تذوق المعاني - [15] الأدعية بعد التشهد الأخير وقبل التسليم
فتنة المحيا ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والشبهات، وفتنة الممات يجوز أن يراد بها الفتنة عند الموت حيث يعرض له الشيطان في آخر لحظات حياته يحاول أن يضله، ويجوز أن يراد بها فتنة القبر.
1. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» (مسلم ، صحيح مسلم، برقم:[588]).
«عذاب جهنم»: وهي النار، فتعوذ بالله من عذابها وهذا يشمل ما عملت من سوء تسأل الله أن يعفو عنك، وما لم تعمل من السوء تسأل الله أن ينجيك إياه.
وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ : «إن لله تعالى ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوماً يذكرون اللَّه عز وجل تنادَوا: هلموا إلى حاجتكم، فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، فيسألهم ربهم وهو أعلم: ما يقول عبادي قال: يقولون يسبحونك، ويكبرونك، ويحمدونك ويمجدونك، فيقول: هل رأوني فيقولون: لا والله ما رأوك، فيقول: كيف لو رأوني قال: يقولون لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيداً وأكثر لك تسبيحاً، فيقول: فماذا يسألون قال يقولون: يسألونك الجنة، قال: يقول: وهل رأوها قال: يقولون: لا والله يا رب ما رأوها. قال: يقول: فكيف لو رأوها قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً وأشد لها طلباً وأعظم فيها رغبةً. قال: فمم يتعوذون قال: يتعوذون من النار، قال: فيقول: وهل رأوها قال: يقولون: لا والله ما رأوها، فيقول: فكيف لو رأوها قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فراراً وأشد لها مخافةً، قال: فيقول: فأُشهدكم أني قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة، قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم» (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ).
أما وصف جهنم في القرآن فقد ورد كثيرا منه على سبيل المثال قوله تعالى:
{هَٰذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ۖ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ . يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ . وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ . كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الحج:19-22]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء:56].
«ومن عذاب القبر»: لأن القبر فيه عذاب دائم للكافرين، وعذاب للعاصين، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر بقبرين فقال «إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، فأما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة» (البخاري، برقم:[1361]، ومسلم، برقم: [292]، في صحيحيهما)
وهناك من ينكر عذاب القبر مستنداً إلي العقل، وأنه لو كشف عن أجساد الموتى في قبورهم بعد فترة قصيرة لوجدناها سليمة بما فيها جثث الأشرار، متجاهلاً أن عالم الغيب غير قابل للقياس بعقولنا القاصرة؛ ومع ذلك فإن الله تعالى قد سمح لنا بقياس هذا الأمر الغيبي على ظاهرة نعيشها يومياً ألا وهي الأحلام والرؤى؛ فكما تتجاور أجساد الموتى في المقابر؛ يتجاور النائمان على السرير الواحد فيرى أحدهماً مناماً جميلاً يصحو بعده منشرحاً مسروراً؛ بينما الآخر رأى مناماً مرعباً قام على أثره منزعجاً خائر القوى منهك البدن وكأنه ضرب ضرباً مبرِّحاً.
«فتنة المسيح الدجال»: فالمسيح الدجال هو من يبعثه الله عزوجل عند قيام الساعه، رجل خبيث كاذب مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه المؤمن الكاتب وغير الكاتب، ويفتن الله تعالى الناس به، لأنه يُمكّن له في الأرض بعض الشيئ ويبقى في الأرض أربعين يوماً، اليوم الأول طوله طول السنة الكاملة، والثاني طول الشهر، والثالث طول أسبوع، والرابع كسائر الأيام، يدعو الناس إلى أن يكفروا بالله وأن يشركوا به فيقول: "أنا ربكم"، ومعه جنة ونار، لكنها جنة فيما يرى الناس، ونار فيما يرى الناس، وإلا فحقيقة جنته أنها نار، وحقيقة ناره أنها جنة، كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فيغتر الناس به ويفتن به ما شاء الله أن يفتن وفتنته عظيمة.
«فتنة المحيا والممات»: فتنة المحيا ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والشبهات، وفتنة الممات يجوز أن يراد بها الفتنة عند الموت حيث يعرض له الشيطان في آخر لحظات حياته يحاول أن يضله، ويجوز أن يراد بها فتنة القبر.
وفي رواية أخرى: عن عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أن عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَان َيَدْعُو فِي الصَّلَاةِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَفِتْنَةِ الْمَمَاتِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ»، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: "مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ الْمَغْرَمِ"، فَقَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ» (رواه البخاري [832]، ومسلم [589]).
«المأثم»: هو الأمر الذي يأثم به الإنسان، أو هو الإثم نفسه.
«المغرم»: الدَيْن.
وفي رواية أخرى:عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أنه يُعَلِّمُ بَنيهِ هؤلاءِ الكلماتِ،كما يُعَلِّمُ المُعَلِّمُ الغِلمانَ الكتابةَ، ويقولُ: "إن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يَتَعَوَّذُ منهن دُبُرَ الصلاةِ: «اللهم إني أعوذُ بك من الجُبنِ، وأعوذُ بك أن أُرَدَّ إلى أرذَلِ العُمُرِ، وأعوذُ بك من فِتنَةِ الدنيا، وأعوذُ بك من عذابِ القبر»" (صحيح البخاري [2822]).
الجبن هو الافتقار إلى الشجاعة التي تلزم لأداء كثير من الواجبات الشرعية؛ كالجهاد ومواجهة الولاة الظالمين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ بل أن هناك درجة من الجبن لا يستطيع عندها الراعي بواجبه نحو رعيته.
«أرذل العمر»: وهو البلوغ إلى حدٍّ في حالة الكبر والهرم، وهو ما يسمى بالخرف، يعود معه كالطفل في سخف العقل، وقلّة الفهم، وضعف القوة البدنية والعقلية، فيصبح عالة على غيره.
