الاحتباس الحراري يحرق الدب الروسي
منذ 2010-08-29
"روسيا من الفضاء أشبه ما تكون هذه الأيام بشجرة... مضاءة بآلاف المصابيح، لا يكاد بعضها ينطفئ حتى تشتعل أخرى في أماكن جديدة..."، هكذا بدى الدب الروسي في الصورة، التي نشرتها وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)...
"روسيا من الفضاء أشبه ما تكون هذه الأيام بشجرة... مضاءة بآلاف المصابيح، لا يكاد بعضها ينطفئ حتى تشتعل أخرى في أماكن جديدة..."، هكذا بدى الدب الروسي في الصورة، التي نشرتها وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، حيث رصد قمران اصطناعيان من الفضاء الخارجي مئات "النقاط المضيئة" المتفاوتة الحجم والقوة، في الأراضي الروسية.
فقد سجل القمران الاصطناعيان "تيرّا" و"أكوا" التابعان لوكالة الفضاء الأمريكية" ناسا" أكثر من 600 نقطة ملتهبة على الأراضي الروسية أغلبها عبارة عن بؤر حرائق غابات طبيعية، وعرضت شركة "سكانيكس" الروسية بيانات الأقمار الاصطناعية عن الحرائق على موقع الكتروني أنشأته خصيصا لهذه الغاية.
وتفيد بيانات القمرين أن ثمة 636 بقعة ملتهبة، هي عبارة عن بؤر حرائق تنبعث منها الحرارة بشدة في نطاق الأشعة تحت الحمراء.
وصرح الرئيس الروسي، ديمتري مدفيديف، بعد تلقيه تقرير وزير الدفاع اناتولي سيرديوكوف في شأن الجهود التي يبذلها العسكريون لإطفاء حرائق الغابات الروسية، "إنها كارثة طبيعية حقيقية لا تحصل إلا مرة كل ثلاثين أو أربعين عامًا".
وأكد خبراء الأحوال الجوية الروس أن تاريخ روسيا لم يشهد منذ ألف سنة موجة حرّ كالتي تجتاحها حاليًا، وقال مسؤولو المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن درجة الحرارة في موسكو بلغت 40 درجة مئوية في بداية شهر أغسطس الحالي، كاسرةً رقمًا قياسيًا لـ 130 سنة.
الوفيات بالآلاف:
وبعد أسابيع من الحر الشديد والدخان الخانق الناجم عن حرائق الغابات الروسية والذي يغطي سماء موسكو، لقي ما لا يقل من 7000 شخص حتفهم في العاصمة وحدها، بينما وصل عدد الوفيات الناجمة عن الحرائق في وسط روسيا إلى 52.
وقال جيف ماسترز، إحدى مؤسسي "Weather Underground" "إن سكان روسيا المتضررين من شدة الحر ضعفي عدد سكان موسكو، وعدد القتلى في روسيا من موجة الحر لعام 2010 لا يقل عن 15000، و العدد قد يرتفع أكثر من ذلك بكثير".
وأعلن رئيس هيئة الصحة الروسية أندريه سلتسوفسكي ارتفاع عدد الوفيات في موسكو بسبب ارتفاع درجات الحرارة والدخان السام الذي تسببت فيه الحرائق الأسوأ منذ ألف عام، وقال: "يموت عادةً في موسكو بين 360 و380 شخصًا يوميًا"، موضحًا أنه "في الأيام العادية، بلغت الوفيات اليومية نحو 360 إلى 380 شخصًا، والآن ارتفع عدد الوفيات إلى نحو 700 شخص يوميًا، وتضاعف معدل الوفيات"، مشيرًا إلى أنه من بين 1500 مكان في مشارح موسكو، تم شغل 1300 مكان.
حالة طوارئ:
وفي وصفها للكارثة، قالت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية إن دخان حرائق الغابات جعل العاصمة الروسية غير صالحة للحياة في صيف 2010 ما ينذر بطرح مسألة نقل العاصمة الروسية إلى مكان آخر بقوة.
وأعلن الرئيس الروسي حالة الطوارىء في سبع مناطق اجتاحتها حرائق الغابات وحظر على المواطنين دخول مناطق معينة، تتضمن المناطق التي تقع كلها في الجزء الأوسط من روسيا موسكو وفلاديمير ونيجني نوفجورود وماريي ايل وموردوفيا وفورونيج وريازان.
ودعا مدفيديف الجيش للمشاركة في مكافحة حرائق الغابات، وقالت ناتاليا تيماكوفا الناطقة باسم مدفيديف إن الرئيس أصدر أوامره لوزارة الدفاع باستخدام كل الموارد اللازمة في المساعدة على مكافحة الحرائق، فيما أشارت الوزارة إلى أن نحو ألفي جندي وضعوا في حال تأهب للمشاركة في مكافحة الحرائق.
واتخذ مدفيديف قرارات غير مسبوقة بإقالة جنرالات كبار ووجه، خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي، إنذارات إلى قيادة الجيش وإلى وزير الدفاع شخصيًا بأن "الكل سوف يحاسب على الإهمال والتقصير في مواجهة الموقف".
وجاءت تهديدات مدفيديف عقب حريق قاعدة عسكرية قرب موسكو تابعة لسلاح البحرية، أتى عليها بالكامل وأسفر، بحسب تسريبات أكدها عسكريون ونفت صحتها وزارة الدفاع، عن تدمير 200 طائرة ومروحية وتقويض القاعدة كليًا، وعقب الرئيس الروسي "القيادة كانت غائبة عندما كانت النيران تتقدم نحو القاعدة، وتبين أن الجيش الذي نطلب عونه لإنقاذ الآخرين ليس قادرًا على إنقاذ نفسه".
وحشدت روسيا ربع مليون رجل و25 ألف آلية و226 طائرة ومروحية لإطفاء حرائق الغابات التي أتت على قرى بكاملها.
تشرنوبيل تدق ناقوس الخطر:
وعلى صعيدٍ آخر، أعلنت وزارة الطوارئ أنها أنقذت مركزًا نوويًا حساسًا في اوليانوفسك من امتداد ألسنة اللهب إليه، وأكد مدير الهيئة الروسية للطاقة الذرية سيرجي كيرينكو أن محتويات المركز بـ "أمان كامل".
وصرّحت الناطقة باسم وزارة الأوضاع الطارئة الروسيّة بأنّ الحرائق أصبحت على بعد ستين كيلومترًا من موقع مفاعل تشرنوبيل النووي المتضرّر (شمال أوكرانيا) لكنّ الوضع "لا ينطوي على أيّ خطر".
وقال الجهاز الفدرالي للدفاع عن الغابات إن معطيات مراقبة النشاط الإشعاعي على أراضي المناطق الروسية التي تضم أراضي ملوثة بعناصر إشعاعية منذ منتصف يوليو تفيد بأن حرائق سجلت على مساحة 3900 هكتار في هذه الأراضي، مشيرًا إلى أن هذه المنطقة ملوثة بالإشعاعات النووية جراء كارثة تشرنوبيل التي وقعت العام 1986.
وقالت وزارة الأوضاع الطارئة إنها تمكنت من "حصر" الحريق الذي يهدد محيط المركز النووي في منطقة ساروف في نيجني نوفجورود، الذي اضطرت السلطات لإخلائه من مواد انشطارية ومتفجرة.
وعمد الروس إلى إخلاء مخازن الذخيرة في منطقة موسكو حيث تهددها الحرائق، واتخذ قائد المنطقة العسكري قرارًا بنقل مخازن ذخائر المدفعية والصواريخ إلى مكان آمن.
ومن جهته، نوه الرئيس الروسي بأن الوضع السائد حاليًا في البلاد يدعو إلى تشديد الأمن للمواقع الإستراتيجية، وحمايتها بشكل خاص، وكلف المسؤولين عن هذه المواقع الإستراتيجية، وكذلك مراكز الطاقة والدفاع، بإعداد تقارير عن الوضع الراهن.
وأعلنت السلطات الروسية فرض حال الطوارىء حول مركز إعادة معالجة وتخزين النفايات النووية في ماياك في منطقة الاورال، حيث المجمع النووي، الذي يقع على بعد ألفي كلم شرق موسكو.
وتمكن حوالي ألف جندي فضلًا عن ثلاثين وحدة تقنية خاصة من بينها مروحيتان من إخماد حريق اندلع بالقرب من وحدة "ألابينسكي" العسكرية في منطقة ناروفومينسك الواقعة في مقاطعة موسكو.
الحرائق تشعل التنافس بين ميدفيديف وبوتين:
هذا، وساهمت سخونة الحرائق الروسية في إشعال التنافس السياسي على رأس هرم السلطة مبكرًا، حيث قام رئيس الوزراء فلاديمير بوتين بنفسه بتولي محاولة إطفاء حرائق الغابات جنوب موسكو، وأعلن أن حكومته مستعدة لتخصيص أكثر من 5 مليارات روبل (166 مليون دولار) للأقاليم المتضررة من الحرائق إذا استدعت الحاجة، وقال: "لقد اتخذت الحكومة قرارًا بتخصيص أموال لإعادة إعمار المنازل المحترقة ودفع تعويضات للمتضررين، ويجري الحديث في هذا السياق عن 5 مليارات روبل سيتم توزيعها بين 14 إقليمًا روسيًا، وهذا الرقم تقريبي، ونحن مستعدون لزيادته إذا استدعت الحاجة"، وشدد على ضرورة الإسراع ببناء مساكن جديدة للمواطنين الذين احترقت بيوتهم خلال مدة لا تتجاوز الأول من نوفمبر القادم.
وفي المقابل، قال الرئيس مدفيديف إن الدولة لن تترك المزارعين يواجهون مصيرهم لوحدهم جراء موجة الجفاف غير المسبوقة والظروف الصعبة التي يمرون بها في الوقت الراهن، وأشار إلى أن روسيا بكاملها تتعرض لامتحان صعب، وعرض على أوساط "البزنس" الروسية النظر في إمكانية المشاركة في إعادة إعمار القرى والبلدات التي تضررت جراء الحرائق الطبيعية في الغابات هذا الصيف، وقال إنه يقصد بالدرجة الأولى قيام رجال الأعمال ببناء منشآت صحية وثقافية ورياضية مجهزة بالمعدات الحديثة ولو كانت صغيرة الحجم، لتصبح رمزًا لانتعاش الحياة فيها من جديد.
وفي السياق، أشار مراقبون في مراكز دراسات الرأي العام والتقنيات السياسية إلى أن الموقف الصعب ربما يفتح على "حملة انتخابية مبكرة" دخل فيها بقوة الرئيس ذاته ورئيس الوزراء، خاصةً بعد حضور بوتين الميداني في أكثر المواقع سخونة، وجولاته على الأقاليم ولقاءاته مع حكامها وتوزيع الأوامر عليهم بصرف النظر عن أنهم يخضعون نظريًا للرئيس مباشرة، ورأى البعض أن الحرائق وموجة الحر القاتلة شكلت بوابة أخرى لتأكيد زعامة بوتين للأمة وقدرته على إدارة الأزمات في أحلك الأوقات.
وجمع مراقبون في سلة واحدة جملة تحركات بدأها رئيس الوزراء مع تفجر قضية الجواسيس الروس في الولايات المتحدة قبل أسابيع، فهو استقبلهم بعد عودتهم وغنى معهم نشيدًا وطنيًا روسيًا وتوعد بعده بإنزال "العقاب الحتمي بالخونة".
غير أن البعض أشار إلى أن الأدوات التي وظفها بوتين لإصلاح روسيا كانت المركزية بلا شفقة، والحكم من خلال إملاءات الكريملين، ولأنها كانت مضمونة، فإنها منعت انهيار روسيا، وحالت دون فوضى حقبة يلتسين، لكنهم شددوا على أن نظامًا أشبه بنظام القياصرة ليس الآلية المناسبة لإدارة بلد بحجم روسيا، وأن الحرائق أظهرت الأخطاء التي تعانيها البلاد، وأنه حين تكون السلطة المحلية بين أيدي بيروقراطيين لا يتسمون بالكفاءة وفاسدين، فإنه يسمح لتدابير السلامة البسيطة مثل قانون غابات فعال، أو خدمات طوارئ مناسبة، بأن تضيع هباء، وأنه حين يتم تخصيص الموارد من موسكو، فإنها تأخذ وقتًا طويلًا للغاية لتصل إلى وجهتها.
وأكدوا أن ما هو ضروري لإكمال الإصلاحات في روسيا هو مزيد من ثقافة التعددية، وأنه يجب التدقيق على التنفيذيين بشكل مناسب من جانب البرلمان ووسائل الإعلام، وأشاروا إلى أن بوتين عمل على إضعاف أوتار الدولة الحديثة بشكل منهجي، وشددوا على أن تحديث الدولة يجب أن يشمل ذلك كل شيء -البنية التحتية، والثقافة السياسية، والإدارة - وليس تحديث أجزاء من الاقتصاد فقط.
اقتصاد روسيا:
وعلى الصعيد الاقتصادي، أشارت التقارير إلى أن شرر أزمة الحر والحرائق ينذر باحتراق معدلات النمو الاقتصادي في ثامن أكبر اقتصاد في العالم، وأن هذه الازمة تأتي في الوقت الذي لم تتعاف فيه روسيا من ضربات الأزمة المالية الاقتصادية العالمية التي تركت أثرًا سيئًا على الاقتصاد الروسي.
وكشفت التقديرات في موسكو أن هذه الموجة من الحر والحرائق قد تؤدي إلى تراجع نمو الناتج القومي للدولة على نحو ينذر بتعذر تعافي روسيا من تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية جراء هبوط الأسعار في أسواق الأسهم والسندات وتراجع سعر صرف العملة المحلية وتوقف المصانع عن العمل وتقلص إنتاجية العمال وتراجع الطلب المحلي على السلع والخدمات.
ووصلت خسائر الحريق والجفاف في روسيا إلى 15 مليار دولار، ومن المرجح أن يقلل من الناتج المحلي الإجمالي لروسيا بنسبة 1%.
ووفقًا لبيانات وزارة التنمية الإقليمية تضرر بحلول الأول من أغسطس 1875 منزلًا، أغلبها في مقاطعات نيجني نوفجورود.
القمح والأثار الاقتصادية العالمية:
وبالنسبة لمحاصيل القمح، فقد هبطت بنسبة الخمس تقريبًا، وأعلن بوتين منع تصدير القمح الروسي، ما أدى إلى رفع أسعار القمح إلى معدلات قياسية لم يشهدها السوق منذ 23 شهرًا.
وقالت مؤسسة "ستراتفور" للاستشارات الأمنية "ترتبط إمدادات الحبوب الكافية منذ فترة طويلة بالاستقرار الاجتماعي في روسيا"، ورأت "ستراتفور" أن روسيا قد تستغل الأزمة لتأسيس منظمة إقليمية لمنتجي الحبوب تضم الدول المنتجة القريبة منها مثل روسيا البيضاء وقازاخستان وأوكرانيا.
وارتفعت أسعار القمح حوالي 70 بالمئة منذ يونيو لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ 2008 حينما أشعل الصعود الكبير السابق لأسعار الغذاء شرارة احتجاجات وأعمال شغب في عدة اقتصادات ناشئة، ويمكن أن يمتد ارتفاع الأسعار -خصوصًا في الأسواق الناشئة حيث تشكل المواد الغذائية نسبة كبيرة من مشتريات الأسر- إلى معدلات التضخم ويؤدي إلى زيادة أسعار الفائدة واتساع العجز.
وتعتبر دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا -خاصة مصر- معرضة بشدة للتأثر بذلك كما هو الحال في بعض الدول الصاعدة ودول جنوب أوروبا حيث تشعر الشعوب بالاستياء بالفعل بسبب تخفيضات كبيرة في الانفاق العام والاعانات الحكومية والأجور، وقالت ميتسا رحيمي المحللة في شركة "جانوزيان" للاستشارات الأمنية "واردات الحبوب لها حساسية خاصة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث يعتبر الخبز عنصرًا أساسيًا في النظام الغذائي... منطقة شرق أوروبا أيضًا بها مخاطر واضحة".
ويقول محللون إن ذلك قد يؤدي سريعًا إلى مظاهرات حاشدة خصوصًا في الدول السلطوية الفقيرة نسبيًا حيث يعتبر الحفاظ على إمدادات الغذاء أساس شرعية الحكومة.
ويحذر محللون من احتمال تزايد خطر اندلاع أعمال العنف في الشوارع إذا ظلت الأسعار مرتفعة، وقال جوناثان وود محلل الشؤون العالمية بمؤسسة "كنترول ريسكس ""يمكن أن نشهد بعض أعمال الشغب في الشوارع لكنني لا أتوقع سقوط أي حكومات".
وعلى صعيدٍ آخر، نشرت صحيفة "الإندبندنت" تحقيقًا عن إتاحة الفرصة أمام القمح الأمريكي ليتحول إلى الذهب الجديد، في ظل الحرائق التى ضربت روسيا وأثارت مخاوف بشأن محصول القمح، حيث تعد موسكو من أكبر المصدرين له، وتقول الصحيفة: "إن المزارعين في الولايات المتحدة وجدوا أن هذا أمر مفيد بالنسبة لهم، حيث يزرعون كميات كبيرة من القمح الجيد، وفي الوقت نفسه فإن الأسعار في ارتفاع بسبب الكوارث الطبيعية مما وضعهم في عصر الذهب الجديد وهو القمح"، ونقلت الصحيفة عن عضو اللجنة الإدارية للقمح في "كولورادو" قوله: "إن الأمر أشبه بحلول الكريسماس فى شهر أغسطس"، حيث أشار إلى أن الحصاد قد اكتمل في ولايته وهو وفير في معظمه بشك لم يتحقق منذ 25 عامًا، والأهم من ذك أن قيمة الدولار بالنسبة للمحصول تؤكد تقريبًا أن سيحقق رقمًا قياسيًا.
الاحتباس الحراري وأصابع الاتهام:
لقد عرفت الأرض العديد من التغيرات المناخية أرجعها العلماء إلى الكوارث الطبيعية التي تعرضت لها إلا أن الزيادة الكبيرة في درجة الحرارة وخصوصًا خلال الـ20 سنة الأخيرة لم يستطع العلماء إخضاعها لأسباب طبيعية حيث كان للنشاط البشري أثر كبير في تفسير هذه الظاهرة التي تعرف بـ"الاحتباس الحراري".
والاحتباس الحراري هو تسخين الأرض والمحيط والهواء عن طريق حبس جزء من حرارة الشمس بواسطة بعض غازات الغلاف الجوي الدفيئة التي تزداد نتيجة النشاط البشري لدرجة أصبح مقدارها يفوق ما يحتاجه الغلاف الجوي للحفاظ على درجة حرارة سطح الأرض ثابتة وعند مقدار معين فوجود كميات إضافية من الغازات الدفيئة وتراكم وجودها في الغلاف الجوي يؤدي إلى الاحتفاظ بكمية أكبر من الطاقة الحرارية في الغلاف الجوي وبالتالي تبدأ درجة حرارة سطح الأرض بالارتفاع.
وكان تقرير أعده مركز دراسات أمريكي، مؤخرًا، أفاد بأن درجة حرارة الأرض هي الأعلى منذ عام 1880 وذلك بسبب تغيرات مناخية مفاجئة حملت أمطارًا غزيرة وفيضانات في دول وسط آسيا قل نظيرها في فصول الشتاء الممطرة مقابل ارتفاع غريب واستثنائي في درجات الحرارة في بعض دول الجليد مثل روسيا التي حجبت سحب دخان حرائق الغابات فيها سماء العاصمة موسكو.
وقال تومي كارل مدير مركز الدراسات الجوية والمحيطات إن هذا الصيف سجل تغيرات مناخية استثنائية لم تحدث منذ نحو خمسين عامًا حيث حصلت في مناطق من روسيا ووسط آسيا تغيرات مناخية هذا الصيف سببها تغير في النظام المناخي على سطح الأرض.
ويحذر العديد من الخبراء من أن ارتفاع درجات حرارة الكوكب بمقدار 5ر1 درجة مئوية عن مستويات عام 1990 سيجعل نحو ثلث الأنواع الحيوانية والنباتية معرضة لخطر الإنقراض وسيكون أكثر من مليار شخص عرضة بشكل أكثر لنقص المياه ويرجع ذلك بالأساس إلى ذوبان الثلوج الجبلية والمساحات الجليدية التي تعمل كخزان طبيعي للمياه العذبة.
وأفادت دراسة نشرتها مجلة "ساينس" الأمريكية بأن ظاهرة الاحتباس الحراري ستزيد من مخاطر انتشار الأوبئة بين الحيوانات والنباتات البرية والبحرية مع زيادة مخاطر انتقال هذه الأمراض إلى البشر، وأوضحت أنه مع ارتفاع درجة الحرارة يزداد نشاط ناقلات الأمراض فتصيب عددًا أكبر من البشر والحيوانات وقد وجد أن فصول الشتاء المتعاقبة والمعتدلة حراريًا فقدت دورها الطبيعي في الحد من مجموعة الجراثيم والفيروسات وناقلات المرض كذلك فقد لوحظ أن فصول الصيف في العقد الأخير من القرن الماضي زادت حرارة وطولًا ما زاد من المدة التي يمكن للأمراض أن تنتقل خلالها إلى الأجناس الحية الشديدة التأثر بالتغييرات الحرارية وخصوصًا في البحار والمحيطات.
