أوباما .. ممثل جديد في سيناريو قديم!!

منذ 2009-06-18

إن الرئيس الأمريكي مهما كان ليس هو الذي "يأخذ" القرار، إنما هو الذي "يُعلِن" القرار!!


يخطئ كثير من المسلمين عندما يقيسون الأوضاع السياسية في أمريكا وبلاد العالم الغربي بمثيلاتها في بلادنا العربية والإسلامية، فيظنون أن السيد الرئيس هو الرجل الذي لا تردّ له كلمة، وأن الدولة بكاملها ستتجه يمينًا إذا ما أراد أن يتجه إلى اليمين، وأنها ستتجه يسارًا إذا أراد أن يتجه إلى اليسار. إنهم يظنون ذلك لطول معاشرتهم للحكام الدكتاتوريين العرب الذين يمسكون بكل المقاليد في أيديهم، ويصدرون القرارات تبعًا لأهوائهم ورغباتهم دون أدنى اعتبار لرغبات الشعوب ولا للمجالس النيابية ولا للوزراء أو المستشارين.

لكن الوضع في أمريكا ليس كذلك!

المنظمات المسئولة عن صناعة القرار الأمريكي إن القرار في أمريكا ليس قرارًا فرديًّا يأخذه رئيس أو وزير، إنما هو قرار مؤسسي يشارك في صناعته الحزب بكامله، كما يشارك فيه أيضًا مؤسسات غير تابعة لأيّ من الحزبين الديمقراطي أو الجمهوري، وذلك من مؤسسات الأمن القومي ومراكز صنع القرار، والمجالس الاستشارية المتخصصة والمخابرات الأمريكية والهيئات العلمية المتطورة ومجلس الشيوخ والكونجرس، وغير ذلك من هيئات.

إن الرئيس الأمريكي مهما كان ليس هو الذي "يأخذ" القرار، إنما هو الذي "يُعلِن" القرار!!

وعلى ذلك فهو مجرَّد ممثل في مسرحية سابقة التأليف والإخراج.. وليس له أن يخرج على النص بحال من الأحوال.. نعم لكل ممثل طريقته في التمثيل، وإبداعاته في عرض رؤية المؤلف والمخرج.. ونعم قد يكون الممثل جيدًا كأوباما أو فاشلاً كبوش، ولكنه في النهاية ممثل يؤدي مسرحية مكررة تم تأليفها منذ عشرات السنين.

ومسرحية إسرائيل وفلسطين، والصهاينة والعرب، واليهود والمسلمين مسرحيةٌ قديمة جدًّا كتبها مؤلفون أمريكيون أصيلون منذ قرن من الزمان، ويتناوب على تمثيلها عدة ممثلين حسب الظروف..

فترومان الذي اعترف بإسرائيل بعد 11 دقيقة من إعلان دولتها في 14 من مايو 1948م لم يفعل ذلك لعاطفته الشخصية تجاه اليهود، ولكن لأنّ الأمر كان معدًّا سلفًا بلا شك. وجونسون الذي أيّد غزو إسرائيل لسيناء والضفة الغربية وغزة والجولان في سنة 1967م كان لا يؤيدها إلا تزكية من الكونجرس. وكارتر الذي كان يرعى مباحـثات كامب ديفيد، والتي كرّست وللمرة الأولى الاعتراف بدولة إسرائيل لم يكن يفعل ذلك من منطلق شخصي خاص به. وريجان الذي أيد غزو لبنان سنة 1982م وأمدَّ إسرائيل بالقنابل المحرمة دوليًّا لم يفعل ذلك من وراء حكماء أمريكا. وجورج بوش الأب الذي أنزل نصف مليون جندي أمريكي في أرض المسلمين سنة 1990م لم يفعل ذلك لتحامله الشخصي على العراق أو المسلمين. وكلينتون لم يقم برعاية اتفاقيات أوسلو والتي كان من أهم أهدافها تركيع المقاومة الفلسطينية، وقمع حماس، وإعطاء السلطة الفلسطينية الجديدة صلاحيات التحدث باسم الشعب الفلسطيني، وأمل وهمي في إنشاء دولة في مقابل الاعتراف لليهود بسرقة أكثر من 80% من أرض فلسطين لم يفعل كل ذلك لأنه شخصيًّا يريد ذلك. وجورج بوش الابن لم يحتل أفغانستان والعراق عسكريًّا؛ لأنه رجل عدواني جرَّ أمريكا إلى ما لم تكن تتمناه!

ممثل جديد في سيناريو قديمإنّ كل هذه الحوادث وغيرها لا تعدو أن تكون مسرحية قديمة مكتوبة بعناية من أطراف عدّة، وشارك في كتابتها يهود بروتستانت، وساهم في إعطاء صورتها النهائية عدد كبير من السياسيين والعسكريين والاقتصاديين والعلماء، ثم في النهاية يقوم السيد الرئيس "بإعلان" القرار!

كل ذلك يؤكد أن أوباما لن يختلف لا كثيرًا ولا قليلاً عمّن سبقه من الرؤساء بخصوص الملف الفلسطيني اليهودي، وقد نوَّهت إلى ذلك في مقال سابق بعنوان "الآمال الواقعية"، نرجو العودة إليه لأهميته لاستكمال الصورة التي نحن بصددها.

ولقد حاول أوباما أن يكون ذكيًّا في الشهر الذي سبق ولايته عندما سألوه أن يقول رأيه في قصف غزة بهذه الوحشية، فأحال الأمر إلى إدارة بوش، وقال: إن أمريكا لها الآن رئيس يأخذ القرارات المناسبة في هذا الأمر، وكأن أوباما رجل مؤدب لا يعلِّق سلبًا ولا إيجابًا على أفعال وآراء بوش، ونسينا أن برنامجه الانتخابي من أوَّله إلى آخره كان قائمًا على نقد بوش واتهامه بسلبيات كثيرة، لكن في هذا الموقف الخاص بفلسطين أظهر ورعًا كبيرًا في نقد بوش أو الاعتراض عليه، ولمَّا ضغطوا عليه ليقول رأيه قال: إن من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها إذا قُصفت بالصواريخ، ولم يسأل نفسه: ولماذا تقصف حماس إسرائيل بالصواريخ؟! ولم يحاول أن يعرف ما الذي أتى باليهود من كل بقاع الدنيا ليحتلوا فلسطين ويطردوا أهلها، ولم يحاول أن يبحث عن أسباب الحصار المهلك الذي تضربه إسرائيل على قطاع غزة منذ سنة ونصف.. إنه لم يحاول أن يعرف كل ذلك؛ لأن الممثل في المسرحية ليس من دوره أن يعرف أو يبتكر أو يتبنى اتجاهًا معينًا، إنما دوره فقط أن يقوم بتمثيل النص المكتوب سلفًا.

حفل تنصيب الرئاسة الأمريكيةوعندما تولى أوباما الحكم وألقى خطاب التنصيب كان لا بد أن يُعلِن سياسته بوضوح، فقال بلا تردد: إنه يؤيد اليهود في دفاعهم عن "دولتهم" إسرائيل، وأعلن أن على حماس أن تعترف بالكيان الصهيوني، وأعلن أيضًا أن على الدول المحيطة وفي مقدمتها مصر أن تمنع وصول الأسلحة إلى المقاومين، وأعلن دعمه للسلطة الفلسطينية القديمة بقيادة "أبو مازن"، على الرغم من رفض الشعب الفلسطيني لها، وعلى الرغم من تاريخها المليء بالسرقات والاختلاسات والعمالات. وأعلن أيضًا أن أمريكا ستستمر في حربها ضد الإرهاب والتطرف، وأن على الدول العربية أن تتعاون في هذا الشأن. ولا شك أننا كلنا نعرف أن المنظمات الإرهابية المعنية بالكلام هي المنظمات الإسلامية التي لا تقبل بالاحتلال الصهيوني أو الأمريكي، وأن المطلوب من الشعوب العربية والإسلامية أن تكون شعوبًا "وديعة" تقبل بالذل والإهانة دون اعتراض، وإلا تُوصم بالإرهاب وتُتَّهم بالعنف والتطرف!

ونتساءل في وضوح: ما هو الفارق في هذا الخطاب بين أوباما وبوش وكلينتون وغيرهم من رؤساء المؤسسة الأمريكية؟! ولماذا يعتقد بعض المسلمين أن عهدًا جديدًا سيبدأ ؟! وما الذي يملكه أوباما ولا يمتلكه غيره من الرؤساء؟!

لكن الذي يحزنني حقًّا هو أنّ الإعلام العربي نسي كل ذلك، والتقط "لفتة" أوباما إلى العالم الإسلامي والعربي في خطابه، والذي قال فيها: إنه يحترم العالم الإسلامي، وخرج الإعلام العربي بهذه الكلمات، وأخرجها في مانشيتات رئيسية بصيغة الفخر والعزة!! وكأنهم سعيدون جدًّا بأن أوباما بنفسه قد تذكرهم، وقال في حقهم كلمة!! بصرف النظر عن كامل تأييده لليهود، وعن كامل تضييعه لحقوق الفلسطينيين، وبرغم الوضوح السافر لسياسته الموالية للصهيونية.

لا يا أمة الإسلام!!

ليس لكِ أن تفخري أنك ذُكِرت في كلمة على لسان أوباما أو غيره..

وليس لكِ أن تعيدي تاريخ الجاهلية الأولى عندما كان يفخر العربي أبد الدهر أنه قابل قيصر ولو مرة، أو لأنه ركع في إيوان كسرى!

عزة الإسلام في أهل غزةلقد تبدل الموقف تمامًا بعد نزول الإسلام وصار المسلمون سادة للشرق والغرب، وصدق الفاروق حين قال: "نحن قوم أعزَّنا الله بالإسلام، وإذا ابتغينا العزة في غيره أذلَّنا الله". وهذا القول من الفاروق يفسر لنا أحداثًا كثيرة، ومواقف عِدَّة، فهو يبيِّن لنا لماذا يرفع قادة وجنود حماس رؤوسهم عالية على الرغم من الحصار والتضييق، وعلى الرغم كذلك من الشهداء والجرحى. وهو يفسِّر لنا أيضًا لماذا نرى حكام العرب أذلّة ضعفاء، يعطون الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، على الرغم من وجودهم في كراسيِّ السلطان، وعلى الرغم من الأبّهة والقصور والأموال والكنوز!

إن الذي يريد أن يبحث عن العزة الحقيقية لن يجدها في لفتة من أوباما، أو في منحة من سلطان، إنما سيجدها فقط عند رب العزة ومالك الملك.. ويا ليت قومي يعلمون!

ونسأل الله أن يعز الإسلام والمسلمين.
المصدر: قصة الإسلام

راغب السرجاني

أستاذ جراحة المسالك البولية بكلية طب القصر العيني بمصر.