من نواقض الإسلام - (8) مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين (1)

منذ 2014-06-14

إن دعوة المسلم إلى توحيد دين الإسلام مع غيره من الشرائع والأديان الدائرة بين التحريف والنسخ بشريعة الإسلام ردة ظاهرة وكفر صريح، لما تعلنه من نقض جريء للإسلام أصلاً وفرعاً، واعتقاداً وعملاً، وهذا إجماع لا يجوز أن يكون محل خلاف بين أهل الإسلام..

الناقض الثامن:
قال الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: " مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى: {..وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:51].

الشـرح
المسألة الأولى: معنى هذا الناقض.
أراد المصنف رحمه الله أن يبيِّن أن مظاهرة الكفار على المسلمين، هي أن يكون المسلم ظهيراً ونصيراً وعوناً للكفار على المسلمين، فينضم إليهم ويذب عنهم بالمال والسلاح والبيان، وهذا كفر أكبر مخرج من ملة الإسلام، ومظاهرة المشركين نوع من أنواع الموالاة لهم، وهي خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين يستحق صاحبها سخط الله وأليم عذابه، قال تعالى: " {تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ . وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} [المائدة:8081].

وأيضاً جعل الله عز وجل من يتولى المشركين كحكمهم سواء، وهو ما استدل به المؤلف قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:51]، ومظاهرة المشركين إخلال بعقيدة الولاء والبراء، فالولاء يكون للإيمان وأهله، والبراء يكون من الشرك وأهله، وعقيدة الولاء والبراء من أعظم أصول ملتنا ولذا كثرت النصوص من الكتاب والسنة في هذا الباب؛ لأن به يقوم بنيان الشريعة ويرتفع الإسلام وأهله وبضده تهدم الشريعة ويثلم الدين.

قال الشيخ حمد بن عتيق في (سبيل النجاة، ص:31): "فأما معاداة الكفار والمشركين فاعلم أن الله سبحانه وتعالى قد أوجب ذلك، وأكد إيجابه، وحرّم موالاتهم وشدد فيها، حتى أنه ليس في كتاب الله تعالى حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم بعد وجوب التوحيد وتحريم ضده"، والإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ذكر نوعاً واحداً من أنواع موالاة الكفار وهو مظاهرتهم ومناصرتهم، وإلا فالموالاة للمشركين تشمل عدة معان.

المسألة الثانية: موالاة الكفار.
موالاة الكفار تختلف باختلاف الحال؛ فهي على مراتب؛ منها ما هو كفر وردَّة، ومنها ما هو دون ذلك، والحب في الله والبغض فيه وكذا الموالاة والمعاداة فيه من أوثق عرى الإيمان وروابطه، فعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه : "«أيُّ عرى الإيمان أوثق؟، قال: الله ورسوله أعلم، قال: الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله» (رواه أحمد وابن أبي شيبة، وقال الألباني في السلسلة الصحيحة (1728،998): "فالحديث بمجموع طرقه يرتقي إلى درجة الحسن على الأقل والله أعلم").

ولقد قسَّم بعض أهل العلم الموالاة إلى قسمين: (موالاة كبرى، وموالاة صغرى)، أو (تولي، وموالاة) أو (موالاة عامة مطلقة، وموالاة خاصة)، أو (الموالاة المطلقة، ومطلق الموالاة)، وكلها مصطلحات تجمع بين قسمين، فمنهم من يُعبِّر بهذا اللفظ، ومنهم بهذا، ومقصودهم في ذلك رحمهم الله هو التفريق بين الموالاة التي يكون صاحبها كافرًا مرتدًّا حلالَ الدم والمال، وبين ما دون ذلك مما لا يُخرِج من الملة، وبعض أهل العلم لم يقسم هذا التقسيم، وجعلها مراتب، منها ما هو مخرِج من الملة، ومنها ما هو كبيرة من الكبائر لا يكفر فاعلها إلا إذا استحلَّها؛ أي: اعتقد جوازها، وقالوا: "إن التولي والموالاة لفظان لمعنى واحد"، وهو قول جمهور المفسرين.

• قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب: "مسمى الموالاة يقع على شُعب متفاوتة، منها ما يوجب الردة وذَهاب الإسلام بالكلية، ومنها ما هو دون ذلك من الكبائر والمحرمات" (انظر: الدرر السنية:7/159).

وإليك هذه الأمثلة على الموالاة الكبرى وعلى الموالاة الصغرى:
الموالاة الصغرى: تسميتها صغرى ليس لأنها من الصغائر؛ ولكن للتفريق بينها وبين الكبرى، وإلا فإن الموالاة الصغرى شأنُها عظيم كما تقدَّم فهو باب لا يُستهان به.
ومن أمثلتها: تصديرُ الكفار في المجالس، وزيارتُهم زيارةَ مؤانسة لا دعوة، وتهنئتُهم بأفراحهم الدنيوية، وإفساحُ الطريق لهم، وتوليتُهم على المسلمين، وجعلُهم رؤساء، ورفعُهم على المسلمين ونحوها.

والموالاة الكبرى: وهي الموالاة المخرجة من الملة، فهي كفر وردَّة، ولها صور، منها: مودتهم لأجْل دينهم وسلوكهم، والرضا بأعمالهم، وتمني انتصارهم على المسلمين، وعدم تكفيرهم أو التوقُّف في كفرهم والشك فيه، وتصحيح مذهبهم، والتشبُّه المطلَق بهم، ومظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، وتُسمَّى النصرة، وهي التي ذكرها المؤلف في هذا الناقض.

وموالاة الكفار تأتي على عدة معان وأنواع منها:
1- النصرة والتأييد على المسلمين:
وهذا النوع من الموالاة منه ما يخرج من الملة وهي الموالاة المطلقة، ومنها ما دون ذلك، فإن عاونهم وظاهرهم على المسلمين مع محبة ما هم عليه من الكفر فلا شك أنه مارق من ملة الإسلام. قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي في تفسيره لقوله تعالى: {وَمنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأوُلَئِكَ هُمُ الْظَّالِمُوْنَ} [الممتحنة9]، قال: "وذلك الظلم يكون بحسب التولي، فإن كان تولياً تاماً، كان ذلك كفراً مخرجاً عن دائرة الإسلام، وتحت ذلك من المراتب ما هو غليظ وما هو دونه "، وقال عند قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51]: "إن التولي التام يوجب الانتقال إلى دينهم، والتولي القليل يدعو إلى الكثير، ثم يتدرج شيئاً فشيئاً حتى يكون العبد منهم"،

وقبل ذلك قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن: "فدخل حاطب في المخاطبة باسم الإيمان ووصفه به، وتناوله النهي بعمومه وله خصوص السبب الدال على إرادته مع أن في الآية الكريمة ما يشعر أن فعل حاطب نوع موالاة وأنه أبلغ إليهم بالمودة، فإن فاعل ذلك قد ضل سواء السبيل، لكن قوله صلى الله عليه وسلم: «صدقكم خلوا سبيله»، ظاهر في أنه لا يكفر بذلك إذا كان مؤمنًا بالله ورسوله غير شاكّ ولا مرتاب، وإنما فعل ذلك لغرض دنيوي ولو كفر لما قيل «خلوا سبيله»، لا يقال قوله صلى الله عليه وسلم لعمر: «وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» هو المانع من تكفيره..

لا أن نقول لو كفر لما بقي من حسناته ما يمنعه من لحاق الكفر وأحكامه، فإن الكفر يهدم ماقبله لقوله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيْمَانِ فَقَدَ حَبِطَ عَمَلُه} وقوله تعالى: {وَلَو أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَاكَانُوا يَعْمَلُوْن} والكفر محبط للحسنات والإيمان بالإجماع، فلا يظن هذا، وأما قوله: {وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ فَإِنّهُ مِنْهُمْ} ، وقوله: {لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بالله وَ الْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ الله وَرَسُوْلَهُ}، وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْذينَ ءاَمَنُواْ لاَ تَتْخِدُوا الذيْنَ اتَّخَدُوا دِيْنَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الّذيْن أُوْتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّار أَوْلِيَاءَ وّاتَّقُوا الله إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِيْنَ}، فقد فسرته السنة وقيدته وخصته بالموالاة المطلقة العامة، وأصل الموالاة هو الحبُّ والنصرة والصداقة ودون ذلك مراتب متعددة ولكل ذنب حظه وقسطه من الوعيد والذم، وهذا عند السلف الراسخين في العلم من الصحابة والتابعين معروف في هذا الباب وغيره" (انظر الدرر السنية(1/474)، وانظر الرسائل والمسائل النجدية:3/910).

قال الشيخ عبد العزيز العبد اللطيف: "وأما مظاهرة الكفار على المسلمين، فالمقصود بها أن يكون أولئك أنصاراً وظهوراً وأعواناً للكفار ضد المسلمين، فينضمون إليهم، ويذبون عنهم بالمال والسنان والبيان، فهذا كفر يناقض الإيمان، وهذا ما يسميه بعض العلماء بـ(التولي) ويجعلونه أخص من عموم الموالاة، كما هو عند بعض أئمة الدعوة السلفية في نجد مع أن جمهوراً من المفسرين يفسرون التولي بالموالاة، فعلى سبيل المثال: شيخ المفسرين ابن جرير رحمه الله تعالى في عدة مواضع من تفسيره يفسر معنى اتخاذ الكفار أولياء بمعنى جعلهم أولياء وهو بمعنى توليتهم، وإذا كان التولي بمعنى الموالاة فكما أن موالاة الكفار ذات شعب متفاوتة، منها ما يخرج من الملة كالموالاة المطلقة لهم، ومنها ما دون ذلك..

فإن تولي الكفار مثل موالاتهم، فهناك التولي المطلق التام الذي يناقض الإيمان بالكلية، وهناك مراتب دون مراتب.. وتضمنت (رسالة الدلائل في حكم موالاة أهل الإشراك للشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى) أكثر من عشرين دليلاً في النهي عن موالاة الكفار، فكان مما قاله رحمه الله: "قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الّدِينَ نَافَقُوا يَقُوْلُونَ لِإِخْوَانِهِم الّدِيْنَ كَفَرُوْا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكَمَ وَلَا نُطِيْعُ فِيْكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوْتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ والله يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَادِبُوْنَ} [الحشر:11]، فإذا كان وعد المشركين في السر بالدخول معهم ونصرتهم والخروج معهم إن جَلَوا نفاقاً وكفراً وإن كان كذباً، فكيف بمن أظهر لهم ذلك صادقاً ودخل في طاعتهم، ودعا إليهم، ونصرهم وانقاد إليهم، وصار من جملتهم، وأعانهم بالمال والرأي؟ هذا مع أن المنافقين لم يفعلوا ذلك إلا خوفاً من الدوائر كما قال تعالى: {فَتَرَى الّدِيْنَ فِيْ قُلُوْبِهِم مَرَضٌ يُسَارِعُوْنَ فِيْهِمْ يَقُوْلُوْنَ نَخْشَى أَنْ تُصِيْبَنَا دَائِرة..} [المائدة:52]" (انظر نواقض الإيمان القولية والعملية صـ381، 383).

وهذا النوع من الموالاة وهو تأييد ونصرة الكافرين على المسلمين هو مراد الإمام محمد بن عبد الوهاب في هذا الناقض واستدل بقوله تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51]، وتقدَّم بيان معنى هذا الناقض في المسألة الأولى، وأنه باب عظيم من تقحَّمه فقد خرج من الباب الأسمى والعروة الوثقى وتنكب عن الصراط المستقيم، فهو باب يخرج من ملة الإسلام، وعليه فتحرم موالاة الكافرين على المسلمين بالمال والنفس والرأي، وإن لم يقع في القلب مودتهم وحبهم.

قال ابن تيمية: " فمن قفز منهم إلى التتار كان أحق بالقتال من كثير من التتار، فإن التتار فيهم المكرَه وغير المكرَه، وقد استقرت السنة بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلي من وجوه متعددة " (انظر مجموع الفتاوى(28/534و 28/530،531)، ومجموع الفتاوى المصرية صـ:507، 508).

وقال ابن القيم في أحكام أهل الذمة(1/67): " قد حكم الله ولا أحسن من حكمه أن من تولى اليهود والنصارى فهو منهم {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51]، فإذا كان أولياءهم منهم بنص القرآن كان لهم حكمهم".

وقال ابن حزم في (المحلى:11/35): "وصح أن قول الله تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51]، إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار فقط، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين".

وقال الشيخ سلميان بن عبد الله آل الشيخ في مقدمة كتاب (الدلائل): "اعلم رحمك الله أن الإنسان إذا أظهر للمشركين الموافقة على دينهم خوفًا منهم، ومداراة لهم، ومداهنة لدفع شرهم، فإنه كافر مثلهم، وإن كان يكره دينهم ويبغضهم ويحب الإسلام والمسلمين، هذا إذا لم يقع منه إلا ذلك، فكيف إذا كان في دار منعة واستدعى بهم ودخل في طاعتهم وأظهر الموافقة على دينهم الباطل وأعانهم عليه بالنصرة والمال ووالاهم وقطع الموالاة بينه وبين المسلمين، وصار من جنود القباب والشرك وأهلها بعد ما كان من جنود الإخلاص والتوحيد وأهله فإن هذا لا يشك مسلم أنه كافر من أشد الناس عداوة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم..

ولا يستثنى من ذلك إلا المكرَه وهو: الذي يستولي عليه المشركون فيقولون له: اكفر أو افعل كذا وإلا فعلنا بك وقتلناك، أو يأخذونه فيعذبونه حتى يوافقهم فيجوز له الموافقة باللسان مع طمأنينة القلب بالإيمان، وقد أجمع العلماء على أن من تكلم بالكفر هازلاً أنه يكفر، فكيف بمن أظهر الكفر خوفاً وطمعاً في الدنيا".

وقال الشيخ عبد الله بن حميد "وأما التولي: فهو إكرامهم، والثناء عليهم، والنصرة لهم والمعاونة على المسلمين، والمعاشرة، وعدم البراءة منهم ظاهراً، فهذه ردة من فاعله، يجب أن تجري عليهم أحكام المرتدين، كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع الأمة المقتدى بهم" [(انظر الدرر السنية 15/479). وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في (أضواء البيان 2/111) بعد أن ذكر مجموعة من الآيات التي تنهى عن تولي الكفار: "ويفهم من ظواهر هذه الآيات أن من تولى الكفار عمداً واختياراً رغبة فيهم أنه كافر مثلهم".

وقال الشيخ ابن باز في فتاواه (1/274): "وقد أجمع علماء الإسلام على أن من ظاهر الكفار على المسلمين، وساعدهم عليهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم، كما قال سبحانه: يَا {أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:51].

2- محبة الكفار ومودتهم.
محبة ومودة الكفار نوع من أنواع موالاتهم ولو كان من دون إعانة لهم.
ونفى الله عز وجل الإيمان عمن أحب الكفار ولو لم يعنهم على المسلمين، فبمجرد مودته ومحبته لهم سبب في نفي الإيمان عنه قال تعالى: "{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ . إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ . لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ . قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [الممتحنة:1-4].

وسورة الممتحنة كلها في موضوع معاداة الكفار وعدم محبتهم.
ولله درُّ العلامة سليمان بن سمحان حيث قال:
فعاد الذي عادى لدين محمـد ووال الذي والاه من كل مهتد.
وأحبب لحب الله من كان مؤمناً وأبغض لبغض الله أهل التمرد.
وما الدين إلا الحب والبغض والولا كذاك البرا من كل غاو ومعتد.
[انظر الدرر السنية وتكلة الأبيات 1/ 583].

قال الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله نقلاً عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: وأما المسألة الثالثة وهي ما يعذر به الرجل على موافقة المشركين وإظهار الطاعة لهم، فاعلم أن إظهار الموافقة للمشركين له ثلاث حالات:

الحالة الأولى:
أن يوافقهم في الظاهر والباطن فينقاد لهم بظاهره، ويميل إليهم ويوادّهم بباطنه، فهذا كافر خارج من الإسلام، سواء كان مكرها على ذلك أو لم يكن. وهو ممن قال الله فيهم: {مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل:106].

الحالة الثانية:
أن يوافقهم ويميل إليهم في الباطن مع مخالفته لهم في الظاهر فهذا كافراً أيضاً، ولكن إذا عمل بالإسلام ظاهراً عصم ماله ودمه، وهو المنافق.

الحالة الثالثة:
أن يوافقهم في الظاهر مع مخالفته لهم في الباطن وهو على وجهين:
أن يفعل ذلك لكونه في سلطانهم مع ضربهم وتقييدهم له، ويهددونه بالقتل فيقولون له: إما أن توافقنا وتظهر الانقياد لنا، وإلا قتلناك، فإنه والحالة هذه يجوز له موافقتهم في الظاهر مع كون قلبه مطمئناً بالإيمان، كما جرى لعمار حين أنزل الله تعالى: {مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}، وكما قال تعالى: {..إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً..}، فالآيتان دلتا على الحكم كما نبه على ذلك ابن كثير في تفسير آية آل عمران.

الوجه الثاني:
أن يوافقهم في الظاهر مع مخالفته لهم في الباطن وهو ليس في سلطانهم وإنما حمله على ذلك إما طمع في رياسة أو مال أو مشحة بوطن أو عيال، أو خوف مما يحدث في المآل فإنه في هذه الحال يكون مرتداً ولا تنفعه كراهيته لهم في الباطن، وهو ممن قال الله فيهم: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} أ.هـ (انظر مجموعة التوحيد رسالة الشيخ حمد بن عتيق ص295296).

3- اللحوق بديار الكفار اختياراً لهم ورغبة عن المسلمين.
قال ابن حزم في المحلى (13/138 ): "من لحق بدار الكفر والحرب مختاراً محارباً لمن يليه من المسلمين، فهو بهذا الفعل مرتد له أحكام المرتد كلها من وجوب القتل عليه، متى قدر عليه ومن إباحة ماله، وانفساخ نكاحه، وغير ذلك؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يبرأ من مسلم، وأما من فر إلى أرض الحرب لظلم خافه، ولم يحارب المسلمين، ولا أعانهم، ولم يجد في المسلمين من يجيره، فهذا لا شيء عليه لأنه مضطر مكره".

بل بيّن الله جل وعلا أن من أقام بين المشركين ولم يتمكن من إقامة دينه وهو قادر على الهجرة فقد عرَّض نفسه للوعيد الشديد والعذاب الأليم، ولو كان مبغضاً للكفار، محباً ومدافعاً عن المسلمين.

قال ابن كثير عند تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً} [النساء:97]، قال ابن كثير: "هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة وليس متمكناً من إقامة الدين، فهو ظالم لنفسه مرتكب حراماً بالإجماع".

وقبل ذلك قال ابن رشد في مقدماته (2/612613): "فإذا وجب بالكتاب والسنة وإجماع الأمة على من أسلم ببلد الحرب أن يهاجر ويلحق بدار المسلمين، ولا يثوي بين المشركين، ويقيم بين أظهرهم لئلا تجري عليه أحكامهم، فكيف يباح لأحد الدخول إلى بلادهم حيث تجري علينا أحكامهم في تجارة أو غيرها، وقد كره مالك رحمه الله تعالى أن يسكن أحد ببلد يُسب فيه السلف فكيف ببلد يُكفر فيه بالرحمن، وتعبد فيه من دونه الأوثان، ولا تستقر نفس أحد على هذا إلا وهو مسلم سوء، مريض الإيمان".

4- التشبه بالكفار.
من صور موالاة الكفار التشبه بهم وقد نهى النبي عن ذلك، فقد روى الإمام أحمد وأبو داود حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تشبه بقوم فهو منهم»، وجوَّد إسناد هذا الحديث ابن تيميِّة، وقال: "وهذا الحديث أقل أحوله أنه يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم، كما في قوله: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51]، فقد يحمل هذا على التشبه المطلق، فإنه يوجب الكفر، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك، وقد يحمل على أنه منهم في القدر المشترك الذي شابههم فيه، فإن كان كفراً، أو معصية، أو شعاراً لهم كان حكمه كذلك، وبكل حال يقتضي تحريم التشبه" (أ.هـ)، (انظر الاقتضاء:1/237،238).

والنبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر نهى عن التشبه بالكفار لكي يعتز المسلم بدنيه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بعد ظهور الإسلام وقوة أهله، وبعد ما كان لهم منعة وقوة، أما من كان بدار كفر وخشي على نفسه الضرر إذا خالفهم في الزي الظاهر فجوّز بعض أهل العلم موافقتهم بزيهم الظاهر فقط اتقاء لشرهم وضررهم.

ومسألة التشبه بالكفار من المسائل التي عمت بها البلوى بين بعض أوساط المسلمين اليوم وخاصة على مستوى الشباب، فكان لزاماً أن يتعلم المسلم الأمور التي ورد النهي فيها عن التشبه بالكفار وأحكام التشبه، وسأفردها باختصار في المسألة القادمة بإذن الله تعالى.

5- إقامة المنظمات والمؤتمرات والملتقيات من أجل تقرير وحدة الأديان.
وإزالة الفوارق العقدية وإسقاط الفوارق الأساسية والخلاف بين الأديان، من أعظم أنواع موالاة أهل الكفر التي تناقض الإيمان، فالدعوة إلى وحدة الأديان ردة ظاهرة عن دين الإسلام وتكذيب لنص القرآن بأن دين الإسلام هو الدين الكامل والذي أتم الله لنا به النعمة ورضيه لنا ديناً، وهو الناسخ لما سبقه من الديانات التي اعتراها التبديل والتحريف كاليهودية والنصرانية، قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْه..} [آل عمران:85].

وعليه فلا يجوز أن يُنادى بوحدة الأديان، كدعاة العلمانية والليبرالية الذين يهدفون إلى إزالة الفوارق مع من سماهم الله أعداء لنا ويريدون هدم ديننا، ولا الدخول في مؤتمراتهم ومحافلهم، بل يجب نبذهم وبيان أفكارهم الخبيثة نصرة للإسلام والمسلمين.

قال الشيخ بكر أبو زيد (في الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان ص36): "وخلاصته: أن دعوة المسلم إلى توحيد دين الإسلام مع غيره من الشرائع والأديان الدائرة بين التحريف والنسخ بشريعة الإسلام ردة ظاهرة وكفر صريح، لما تعلنه من نقض جريء للإسلام أصلاً وفرعاً، واعتقاداً وعملاً، وهذا إجماع لا يجوز أن يكون محل خلاف بين أهل الإسلام".

عبد الله بن حمود الفريح

حاصل على درجة الدكتوراه من قسم الدعوة والثقافة الإسلامية في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى، عام 1437هـ.

المقال السابق
(7) السحر، ومنه الصرف والعطف (3)
المقال التالي
(8) مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين (2)