«فتن الدنيا»: تقع بين فتن شهوات فتغلب النفس فتقع أسيرة شهواتها حتى لو تعارضت مع شرع الله.
أما فتن الشبهات فلا تتجنب النفس الوقوع في الشبهات بحجة أن الدين يسر لا عسر رغم معرفتها برأي العلماء الثقة في مسألة معينة.
2. عنْ عَلِيٍّ بن أبي طالب رضي اللَّه عنْهُ قال: كانَ رَسُولُ اللَّهِ إذا قام إلى الصَّلاةِ... يكونُ مِنْ آخِر ما يقولُ بينَ التَّشَهُّدِ والتَّسْلِيم: «اللَّهمَّ اغفِرْ لي ما قَدَّمتُ وما أَخَّرْتُ، وما أَسْرَرْتُ ومَا أعْلَنْتُ، وما أَسْرَفْتُ، وما أَنتَ أَعْلمُ بِهِ مِنِّي، أنْتَ المُقَدِّمُ، وَأنْتَ المُؤَخِّرُ، لا إله إلاَّ أنْتَ» (رواه مسلم [771]).
«اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت»: يعني ما تقدم من ذنوبي، وما سلف منها في أول عمري، وما أخرت يعني ما تأخر منها، وما وجد منها في آخر عمري، وليس معنى هذا الذنوب المتأخرة عن هذه الدعوة، يعني إذا قلت هذا الكلام في صلاة العشاء «اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت»، هل معنى ما قدمت ما صدر قبل هذه الصلاة، وما أخرت ما يأتي بعد هذه الصلاة؟ يعني تستغفر من ذنب لم يحدث، أو تستغفر لذنوبك المتقدمة والمتأخرة يعني القديمة والجديدة؟ فحينما تقول: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، اغفر لي يعني ذنب وقع يحتاج إلى دعاء مغفرة، فالذنوب المتقدمة والمتأخرة كلها واقعة.
ومنهم من يقول: إن المراد بالذنوب المتقدمة ما حصل وتقدم على هذه الصلاة، والذنوب المتأخرة ما يأتي بعد هذه الصلاة، يعني إن حصل مني ذنب فاغفره لي {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح من الآية:2]، فالمتقدم: "أحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية والآتية"، فمن هذا يعني يكفر الذنوب التي حصلت بالفعل، وما لم يحصل من الذنوب إن حصل، يكون بهذا الشرط، وهذا له وجه.
«وما أسررت، وما أعلنت، وما أسرفت»: وما أسررت يعني ما عملته خفية، وما أعلنت يعني ما أظهرته وعملته علناً، وما أسرفت يعني ما زدت فيه على القدر المطلوب شرعاً.
«وما أنت أعلم به مني»: لأن الإنسان قد يعمل السيئة والخطيئة ويعرف أنه عملها، فيستغفر منها، وقد يقع في معاصي لا يشعر بها، ولا يعلمها، وقد يظنها حسنات، فهذا مما الله -جل وعلا- أعلم به من العبد «وما أنت أعلم به مني»، قد يشرك الإنسان شركاً يعرفه، وشرك يخفى عليه، وكفارة ذلك أن يقول: « » (صحيح الجامع [3731]).
3- عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي"، قَالَ: «قُلْ، اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» (رواه البخاري [834]، ومسلم [2705]، وأحمد [1/26]، والترمذي [3531]، والنسائي [1301]).
الاعتراف بالذنب من شيم الصالحين لأنه بداية الطريق للإصلاح، أما إدراك المرء أنه عندما يذنب سواء بتقصيره في حق الخالق أو المخلوق إنما هو يظلم نفسه أولاً بتعريضها للعقوبة يدل على فهم عميق للأمور.
والباب الأوحد الذي يجب الطرق عليه هو باب الغفور الرحيم الذي يعلم الذنب ثم يعفو عنه ويستر الذنب بل يمده بمزيد من الإحسان.
4. عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ، وَقَالَ: «يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، فَقَالَ: أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ» (رواه أبو داود وصححه الألباني). وفي رواية أخرى: «فَلَا تَدَعْ أَنْ تَقُولَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ: رَبِّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِك» (رواه النسائي وصححه الألباني).
«اللهم أعني»: فالمرء لا يوفق فى عمل أى خير بدون معونة الله سبحانه، وليس أفضل من عمل طاعة يحصل بها ثوابًا يدخله الجنة.
«على ذكرك»: والذكر يكون بالقلب مع اللسان فماذا يجدى عمل اللسان والقلب غافل؟ ذكر الله بالقلب يجعل المؤمن ذاكراً خالقه فى كل وقت وكل حين، فى ركوعه، فى سجوده، فى تعامله مع الناس، فهو لا يفارقه لحظة.
«وشكرك»: وشكر الله على نعمه الكثيرة والتى لا تعد ولا تحصى، إنما يكون باللسان وبالجوراح فهو لا يستخدم هذه النعم إلا فيما يرضى الله سبحانه وتعالى ويربأ بنفسه أن يستخدمها فيما يغضبه كي يكون بحق عبدًا شكورًا.
«وحسن عبادتك»: والإحسان هو أعلى الدرجات الإيمانية لأن المؤمن يكون على يقين بأن الله يراه ويراقبه، فيقدم افضل ما عنده فى كل عمل يقوم به، إذ أن العبادة تشمل كل ما يحبه الله من الأقوال والأفعال سواء فى علاقته بخالقه أو علاقته بجميع المخلوقات الآخرى
سهام علي
كاتبة مصرية، تخرجت في كلية الإعلام، وعضوة في هيئة تحرير موقع طريق الإسلام.
- التصنيف:
- المصدر: