زاد المعاد - هدي النبي في العيدين

منذ 2014-10-07

كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصلي العيدين في المُصَلَّى

هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العيدين

مكان صلاة العيد:

كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصلي العيدين في المُصَلَّى، وهو المصلَّى الذي على باب المدينة الشرقي، وهو المصلَّى الذي يُوضع فيه مَحْمِلُ الحاج، ولم يُصلِّ العيدَ بمسجده إلا مرةً واحدة أصابهم مطر، فصلَّى بهم العيدَ في المسجد إن ثبت الحديث، وهو في سنن أبي داود وابن ماجة وهديُه كان فِعلهما في المصلَّى دائمًا.

 

لبسه في العيد:

وكان يلبَس للخروج إليهما أجملَ ثيابه، فكان له حُلَّة يلبَسُها للعيدين والجمعة، ومرة كان يَلبَس بُردَين أخضرين، ومرة برداً أحمر، وليس هو أحمرَ مُصمَتاً كما يظنه بعضُ الناس، فإنه لو كان كذلك، لم يكن بُرداً، وإنما فيه خطوط حمر كالبرود اليمنية، فسمي أحمر باعتبار ما فيه من ذلك. وقد صح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن غير معارضٍ النهيُ عن لُبس المعصفر والأحمر، وأمر عبد الله بن عمرو لما رأى عليه ثوبين أحمرين أن يَحرِقَهما فلم يكن ليكره الأحمر هذه الكراهة الشديدة ثم يلبَسُه، والذي يقُوم عليه الدليل تحريمُ لِباس الأحمر، أو كراهيتُه كراهية شديدة.

 

أكله في العيد:

وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأكُل قبلَ خروجه في عيد الفطر تمرات، ويأكلهن وتراً، وأما في عيد الأضحى، فكان لا يَطعَمُ حتى يَرجِعَ مِن المصلَّى، فيأكل من أضحيته.

 

اغتساله للعيد:

وكان يغتسل للعيدين، صح الحديث فيه، وفيه حديثان ضعيفان:

حديث ابن عباس، من رواية جبارة بن مُغَلِّس، وحديث الفاكِه بن سعد، من رواية يوسف بن خالد السمتي. ولكن ثبت عن ابن عمر مع شِدة اتِّباعه للسُنَّة، أنه كان يغتسل يوم العيد قبل خروجه.

وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخرج ماشياً، والعَنَزَةُ تحمل بين يديه، فإذا وصل إلى المصلَّى، نُصِبت بين يديه ليصليَ إليها، فإن المصلَّى كان إذ ذاك فضاءً لم يكن فيه بناءٌ ولا حائط، وكانت الحربةُ سُترتَه.

 

موعد صلاة العيد:

وكان يُؤَخِّر صلاة عيد الفطر، ويُعجِّل الأضحى، وكان ابنُ عمر مع شدة اتباعه للسنة، لا يخرُج حتى تطلُع الشمسُ، ويكبِّر مِن بيته إلى المصلى. وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا انتهى إلى المصلَّى، أخذ في الصلاة من غير أذان ولا إقامة ولا قول: الصلاة جامعة، والسنة: أنه لا يُفعل شيء من ذلك.

ولم يكن هو ولا أصحابُه يُصلون إذا انتهوا إلى المصلَّى شيئاً قبل الصلاة ولا بعدها.

 

صفة صلاة العيد:

وكان يبدأ بالصلاة قبلَ الخُطبة، فيُصلِّي ركعتين، يكبِّر في الأولى سبعَ تكبيراتِ مُتوالية بتكبيرة الافتتاح، يسكُت بين كُل تكبيرتين سكتةً يسيرة، ولم يُحفَظ عَنه ذكرٌ معين بين التكبيرات، ولكن ذُكرَ عن ابن مسعود أنه قال: يَحمَدُ اللهَ، ويُثنيَ عليه، ويصلِّي على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذكرهَ الخلال. وكان ابنُ عمر مع تحريه للاتباع، يرفع يديه مع كُلِّ تكبيرة.

وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أتم التكبير، أخذ في القراءة، فقرأ فاتِحة الكتاب، ثم قرأ بعدها (ق والقرآن المجيد) في إحدى الركعتين، وفي الأخرى (اقتربَت الساعَةُ وانشقَّ القَمَرُ).

وربما قرأ فيهما (سبحِّ اسمَ ربِّك الأعلى)، و(هل أتاك حديثُ الغَاشية) صح عنه هذا وهذا، ولم يَصِح عنه غيرُ ذلك.

فإذا فرغ من القراءة، كبَّر وركع، ثم إذا أكمل الركعة، وقام من السجود كبَّر خمساً متوالية، فإذا أكمل التكبيرَ، أخذ في القراءةِ، فيكون التكبيرُ أَوَّل ما يبدأ به في الركعتين، والقراءة يليها الركوع، وقد رُوي عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه والى بين القراءتين، فكبر أولاً، ثم قرأ وركع، فلما قام في الثانية، قرأ وجعل التكبير بعد القراءة، ولكن لم يثبت هذا عنه، فإنه من رواية محمد بن معاوية النيسابوري. قال البيهقي: رماه غيرُ واحد بالكذب.

وقد روى الترمذي من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، عن أبيه عن جده، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.كبَّر في العيدين في الأولى سبعاً قَبل القِرَاءَة، وفي الآخِرَة خمساً قَبلَ القراءة. قال الترمذي: سألت محمداً يعني البخاريَّ عن هذا الحديث، قال: ليس في الباب شيء أصحَّ مِن هذا، وبه أقول، وقال: وحديث عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده في هذا الباب، هو صحيح أيضاً.

قلت: يُريد حديثه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كبَّر في عيد ثِنتي عشرة تكبيرة، سبعاً في الأُولى، وخمساً في الآخرة، ولم يُصل قبلها ولا بعدها. قال أحمد: وأنا أذهب إلى هذا. قلت: وكثير بن عبد الله بن عمرو هذا ضرب أحمد على حديثه في (المسند) وقال: لا يُساوي حديثُه شيئاً، والترمذي تارة يُصحح حديثه، وتارة يُحسنه، وقد صرح البخاريُّ بأنه أصح شيء في الباب، مع حكمه بصحة حديث عمرو بن شعيب، وأخبر أنه يذهب إليه. والله أعلم.

 

وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أكمل الصلاةَ، انصرف، فقام مُقابِل الناس، والناسُ جلوس على صفوفهم، فيعِظهم ويُوصيهم، ويأمرهم وينهاهم، وإن كان يُريد أن يقطع بعثاً قطعه، أو يأمر بشيء أمر به. ولم يكن هُنالك مِنبر يرقى عليه، ولم يكن يخْرِجُ منبر المدينة، وإنما كان يخطبهم قائماً على الأرض، قال جابر: شهِدتُ مع رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصلاة يومَ العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئاً على بلال، فامر بتقوى الله، وحثَّ على طاعته، ووعظ الناَّس، وذكَّرهم، ثم مضى حتى أتى النساء، فوعظهن وذكَّرهُن، متفق عليه. وقال أبو سعيد الخُدري: "كانَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخرُج يوم الفِطر والأضحى إلى المُصلَّى، فأول ما يَبدأ به الصَّلاةُ، ثم ينصرِفُ، فيقُوم مقابِلَ الناس، والناسُ جلوس على صفوفهم..." الحديث (رواه مسلم).

وذكر أبو سعيد الخُدري: أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كان يخرج يوم العيد، فيُصلي بالناس ركعتين، ثم يُسَلِّم، فيقِف على راحلته مستقبِلَ الناس وهم صفوف جلوسٌ، فيقول: «تَصَدَّقوا»، فأكثرُ من يتصدق النساء، بالقُرط والخاتم والشيء. فإن كانت له حاجة يُريد أن يبعث بعثاً يذكره لهم، وإلا انصرف.

وقد كان يقع لي أن هذا وهم، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إنما كان يخرج إلى العيد ماشياً، والعنزة بين يديه، وإنما خطب على راحلته يومَ النحر بمِنى، إلى أن رأيتُ بَقِي بنَ مَخْلَد الحافظ قد ذكر هذا الحديث في مسنده عن أبي بكر بن أبي شيبة، حدَّثنا عبد الله بن نُمير، حدَّثنا داود بن قيس، حدَّثنا عِياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح، عن أبي سعيد الخُدري، قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخرُج يَوْمَ العِيد مِن يَومِ الفِطر، فيُصلي بالناس تَيْنِكَ الركعتين، ثم يُسلم، فيستقبل الناس، فيقول: «تَصَدَّقُوا» وكان أكثرُ من يتصدق النساء وذكر الحديث.

ثم قال: حدَّثنا أبو بكر بن خلاَّد، حدَّثنا أبو عامر، حدَّثنا داود، عن عِياض، عن أبي سعيد: كان النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخرُج في يوم الفطر، فيُصلي بالناس، فيبدأ بالركعتين، ثم يستقبِلُهم وهم جلوس، فيقول: «تَصدَّقُوا» فذكر مثله وهذا إسنادُ أبن ماجه إلا أنه رواه عن أبي كريب، عن أبي أسامة، عن داود. ولعله: ثم يقوم على رجليه، كما قال جابر: قام متوكئاً على بلال، فتصحَّف على الكاتب: براحلته. والله أعلم.

فإن قيل: فقد أخرجا في الصحيحين عن ابن عباس، قال شهِدتُ صلاةَ الفِطر مع نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبي بكر، وعمر، وعثمانَ رضي الله عنهم، فكلُّهم يُصَلِّيها قبل الخطبة، ثم يخطُب، قال: فنزل نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كأني أنظر إليه حين يُجَلِّسُ الرِّجالَ بيده، ثم أقبل يشقُّهم حتى جاء إلى النساء ومعه بلال، فقال: {يَأَيُّها النَّبيُّ إذا جَاءكَ المُؤمِناتُ يُبايِعْنَكَ على أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِالله شَيْئاً} [الممتحنة:12] فتلا الآية حتى فرغ منها، الحديثَ.

وفي الصحيحين أيضاً، عن جابر، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام، فبدأ بالصلاة، ثم خطب النَّاسَ بَعْدُ، فلما فرغ نبيُّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نزل فأتى النساء فذكَّرهن، الحديث. وهو يدل على أنه كان يخطب على منبر، أو على، راحلته، ولعله كان قد بُني له منبر من لَبِنٍ أو طين أو نحوه؟

قيل: لا ريب في صحة هذين الحديثين، ولا ريب أن المِنبر لم يكن يُخرَج من المسجد، وأول من أخرجه مروانُ بن الحكم، فأُنكِرَ عليه، وأما منبر اللَّبن والطين، فأول من بناه كثير بن الصلت في إمارة مروان على المدينة، كما هو في الصحيحين فلعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ يقوم في المصلَى على مكان مرتفع، أو دُكان وهي التي تسمى مِصطَبة، ثم ينحدر منه إلى النساء، فيقِف عليهن، فيخطبهُن، فيعِظهن، ويذكِّرُهن. والله أعلم.

وكان يفتتح خُطَبه كلَّها بالحمد الله، ولم يُحفظ عنه في حديث واحد، أنه كان يفتتح خطبتي العيدين بالتكبير، وإنما روى ابن ماجه في سننه عن سعد القرظ مؤذِّن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه كان يُكثر التكبير بَيْنَ أضعافِ الخطبة، ويكثر التكبير في خطبتي العيدين. وهذا لا يدل على أنه كان يفتتحها به. وقد اختلف الناسُ في افتتاح خُطبة العيدين والاستسقاء، فقيل: يُفتتحان بالتكبير، وقيل تفتتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار، وقيل: يُفتتحان بالحمد. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهو الصواب، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «كلُّ أَمْرٍ ذي بالٍ لاَ يُبْدَأ فيهِ بِحَمْدِ الله، فَهُوَ أَجْذَمُ». وكان يفتتح خطبَه كلَّها بالحمد لله.

 

ورخص صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن شهد العيد: أن يجلس للخطبة، وأن يذهب، ورخَّص لهم إذا وقع العيدُ يومَ الجمعة أن يجتزئوا بصلاة العيد عن حضور الجمعة وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخالف الطريقَ يوم العيد، فيذهب في طريق، ويرجعُ في آخر فقيل: ليسلِّمَ على أهل الطريقين، وقيل: لينال بركتَه الفريقان، وقيل: ليقضيَ حاجة من له حاجة منهما، وقيل: ليظهر شعائِرَ الإِسلام في سائر الفِجاج والطرق، وقيل: ليغيظ المنافقين برؤيتهم عِزَّة الإسلام وأهله، وقيام شعائره، وقيل: لتكثر شهادةُ البِقاع، فإن الذاهب إلىَ المسجد والمصلَّى إحدى خطوتيه ترفعُ درجة، والأخرى تحطُّ خطيئة حتى يرجع إلى منزله، وقيل وهو الأصح: إنه لذلك كُلِّه، ولغيره من الحِكَم التي لا يخلو فعلُه عنها.

وروي عنه، أنه كان يُكبِّر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق: اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكبَر، وَللَّهِ الحَمْدُ.

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

المقال السابق
هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصلاة (2)
المقال التالي
السترة