مواجهة المخطط الإفسادي في بلدان المسلمين

منذ 2008-06-15

لا يخفى ما تمر به بلدان المسلمين من تغيرات خطيرة وسريعة؛ وذلك ضمن مخطط إفسادي كبير على العقيدة، والشريعة، والأخلاق، والمرأة، والاقتصاد؛ ظهرت بعض آثاره اليوم على حياة الناس في بيوتهم، ومدارسهم، ومجتمعاتهم، وأموالهم، وأخلاقهم، وبعضها في الطريق إلى


لا يخفى ما تمر به بلدان المسلمين من تغيرات خطيرة وسريعة؛ وذلك ضمن مخطط إفسادي كبير على العقيدة، والشريعة، والأخلاق، والمرأة، والاقتصاد؛ ظهرت بعض آثاره اليوم على حياة الناس في بيوتهم، ومدارسهم، ومجتمعاتهم، وأموالهم، وأخلاقهم، وبعضها في الطريق إلى التنفيذ.

ومشاركة مع إخواني الدعاة الذين أقلقهم هذا الخطر وراحوا يبحثون عن كل ما من شأنه مدافعته وصده عن المسلمين أكتب هذه الخواطر السريعة التي كانت محل تفكير وحوار، والتي أحسبها تسهم في إيجاد مشروع تحصيني وقائي لأسرنا ومجتمعاتنا أمام هذا الخطر الداهم، أسأل الله ـ عز وجل ـ أن يلهمنا صحة الفهم وحسن القصد.

فأقول وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وهو رب العرش العظيم:
يقول الله ـ تبارك وتعالى ـ: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ} [البقرة: 251]، ويقول ـ عز وجل ـ: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} [هود: 116]، ويقول ـ سبحانه ـ: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْـخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْـمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104].

ويقـول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أوليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه فتدعونه فلا يستجيب لكم» [رواه الترمذي].

وإنفاذاً لهذه التوجيهات الإلهية والنبوية يجب على أهل الغيرة والإصلاح أن ينفروا لمدافعة هذه المخططات الإفسادية وصدها عن المسلمين قدر المستطاع، وأرى أن تتم هذه المدافعة عبر جبهتين رئيستين:

الجبهة الأولى: الاحتساب:
ويـكون ذلك بالإنـكار المبـاشر لمظـاهر الفـساد منـذ بدايتها أو السماع بالتخـطيط لها؛ وذلك بمـناصحة الأشخـاص المنـظِّرين أو المنفذين لها، والإنكار عليهم شفاهاً، ومكاتبة؛ ومخاطبة أهل الحل والعقد في البلد وإظهار الامتعاض والإنكار؛ وهذا أمر يجب أن ينفر له طائفة معينة وهم أهل العلم من المشائخ والقضاة وطلبة العلم والوجهاء.

وذلك يتطلب تعاوناً وتشاوراً بين أهل العلم في كل مدينة، وأن يكون هناك مجالس وتوزيع للأدوار والجهود. كما يتطلب جهات مساندة تهيئ لهم المعلومات والوثائق وحصر ما يجدُّ من منكرات ومعلومات وترتيبها وتنظيمها، وأحسب أن هذه الجبهة قائمة الآن ولا تزال في مراحلها الأولى ولكنها بحمد الله ـ تعالى ـ في تطور وتوسع.

الجبهة الثانية: التحصين والوقاية للمجتمع من الفساد:
وأحسب أنه لا زال هناك تقصير شديد في هذه الجبهة مع أن الثـمار المرجـوة منـها كثيرة جداً، واستجابة الناس لها كبـيرة والحـمد لله.

