التنصير.. دعوة متهافتة ووسائل ساقطة

منذ 2010-07-12

أدركت المؤسسات التنصيرية ومعها المنصرون منذ زمن الحروب الصليبية أن العقيدة النصرانية لم تكن لتلقى قبولا في أوساط الشعوب الإسلامية التي كان إيمانها بالإسلام مانعا من أن تسلم بدعاوى لاهوتية هي أبعد ما تكون عن العقل والمنطق..


أدركت المؤسسات التنصيرية ومعها المنصرون منذ زمن الحروب الصليبية أن العقيدة النصرانية لم تكن لتلقى قبولا في أوساط الشعوب الإسلامية التي كان إيمانها بالإسلام المتفق في قواعده بشكل كامل مع الفطرة الإنسانية السوية مانعا من أن تسلم بدعاوى لاهوتية هي أبعد ما تكون عن العقل والمنطق إذ حوت في طياتها تناقضات جلية ليس من السهل قبولها وهو ما كان دافعا قويا لهذه المؤسسات إلى أن تسلك العديد من السبل والوسائل التي تستطيع عبرها أن تحدث خللا في تلك الفطرة مما يسهل بعدها عملية الاختراق والقدرة على الإيقاع بالفريسة التي باعت نفسها للهوى وللشيطان.

وتتعدد هذه الوسائل المستخدمة من قبل المؤسسات التنصيرية بتعدد المشكلات الثقافية والاجتماعية والسياسية التي تعانيها الشعوب الإسلامية التي وعلى مدار عقود طويلة خضعت لمحاولات دؤبة من قبل القوى الغربية لإبقاءها رهينة للتخلف على مختلف المستويات.


الإغراء بالمال

كانت وستظل ربما لفترة طويلة الحاجة المادية للكثير من المسلمين هي الثغرة الرئيسية والأهم التي يحاول المنصرون أن يستغلوها ويستخدموها لإحداث الاختراق العقائدي إذ هم يعون جيدا أن الجوع والحاجة يمكن أن يدفعا الإنسان إلى أن يفعل أي شئ من أجل البقاء والشعور بملذة الحياة خاصة وأن حالة الفقر هذه غالبا ما تكون مصحوبة بجهل وتخلف علمي تغيب خلاله الكثير من الملامح الرئيسية للعقيدة والتعاليم الإسلامية.

ومن هنا فقد حرصت هذه المؤسسات على أن تركز أنشطتها في دائرة تقديم الدعم المالي والعيني المباشر للمحتاجين من أبناء المسلمين الأمر الذي يعد مقدمة خطيرة لفتح القلوب المغلقة حتى تتقبل كل ما يمكن أن يقذفه فيها هؤلاء المنصرين الذين أوهموهم أنهم ما جاءوا إلا لانتشالهم من فقرهم باسم "يسوع" دون أي مقابل.

وركز المنصرون في تحركاتهم داخل البلدان الإسلامية على المناطق التي تعاني من حالة إهمال وتهميش في عمليات التنمية فينتشرون مثلا في الجنوب السوداني وفي بلاد النوبة بجنوب مصر وبين بدو سيناء المصرية وفي بعض المناطق الجبلية بالجزائر والأحياء الفقيرة في المدن المغربية فضلا عن المناطق النائية بالبلدان الإسلامية الإفريقية وهكذا.

ومن أمثلة هذه المؤسسات التنصيرية التي تركز على هذا الدور جمعية أرض الكتاب المقدس التي تنشط في الريف المصري وتقوم ببناء البيوت ودفع اشتراكات الهواتف ومصاريف المدارس وكذلك الجمعية الإنجيلية للخدمات الإنسانية والتي تقوم بإنشاء مشروعات صغيرة لفقراء المسلمين عن طريق القروض الميسرة وتنشط في القاهرة الكبرى بوجه خاص لاسيما المناطق العشوائية مثل منطقة الكيلو أربعة ونصف ومنشية ناصر وعزبة الهجانة والدويقة والبساتين ومصر القديمة والمقطم وجزيرة الدهب بين المعادي ومنطقة البحر الأعظم وجزيرة الوراق.

ولعل من أشهر حالات التنصير عبر المال التي وقعت مؤخرا هي حالتي الزوجين محمد حجازي وزوجته زينب واللذان تزوجا على غير رغبة من أهلهما وقد كان ما زالا طالبين في الجامعة فكانت النتيجة أن عانيا معاناة مادية شديدة قادتهما في نهاية المطاف إلى التعرف على مجموعة من نشطاء التنصير الذين استطاعوا أن يقدموا لهما المساعدات المالية وإغواءهما بالدخول في النصرانية وهو ما كان.


إثارة الشبهات

انطلاقا من قناعة المنصرين بأن العقيدة النصرانية على ما هي عليه غير قادرة على استقطاب الناس للإقبال عليها ركز هؤلاء على أن تكون الخطوة الأولى في دعوتهم هي إثارة الشبهات حول الإسلام وتعاليمه فلم يترددوا للحظة واحدة في أن ينقبوا في الكتب الإسلامية ضعيفها وصحيحها للبحث عن الثغرات التي يمكنهم من خلالها أن يوقعوا العقل المسلم في حيرة شديدة معتمدين في ذلك أيضا على تدني حالة الوعي بحقيقة الإسلام وصحيحه في ظل تغييب المعرفة الدينية من المناهج التعليمية وتجاهل الإعلام لتعريف الناس بدينهم والتركيز على توافه الأمور وسفاسفها.

كما استند هؤلاء إلى الحالة السياسية التي تسيطر على أغلب البلدان العربية والإسلامية التي ينشطون فيها والتي لا تشجع المؤسسات التعليمية الدينية على القيام بدورها المنوط بها في إعداد الدعاة والمشايخ لمواجهة أخطار هذه الشبهات ما تكون نتيجته النهائية تخريج دعاة غير قادرين على الرد على هذه الشبهات في حال لجوء أحد المسلمين المتعرضين للتنصير إليهم في محاولة للرد على تساؤلاته.

ولم يترك المنصرون أي وسيلة يمكن أن يثيروا عبرها هذه الشبهات إلا واستغلوها بدءا من المطبوعات والمنشورات ومرورا بالإذاعات ومواقع الإنترنت وانتهاء بالفضائيات التنصيرية.

فعلى مستوى المطبوعات يعد معرض القاهرة الدولي للكتاب مثلا فرصة سانحة يمكن عبرها أن توزع هذه المؤسسات الملايين من كتب العقيدة النصرانية بالمجان بالإضافة إلى إصدار الكتب التنصيرية مجهولة المصدر (المؤلف والناشر) على نمط كتاب " مستعدون للمجاوبة" الذي رد عليه الدكتور محمد عمارة مؤخرا في كتابه " تقرير علمي".

وهكذا الأمر بالنسبة للإذاعات إذ ما زال الكثير من القطاعات المسلمة يتذكر ذلك الدور الذي كانت تلعبه إذاعة "مونت كارلو" حيث كانت توجه العديد من البرامج التنصيرية إلى الشعوب العربية والإسلامية التي كان يحرص مقدموها على التواصل مع المستمعين عبر البريد أو الاتصال هاتفيا بل وكانوا يدعون المستمعين إلى إرسال طلبات خاصة بالحصول على الكتب التنصيرية بالمجان وهي الوسيلة التي استطاع بها الكثيرون أن يحصلوا على هذه الكتب.

أما الفضائيات التنصيرية فقد اعتبرها التنصيريون وسيلة الاختراق الكبرى التي بها استطاعوا أن يدخلوا كل بيوت المسلمين دون عوائق أو استئذان فبثوا عبرها سمومهم دون تأني أو تمهل في محاولة لتشويش عقيدة المسلمين الذين وبكل أسف يتكاسل بعضهم عن البحث عن ردود حول حملات التشويش ما يوقع في قلوبهم بعض الأثر.

ويجسد ذلك المنهج بقوة ما يقوم به برنامج "أسئلة عن الإيمان" على قناة الحياة الفضائية الذي يستضيف وبشكل دائم القمص زكريا بطرس الذي يحرص على أن يبرز من ادعى أنهم تنصروا من المسلمين فضلا عن بث الكثير من الشبه والأكاذيب على دين الإسلام.


الشرائح المهمشة

لا تترك المؤسسات التنصيرية فرصة إلا وسعت إلى حسن استغلالها من أجل تحقيق أهدافها ومن أبرز تلك الفرص هو اللعب على ورقة الشرائح المهمشة في المجتمع الإسلامي والتي ربما لا تحظى باهتمام من المؤسسات والجمعيات الإسلامية التي تزدحم أجندتها بالكثير من الأعمال في ظل تعدد المشكلات التي تعانيها هذه المجتمعات.

ويأتي على رأس هذه الشرائح أطفال الشوارع الذين تتزايد أعدادهم في البلدان العربية والإسلامية نتيجة للظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة حتى وصلوا إلى مئات ألالآف في بعض هذه البلدان فتقوم هذه المؤسسات باحتضانهم ورعايتهم وتسفير الكثير منهم خارج بلدانهم الأصلية إلى بعض البلدان الغربية وقد تم تعميدهم.

وتعد جمعية الكورسات بالإسكندرية إحدى هذه المؤسسات التي تقوم على رعاية أطفال الشوارع حيث توفر لهم ثلاث وجبات يومية ومدرسة لمحو الأمية وورش لتعلم الحرف وفي ذات الوقت فإنه يتم دعوتهم لأداء الصلوات مع القساوسة وتقديم الشكر ليسوع.

ومن بين هذه الشرائح أيضا مراكز الإيداع الخاصة (السجون وملاجئ الأطفال ودور المسنين) حيث تقوم الجمعيات التنصيرية بزيارة هؤلاء وتقديم كل ما يستطيعون من رعاية باسم "يسوع" ما يكون له أثر شديد في نفوس هذه الشرائح.

أيضا يندرج تحت هذه القائمة المصابين بأمراض تستدعي العزل والذين يعانون من انعدام الرعاية الصحية الملائمة فضلا عن تجاهل ذويهم فلا يزورهم خشية انتقال الأمراض إليهم وهو ما يجعلهم أرضا خصبة لنشر التنصير.

ومن ذلك ما تناقلته بعض وسائل الإعلام عن الظروف الصعبة التي يعيشها المرضى داخل مستشفى الجذام بمنطقة أبو زعبل المصرية وهو ما استغلته شبكات التنصير حيث أغرت عددا من المرضى المسلمين بمنحهم نفقات تحويل العشش التي يسكنون فيها لبيوت من الطوب الأحمر ومجهزة بحمامات وموصل إليها المياه وهو ما أدى إلى تنصر العديد منهم تحت وطأة الفقر الشديد ومن لم يتنصر منهم وضع أسماء مسيحية على منزله.


الإغواء بالحب

لا يتورع بكل أسف بعض المنصرين وأمام فشل محاولاتهم في التنصير عن اللجوء إلى وسائل قذرة للإيقاع بضحاياهم حيث يستخدم بعضهم إغواء شباب وفتيات المسلمين بالحب تارة وبالجنس تارة وبالزواج تارة ثالثة مستغلين في ذلك عاملين أساسين:

الأول: هو تلك المعاناة المادية التي تمنعهم من الزواج والارتباط وتكوين أسر مستقرة.

الثاني: حالة الانحلال القيمي والأخلاقي التي سادت المجتمعات العربية والإسلامية نتيجة عمليات الإفساد المتعمد من قبل الغرب.

ويكشف لنا عن هذه الوسيلة العديد من الحالات (شباب وفتيات) والتي تم تنصيرها ثم هداها الله لتعود من جديد إلى حظيرة الإسلام حيث أكدت هذه الحالات أن السبب الرئيس لاعتناقهم للنصرانية هو إغواء الحب والجنس والزواج الذي تعرضوا له من قبل المنصرين.

ومن بين تلك الحالات مثلا حالة فتاة مسلمة تدعى "زينب" والتي تنصرت خلال دراستها في جامعة حلوان - جنوب القاهرة- حيث التف حولها داخل الجامعة خلية تنصيرية أرثوذكسية مكونة من شاب مسيحي وفتاتين متنصرتين سراً ولانها لم تكن جميلة فقد عمل الشاب النصراني على إيهامها بأنه يرغب في الزواج بها وهو ما كانت بداية الطريق لتنصيرها فيما بعد حتى اهتدت وعادت إلى ربها ودينها.
 


السفر والهجرة

أضحت الهجرة إلى الغرب حلم أغلب الشباب العربي والمسلم الذي تهفو نفسه إلى الخروج من المعاناة السياسية والاقتصادية التي أجهضت كل أحلامه في وطنه وهو ما تدركه جيدا المؤسسات التنصيرية فلعبت عليه باعتباره وسيلة مهمة في استقطاب هذا الشباب الذي لا يفكر بعضه إلا في الخروج ولو كان ذلك على حساب دينه وعقيدته.

ولعل تتبع العديد من الحالات التي تم تنصيرها ليلحظ أن أول خطوة اتخذتها هي الهجرة خارج بلدانها حتى إذا ما استقرت أوضاعها انقطعت صلتها تماما بالتنصير وأنشطته بالهدف الأساسي هو الهجرة وتحقيق حلم الغنى.

 

المصدر: أسامة الهتيمي - رسالة الإسلام