احذر بسمة طفلك.. ودمعته

منذ 2014-10-13

كثير من الناس يمحورون حياتهم تبعا لحياة أبنائهم، ويهيئون ظروفهم تبعًا لظروف أبنائهم،

كلنا يحب أبناءه، وكثيرٌ منا يبالغ في التعلق بهم، تعلقًا قد لا يستطيع تقويمه أو تأطيره في إطار النفع والصواب ويبتعد به عن الضر أو الخطأ..

كثير من الناس يمحورون حياتهم تبعا لحياة أبنائهم، ويهيئون ظروفهم تبعًا لظروف أبنائهم، بل كثير من الناس يعتبر سعيه وجهده كله إنما هو لأبنائه، وكثيرًا ما نسمع من الآباء تلك المقولة (ما أبذل في الحياة إلا لأبنائي).

لأول وهلة قد تبدو تلك المقولة لا باس بها في حياتنا، ولأول وهلة أيضا قد يبدو ذاك السلوك غير مستغرب، إذ تربينا عليه، وعهدنا الحياة في ظله، لكننا لو أمعنا النظر في الموقف لاكتشفنا ما لن نحمده كثيرًا!!

لقد رزق الله عباده بالأبناء رحمة منه ونعمة وفضلا، وعلمنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن الأبناء لنا إنما هم نفع لأمتهم، وبر بوالديهم، وقرب من ربهم، وسعادة في بيوت المسلمين بنقائهم وصفائهم وضعفهم والحب الذي في قلوبهم..

لكن بيوتنا صارت تجاه أبنائنا شيئًا آخر غير تلك الأهداف والمعاني، فصار أمل الوالدين إرضاء الأبناء, والإسباغ عليهم من كل ما يطلبون، وإغراقهم في كل ما يحبون، بل صار السعي كله لأجل الأبناء، والعمل كله لصالحهم، فالسعادة ما أسعدهم، والشقاء ما أحزنهم وآلمهم!!

وحتى صارت بسمة الولد هي المرتجى، فكل ما يجلب ابتسامته مطلوب، مهما كان التعب فيه والشقاء في جلبه، وصارت دمعته مفزعة للوالدين، وفي سبيل منعها يهون كل غال!!

إننا لا نعتب على الآباء حب أبنائهم فهو أمر فطري إنساني رائع، ولا ننعي عليهم البذل والعطاء لهم فهو فضل وعطاء جميل، إنما نعتب على أولئك الزائدين في حبهم لأبنائهم المبالغين في الاهتمام بهم فيخرج اهتمامهم عن معنى التربية الصحيحة الجادة، فيتربى الأبناء مدللين فاقدي شخصياتهم الجادة، متصفين بالنعومة البالغة والترفه الشديد وعدم القدرة على السيطرة على النفس ومطالبها ورغباتها، كما ننعي على تلك البيوت التي يحول فيها الأبناء أحوال آبائهم من الشجاعة إلى الجبن، حبا لهم، ومن الكرم في عطاء الناس إلى البخل، إغداقا عليهم، ومن السعادة إلى الحزن، كمدًا على مرضهم أو غيابهم!! وفي الحديث: «الولد مجبنة مبخلة محزنة» (1) فهو مجبنة عن الجهاد في سبيل الله، ومبخلة عن الصدقة، ومحزنة كلما أصابه مكروه.

إن علينا أن نتعامل مع بسمات أبنائنا ودمعاتهم تعاملًا متوازنًا جادًا، فقد يكون منع العطاء عن الأبناء في أحيان كثيرة دعمًا لنفوسهم وتربية لقلوبهم على التصبر والتعفف والتخشن والمروءة، وقد يكون الحزم معهم في أحيان بانيًا لشخصياتهم القوية وموضحًا لمعاني الخطأ والصواب والحق والباطل.

------------------------------------------

(1) أخرجه ابن ماجه والحاكم وأبو يعلى.

 

خالد رُوشه| 14/11/1430 هـ