ولا يعنـي هـذا التقـليل مـن جهود القائمين ـ حاشا لله ـ فهم تاج الرؤوس، وأعمالهم لن تضيع عند الله عز وجـل إن شـاء الله تعالى، وحسبهم أن يفوزوا بالإعذار عند ربهم ـ إن شاء الله تعالى ـ وإبراء الذمة إذا حوسبت الذمم، مع ما تثمره جهودهم من مراغمة أهل الفساد، والتخفـيف أو التأخيـر لبعـض المنـكـرات، وإنمـا المقـصـود أن لا تُنسى جبهة التحصين والوقاية التي قد تكون أكثر ثمرة وآثاراً؛ وبخاصة أن المتحركين من المصلحين في الجبهة الثانية يمتلكون وسائل كثيرة ومجالات متعددة في مخاطبة الناس وتحذيرهم وتحصينهم لا يملكها غيرهم، ولو وظفت التوظيف الصحيح وتضافر الغيورون والمصلحون في تنفيذها، وتوزعت الأدوار فيها لكان لها نتائج باهرة تحبط على المفسدين أهدافهم وترد كيدهم في نحورهم.

وفي هذه الورقة بعض المقترحات في تفعيل دور هذه الجبهة وكيفية الاستفادة من الوسائل الكبيرة المتاحة في مخاطبة المجتمع وتوجيه الناس.

ومن نافلة القول أن نشبه سيل الفساد المسلط على مجتمعات المسلمين وتنوع الناس في مقاومته بسيل جارف ينتهي إلى إغراق أراضٍ وعمران ودور؛ وأصحابها يعلمون أنه سيخرِّب دورهم ومزارعهم وأموالهم، فانقسموا إلى فرقتين:

الأولى:
فرقة رأت أن لا خلاص من خطر هذا السيل إلا بأن يهب الجميع في قطعه من منبعه وأصله، فلم يتمكنوا من قطعه ومنعه، وأبت طبيعة السيل وقوته عليهم ذلك؛ فكلما سدوه من موضع نبع من موضع آخر، وانشغل أهل القرية بشأن هذا الوادي عن الزراعات والعمارات وغرس الأشجار وتحصين البيوت. ويمكن أن يكون في عمل هذه الفرقة تخفيف لشدة السيل أو سد لبعض منابعه، لكن لا يمنعه عن بيوت الناس وممتلكاتهم.

الثانية:
رأت أن صرف الجهود كلها في عمل الفرقة الأولى قد أضاع عليهم كثيراً من المصالح ولم يستطيعوا منع السيل، فاتجهوا إلى بيوتهم في تقويم أسسها وقواعدها ورفع أسوارها عن مجرى السيل، كما اتجهوا إلى صرف سيل الوادي عن مجراه المنتهي إلى البيوت والعمران؛ وذلك بتحذير الناس من شره القادم، وبتوجيه الناس إلى أن يحصنوا بيوتهم من هذا السيل، وبتضافر الجميع على صرفه عن بيوتهم وعمرانهم إلى الرمال المحيطة بهم أو السبخات أو الحفر التي يجد السيل فيها مصرفاً له يضيع فيه ويتفرق.

والمقصود من إيراد هذا المثال التأكيد على أهمية العمل في جبهة التحصين والوقاية للناس والمجتمعات من سبل الفساد الموجهة إليهم، وأن يعطى حقه من الاهتمام مع بذل الجهد من أهل العلم في الجبهة الأولى؛ وذلك بالاحتساب على المفسدين ولو للتخفيف أو التأخير، وأهم من ذلك إبراء الذمة والإعذار إلى الله عز وجل. والمقصود توزيع الأدوار وأن لا ينشغل الدعاة بجبهة عن جبهة.

وأسوق فيما يلي ما يحضرني من الوسائل القوية التي يملكها المصلحون من الدعاة وطلبة العلم ولا يملكها غيرهم من المفسدين، وكيف يمكن تفعيلها وتنشيطها وتوظيفها.

الوسيلة الأولى: المنابر الدعوية:
ويقصد بها تلك المنابر التي يخاطَب فيها فئام من الناس على مختلف شرائحهم، ويحصل من خلالها تحذير الناس ووعظهم، وبيان خطر المنكرات على الفرد والبيت والمجتمع، وبيان ذلك بالفتاوى الشرعية المستندة إلى الأدلة الشرعية.

ويدخل تحت مسمى المنابر الدعوية ما يلي:

أ ـ خطبة الجمعة:
حيث أثرها العظيم على الناس وما تتميز به من دقة الإنصات من السامعين وتركيزهم على ما يقال فيها، وهذه المنابر نعمة من نعم الله ـ عز وجل ـ على المسلمين، ووسيلة عظيمة الفائدة يمتلكها الدعاة إلى الله ـ عز وجل ـ ولا يملكها المفسدون.

وأقترح لتفعيل دور الخطبة واستثمارها في إصلاح الناس وتبغيض الفساد والمنكرات لهم النقاط التالية:

أولاً: إيجاد رابطة مستمرة بين الخطباء في كل حي تجتمع في كل أسبوع، وذلك للتنسيق وتبادل الخبرات وتبادل الخطب وتحديد المواضيع المهمة للخطبة وترتيب الأولويات في ذلك. كما يُقترَح رابطة أوسع للخطباء على مستوى المدينة؛ في كل شهر مرة؛ وذلك لتوسيع دائرة التشاور وتنسيق الجهود.

ثانياً: يتفرغ أناس لجمع الخطب الجيدة القديم منها والجديد والتي يحتاج إليها المجتمع وطبعها وجعلها في متناول الخطباء ليرجعوا إليها في كتابة الخطبة.

ثالثاً: يتفرغ أناس لجمع الفتاوى القديمة والجديدة للعلماء والتي يبين فيها أهل العلم الحكم في المنكرات القديمة والجديدة التي تعشش بين المسلمين أو هي في بدايتها؛ وذلك لرفضها من الناس ومقاطعتها وتزويد الخطباء بها لقراءتها على الناس.

رابعاً: التعاون مع القائمين على إذاعات القرآن بالاقتراح عليهم تسجيل بعض الخطب المهمة التي يتفق عليها سلفاً لتذاع على الناس وتكرر عليهم.

خامساً: طبع الخطب الجيدة والمهمة في رسائل صغيرة وتوزيعها مجاناً أو بيعها بسعر رمزي.

سادساً: الحرص من محلات التسجيلات على تسجيل الخطب المهمة ونشرها بين الناس، وأن يصاحب ذلك تغطية من الدعاية الجيدة والتسويق القوي.

سابعاً: يُفَعَّل دور أئمة المساجد وحلقات التحفيظ في توزيع أشرطه الخطباء الجيدة على بيوت الحي.

ب ـ الدروس والمحاضرات والجولات الوعظية:
وهذه من الوسائل المهمة التي لو رتبت مواضيعها وأماكنها وأوقاتها لظهر لها وقع عظيم في تحصين الناس ووقايتهم من الفساد، وهي ـ والحمد لله ـ كثيرة ومنتشرة، ولكنها تحتاج إلى تفعيل وتنشيط وتنظيم لكي يكون أثرها أكبر مما هي عليه الآن. ومن الوسائل المقترحة لتفعيلها ما يلي.

أولاً: اختـيار المواضيـع المهـمـة للمـحـاضـرات والـدروس، أو توظيف الدروس في مخاطبة الناس ووعظهم وتحذيرهم من المنكرات سواء كان ذلك عندما تأتي مناسبة في الدرس أو تخصيص آخر الوقت في الدروس للحديث عن المنكرات والتحذير منها، أو أن تُعَدَّ أسئلة مهمة تُطرح على الشيخ ليجيب عليها في نهاية الدرس، ويركز على مظاهر الفساد والموقف منها.

ثانياً: تحريك بعض طلبة العلم المؤثِّرين بما عندهم من العلم والديانة والبلاغة في أن يشاركوا وينفِروا في هذه السبيل، وأن يعيدوا النظر في سلبيتهم بحجة الورع البارد.

ثالثاً: التنسيق مع إذاعات القرآن والقنوات الإسلامية لنقل الدروس والمحاضرات المهمة فيها.

رابعاً: مساعدة المحاضِر في جمع المادة العلمية والفتاوى المهمة التي يستخدمها في إقناع الناس برفض الفساد وتحريمه ومقاطعته.

خامساً: قيام محلات التسجيل بتسجيل مثل هذه الدروس والمحاضرات المهمة والدعاية لها وتسويقها بين الناس.

سادساً: نشر هذه المحاضرات في بيوت الحي عن طريق مساجد الحي وحلقات التحفيظ ودعمهم مادياً.

سابعاً: يحسن أن يكون هناك رابط أسبوعي أو شهري بين طلبة العلم الذين يقومون بالدروس والمحاضرات للتنسيق بينهم والتشاور في المواضيع المطروحة.

ج ـ الاستفادة من إذاعات القرآن والقنوات الإسلامية:
وميزة هذه الوسائل الإعلامية أنها تخاطب الفئات الكبيرة من الناس؛ لذا صارت من أهم الوسائل التي ينبغي أن يعتني بها الدعاة الى الله ـ عز وجل ـ واستثمارها في توجيه الناس وتحصينهم وتحذيرهم من الفساد الموجه لهم، ورد شبهات المفسدين. ومن أوجه الأستفادة من هذه المنابر ما يلي:

1 ـ ما يكون فيها من برامج الإفتاء، ويحسن أن توظف هذه البرامج في تحذير الناس من صور الفساد المسلطة عليهم، وبيان الحكم الشرعي فيها، والتركيز على هذا النوع من الفتاوى.

2 ـ تقديم الدروس العلمية الميسرة التي توعّي الناس بدينهم (في التفسير والعقيدة والفقه والآداب) وترفع عنهم اللَّبْس والتضليل.

3 ـ إجراء المقابلات والندوات والحوارات في القضايا التي تحذر المسلمين مما يراد بهم من الفساد والشر، والرد على الشبهات وفضح أهلها.

4 ـ ولتفعيل دور هذه المنابر يُحَثُّ أهل القدرات الإعلامية من الدعاة للدخول فيها والتعاون مع القائمين عليها في تهيئة البرامج وتقديم المواد التي تحقق الأهداف.

5 ـ نقل الخطب والدروس والدورات العلمية الشرعية التي تعقد في المساجد.

الوسيلة الثانية: إحياء اللقاءات الأسرية ودوريات الأحياء(1):
حيث ثبت بالتجربة عظيم فائدتها في تأليف القلوب والتعاون على الخير، والتحذير من الفساد والمنكرات. ولو أن أهل الاستقامة في كل أسرة وكل حي ـ وهم كثير والحمد لله ـ كوَّنوا هذه الروابط واللقاءات واستثمروها في وقاية الأسر والجيران نساءً ورجالاً من شر الفساد والمنكرات لكان لها الأثر العظيم. ومـن الأعمال الخـيرة التـي تقـوم بـها هذه الروابط واللقاءات ما يلي:

1 ـ توزيع الأشرطة والكتيبات التي تنشر الفضيلة وتحارب الرذيلة.

2 ـ توزيع الفتاوى التي تبين حرمة ما جد في حياة المسلمين من منكرات البيوت.

3 ـ إقامة المسابقات الهادفة التي تنبه السامعين إلى أمور شرعية قد يجهلونها أو يغفلون عنها.

4 ـ استضافة بعض طلبة العلم المؤثرين ليتحدثوا عن بعض المنكرات وضرورة إنكارها وتحصين البيوت وتربية الأولاد والنشء على حب الفضيلة وبغض الفساد والرذيلة.

5 ـ العناية بشؤون المرأة وتوعيتها بأحكام الإسلام، وتحذيرها من منكرات اللباس والزينة وما يراد لها من إخراجها واختلاطها بالرجال. ويمكن أن تنشأ روابط نسائية في الأسرة تتولى المستقيمات في كل أسرة تحقيق هذه الأهداف بما سبق من الوسائل.

6 ـ مراقبة الحي وما فيه من المنكرات والتعاون مع الهيئات لإزالتها.

الوسيلة الثالثة: أئمة المساجد:
لا يخفى دور إمام المسجد في نشاط المسجد ونشاط الحي الذي فيه المسجد؛ وهذا ملموس من بعض الأئمة الناشطين. فلو أن إمام كل مسجد قام بدوره في جماعة الحي لكان في ذلك خير عظيم، وسد منيع.

