلاف الحقيقة أحيانا كثيرة، فقد أصبحت برامج الفضائيات تشكل أكبر رافد لتكوين أفكار "المتدينين الجدد" وثقافتهم الدينية، وبحكم سنهم وانفتاحهم على الإنترنت والفضائيات أصبحوا يتلقون المفاهيم والتصورات والآراء والاستشارات والسلوكيات منها، وحيث أن دعاة "المتدينين الجدد" ينفذون من هذه الوسائل والقنوات إلى جمهورهم فإنهم بلا شك يصنعون قاعدة عريضة من هذا التيار! ويبنون علاقتهم مع المتلقين عنهم بأسلوب التفاعل الحي والتواصل المباشر والحوار الثنائي -وهي أساليب محببة وجذابة لكثير من جيل اليوم- لا على التلقي والتوجيه! كما هو معتاد!


4- السياسات الحكومية:

 

إن من أهم أسباب ظهور "التدين الجديد" هي تلك الحرب الإعلامية والدعائية التي مورست ضد "التدين الأصيل" في الصحوة، والذي يحتكم إلى الكتاب والسنة وفهم الصحابة والقرون المفضلة الأولى في الإيمان والاتباع، وهو المسمى بالتوجه السلفي!

وهو ما شكل حاجزًا نفسيًا بين الناس وبين هذا الشكل من أشكال التدين المعروضة على الساحة! إضافة إلى ذلك، السياسات التي تتبنها بعض الدول لتضيق الخناق بها على المتدينين عمومًا، وتحرمهم من ممارسة حقوقهم الخاصة حتى في ظل الأنظمة الديموقراطية زورًا! تدفع بالبعض إلى البحث عن رخص الفتاوى في مقابلة البطش والتعذيب الذي قد تتعرض له.

 

تقول الباحثة سنية المنصوري: "إن الصراع الذي شهدته تونس خلال عقد التسعينيات، بين النظام والحركة الإسلامية، قد أضر في حينها بوضع الالتزام الديني لدى التونسيين عامة، على الرغم من أن عددًا كبيرًا من أبناء المجتمع التونسي كانوا ملتزمين من الناحية الدينية، لكنهم لم يكونوا أعضاء في حركة أو جماعة إسلامية. وكان تقرير الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان السنوي عن عام م قد تحدث عن الحملات الأمنية والإدارية ضد المحجبات التونسيات، وجاء فيه أن العديد من المحجبات تعرضن إلى المضايقات في الشوارع أو أماكن العمل، وتم تجريد العديد منهن من الحجاب عنوة في بعض مراكز الأمن بالعاصمة، وإجبارهن على التوقيع على تعهد بعدم العودة إلى ارتداء الحجاب.


كما أن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان كانت قد ذكرت في 28/5/23م أن عددًا من طالبات التعليم الثانوي مُنعن من اجتياز امتحانات نهاية العام بسبب ارتدائهن للحجاب. يذكر أنه في عام 1981م أصدرت السلطات التونسية قانونا يعتبر الحجاب زيا طائفيا. ومنذ ذلك الحين والحكومة تلتزم بهذا القانون، إلا أنه تم التشديد على منع المحجبات من دخول الجامعات والإدارات الحكومية منذ مطلع العقد الماضي، وهو ما أثار انتقادات واسعة في الداخل والخارج، خصوصا من جانب المنظمات الحقوقية التي ترى في منع الحجاب والتضييق على المحجبات تدخلا في الحرية الشخصية للمواطنين" (مقالة (تونس.. الفضائيات البديل الأمثل للدعاة) لـ د. خالد شوكات، موقع إسلام أون لاين).


وعقب أحداث 11 سبتمبر، اتجهت السياسات الحكومية في الوطن العربي خاصة، في ظل فشل الخطاب الديني الرسمي على كسب ثقة الجماهير، وعدم قدرة هذه الدول على تحقيق نجاح قومي أو وطني، وزيادة الإقبال لدى الناس على التدين، وتصدر عدد من العلماء والدعاة بخطاب علمي مؤصل وفقه للواقع وتقديم رؤية شاملة للإصلاح السياسي والاجتماعي تقوم على أساس من الدين الإسلامي.. الأمر الذي هددَّ مستقبل هذه النظم العلمانية في هذه البلدان، وخروج الطاقات الشبابية عن سيطرتها وسيطرة العلماء.. اتجهت إلى صياغة بديل قادر على حرف مسار هذا التيار القادم والعارم -كما يبدو- وليس بالضرورة لديها أن يكون رسميًا، لكنه مسيطر عليه أو في أقل الأحوال "غير متمرد"!

 

وهذا البديل يشمل المناهج التعليمية والخطاب الدعوي والمؤسسات والقيادات الفاعلة في الأوساط الاجتماعية والشبابية. وربما تتم صياغته بالاتفاق مع أكثر من جهة تتصل مصالحها مع قيام "بديل" بهذا النوع والحجم! "وفي وزارة الأوقاف -المصرية- تشدد مشاريع الإصلاح على الدور الاجتماعي للمسجد وعلى أهمية المجتمع المدني والاكتفاء الذاتي. إن إحدى حلقات الدراسة في الأزهر تطرقت إلى ضرورة إعادة صياغة الدعوة انطلاقا من تعاليم التسويق الأمريكية" (مقالة (تدين نيولوك.. إسلام البورجوازية في مصر!) لحسام تمّام وباتريك هايني، موقع إسلام أون لاين).


