الطريق إلى الفردوس الأعلى
الجنة سلعة غالية، والفردوس الأعلى أعلى الجنان وأفضلها، ولا يصل إليها إلا من اختصهم الله تعالى بمزيد فضله. وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «الْفِرْدَوْسُ رَبْوَةُ الْجَنَّةِ وَأَوْسَطُهَا وَأَفْضَلُهَا» (الترمذي: [2450] وصححه الألباني).
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اتبعه بإحسانٍ إلى يوم الدين.عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الألباني في (صحيح الترمذي) وغيره).
فالجنة سلعة غالية، والفردوس الأعلى أعلى الجنان وأفضلها، ولا يصل إليها إلا من اختصهم الله تعالى بمزيد فضله.
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: « » (الترمذي: [2450] وصححه الألباني).
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « » (متفق عليه).
فإذا كانت الجنة محفوفة بالمكاره وأنواع المشاق ، فكيف بأعلى درجاتها وأسمى منازلها؟
هذا يدل على أن الأمر ليس بالأمر الهين.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "أنزه الموجودات وأظهرها، وأنورها وأشرفها وأعلاها ذاتًا وقدرًا وأوسعها: عرش الرحمن جل جلاله، ولذلك صلح لاستوائه عليه، وكل ما كان أقرب إلي العرش كان أنور وأنزه وأشرف مما بعد عنه؛ ولهذا كانت جنة الفردوس أعلى الجنان وأشرفها وأنورها وأجلها، لقربها من العرش، إذ هو سقفها، وكل ما بعد عنه كان أظلم وأضيق، ولهذا كان أسفل سافلين شر الأمكنة وأضيقها وأبعدها من كل خير" انتهى (الفوائد: [ص:27]).
وأهل الفردوس الأعلى هم السابقون المبادرون إلى فعل الخيرات كما أمروا، قال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ . فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [الواقعة:10-12].
قال السعدي رحمه الله تعالى: "والمقربون هم خواص الخلق" انتهى (تفسير السعدي: [ص:833]).
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "من سابق في هذه الدنيا وسبق إلى الخير، كان في الآخرة من السابقين إلى الكرامة، فإن الجزاء من جنس العمل ، وكما تدين تدان" انتهى (تفسير ابن كثير: [7 / 517]).
ثانياً:
ليعلم أن من أعظم أسباب حصول المطلوب، والنجاة من المرهوب: الدعاء، فإن الدعاء هو العبادة، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكما أنه عبادة محبوبة لله تعالى جلَّ جلاله، فهو سبب في حصول المطلوب، ومن أراد الله به خيرًا، وفقه لأسبابه، ويسر له العمل الذي يؤهله لذلك؛ كما قال الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل:5-10].
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « » (البخاري: [2790]).
قال الحافظ رحمه الله تعالى: "يَدُلُّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْفِرْدَوْسَ فَوْقَ جَمِيعِ الْجِنَانِ، وَلِذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَعْلِيمًا لِلْأُمَّةِ وَتَعْظِيمًا لِلْهِمَّةِ: « »" انتهى.
ثالثًا:
اعلم -يا عبد الله تعالى- أن نيل الدرجات في الدنيا والآخرة، ليس بالأماني ولا الأحلام، وإنما هو بسلوك أسباب ذلك، ولولا ذلك ما كان فرق بين الصادق والكاذب، وهذا من حكمة الله تعالى في تكليفه لعباده، وأمرهم بما أمرهم به.
قال الله تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا. وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء:123-124].
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله تعالى: "أي: {لَيْسَ} الأمر والنجاة والتزكية {بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} والأماني: أحاديث النفس المجردة عن العمل، المقترن بها دعوى مجردة، لو عورضت بمثلها لكانت من جنسها. وهذا عامّ في كل أمر، فكيف بأمر الإيمان والسعادة الأبدية؛ ... فالأعمال تصدق الدعوى أو تكذبها". (تفسير السعدي: [205]).
رابعاً:
ومن أهم الأعمال التي تبلغ المسلم الدرجات العلى، ولعلها أن تبلغه الفردوس الأعلى برحمة الله تعالى وفضله جلَّ جلاله:
- الجهاد في سبيل الله تعالى:
وقد تقدم في ذلك حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « ». فَعَجِبَ لَهَا أَبُو سَعِيدٍ ، فَقَالَ: "أَعِدْهَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ"، فَفَعَلَ ثُمَّ قَالَ: « » قَالَ: "وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟" قَالَ « » (مسلم: [1884]).
- الإخلاص والصدق مع الله تعالى:
فعن سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « » (مسلم: [1909]).
قال النووي رحمه الله تعالى: "فِيهِ: اِسْتِحْبَاب سُؤَال الشَّهَادَة، وَاسْتِحْبَاب نِيَّة الْخَيْر" انتهى.
- الإيمان بالله تعالى والتصديق بالمرسلين عليهم الصلاة والسلام:
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا} [الكهف:107].
قال السعدي رحمه الله تعالى: "يحتمل أن المراد بجنات الفردوس: أعلى الجنة، وأوسطها، وأفضلها، وأن هذا الثواب، لمن كمل فيه الإيمان والعمل الصالح، والأنبياء عليهم الصلاة والسلام والمقربون رضوان الله عليهم.
ويحتمل أن يراد بها: جميع منازل الجنان، فيشمل هذا الثواب، جميع طبقات أهل الإيمان، من المقربين، والأبرار، والمقتصدين، كل بحسب حاله، وهذا أولى المعنيين لعمومه" انتهى. (تفسير السعدي: [488]).
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « »، قَالُوا: "يَا رَسُولَ اللَّهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ؟" قَالَ: « » (متفق عليه).
قال الحافظ رحمه الله تعالى: " قَوْلُهُ: « » أَيْ حَقّ تَصْدِيقهمْ، وَإِلَّا لَكَانَ كُلّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ تعالى وَصَدَّقَ رُسُله عليهم الصلاة والسلام وَصَلَ إِلَى تِلْكَ الدَّرَجَة وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
- إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة:
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « » قالوا: "بلى يا رسول الله"، قال « » (مسلم:[251]).
- الطاعات التي ورد في الأخبار الصحيحة أنها سبب في معية النبي صلى الله عليه وسلم ومصاحبته في الجنة:
عن ربيعة بْن كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: « » فَقُلْتُ: "أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ". قَالَ: « » قُلْتُ: "هُوَ ذَاكَ". قَالَ: « » (مسلم: [489]).
وروى مسلم: [2983] أيضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى أنَّه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « » وَأَشَارَ مَالِكٌ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى.
وروى مسلم: [2631] عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله تعالى عنه أنًّه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « » وَضَمَّ أَصَابِعَهُ.
وروى الإمام أحمد: [12089] عَنْ أَنَسٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « » وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى. (صححه الألباني في الصحيحة: [296]).
وبالجملة: فالاجتهاد في الأعمال الصالحة، والمسارعة في الخيرات، واستدامة العمل الصالح، وصنائع المعروف، ومسابقة أهل الخير والصلاح: أصل الوصول إلى غاية المأمول في الدنيا والآخرة، ولو كانت تلك الغاية هي الفردوس الأعلى. ونسأل الله تعالى بأسمائه العلى أن يرزقنا الفردوس الأعلى وأهلنا أجمعين وأحبابنا أجمعين في الله جلًّ جلاله والله تعالى أعلى وأعلم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.