ومن أهم الأنشطة التي يقوم بها إمام المسجد ما يلي:
1 ـ القراءة على جماعة المسجد في الكتب والفتاوى التي تحذر من الفساد والمنكرات في البيوت أو الأسواق وغيرها.

2 ـ التعاون مع دورية الحي في دعم أنشطة المسجد وحلقات التحفيظ ومتابعة المنكرات في الحي.

3 ـ استضافة طلاب العلم ليلقوا كلمات ومحاضرات وفتاوى تدعو الناس إلى الخير وتحصنهم من الفساد وتحذرهم منه.

4 ـ متابعة المحاضرات والدروس في المساجد الأخرى، وتبليغ جماعة المسجد بها مشافهة أو عن طريق الملصقات الإعلانية.

5 ـ التعاون مع حلقات التحفيظ في توزيع الكتيبات والأشرطة على منازل أهل الحي.

6 ـ تفقُّد الأشخاص الذين لا يصلُّون مع الجماعة ومناصحتهم بالتعاون مع دورية الحي.

7 ـ إقناع طلاب العلم من جماعة المسجد على فتح دروس في المسجد سواء كانت لعوام المسلمين أو للطلاب الدارسين.

8 ـ ولتفعيل دور الإمام في المسجد يحسن تكوين رابطة لأئمة المساجد في الأحياء المتقاربة، والتشاور معهم وتبادل الخبرات في أنشطة هذه المساجد.

9 ـ الاستفادة من المشرفين على حلقات التحفيظ في تقديم الفتاوى، واقتراح الرسائل المهمة التي تُقرأ على جماعة المسجد.

الوسيلة الرابعة: حلقات التحفيظ ومكتبات المساجد:
لا يخفى دور هذه الحلقات المباركة في حفظ أبناء الحي بحفظهم لكتاب الله ـ عز وجل ـ وتربيتهم وتحصينهم من الفساد. ومع ذلك يمكن أن يستفاد من هذه الحلقات ليظهر أثرها في أهل الحي؛ وذلك بالوسائل التالية:

1 ـ توزيع الأشرطة والكتيبات على بيوت الحي.

2 ـ إعطاء طلاب التحفيظ بعض الأشرطة والفتاوى والكتب لأخذها إلى أهليهم مما من شأنه تحذير البيوت من المنكرات والفساد.

3 ـ الاهتمام بأولياء أمور طلاب التحفيظ، والاجتماع بهم في دورية شهرية للعناية بأبنائهم، والتناصح معهم في إصلاح البيوت وتطهيرها من الفساد.

الوسيلة الخامسة: مواقع شبكة المعلومات:
وقد برز أثر هذه المواقع في الآونة الأخيرة لما ظهرت المواقع الإسلامية للمشائخ والمؤسسات الإسلامية والمواقع التي تهتم بالمرأة والحسبة. لذا يجب الاهتمام بها وتفعيلها وتقديم المادة المناسبة التي فيها تحذير المسلمين مما يراد بهم من الفساد، وتخصُّص بعض أهل العلم في تتبع شبهات المفسدين وشهواتهم والرد عليها.

الوسيلة السادسة: المعلمون في المدارس:
المعلم المسلم صاحب الرسالة لا ينظر إلى وظيفته بأنها مصدر للرزق فحسب، وإنما هي من أهم المجالات التي يمكن تربية النشء فيها وتحصينهم من الفساد والمنكرات. كما يمكن التأثير من خلال التعليم على أسر الطلاب وبيوتهم بإيصال بعض الفتاوى والأشرطة عن طريق أبنائهم، وكذلك يستفاد من مجالس الآباء في المناصحة مع أولياء الأمور في التخلص من المنكرات والفساد.

الوسيلة السابعة: الحسبة والاحتساب:
من خصائص هذه الأمة أنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. وكلما شاع الاحتساب وأنتشر قل الفساد واندحر المفسدون؛ سواء كان ذلك على يد مراكز الهيئات أو عن طريق المحتسبين؛ لذا ينبغي للدعاة وطلاب العلم والمحاضرين أن يحثوا الناس على مختلف طبقاتهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ كلٌّ فيما يخصه وحسب علمه وقدرته.

الوسيلة الثامنة: الكُتَّاب والمؤلفون:
إن الإكثار من الكتب والرسائل والمطويات التي تحذر من الفساد وتكشف خطط المفسدين تعتبر من أهم الوسائل التي توعّي الأمة وتحذرها من كيد المفسدين وتلبيسهم وتضليلهم؛ وذلك بما يكون في هذه المؤلفات من بيان حكم الله ـ عز وجل ـ في مظاهر الفساد الذي يروِّج له المفسدون، وكشف سيئاتهم التي يلبِّسون بها على الناس.

الوسيلة التاسعة: أماكن الانتظار العامة:
وذلك مثل الانتظار في عيادات الأطباء وصرف الدواء في الصيدليات الحكومية ومحلات الحلاقة ومكاتب العقار وما شابهها.

حيث من المفيد تزويد هذه الأماكن بمطويات ورسائل وفتاوى تناسب حاجة الناس وتحذيرهم وتحصينهم من سبل الفساد.

الوسيلة العاشرة: الدُّور النسائية لتحفيظ القرآن:
لم يعد خافياً أثر هذه الدُّور المباركة ـ ولله الحمد ـ في تحصين المرأة المسلمة من كيد أعدائها وتعليمها دينها وتحذيرها من مظاهر الفساد الموجه لها وللأسر المسلمة.

والعناية بالمرأة المسلمة له أثر في نفسها كما أن له أثراً كبيراً في إصلاح الأسر والبيوت؛ حيث تنقل المرأة ما تسمع وترى وتقرأ في هذه الدور وما يوزع فيها من أشرطه وكتيبات وفتاوى إلى أسرتها وأولادها. لذا لزم أمر العناية الشديدة بهذه الدور.

الوسيلة الحادية عشرة: رسائل الجوال:
لقد ظهر في الآونة الاخيرة أثر رسائل الجوال في نشر الخير والشر؛ لذا ينبغي توظيفها من قِبَل المصلحين في نشر الفضيلة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدلالة على الكتب والفتاوى والدروس المفيدة، والتحذير من الفساد وتعرية أهله وتبيين المنكرات ودفع الناس لإنكارها.

تنبيهات مهمة:

الأول: لا بد في الوسائل السابقة من عمل مرتب ومنظم ترتب فيه الأولويات، وتوزع فيه الأدوار، ويجند الآلاف المؤلفة من الصـالحين في إحيـائه وتنفـيذه بتوجـيههم واستثمار طاقاتهم ولا يكتفى بالجهود الفردية.

الثاني: لا يُقتصَر في مخاطبة الناس ببيان الحكم الشرعي في المنكرات وتحذيرهم منها، بل ينبغي أن يتوجه الخطاب إلى القلوب وتقوية العبودية لله ـ عز وجل ـ فيها، والاستسلام لشرعه ـ سبحانه ـ والإذعان والقبول له وتخويفهم من الله ـ عز وجل ـ ومن عذابه، وتقوية محبة الله ـ سبحانه ـ وتعظيمه، والخوف من يوم الحساب والوقوف بين يدي الله تعالى.

الثالث: العناية بالجانب التربوي في أوساط الدعاة وطلبة العـلم وأهـل الاستقامة من شباب الأمة وفتياتها، والعناية بصـحـة الفهم والتصـورات، وحسـن السـلوك والأخـلاق، وأن لا يكون العمل الاحتسابي والإعلامي سبباً في انشغالنا عن العمل التربوي.

الرابع: إعـداد جـيل إعـلامـي قـوي يجمع بين العلم الشـرعي والصـمود علـى الثوابت الشـرعية، والبعد عن الضعف والانهزامية والاستجابة لأهواء الناس، وبين الوعي الإعلامي والخبرة الإعلامية التي تخاطب الناس وتؤثر فيهم وتكسبهم.

أسال الله ـ عز وجل ـ أن يبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه وليه، ويذل فيه عدوه، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر؛ إنه سميع الدعاء.
عبد العزيز بن ناصر الجُلَيّل


مجلة البيان، العدد ( 225)








المصدر: مجلة البيان