التجارة الرابحة في ثواب الأعمال الصالحة - (4) فضائل شهر رمضان

منذ 2015-05-22

لما كان رمضان بتلك المنزلة العظيمة كان للطاعة فيه فضل عظيم ومضاعفة كثيرة

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، شهر رمضان هو أفضل شهور العام؛ لأن الله سبحانه وتعالى اختصه بأن جعل صيامه فريضة وركنًا رابعًا من أركان الإسلام، وشرع للمسلمين قيام ليله، قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:185]، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت» (متفق عليه).

ذكر الله تعالى الحكمة من مشروعية الصيام وفرضِه علينا في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183]. وشهر رمضان هو الشهر الذي نزل فيه القرآن الكريم قال الله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ. تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ. سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [سورة القدر]، وروى أحمد والطبراني عن واثلة بن الأسقع رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أُنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان، وأُنزلت التوراة لِسِتٍ مضت من رمضان، وأُنزل الإنجيل لثلاث عشرة مضت من رمضان، وأُنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان، وأُنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان» (حسنه الألباني) وفيما يلي توضيح لبعض خصائص وفضائل شهر رمضان:

- الصوم عبادة من أجلّ العبادات، وأجر الصائم المحتسب لا يعلمه إلا الله تعالى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به» (البخاري ومسلم).

 

- على المسلم أن يكثر من الجود في رمضان فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما، قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ" (البخاري ومسلم).

 

- على الصائم أن يقابل الإساءة بالإحسان ويقول: إني صائم، لما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الصيام جنة فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم مرتين، والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي الصيام لي وأنا أجزي به والحسنة بعشر أمثالها».

 

- يسن للصائم السحور لما ثبت في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تسحروا فإن في السحور بركة» (البخاري ومسلم).

 

- يُسن تأخير السحور لما رواه البخاري عن أنس عن زيد بن ثابت رضي الله عنهم قال: "تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة قلت: كم كان بين الأذان والسحور قال: «قدر خمسين آية»" (البخاري).

 

- يسن تعجيل الفطر لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر» (البخاري ومسلم).

 

- يُسن أن يفطر الصائم على رطب فإن لم يجد فعلى تمر فإن لم يجد فعلى ماء، لحديث أنس رضي الله تعالى عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم يكن فعلى تمرات، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء" (أبو داوود والترمذي)

 

- عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: «ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ»" (أبو داوود وحسنه الألباني).

 

- فِي الصَّوْمِ تغلب على الشَّهْوَةِ، لأَنَّ النَّفْسَ إذَا شَبِعَتْ تَمَنَّتْ الشَّهَوَاتِ، وَإِذَا جَاعَتْ امْتَنَعَتْ عَمَّا تَهْوَى، وَلِذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ: مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ».

 

- عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصُفِّدت الشياطين» (متفق عليه)، وروى النَّسائي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جاء رمضان فُتحت أبواب الرحمة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين» (صححه الألباني).

 

- روى الترمذي وابن ماجه وابن خزيمة في رواية: «إذا كان أول ليلة في شهر رمضان صُفِّدت الشياطين ومَرَدَة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يُفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر. ولله عُتقاء من النار وذلك كل ليلة» (حسنه الألباني).

 

- عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (البخاري ومسلم).

 

- عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» (البخاري ومسلم).

 

- عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه» (البخاري ومسلم).

 

- عن أبي أُمامة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لله عند كل فطر عتقاء» (صححه الألباني).

 

- عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة» (صححه الألباني).

 

- عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة من الأنصار: «ما منعك أن تحجي معنا؟» قالت: لم يكن لنا إلا ناضحان، فحج أبو ولدها وابنها على ناضح، وترك لنا ناضحًا ننضح عليه، قال: «فإذا جاء رمضان فاعتمري، فإن عمرة فيه تعدل حجة» (البخاري ومسلم)، وفي رواية لمسلم: «حجة معي». والناضح هو بعير يسقون عليه.

 

- عن أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ" (البخاري ومسلم).

 

- عن زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا» (الترمذي وابن ماجة وصححه الألباني).

 

- المؤمن الصادق كل الشهور عنده مواسم للعبادة والعمر كله عنده موسم للطاعة، ولكنه في شهر رمضان تتضاعف همته للخير وينشط قلبه للعبادة أكثر، ويُقبل على ربه سبحانه وتعالى، وربنا الكريم من جوده وكرمه تفضل على المؤمنين الصائمين فضاعف لهم المثوبة في هذا الموقف الكريم وأجزل لهم العطاء والمكافئة على صالح الأعمال.

 

- إن شهر رمضان شهر مغنم وأرباح، والتاجر الحاذق يغتنم المواسم ليزيد من أرباحه فاغتنموا هذا الشهر بالعبادة وكثرة الصلاة وقراءة القرآن والعفو عن الناس والإحسان إلى الغير والتصدق على الفقراء.

 

- "لما كان رمضان بتلك المنزلة العظيمة كان للطاعة فيه فضل عظيم ومضاعفة كثيرة، وكان إثم المعاصي فيه أشد وأكبر من إثمها في غيره، فالمسلم عليه أن يغتنم هذا الشهر المبارك بالطاعات والأعمال الصالحات والإقلاع عن السيئات، عسى الله عز وجل أن يمن عليه بالقبول ويوفقه للاستقامة على الحق، ولكن السيئة دائمًا بمثلها لا تضاعف في العدد لا في رمضان ولا في غيره، أما الحسنة فإنها تضاعف بعشر أمثالها إلى أضعاف كثيرة" (انتهى من (مجموع فتاوى ابن باز:15/447).

 

كان من هدي السلف رضوان الله تعالى عليهم، الحرص على ختم القرآن في رمضان، تأسيًا بالنبي صلى الله عليه وسلم. فعن إبراهيم النخعي قال: "الأسود يختم القرآن في رمضان في كل ليلتين" (السير:4/51). وكان قتادة يختم القرآن في سبع، فإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث، فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة (السير:5/276). وعن مجاهد أنه كان يختم القرآن في رمضان في كل ليلة (التبيان للنووي:ص/74) وقال: إسناده صحيح. وعن مجاهد قال: كان علي الأزدي يختم القرآن في رمضان كل ليلة (تهذيب الكمال:2/983). وقال الربيع بن سليمان: كان الشافعي يختم القرآن في رمضان ستين ختمة (السير:10/36). وقال القاسم ابن الحافظ ابن عساكر: كان أبي مواظبًا على صلاة الجماعة وتلاوة القرآن، يختم كل جمعة، ويختم في رمضان كل يوم (السير:20/562).

 

الصَّوْمَ مُوجِبٌ لِلرَّحْمَةِ وَالْعَطْفِ عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَإِنَّ الصَّائِمَ إذَا ذَاقَ أَلَمَ الْجُوعِ فِي بَعْضِ الأَوْقَاتِ، ذَكَرَ مَنْ هَذَا حَالُهُ فِي جَمِيعِ الأَوْقَاتِ، فَتُسَارِعُ إلَيْهِ الرِّقَّةُ عَلَيْهِ، وَالرَّحْمَةُ بِهِ، بِالإِحْسَانِ إلَيْهِ، فكان الصوم سبباً للعطف على المساكين.

فِي الصَّوْمِ قَهْرٌ لِلشَّيْطَانِ، وإضعاف له، فتضعف وسوسته للإنسان، فتقل منه المعاصي، وذلك لأن (الشَّيْطَان يَجْرِيَ مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ ) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فبالصيام تضيق مجاري الشيطان فيضعف، ويقل نفوذه.

قال ابن القيم: "ومن ذلك -أي المُفاضلة بين ما خَلَق الله- تفضيل شهر رمضان على سائر الشهور وتفضيل عشره الأخير على سائر الليالي" ا.هـ (زاد المعاد 1/56).

المقال السابق
(3) فضائل الاستغفار
المقال التالي
(5) فضائل الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم