غزة تحت النار - (24) إسرائيل والهدنة الإنسانية!
العدو الإسرائيلي يقتل بدمٍ بارد، ولا يؤنبه ضميره إن قتل، ولا يشعر بندمٍ أو بحزنٍ إن هو سفك الدماء، وارتكب المجازر، وأثخن الجراح، وهو يشعر بمتعة قتل العرب، ويرى في قتلهم رفعة بين قومه، ورضًا لربه، وسعادةً لأمه، التي يبش وجهها إن عاد إليها ابنها المجند يبشرها أنه قتل عربيًا، وسعادتها ستكون أكبر لو أنه قتل أكثر، ولا يهمها من قتل، وإن كان يسعدها أن يكون قربانه طفلًا أو صبيًا صغيرًا، فقتل الأطفال عندهم متعة وعبادة، وسلوكٌ وعادة، وتقليدٌ واتباع.
الهدنة الإنسانية هي آخر شيء ممكن أن يتصوره الفلسطينيون من العدو الإسرائيلي، فهذا عدوٌ لا يعرف الرحمة ولا يؤمن بالإنسانية، ولا تسكنه المودة، ولا يعيش في ذهنه الخير، ولا يتوقع منه الآخرون سلامًا أو أمانًا، ولا ينتظرون منه وفاءً أو احترامًا، إنه قاتلٌ أبدًا، ومجرمٌ دومًا، لا يتوقف عن القتل والإجرام إلا ليستأنفه من جديد، أو ليبحث عن هدفٍ آخر وضحيةٍ أخرى.
العدو الإسرائيلي يقتل بدمٍ بارد، ولا يؤنبه ضميره إن قتل، ولا يشعر بندمٍ أو بحزنٍ إن هو سفك الدماء، وارتكب المجازر، وأثخن الجراح، وهو يشعر بمتعة قتل العرب، ويرى في قتلهم رفعة بين قومه، ورضًا لربه، وسعادةً لأمه، التي يبش وجهها إن عاد إليها ابنها المجند يبشرها أنه قتل عربيًا، وسعادتها ستكون أكبر لو أنه قتل أكثر، ولا يهمها من قتل، وإن كان يسعدها أن يكون قربانه طفلًا أو صبيًا صغيرًا، فقتل الأطفال عندهم متعة وعبادة، وسلوكٌ وعادة، وتقليدٌ واتباع.
الإسرائيليون لا يقبلون بالهدنة الإنسانية، أو بوقف إطلاق النار المؤقت إلا لأحد سببين، ليس منها أبدًا أنه إنساني، ويحترم القوانين والأعراف، وأنه يستجيب للمبادرات الدولية، وجهود الوساطة الإقليمية، وأنه يُقدِّر حاجات المواطنين والسكان، وأنه يحاول أن يوقف إطلاق النار ليمكنهم من شراء حاجاتهم، وتوفير ضروريات العيش في ظل المعارك والقتال، خوفًا عليهم من المجاعة والحاجة، أو حرصًا على الأطفال الرضع والنساء الحوامل، والمرضى والمسنين، وكل من هم بحاجةٍ إلى رعاية ومعاملةٍ خاصة.
إنهم لا يقبلون بالهدنة أو بالتهدئة إلا: إذا شعروا أنهم بحاجةٍ لها، وأن مصالحهم قد تضرَّرت، وأن سمعتهم قد ساءت، وأن حياة مواطنيهم أصبحت في خطر، وأن الأمر بات يتطلب وقفًا لإطلاق النار لوقف الخسائر، وتجنب المزالق، وترميم الأضرار، ورتق الخرق إن اتسع عليهم، ولم يعد عندهم قدرة على تحمله، خاصة إذا تعذَّر عليهم هزيمة الخصم، وكسر إرادته، وإملاء شروطهم عليه، وإكراهه على القبول بها، والنزول عندها، تحقيقًا للنصر الذي يدعيه، أو خوفًا من أن تنقلب الأمور عليه، فيحقق الخصم عليه نصرًا، ويوقع به هزيمة، ويُجبِره على التراجع عن شروطه، والتنازل عن أهدافه التي وضعها لعدوانه.
في هذه الحالة يلجأ العدو إلى الوسطاء، ويُحرِّك الحلفاء، ويطلب منهم العمل على فرض هدنة، أو طرح مبادرة، لإنقاذه من الخطر، وإخراجه من أزمته، ووضعِ حدٍ للخسارة التي مُنِيَ بها، وهو يقبل بها وإن بدا أمام الخصم والآخرين أنه رافضٌ لها، وغير راضٍ عنها، إلا أنه في النهاية يوافق عليها، ويلتزم بها، خاصةً أنه غالبًا الذي يضع شروطها، ويحدِّد بنودها، أو يكون شريكًا في صياغتها، وحاضرًا عن اقتراحها.
أما السبب الثاني الذي يدفع بالعدو للقبول بالتهدئة، والموافقة على الهدنة الإنسانية المؤقتة: فهو حاجته إلى أهدافٍ جديدة، فنجده يلجأ إليها عندما ينضب بنك الأهداف عنده، ويعجز عن الوصول إلى أهدافٍ حقيقية موجعة في صفوف الخصم، في ظل حالة الحذر الشديدة والحيطة العالية التي يلتزم بها المقاومون، إذ يغيب المطلوبون والنشطاء عن الأنظار، ويمتنعون عن استخدام الهواتف ووسائل الاتصال، في الوقت الذي يُحسِنون فيه إخفاء وتمويه مقراتهم ومستودعات السلاح، ومخازن الصواريخ، وغير ذلك من الأهداف الحقيقية التي يعمى العدو عن الوصول إليها في ظل استمرار المعارك.
يطمع العدو الإسرائيلي في ظل الهدنة، ووقف إطلاق النار، أن يتخلى المقاومون عن بعض سلوكهم الأمني، وحذرهم الشديد، فيخرجون من مكامنهم، ويظهرون أمام العامة، أو يقومون ببعض الأنشطة، أو يتفقدون بيوتهم ويزورون أسرهم، الأمر الذي يمكن العدو من متابعة وتحديد أماكنهم، تمهيدًا لاستهدافهم وقتلهم، وقد نجح العدو الإسرائيلي للأسف في الوصول إلى بعض القادة السياسيين والعسكريين خلال الهدنة، أو بعدها بقليل، وهو ما كان يصعب عليه تحقيقه في ظل استمرار القتال.
لا يتورَّع العدو الصهيوني أن يستهدف أحدًا خلال الهدنة، أو أن يقصف هدفًا، إن أُتيحت له الفرصة، فهو ليس مُحترمًا ولا شريفًا، ولا يلتزم بهدنة ولا يضبطه إتفاق، ولكنه صيادٌ ماكرٌ خبيثٌ مخادع، يختلق الوسائل والسُبل، ليتمكن من استدراج فريسته، أو تطمين ضحيته، ثم يُغير عليها في وقتٍ يشعر فيه المقاومون بالأمان والطمأنينة، ولا يتوقعون أن يخترق العدو الهدنة لاقتناص صيدٍ أو ضرب هدف، ولكن التاريخ أثبت لنا أن العدو الصهيوني يستغل الهدنة في الرصد والمتابعة، وجمع المعلومات وتعقب الأشخاص، أي أنه لا يلجأ إليها إلا خدمةً لأهدافه، وتحقيقًا لمصالحه.
ينبغي على المقاومة أن تأخذ حذرها، وأن تنتبِه إلى عدوها، وألا تنساق وراءه، وألا تستجيب إلى شروطه أو رغباته، وألا تنطلي عليها خدعه ومكره، إذ لا أمان له، ولا صدق عنده، وهو لا يرقب فينا إلًّا ولا ذمة، ولا يحفظ لنا عهدًا ولا ودًا.
مصطفى يوسف اللداوي
كاتب و باحث فلسطيني
- التصنيف: