الشعوب التترية حافظت على هويتها الإسلامية

منذ 2014-05-11

تترستان هي إحدى الجمهوريات السوفيتية سابقا، تقع في حوض نهر الفولغا، تنسب إلى التتار، والتتار شعب كبير من شعوب الأمة التركية، ويزيد عددهم في كل أنحاء روسيا عن الثمانية ملايين مسلم تتري..

الشيخ كامل سميع الله مفتي تترستان لـ(الوعي الإسلامي): الشعوب التترية حافظت على هويتها الإسلامية

تترستان هي إحدى الجمهوريات السوفيتية سابقا، تقع في حوض نهر الفولغا، تنسب إلى التتار، والتتار شعب كبير من شعوب الأمة التركية، ويزيد عددهم في كل أنحاء روسيا عن الثمانية ملايين مسلم تتري، وقد نقل التتار الإسلام إلى شمالي أوروبا، فوصلت الدعوة الإسلامية بجهودهم إلى روسيا الأوروبية، وإلى فنلندا وبولندا ودول شبه جزيرة إسكندنافية عامة، ولقد تمسك الشعب التتري في تتريل بعقيدتهم، وصمدوا لتحدي قياصرة روسيا طيلة أربعة قرون، ولم ينجح السوفييت رغم الحملات الشرسة في زعزعة إيمان التتار، وما زال الإسلام دين الأغلبية في جمهورية تترستان، رغم استقدام العديد من الروس إليها، وخضعت للحكم الشيوعي عام1920م.

 

ويؤكد فضيلة الشيخ كامل سميع الله بن إسكندر أهمية التواصل الحضاري بين مسلمي روسيا وإخوانهم في البلدان العربية والخليجية، مذكرًا أن وحدة الصف أمر أقرته الشريعة الإسلامية، ولو اختلفت الأعراق وتعددت الجنسيات، مشيرًا إلى دور التواصل الدعوي الذي آتى ثماره الطيبة بين المسلمين في جمهورية تترستان، والذين يزيدون عن المليونين وربع المليون مسلم من بين أربعة ملايين نسمة هم عدد سكان الجمهورية، بما يعادل 53% من إجمالي عدد السكان. وأشاد الشيخ سميع الله بالتعاون المبارك بين إدارة الإفتاء التي يترأسها في تترستان وبين وزارة الأوقاف الكويتية، لافتا إلى أن وكيلها د. عادل عبد الله الفلاح لم يدخر جهدًا -كما يقول- في دعم مسلمي روسيا عمومًا ومسلمي تترستان على وجه الخصوص، وتُبنى الدعوة فيهم وفق منهج الإسلام الوسطي الذي تسعى الوزارة عمومًا، ووكيل الأوقاف تحديدًا إلى نشره، ليعم خيره ويظهر صورة الإسلام الناصعة، مبينًا أن هذا التعاون قد غرس أشجارًا يافعة، فأثمرت دعوة طيبة في كل أنحاء الجمهورية التي زادت المساجد فيها من 24 مسجدًا قبل عشرين عامًا إلى 1524 مسجدا اليوم، يشرف عليها دعاة أفاضل من خلال قسم الدعوة بإدارة الإفتاء.

 

وبيّن الشيخ كامل أن دعاة تترستان استطاعوا أن يتوسعوا في الدعوة بشتى الوسائل الحديثة، بما في ذلك استخدام شبكات التواصل الحديثة، وقد أنشأوا عددًا من المواقع الإلكترونية التي تفتح آفاقًا دعوية جديدة للرجال والشباب والنساء، ومنها موقع بيت الحكمة، وموقع الإسلام اليوم، وغيرها من المواقع الناطقة بعدة لغات، كالعربية والروسية والتترية، ويصل تعداد الزائرين لبعضها أكثر من ثلاثين ألف زائر يوميا.. وإلى تفاصيل الحوار:

 

- كيف وصل الإسلام إلى تترستان؟

- وصل الإسلام إلى هذه المنطقة في بداية القرن الرابع الهجري، عندما وصل التجار المسلمون إلى حوض نهر الفولغا، وأسلم شعب البلغار، وأرسل إليهم الخليفة العباسي المقتدر (295هـ- 320هـ) من يفقههم في الدين، وكان الإسلام يسود منطقة الحوض الأدنى من نهر الفولغا، بل تجاوزها إلى منطقة القرم في شمال البحر الأسود، غير أن الدفعة الأساسية للدعوة الإسلامية في حوض الفولغا وصلت بإسلام التتار، فعندما احتلها قياصرة روسيا في سنة (960هـ- 1552م) كان الإسلام منتشرًا بين سكانها، واضطهد أهلها، وحاول الروس جذبهم إلى المسيحية بالقوة والقهر، ولكنهم فشلوا، ولقد بذلت الإمبراطورة كاترين الثانية جهودًا جبارة في هذا المجال في سنة (1192هـ- 1778م)، فأمرت بأن يوقع معتنق المسيحية (الجديد) على إقرار كتابي يتعهد فيه بترك خطاياه، ويتجنب الاتصال بالكفار، ويظل على الدين المسيحي، وطبق هذا بالقوة على التتار المسلمين، ولكنهم كانوا مسيحيين اسمًا، ثم تخلصوا من هذا التعسف، وظلوا على إسلامهم. ولقد دونت أسماؤهم في السجلات المسيحية زورًا، ووقف التتار في ثبات وقوة ضد المنصرين وحملاتهم، وشهد القرن التاسع عشر الميلادي عدة قوانين تحد من انتشار الدعوة، لدرجة أن القانون الجنائي الروسي كان يعاقب كل شخص يتسبب في تحويل مسيحي روسي إلى الإسلام بالأشغال الشاقة، ورغم هذا انتشرت الدعوة بصورة سرية، ولما صدر قانون حرية التدين في روسيا القيصرية في سنة (1323هـ- 1905م) حانت الفرص للدخول في الإسلام بصورة جماعية، فلقد بلغ عدد من أعلنوا إسلامهم في سنة (1324هـ- 1906م) ثلاثة وخمسين ألفًا، وفي سنة 1909م دخلت 91 أسرة في الإسلام.

وسارت الدعوة الإسلامية قدمًا في حماسة بالغة، وكان كل مسلم داعية إلى دينه، ولقد خدمت الدعوة الإسلامية هجرة جماعات ممن احترفوا الحياكة في القرى الإسلامية في زمن الشتاء، واعتنق هؤلاء الإسلام، وعند عودتهم إلى قراهم تحولوا إلى دعاة للإسلام، وأثمرت دعوة التتار أنصارًا في سيبيريا وغيرها، وقبل استيلاء السوفييت على السلطة كان في مدينة قازان عاصمة جمهورية تترستان، جامعة إسلامية بها سبعة آلاف طالب في مستهل القرن العشرين، وكان بها مطبعة أخرجت مليون نسخة من مائتين وخمسين كتابًا في سنة 1320هـً- 1902م، كما كان بمدينة قازان مكتبة إسلامية يزورها عشرون ألف قارئ سنويًا، وانتشرت المساجد حتى بلغت مسجدًا لكل ألف مسلم في الجمهورية، ووصل عدد المساجد بها ثلاثة عشر مسجدًا، وهكذا كان الإسلام مزدهرًا قبل الثورة الماركسية في روسيا. ولقد أنشئ في قازان مركز للدعوة الإسلامية، واجتهد علماء قازان في نشر الدعوة، وطبعوا منشورات لها، واهتموا بالتعرف على الإسلام باللغة التتارية، وانتشر الدعاة (مليات) وطلاب جامعة قازان في القرى والفيافي يدعون الناس للإسلام، ونشطوا في هذا الأمر بعد صدور قانون حرية التدين في روسيا سنة 1905م، ونجحوا في بث الدعوة الإسلامية بين تتار سيبيريا، وبعد أن استولى السوفييت على الحكم، انقلبت الأوضاع، وواجه التتار حربا قاسية على معتقداتهم، فأغلقت المدارس الإسلامية، ودمرت المكتبات والمطابع الإسلامية في قازان عاصمة تتاريا، وواجه المسلمون مواقف مؤلمة، ثاروا ضد الاضطهاد الديني، وقدموا العديد من الشهداء، حتى أولئك الذين تعاونوا مع الشيوعيين في البداية، مثل السلطان علي أوغلي، والذي دعاه السوفييت باسم عالياف، وقد نادى بتوحيد المسلمين في روسيا في كيان دولة واحدة تتحد مع السوفييت على مستوى واحد، فقبض عليه سنة (1342هـ- 1923م)، وأعدم في سنة (1356هـ- 1937م)، ولقد رفض السوفييت وحدة الأراضي الإسلامية، بل أخذوا يجتهدون في تفتيتها إلى قوميات للقضاء على الوحدة. ولقد أدمج الروس كل المناطق الإسلامية التي توجد في روسيا الأوروبية في إدارة دينية واحدة، مقرها في مدينة أوفا عاصمة جمهورية بشكيريا، وتشرف على المسلمين في سيبيريا أيضًا، وجردوا هذه الإدارة من كل السلطات، فأصبحت أمرًا شكليًا، ولكن في الآونة الأخيرة تغيرت الأمور مع تنامي دعوات الحرية والانفتاح التي شهدتها فدرالية روسيا.

 

الدعم الدعوي لوزارة الأوقاف الكويتية فتح لنا آفاقًا جديدة لمنهج الوسطية وصل الإسلام إلى دول المنطقة في بداية القرن الرابع الهجري وانتشر سريعًا بحوض نهر الفولغا.

 

توجد جمهورية تترستان شرقي روسيا الأوروبية، وفي القسم الأعلى من حوض الفولغا، تحدها بشكيريا من الشرق، وأدمورت وماري من الشمال والشمال الغربي، والجوفاش من الغرب، وهي جمهوريات صغيرة، لها حكم ذاتي، وتتبع جمهورية روسيا الاتحادية، وتبلغ مساحتها 68 ألف كيلو متر مربع، وسكانها 3.4 ملايين نسمة، وعاصمة البلاد كازان (قازان) وسكانها مليون نسمة، تقريبا وتوجد على الضفة اليسرى لنهر فولغا. وتمتد أرض الجمهورية بين جبال أورال في شرقها وتلال بتزا في غربها، وأرضها سهلية في جملتها، وتلتقي بها بعض روافد نهر الفولغا، ونتيجة انبساط سطحها يتسع نهر فولغا في عبوره لها، والتربة رسوبية خصبة. ومن أبرز سمات مناخها البرودة والتجمد في الشتاء، وتزداد الحرارة في الصيف، غير أن القاريّة والتطرف أهم ملامحه، ويتعرض لغزو الرياح الباردة في الشتاء، والأمطار كافية لنمو حشائش الإستبس وبعض الغابات.

مواقعنا على شبكات التواصل تنطق بالعربية والروسية والتترية ويزورنا ثلاثون ألف زائر يوميا. وقبل عشرين سنة كان بتترستان 24 مسجدا فقط.. واليوم تسع 1500 مسجد في كل أنحاء البلاد.

 

السكان والنشاط البشري:

غالبية السكان من التتار، وهم شعبة من الأمة التركية، وينتشرون في بقاع أخرى غيرها، فتوجد منهم جماعات في غربي سيبيريا، يشكلون معظم سكان شبه جزيرة القرم، غير أن السوفييت أرغموا التتار على الهجرة وألغوا جمهوريتهم، وسكان جمهورية تتارستان حوالي ثلاثة ملايين ونصف، يشكل التتار أغلبيتهم، ويعتنقون جميعًا الإسلام، ولقد استقدم الروس إليها أعدادًا من روسيا الأوروبية للتقليل من الأغلبية الإسلامية، والتتار عموما يشكلون القومية الخامسة في الترتيب بين القوميات في الاتحاد السوفيتي -سابقًا-، وينتشرون في مناطق متعددة من البلاد، ويصل عددهم حوالي 8 ملايين نسمة، وتصل نسبة المسلمين في تترستان 65% تقريبًا. والجمهورية غنية بثرواتها الزراعية، وكذلك بثرواتها المعدنية، وأهم منتجاتها الحبوب: كالقمح، والشعير، والشوفان، ويعتبر النفط موردا مهما فيها، ويستخرج من حوض نهر كاما، وأطلق على هذه المنطقة باكو الجديدة، وإنتاجها من النفط يزيد على عشرين مليون طن سنويا. وتوجيهات د. عادل الفلاح نبهتنا إلى أهمية التوسع الدعوي عبر الوسائل الحديثة.

حوار: مهدي عبد الستار

المصدر: مجلة الوعي الإسلامي- العدد 585