تخفيف الإمام

منذ 2014-05-26

عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أمَّ أحدكم النَّاس فليُخَفِّف؛ فإنَّ فيهم الصَّغير والكبير والضَّعيف والمريض، فإذا صلَّى وحْدَه، فليصلِّ كيف شاء»..

عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أمَّ أحدكم النَّاس فليُخَفِّف؛ فإنَّ فيهم الصَّغير والكبير والضَّعيف والمريض، فإذا صلَّى وحْدَه، فليصلِّ كيف شاء» (رواه البخاري: [703]، ومسلم: [467]).

قال الإمام الترمذي: "وحديث أبي هريرة حديثٌ حسنٌ صحيح، وهو قول أكثر أهل العلم اختاروا أن لا يُطيل الإمام الصلاة مخافة المشقة على الضعيف والكبير والمريض" (سنن الترمذي: [1/462]).

وقد وردت أحاديث كثيرة تدل على التخفيف منها:

- عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني لأتخلَّف عن صلاة الصبح مما يطول بنا فلان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن منكم منفِّرين فأيُّكم أمَّ الناس فليُخفِّف فإن فيهم الكبير والسقيم وذا الحاجة» (رواه البخاري ومسلم).

- وعن جابر رضي الله عنه قال: "أقبل رجل بناضحين له[1] وقد جنح الليل فوافق معاذ بن جبل يصلى المغرب، فترك ناضحيه وأقبل إلى معاذ ليصلي معه، فقرأ معاذ البقرة، أو النساء فانطلق الرجل، وبلغه أن معاذاً نال منه. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا إليه معاذاً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أفاتِنٌ أنت -أو قال: أفتَّانٌ أنت- ثلاث مرار. فلولا صلَّيت بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}[2]، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}[3]، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}[4] فإنه يُصلِّي وراءك الكبير، وذو الحاجة والضعيف) (رواه البخاري).

قال ابن عثيمين: "ومن الشَّفَقَة والرَّحمة بالمؤمنين: أنَّه إذا كان الإنسان إمامًا لهم، فإنَّه لا ينبغي له أن يُطِيل عليهم في الصَّلاة... والمراد بالتَّخفيف: ما وافق سُنَّة النَّبي صلى الله عليه وسلم، هذا هو التَّخفيف، وليس المراد بالتَّخفيف ما وَافَق أهواء النَّاس" (شرح رياض الصالحين؛ لابن عثيمين: [2/555]).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "...ومن المعلوم أن مقدار الصلاة واجبها ومستحبها لا يرجع فيه إلى غير السنة، فإن هذا من العلم الذي لم يكلِه الله ورسوله إلى آراء العباد إذ النبي صلى الله عليه وسلم كان يُصلِّي بالمسلمين في كل يوم خمس صلوات وكذلك خلفاؤه الراشدون الذين أمرنا بالاقتداء بهم، فيجب البحث عما سنَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ينبغي أن يوضع فيه حكم بالرأي وإنما يكون اجتهاد الرأي فيما لم تمضِ به سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يجوز أن يعمِد إلى شيء مضت به سنة فيرد بالرأي والقياس..

ومما يُبيِّن هذا أن التخفيف أمر نسبي إضافي ليس له حدٌّ في اللغة ولا في العُرف، إذ قد يستطيل هؤلاء ما يستخفه هؤلاء ويستخف هؤلاء ما يستطيله هؤلاء، فهو أمر يختلف باختلاف عادات الناس ومقادير العبادات ولا في كل من العبادات التي ليست شرعية.

فعُلِمَ أن الواجب على المسلم أن يرجع في مقدار التخفيف والتطويل إلى السنة، وبهذا يتبيَّن أن أمره صلى الله عليه وسلم بالتخفيف لا يُنافي أمره بالتطويل أيضًا في حديث عمّار الذي في الصحيح لما قال: «إنَّ طولَ صلاةِ الرجلِ وقِصَرَ خُطبتِه مَئِـنَّةٌ[5] من فِقْهِه، فأطيلوا الصلاةَ واقْصُرُوا الخُطبةَ وإنَّ منَ البَيانِ سِحرًا»[6]. وهناك أمرهم بالتخفيف ولا منافاة بينهما، فإن الإطالة هنا بالنسبة إلى الخطبة والتخفيف هناك بالنسبة إلى ما فعل بعض الأئمة في زمانه من قراءة البقرة في العشاء الآخرة!" (مجموع الفتاوى: [22/ 596-597]).


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش والمراجع:

[1]- (الناضح: الجمل الذي يسقي عليه).

[2]- [الأعلى:1].

[3]- [الشمس:1].

[4]- [الليل:1].

[5]- (علامة ودلالة).

[6]- (رواه مسلم).

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.