وفي فترة سابقة من تاريخ الأنظمة الحالية، كان لزامًا على أجيال سابقة إذا أرادت أن تعبر عن مشاعرها الدينية، وتظهر ملامح هذا التدين.. أن تنضم إلى جماعة؛ أو هكذا كان يبدو الأمر عند الحركات الإسلامية ذاتها! فكان ذلك يكلفها بمقتضى التضييق الأمني ضريبة لا يستطيعها الكثيرون اليوم، لكن هذا (التدين الجديد) قدم طريقة مغايرة لما عليه فكر الحركة الإسلامية! فهو يمارس العمل الدعوي ويعبر عن تدينه وينشط اجتماعيًا بل وربما سياسيًا، دون أن يتعرض للملاحقة والاعتداء في الغالب، لا لشيء سوى لأن مطالبه لا ترتقي إلا مطالب الحركة، فهو يعمل في مجموعات صغيرة ذات أهداف محدودة يشارك فيها الجميع علانية، وتعالج -إن عالجت- ظواهر الأمور وشكليات المشاكل! وهو بالتأكيد يستحضر صورة الصراع الدامية التي حدثت لأجيال سابقة ويريد أن يتجنبها!


5- الغرب:

 

وأقصد بالغرب هنا ذلك المزيج من التحالف الغربي الذي يستهدف العالم الإسلامي حضارة وأمة ومقدرات. فبعض أوجهه سياسية، أو اقتصادية، أو ثقافية، أو عسكرية.. وتارة يتمثل في منظمات دولية وأخرى في مؤسسات ومساندات محلية. ومن مصلحته -في ظل هجمته على العالم الإسلامي- الانحراف بالتوجه والخطاب الديني الذي يكرس الندية بين العالمين الإسلامي والغربي، وتهدئة لغة التعبئة التي يقوم بها العلماء والدعاة ضد كل ما يخالف الدين الإسلامي واستقلالية الأمة.

 

وقد احتلت مسألة مخاطبة العالم الإسلامي مؤخرًا الأولوية في قائمة الاهتمامات الخارجية لدى الغرب، فالإذاعات العربية والقنوات الفضائية (المُعرَّبة) تنال الرعاية والتمويل من قبل الحكومات هناك.


وليس أدلَّ على ذلك من مشروعي قناة (الحرة) وإذاعة (سوا) اللتين افتتحتا مؤخرًا في المنطقة. والملاحظ أن الغرب قلق من (الخطاب الديني الإسلامي) أيًا كان، متطرفًا أو متساهلًا! فالكل يخضع للرقابة والمتابعة والتحليل! ومن المضحك أن شخصية كفضيلة الشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله وهو يُعدُّ عند الكثير من العلماء والدعاة من المتساهلين في أحكامه ومواقفه في المسائل الحادثة والأحكام الفقهية، لا يجد قبولًا في الأوساط السياسية والإعلامية، بل واجه مؤخرًا حملة تصفه (بالتطرف) و (الإرهاب)! لا لشيء سوى لمواقف الشيخ تجاه الاحتلالين الإسرائيلي لفلسطين والأمريكي للعراق!


وهناك ضغوط تمارس ضد الدول الإسلامية لإيجاد بدائل للخطاب الديني القائم، بما يتفق مع النهج الديمقراطي والتعددية الفكرية والسياسية التي يراد للمنطقة أن تنفتح عليه! كما أن الحالة الأمنية التي أفرزتها هذه الضغوط في جانبها الأمني أفسحت المجال للتدين من هذا النوع في مقابل انحسار التدين التقليدي!

 

وللعلم، فإن ظاهرة (الدعاة الجدد) حازت على اهتمام الغربيين، في إطار الاهتمام بحركات (التدين الجديد) عموما! فقد أصدرت الدورية الفرنسية (السياسة الأفريقية)، في عددها 87 ملفًا خاصًا.. بعنوان (موضوعات الرب)؛ لبحث التغيرات الجديدة على مستوى الدين في قارة أفريقيا السمراء. و(السياسة الأفريقية) واحدة من أهم الدوريات المتخصصة في الشئون الأفريقية، وتصدر عن مركز الأبحاث السياسية والقانونية في القارة الأفريقية بجامعة السوربون، ويرأس تحريرها "ريشار بانيا" و"رولان مارشال". وهي تعكس الاهتمام الفرنسي الكبير بالقارة السمراء التي شهدت منذ نهاية الثمانينيات نوعا من العودة للدين على كل المستويات.


وقد ضم الملف دراسات ومقاربات مختلفة حول الدين والحياة في أفريقيا؛ وكانت أهم دراسات الملف تتحدث عن "الدعاة الجدد"، "لأنها ربما كانت الأولى والأهم عن ظاهرة جديدة على الحقل الديني الإسلامي" كما يقول حسام تمام. والدراسة وهي بعنوان: (الإسلام كظاهرة اجتماعية) أعدها "باتريك هاني" وهو باحث اجتماع سويسري يعيش في مصر وهو مختص في الظاهرة الإسلامية. وقد أشار إلى أن: "أهم نقاط الاختلاف التي ترصدها الدراسة -بين الدعاة الجدد ومن قبلهم- كانت الابتعاد عن السياسة والتزام خطاب أخلاقي يختلف مع خطاب هذه الجماعات والتنظيمات السياسية" (مقالة (عمرو خالد.. الطبعة الإسلامية لليبرالية الجديدة!) لحسام تمام، موقع إسلام أون لاين).

 

وترى الدراسة "أن نموذج عمرو خالد يمثل تلبية للاحتياجات الدينية للنخب والطبقات العليا في مصر، ومحاولة لتقديم إسلام بمواصفات خاصة لأبناء هذه الشرائح التي تستقر بأعلى الهرم الاجتماعي في مصر، بما يلبي رغبتها الحقيقية في التدين وفي ألا تحمل شعورًا بالذنب أو إحساسًا بالتقصير يدفعها إلى إعادة النظر في وضعها الاجتماعي وما يكفله لها من امتيازات لا تتاح للطبقات الأقل، وهو تدين ذو مواصفات خاصة لن تجده هذه الشرائح في خطاب الشيوخ التقليديين" (مقالة (عمرو خالد.. الطبعة الإسلامية لليبرالية الجديدة!) لحسام تمام، موقع إسلام أون لاين).


"وخطابه -عمر خالد- بالأساس رافض لانحلال الطبقة البرجوازية التي ينحدر منها، ولكنه أيضا متصالح مع هذه الطبقة، ويستجيب لرغباتها في تدين بمواصفات خاصة بها، وبالشباب منها بصفة خاصة باعتباره الحلقة الأضعف من هذه الطبقة، وهو تدين جديد.. الدنيا حاضرة فيه بقوة وليست على صِدام مع الدين، كما لا يتعرض فيه البناء الاجتماعي للطبقة والعلاقات الأسرية إلى خلخلة أو تفسخ أو صدام بين أطرافه كما يحدث في التدين السلفي الذي تقدمه جماعات وتنظيمات الإسلام السياسي" (مقالة (عمرو خالد.. الطبعة الإسلامية لليبرالية الجديدة!) لحسام تمام، موقع إسلام أون لاين).

 

وتقارن الدراسة "بين خطاب عمرو خالد من خلال تحليل مضمون درسه (الشباب والصيف) وبين خطاب الإصلاح البروتستانتي في أوائل القرن التاسع عشر لتتحدث عن أوجه تشابه كبيرة بينهما خاصة فيما يتعلق بالنظرة إلى الثروة الاقتصادية، فخطاب عمرو خالد يتحدث عنها باعتبارها ليست عيبًا أو ذنبًا بل هي نعمة من الله، ويؤكد على ذلك في كل دروسه مبررًا التراكم الاقتصادي الذي حققته الطبقة البرجوازية في السنوات الأخيرة ويعطيه الشرعية الدينية مشروطة بأداء حقه، وهو خطاب موجه بالأساس إلى الطبقة المهيمنة أو الصاعدة اقتصاديًا حتى في رؤيته للأخلاق والقيم الإسلامية، فالصبر مثلًا في خطاب عمرو خالد يختلف عن الصبر في الخطاب الإسلامي التقليدي الذي يأخذ طابعًا (قدريًا) في حين يعني عند عمرو التواصل والاستمرار في العمل وتنظيم الوقت والمثابرة على النجاح" (مقالة (عمرو خالد.. الطبعة الإسلامية لليبرالية الجديدة!) لحسام تمام، موقع إسلام أون لاين).

 

"وما اقترب منه الباحث ولم يقله أن المهم في ظاهرة الشيوخ الجدد هي الحالة التي يصنعونها وليس أشخاصهم ولا مضمون كلامهم. الحالة هنا هي الجو المحيط والوسيط الذي ينتقل عبره الكلام والجمهور الحاضر وهكذا.. فهذه الحالة تؤدي إلى تصالح شعوري بين الواقع المعيش وبين الدين الذي يمثل المرجعية الأساسية للشخص الحاضر المنتمي للبرجوازية الجديدة. ويصير السلوك الشخصي المعيش حياتيًا المرفوض دينيًا (مثل الاختلاط مع الفتيات غير المحجبات أو المحجبات والتعرف عليهن) سلوكًا دينيًا مطلوبًا (فالشاب صار يدعو الفتاة للدين)" (مقالة (عمرو خالد.. الطبعة الإسلامية لليبرالية الجديدة!) لحسام تمام، موقع إسلام أون لاين).

 

"وتضع الدراسة ظاهرة عمرو خالد في سياق عالمي تأثر بهيمنة خطاب الليبرالية الجديدة عالميًا وعلى كافة الأديان، فيرى أنها تقترب كثيرًا من جماعات الإيمان الجديدة المسيحية التي انتشرت مؤخرًا في الغرب في رفضها للمؤسسات الدينية التقليدية واستقلالها عنها، وفي طابعها الفردي المستقل البعيد عن الجماعية، وفي تركيزها أيضا على المشاعر والعواطف" (مقالة (عمرو خالد.. الطبعة الإسلامية لليبرالية الجديدة!) لحسام تمام، موقع إسلام أون لاين).

 

وجمهور "الدعاة الجدد" بحسب وصف الدراسة: "في مجمله من غير المؤطرين تنظيميًا أو سياسيًا، ويتشكل من مجموعات صغيرة أقرب إلى مفهوم الشلّة (الذي تنتظم وفق العلاقات بين أبناء النخبة) منه إلى مفهوم الجماعة والتنظيم؛ فحضور الدروس كان دائمًا ما يتم عن طريق مجموعة الأصدقاء أو (الشلّة)، وهو جزء من تفاعلات العلاقة بين أعضاء هذه المجموعة التي مثلما تذهب لحضور الدروس تذهب أيضا إلى المصيف والنادي والسينما وأداء العمرة في الأراضي المقدسة" (مقالة (عمرو خالد.. الطبعة الإسلامية لليبرالية الجديدة!) لحسام تمام، موقع إسلام أون لاين).

 

وتؤكد الدراسة أن "ظاهرة عمرو خالد والشيوخ الجدد مرشحة للتكرار ليس في مصر وحدها بل في العالم العربي والإسلامي بفعل التفاعلات المستمرة والمكثفة بين الخطاب الإسلامي وبين قيم وأفكار وتوجهات الليبرالية الجديدة" (مقالة (عمرو خالد.. الطبعة الإسلامية لليبرالية الجديدة!) لحسام تمام، موقع إسلام أون لاين).

 

هذا النموذج للدراسات الغربية المتابعة للخطاب الديني في مجتمعاتنا، وأساليب هذا الخطاب وأبعاده وخلفياته، كل ذلك سعيًا وراء استغلال أو توجيه أو مصادمة.. هذا أو ذاك التيار والتوجه!


6- رغبة الجماهير:

 

إن الجماهير ميَّالة بطبعها إلى تدين غير باهظ التكاليف، وما توجيه موسى عليه الصلاة والسلام للرسول محمد صلى الله عليه وسلم (في قصة المعراج والإسراء) ليطالب ربه بالتخفيف في شأن الصلاة، نظرًا لما قد عالج من بني إسرائيل، إلا دليل على ذلك. وإذا أضفنا إلى هذه الطبيعة الخوف على المصالح والمتع الدنيوية والميول إلى الترف والشهوات.. فإن الأمر يكون آكد؛ وتبقى هذه الجماهير تبحث عمن يسهل عليها التكاليف والتبعات.

 

"إن هذا التيار الجديد من الدعوة ظهر ليوفِّي بمتطلبات الشباب الذين ينفتحون أكثر فأكثر على الثقافة الغربية؛ فهذا الشباب الممتلئ بالأفكار المختلفة غير المتناغمة أنتج هذه الثقافة الجديدة من التدين، التي تعبر عن نفسها من خلال تجديد في الأسلوب والذوق واللغة والرسالة" (مقالة (الشباب المتدين بين عمرو خالد وعمرو دياب!) لعاصف بيات، موقع إسلام أون لاين).

 

"إن الشباب هو الذي خلق لنفسه هذه الثقافة الدينية الجديدة التي تتمحور حول ظاهرة "الدعاة الجدد" كنوع من "الموضة"؛ فهي منفذ للتنفيس عن احتياجات إنسانية متناقضة: احتياجات للتغيير والتأقلم، للتميز عن الآخر والتشابه معه، للتفرد والالتزام بالمعايير الاجتماعية، وبالتالي فإن التمسك بهذا النوع من التدين الإيجابي يسمح للشباب بأن يحافظ لنفسه على هوية تميزه، وفي الوقت نفسه يتعامل مع التغيير الحادث من حوله، وهو إذ يفعل ذلك يتحرك في إطار المعايير الاجتماعية ولا يضطر إلى خرقها" (مقالة (الشباب المتدين بين عمرو خالد وعمرو دياب!) لعاصف بيات، موقع إسلام أون لاين).


وأنا أكتب هذا المقال وأجمع مادته كنت حذرًا تمامًا أن تكون لدي فكرة مسبقة أحاول التدليل عليها؛ لذا فقد حرصت بالغ الحرص على تجميع أكبر قدر من حديث هذه الشريحة عن نفسها من خلال تجاربهم واستشاراتهم التي يعرضونها على مشاكل وحلول للشباب في (إسلام أون لاين.نت)، فهذه فتاة مصرية في العشرين من عمرها تقول: تعرفت على شاب في الجامعة على مستوى عالٍ من (التربية) و(الأدب)، وقامت بيننا علاقة حب لكن في إطار "الاحترام" و"المحافظة" على (تقاليد ديننا).

 

ولكن بعد (ارتباطنا) بعام ونصف تطورت العلاقة بيننا بدأت بلمسة ثم قُبل. وهذا حصل 3 مرات، والآن أنا وهو ندمنا على ما حصل وقررنا أن نتوب إلى الله، والحمد الله أننا الآن (محترمان)، لكن المشكلة أنني أخاف عقاب الله، وأريد أن أرضي ربي بأية طريقة، وقلت (لحبيبي): إنني أريد الانفصال عنه لكي نرضي ربنا، ملحوظة: أخلاقي أنا وحبيبي محترمة جدًا، وكان من المستحيل أن نفكر في أن نفعل هذا الخطأ، ولكن كان غصبا عنا. والله العظيم ده مش من طبعنا أبدًا.


فالكلمات التي بين التنصيص -والتنصيص من عندي- يمكن أن تعطي مؤشرًا واضحًا على الارتباك في إدراك مدلولات هذه الكلمات، فالتربية والأدب والمحافظة وتقاليد الدين لا تتنافى تماما مع القبل واللمسات! كما أن الاحترام لا يمنعها من إطلاق كلمة حبيبي عليه! والمسوغ طبعا واضح؛ فهي ترى في علاقتهما المحرمة تلك "ارتباطًا"، وهي كذلك تخلي مسئوليتهما عما حدث؛ فالأمر كان غصبا عنهما!

 

وشاب (ملتزم) آخر يقول: أنا شاب ولله الحمد ملتزم دينيًا، أحببت فتاة منذ 3 سنوات، وهي تصغرني بعامين، ووعدتها بالخِطبة هذا العام، والكل وافق: والداها وأبي.. لكن أمي عارضت، وأنا أحاول إقناعها منذ عامين، ولم ترضَ، وأنا لا أرغب بالخروج عن رضا أمي خوفًا من الله عز وجل.


ولكن للأسف حدث بيني وبين هذه الفتاة عدد من الخلوات في منزلهم، تخللها عدد من القبلات، بالإضافة إلى رؤيتي لصدرها مرتين، وقد أقلعنا عن هذا خوفًا من الله، والحمد لله أنه لم يتطور الأمر أكثر من ذلك، وبعد صراعات مع أمي قررت ترك هذه الفتاة رغم حبي الشديد لها إرضاء لوالدتي، وأنا عازم على خطبة غيرها لأنساها وأبدأ حياتي من جديد بمباركة من والدتي.. وهذا مثال آخر صارخ؛ فالفتى تختلط عنده المفاهيم الدينية والأخلاقية ليخرج لنا خليطًا من الالتزام الديني برائحة القبل وطعم اللمسات المحرمة، وهو يستدعي الدين في بر الوالدين وعدم الرغبة في الخروج عن رأي أمه، لكنه لا يتورع أن يركل أحكامه إذا رأى صدر فتاته، وهو دائما يشعر برضا طاغٍ عن نفسه؛ فهو -كما يصف نفسه- والحمد لله ملتزم دينيًا، وإذا اقترف المحرمات فهو يحمد الله عن أن الأمر لم يتطور للزنا!


ونموذج آخر هو شاب يرى أنه داعية ويعمل مع عدد من "الإخوة"، لكن هذه الدعوة لا يجد فيها أدنى مشكلة أن يمارسها مع بنتي عمته اللتين في مثل عمره تقريبا -المرحلة الجامعية- ويقول: طوال خمس سنوات مضت، وأنا أزور عمتي تلك، وأجلس مع ابنتها وأخواتها وإخوتها الرجال كصلة رحم، وبعد فترة أحسست أن الفتاتين تكبران، ودخلتا الجامعة فخفت عليهما من الفتن، وعزمت أن آخذ بيدهما إلى طريق الله عز وجل فبدأت أولى تلك المراحل، وهي كما تعلمنا: الحب في الله، فكنت أجتمع بهما وأحدثهما عن صلة الرحم، وأسأل عن علاقاتهما في الكلية وأنصحهما، ولكن كنت أركز على إحداهما أكثر؛ لما أجده فيها من استجابة وحسن فهم.. فالداعية الصغير يحب ابنة عمته في الله وينصحها.. وهو لا ينكر أنهما تعلقتا به، وهو نفسه يعترف أن هناك بعض التجاوزات! يقول الشاب: كانتا دائما تنتظران مجيئي لنتحدث، ولكن كان هناك تجاوز أحيانًا في مسألة الضحك معهما، وأنهما كانتا تجلسان بلا غطاء رأس، وكنا أحيانا نختلي أنا وهي ولكن في نفس البيت، والكل يمر علينا طلوعًا ونزولًا! لكن الداعية الهمام يتحمل كل هذه التجاوزات في سبيل الله! فيقول: لكن كنت أجاهد! حتى لا أنفرهما مني، وكنت أعمل على كسب ودهما وحبهما حتى يصل كل ما أقوله بسهولة.


لقد درس الداعية الشاب مفاهيم الدعوة: الحب في الله والجهاد وعدم تنفير المدعوين وكسب ود المدعوين، لكنه في النهاية خرج من ذلك بنتيجة غاية في الغرابة" (مقالة (المتدينون الجدد وفقه القص واللصق) لأحمد زين، موقع إسلام أون لاين).

 

ويضيف أيضا: "وللتوضيح قد يكون المشهد الذي رأيته في أحد الشوارع القاهرية معبرًا جدًا: فتاة ترتدي حجابًا سابغًا، تقود سيارة حديثة، والمسجل عالي الصوت يبث أغنية عالية تقول فيها المغنية الشابة: محتاجة لك.. محتاجة لك" (مقالة (المتدينون الجدد وفقه القص واللصق) لأحمد زين، موقع إسلام أون لاين).

 

هذه بعض الآثار التي لمسها الكاتب من خلال قراءاته، والأمثلة في ظني أكثر من ذلك والآثار أعظم وأعمق، وقد سبق وأشرنا إلى بعض المظاهر التي تصاحب هذا التدين المزعوم، ولا حاجة لذكرها هنا!

 

وفي نظري أن هذا الأثر الذي يحدثه " المتدينون الجدد" في الأوساط الاجتماعية بتطبيع السلوكيات والمظاهر الغربية في مجتمعاتنا! يتم عبر عدة أمور منها! الكلام عن الحريات الخاصة وحقوق الإنسان (والمرأة)، بلهجة إسلامية ومضامين أجنبية تشربها هؤلاء من أوساطهم الاجتماعية، ومن خلال ثقافاتهم المتلقاة من الفضائيات والإنترنت والدراسة في معاهد اللغات وكليات الإدارة ومن ذلك، ومما يلاحظ على هؤلاء المتدينين مع وجود الهم للإسلام.

 

كما يقول أحمد زين: " التعاطي ونمط المعيشة والتصورات تتم وفقا لنمط الحياة الغربية بصورة طاغية ولافتة، وأعتقد أن الرجوع للأحكام الفقهية يمكن أن يدين نموذجا هذا توجهه، كما أن هذه الفترة التي نحياها كفيلة من الناحية الحضارية أن تُوجه نحو أنماط أخرى من الحياة مختلفة عن هذا النموذج.

 

كما أتصور أن التعاطي مع الأغاني والسينما -الغربية خاصة- وغير ذلك لا يُرضَى عنه فقهيًا بجملته" (مقالة (المتدينون الجدد وفقه القص واللصق) لأحمد زين، موقع إسلام أون لاين).


وفي أقل الأحوال، أصبحنا اليوم نجد من الأناشيد الإسلامية ما لا تفرق بينها وبين الأغاني الغربية! وبعضها تقدم في قوالب "الفيديو كليب" بوجود المخالفات الشرعية المعلومة! ومن ذلك، الاهتمام بالثقافة الإدارية والتربوية والاجتماعية والنفسية تحت تأثير رؤية الغرب ونظرياته فيها! فمهارة مثل (لغة البرمجة العصبية) -أو ما اصطلح عليه بال(N.L.P)- تقام لها الدورات باهظة التكاليف، ويحضرها المئات! وتنال من الاهتمام والمتابعة أضعاف ما تناله حلقات التحفيظ وحلق العلم! ومن ذلك، تحول الفنانات "التائبات" أو الفتيات "المتدينات" -من هذه الفئة- إلى تمثيل لأدوار إسلامية أو تقديم برامج دينية -زعموا- لخدمة الدعوة!


إن هذه المسائل والمظاهر لم تأت من فراغ، فهي حصيلة الفقه "الرخيص"! عندما يلتقي مع الشريحة المترفة والطبقة المتمتعة! وعندما لا تراعي الفتاوى طبيعة الانفتاح الإعلامي والتحرر الاجتماعي والهزيمة النفسية التي يعيشها المسلمون تحت وطأة الغزو الفكري والثقافي من الغرب والفشل الداخلي في بلداننا!.


ويؤكد الكاتب: "إن تدين بعض أفراد هذه الطبقة لا بد أن يغير -في ظني- خريطة الحركة الإسلامية واهتماماتها ؛ فهؤلاء الأفراد لهم قدرات وطاقات ومهارات مختلفة كثيرًا عن مهارات الأجيال التي يمكن أن نقول: إن الحركة الإسلامية قد تمرست في التعامل معها". (مقالة (أثر المتدينين الجدد على الحركة الإسلامية) لأحمد زين، موقع إسلام أون لاين).


إن لهذا التيار زخمه الدعائي وحضوره الإعلامي، وهو سيشكل بالطبع تحديا أمام العلماء والدعاة في رد الناس إلى "التدين الصحيح"، وقد يشغل الساحة مرة أخرى في الحديث بقضايا فقهية ومسلمات عقائدية وآداب اجتماعية -تجاوزت الدعوة معالجتها!- لصالح الرؤية التي يقدمها! وسوف يعطي هذا الجو من التدين لضعفاء النفوس، والذين قال الله فيهم في سورة الأحزاب: "فيطمع الذي في قلبه مرض"! فرصة للاستفادة من هذه المظاهر واستغلالها في الحرام! وتطبيع "خطوات الشيطان" في نفوس الشباب والشابات! إن ما يقوم به "المتدينون الجدد" -من الجهود المتناثرة- لن يكون في أحسن أحواله مشروعا نهضويا للأمة! طالما وأنه ينحرف بقيم الدين وأحكامه ليطابقها ويطبعها مع المناهج الأرضية! ولن يكون بديلا عن العلاج العقائدي المرتكز على التوحيد والإيمان والاتباع! والواجب على هؤلاء الرجوع إلى مرجعية الأمة من العلماء والدعاة الذين عرف عنهم تحري الحق واتباع الدليل وسلوك جادة الصواب.


ولهم على العلماء والدعاة النصح والتوجيه والمساندة والتعاون معهم في الخير والإحسان. وبعيدًا عن تشاؤم البعض من مصير هذا التيار، فإن الواجب أن لا يبخس الناس حقهم ولا تغمط مواهبهم وقدراتهم، فالاستفادة من هذا المخزون الضخم من هؤلاء الشباب هو في صالح الأمة والدعوة معا! مع مراعاة أنهم بحاجة إلى حكمة في التعامل، وبلاغة في الأسلوب، واعتراف لأهل الفضل بفضلهم!


وهنا كلمة جميلة أسجلها للكاتبة "نهى الإبياري" وهي تتحدث عن هذه الظاهرة: "إن علينا أن نتعلم أن نحب الأشخاص ونؤمن بالأفكار؛ لأننا عندما يختلط علينا الأمر فنؤمن بمن نحبهم ننسى أنهم بشر خطاءون، وعندما يسقطون نسقط معهم ويسقط ما آمنا به من أجل سواد عيونهم. الذي يحدث: أننا ننسى هل آمنا بما يقولون لأننا أحببناهم، أم أحببناهم لأننا آمنا بما قالوا، والفرق جد كبير".

 

وهي تتفق مع الأثر المروي عن الإمام علي رضي الله عنه: "اعرف الحق تعرف أهله"! وختامًا، فإنه يجب أن يبقى السؤال، الذي حاولت أن أجيب عنه: هل سيؤدي "التدين الجديد" إلى تمرير ثقافة التغريب في مجتمعاتنا محل لاهتمام ورصد المتابعين للظاهرة؟!


نماذج من الدعاة الجدد:

 

- عبد الله جيمنستيار:

 

داعية إسلامي من إندونيسيا، يبلغ من العمر 42 عاما، بدأ الظهور على شاشة التلفزيون منذ عدة أعوام، لكن شعبيته تصاعدت في وقت قصير جدًا؛ ليزيد جمهوره عن 6 مليون شخص يتابعون محاضراته الأسبوعية عبر التلفزيون، إضافة إلى شرائط الكاسيت وأفلام الفيديو والكتب، وقد وصلت شعبيته إلى حد أن يصبح ثمن الساعة الواحدة التي يقدمها من البث التلفزيوني إلى 100 ألف دولار، وذلك بحسب جيمنستيار نفسه. وهو يمتلك 18 شركات، من بينها قناة فضائية، ومحطة راديو، ودار نشر، واستوديو تسجيلات، ووكالة إعلان، ومكتب سياحة، تحقق واحدة فقط من شركاتها مكسبًا يصل إلى أكثر من 300 ألف دولار شهريا. (انظر (الأخ جيمنستيار.. داعية أندونيسي.. نيولوك!) ترجمة وإعداد: نهى الإبياري؛ في موقع إسلام أون لاين).


- حمزة يوسف هانسن:

 

أمريكي الأصل، ومن عائلة مثقفة؛ والده أستاذ لمادة الإنسانيات في جامعة هارفارد، وأمه خريجة جامعة بيركلي العريقة، أما جده فكان عمدة لإحدى مدن كاليفورنيا.
وهو صاحب فكرة برنامج "يلا شباب" الذي يذاع على mbc، وهو البرنامج الذي نجح في مخاطبة جماهير الشباب من خلال محتوى ديني جذاب.. وهو ما أكده خالد طاش أحد معدي البرنامج لجريدة الوطن السعودية. (انظر: (حمزة يوسف.. الداعية الأمريكاني المزدوج !) بقلم أحمد زين؛ في موقع إسلام أون لاين).


- عمرو خالد:

 

من مواليد عام 1967، بمدينة الإسكندرية -مصر. حاصل على بكالوريوس تجارة من القاهرة عام 1988م، وعلى دبلوم في الدراسات الإسلامية، بمعهد الدراسات الإسلامية في القاهرة سنة 21م. وهو يحضر لدراسة الدكتوراه في السيرة النبوية من جامعة ويلز -إنجلترا. يعمل كمراجع حسابات، وشريك بمكتب مراجعة. وهو عضو بجمعية المحاسبين والمراجعين المصرية.

بحلول عام 1999م صار عمرو خالد يلقي 21 درسًا أسبوعيًا في منازل شخصيات مرموقة، وارتفع هذا العدد في رمضان ليصل إلى 99 درسًا في الأسبوع الواحد، ولقد حققت شرائط الكاسيت المسجلة عليها دروسه رقمًا قياسيًا في مبيعات معرض القاهرة الدولي للكتاب لعام م، ولم يقتصر رواج هذه الشرائط على القاهرة وحدها بل صارت توزع في فلسطين وبيروت ودول الخليج، وقد أسس شركات عدة لتوزيع الكاسيتات.

قدم العديد من البرامج في القنوات الفضائية، ولا يزال، يعمل مستشارًا لدى محطة (اقرأ) التلفزيونية السعودية، وطلب منه الانضمام إلى مجالس إدارة في بعض البنوك الإسلامية؛ ولديه موقعه الخاص على الإنترنت.


- ماجدة عامر:

 

داعية شابة من الطبقة الثرية في القاهرة، مشغوفة بالشاك راس واليوغا والحمية العضوية والممارسة التأملية. وتلقى محاضرتها في الإسلام والطب البديل صدى حماسي لدى نساء المجتمع الراقي اللاتي يقصدن مسجد أبو بكر الصديق القائم في ضاحية هليوب وليس المترفة.


- الحبيب علي الجفري:

 

من مواليد جدة بالمملكة العربية السعودية، في عام1971م. والده هو عبد الرحمن بن علي بن محمد الجفري، رئيس حزب رابطة أبناء اليمن (رأي)، عائلته تشتغل بالسياسة، تتلمذ الجفري على يد عدد من دعاة الصوفية في أرض الحجاز، وهو يدرس بدار المصطفى بتريم، أشعري المعتقد، شافعي المذهب، صوفي الطريقة! له العديد من البرامج التي يقدمها على القنوات الفضائية، وموقع خاص على الإنترنت.


وهؤلاء الدعاة يحظون بما يلي:
- كثافة الدروس.
- كثرة المبيعات لهذه الدروس، والتي تنتج على الكاسيت وشريط الفيديو والسيديهات.
- كثرة الحضور من الجنسين لهذه الدروس.
- الحضور القوي في القنوات. كقناة (اقرأ) و(أوربت) و(دريم) و(إل بي سي) و(إم بي سي)! وهي قنوات في غالبها منحلة، وبعيدة عن الصورة الناصعة للإعلام الإسلامي الذي ينبغي أن تقدمه هذه القنوات!
- بروز أعمال وواجهات عمل في أكثر من بلد.
- أسلوب التسويق الذي يعتمدون عليه في مخاطبة الجماهير.
- استخدام الإنترنت للتعامل مع المدعوين بشكل أكبر.
- استخدام الهاتف الجوال، والرسائل.

 


كثرة الجدل الدائر في الأوساط الاجتماعية والدعوية حول هذه الظاهرة. "التدين الجديد".. و"الإصلاح الديني":

 

يربط البعض بين "التدين الجديد" في ظروف نشأته وطبيعة دعوته، بحركة "الإصلاح الديني" التي شاهدتها أوربا في القرن السادس عشر وما يليه، والتي بفعلها نشأت الكنيسة "البروتستانتية" كإحدى المذاهب العقائدية المستحدثة في النصرانية. و"البروتستانتية" حركة دينية نشأت عن حركة الإصلاح الديني ومبادئها. و"هي تنطوي على أفكار تحررية في الأمور الدنيوية والدينية، وكذلك في إعطاء الفرد حرية التقدير والحكم على الأمور، وفي التسامح الديني، وهذا مضاد للتقاليد وللسلطة الدينية. وروح البروتستانتية هي في مسؤولية الفرد تجاه الله وحده، وليس تجاه الكنيسة". (انظر الموسوعة العربية الميسرة، ج[1] ص[499]).


وتعرفها (موسوعة السياسة) بأنها: "مجموعة العقائد الدينية والكنسية المنبثقة عن حركة الإصلاح الديني في أوروبا، التي رافقت ظهور وتطور الثورة الصناعية فيها". (انظر ج[1]، ص[527-528]).

 

وقد ظهرت في ظل: "التسلط الديني والدنيوي للكنيسة، والنظام الإقطاعي المستبد في أوروبا، الذي كان يعيق نمو الثورة الصناعية والتجارية". (موسوعة السياسة، ج[1]).

 

و"البروتستانت: فرقة من النصرانية احتجوا على الكنيسة الغربية باسم الإنجيل والعقل"، وتسمى أيضا ب (الإنجيلية)، "ويعتقدون أن لكل قادر الحق في فهمه، فالكل متساوون ومسئولون أمامه". (انظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، ج[2]).

 

وهم: "يستمدون إيمانهم مباشرة من خلال تفسيرهم الذاتي لنصوص الكتاب المقدس، ومن هنا تتعدد التأويلات وتباينت". (موسوعة السياسة، ج[1]، ص[528]).

 

وقد بدأت في الكنيسة الكاثوليكية في القرن السادس عشر، متأثرة بحركات الإصلاح السابقة لها؛ ومن ثمَّ تحولت من حركة إصلاحية داخل الكنيسة إلى حركة عقائدية مستقلة ومناهضة لها -أي الكنيسة. (انظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، ج[2]،ص[615]).


و"نتيجة للحرية الفردية في فهم تفسير الكتاب المقدس لكل فردمن المؤمنين بالمذهب البروتستانتي انقسمت البروتستانتية إلى كنائس عدة". (انظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، ج[2]، ص[618]).

 

وفي إحصائية عام 1982م وجدت 2 طائفة إنجيلية في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها. (انظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة؛ ج[2]، ص[618]).

 

ومن بين الكنائس التي انقسمت على البروتستانتية "الأساسيون" وهي: "حركة دينية محافظة قامت بين الطوائف البروتستانتية في أوائل القرن2م. والغرض منها هو المحافظة على التفاسير التقليدية للكتاب المقدس، وحفظ عقائد الإيمان الأساسية من الأمور العصرية التي جاءت بها الاكتشافات العلمية". (الموسوعة العربية الميسرة، ج[1]، ص[186]).


أبرز مؤسسي الحركة الإصلاحية بأوروبا:

 

- مارثن لوثر:

 

وهو ألماني كان يعمل أستاذ اللاهوت، كاثوليكي المذهب. وهو مؤسس المذهب البروتستانتي. انتقد الكنيسة وطالب بالإصلاح، لكن الكنيسة تواجهت معه، مما أدى إلى انفصال حركته عن الكنيسة الكاثوليكية، ودعا إلى الخضوع المباشر لسلطة الكتاب المقدس دون وسائط، بمعنى أن الكتاب المقدس من الوضوح للمؤمنين بحيث لا يختص القساوسة والبابوات بتفسيره، وقد قسمت آراءه العالم المسيحي بصورة جذرية.

 

ولد مارتن لوثر في ألمانيا عام 1483م، وتحول من دراسته الجامعية إلى دراسات اللاهوت، ثمَّ عين قسيسًا عام 157م. واجه انحرافات الكنيسة وطالب بإصلاحها، وألف في ذلك كتبًا وجدت إقبالًا لدى الأوساط المتعلمة في ألمانيا. أصدرت الكنيسة قرارًا بحرمانه من منصبه، وإحالته إلى محكمة تفتيش، وكان سيواجه حكمًا بالإعدام، لكنه هرب. (انظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، ج[2]، ص[615]).

 

وقد "ارتبطت اللوثرية في ألمانيا ارتباطًا وثيقًا بالحالة السياسية منذ أن دعا لوثر إلى إشراف الدولة على الكنيسة، ولذلك فإن الحكومة الألمانية تدخلت أكثر من مرة لحل الخلافات بين أعضاء الكنيسة أو للاتفاق مع كنائس المصلحة". (انظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، ج[2]، ص[618]).


- جون كالفن:

 

ولد في فرنسا عام 159م، كان مثقفًا قانونيًا، ثمَّ تحول إلى دراسات اللاهوت. خالف لورثن في عدد من القضايا منها: إشراف الحكومة على الكنائس، حيث طالب بأن تحكم الكنيسة نفسها بنفسها. (انظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، ج[2]، ص[617]).


أسباب نجاح قيام حركة الإصلاح في أوروبا وانتشارها في العالم:

يشير كتاب (موسوعة تاريخ أوروبا العام) إلى أربعة أسباب وراء الانتشار المكثف والسريع للحركة الإصلاحية في أوروبا، وهي:

1- احتياجات المؤمنين الروحية: "ما يمكن في البداية تسميته (التدين الحديث)، هو الحاجة الماسة عند المؤمنين -في نهاية العصر الوسيط- إلى دين أكثر خصوصية، أقل إشكالية، وأقل طقوسية. حتى إن الحركة وجدت جذورها في إيطاليا، بين ظهراني بورجوازية المدن الكبرى التجارية، وسرعان ما انتشرت في الأراضي المنخفضة". (موسوعة تاريخ أوروبا العام، ج[2]،ص[276]).

 

2- التبرئة بواسطة الإيمان: حيث أصبح "الإيمان ضروريًا وكافيًا للخلاص والنجاة من عذاب الأبدية. ولا جدوى من الأعمال؛ لأنها لن تفيد في شيء. لهذا وقف (لوثر) ضد (استخدام الغفرانات) و (الحال أن مذهبًا لاهوتيًا مبنيًا على التبرئة بالإيمان يتطابق مع حاجات ملايين النفوس القلقة). لقد راح هذا اللاهوت يناوئ مسيحية قائمة على الطقوس والممارسات، بيد أن (الإيمان الحديث) أثر في نفوس النخبة وأوغل داخل الكنيسة الرومانية". (موسوعة تاريخ أوروبا العام: ج[2]، ص[276]).


3- الإنسانيون: الذين شرعوا "بقراءة الكتاب المقدس بطريقة ساذجة سطحية، مستندين في أفضل الحالات بعلوم راهب الكنيسة، القديس جيروم والقديس أوغسطين". (موسوعة تاريخ أوروبا العام، ج[2]، ص[279]).


4- الأمراء: لقد كان التركيب الهرمي للسلطة في أوروبا -في ذلك الحين- والقائم على إمبراطوريات وممالك وأسر حاكمة ونبلاء.. مهيئًا لصراع على الثروات والسلطة تقوده طبقة الأمراء والنبلاء. "اضطر لوثر؛ بسبب حرب القرويين إلى التصلب في مواقفه، وإزاء حالات الفوضى المستشرية آثر قيام سلطة تمارسها سلطات مسيحية، وأعطى الأمراء سلطات الوصاية والإشراف. فيقدم بذلك هدية رائعة لأسياد الإمبراطورية المقدسة الذين امتلكوا منذ ذلك الحين حق مراقبة كنائسهم، وأصبحوا من فئات الأساقفة، مرسخي التحالف بين الأمراء الإقليميين و المذهب الجديد". (موسوعة تاريخ أوروبا العام، ج[2]، ص[272]).

لقد "كانت طبقة النبلاء مصممة على الاستئثار بخيرات الكنيسة. في حين كان مجتمع الأرياف يرى في انتصار الإصلاح نهاية الاستبداد الإقطاعي وفجر عالم جديد". (موسوعة تاريخ أوروبا العام، ج[2]، ص[275]).

وتركز المذهب الإصلاحي في فرنسا: "بصورة خاصة في المدن، بين ظهراني البورجوازيين والفنانين، وجماعات الكنيسة، ورجال العلم والمعرفة". (موسوعة تاريخ أوروبا العام، ج[2]، ص[288]).

 

لمزيد من الفائدة يمكن الاطلاع على:
1- الموسوعة العربية الميسرة، ط2- 21م، إصدار دار الجيل بيروت، بترخيص من الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية.

2- الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، ط4- 142ه، إصدار الندوة العالمية للشباب الإسلامي.

3- موسوعة السياسة، المؤلف الرئيسي د. عبد الوهاب الكيالي، ط4- 1999م،إصدار المؤسسة العربية للدارسات والنشر.

4- أوروبا منذ بداية القرن الرابع عشر وحتى نهاية القرن الثامن عشر-ضمن (موسوعة تاريخ أوروبا العام). إشراف: جورج ليفه، ورولان موسنييه.

 

 

الشيخ أنور قاسم الخضري

المصدر: الدرر السنية