وتنتج ظاهرة الاحتباس الحراري بسبب كثرة الغازات وعلى رأسها غاز الكربون الناتج عن احتراق البترول والفحم حيث تمتص الأرض الطاقة المنبعثة من الإشعاعات الشمسية وتعكس جزءًا من هذه الإشعاعات إلى الفضاء الخارجي وجزءًا من هذه الطاقة أو الإشعاعات يمتص من خلال بعض الغازات الموجودة في الغلاف الجوي وهذه الغازات هي الغازات الدفيئة التي تلعب دورًا حيويًا ورئيسًا في تدفئة سطح الأرض للمستوى الذي تجعل الحياة ممكنة عليه، وتقوم هذه الغازات الطبيعية على امتصاص جزء من الأشعة تحت الحمراء المنبعثة من سطح الأرض وتحتفظ بها في الغلاف الجوي لتحافظ على درجة حرارة سطح الأرض ثابتة وبمعدلها الطبيعي أي بحدود 15 درجة مئوية ولولا هذه الغازات لوصلت درجة حرارة سطح الأرض إلى 18 درجة مئوية تحت الصفر.
وحذرت وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" من أن الحرائق التي تجتاح وسط روسيا وشرقي سيبيريا وغربي كندا خلقت حلقة من تلوث الهواء تجاوزت الحدود الوطنية لتلك الدول لتشكل حلقة حول كوكب الأرض.
وأشارت "ناسا" إلى أن من أبرز الملوثات الناتجة عن الحرائق هو غاز أحادي أكسيد الكربون الذي يسبب بالكثير من الأمراض الخطرة، كما يساهم في ارتفاع كمية غاز الأوزون الأرضي الذي يسبب مشاكل في التنفس، ومع ارتفاع أحادي أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، ينتقل ليلف الكرة الأرضية.
وقد بثت "ناسا" صورًا تظهر فيها نسب أحادي اكسيد الكربون فوق مناطق محددة من الأرض، تتركز فوق العاصمة الروسية، موسكو، وفوق القطب الشمالي.
وفي الوقت الذي وجهت فيه أصابع الاتهام إلى "الاحتباس الحراري" ذهب الخبير العسكري الروسي، نيكولاي كارافاييف إلى أن سبب الارتفاع غير المسبوق لدرجة حرارة الجو هذا العام هو "مرتفع جوي هائل خيم على الجزء الأوروبي من روسيا الاتحادية، ممتصًا الهواء الساخن من وسط آسيا"، مرجعًا ذلك إلى احتمالات أن إطلاق المركبة الفضائية الأمريكية (X - 37B) الذي سبق الكارثة المناخية كان مرتبطًا بتجريب سلاح مناخي جديد فوق روسيا.
غير أن صحيفة "إزفيستيا" سارعت إلى نفي وجود علاقة بين إطلاق المركبة والتغييرات المناخية، وقالت إن إطلاق المركبة الأمريكية كان بتاريخ 23 أبريل الماضي -أي قبل وقت اندلاع الكارثة- فضلاً عن أن صاروخ "أطلس" الذي يعمل بمحرك روسي كان قد حمل هذه المركبة إلى الفضاء الكوني، وأشارت إلى أن المركبة الفضائية من هذا الطراز مصممة خصيصًا لتدمير الأقمار الصناعية الأخرى، ولا تستطيع تغيير المناخ.
وهو ما أكده ألكسي سافين، عالم الطبيعة الروسي، مستبعدًا وجود أصابع أمريكية في موجة التغييرات المناخية والحرائق التي تلتها، لأن الإنسان لا يزال غير قادر على إدارة المناخ لأسباب تعود إلى أن التقنيات التي ينتجها البشر لا تستطيع إنتاج الطاقة المماثلة للطاقة الناتجة عن ثورة البركان الصغير، كما أنها لا تستطيع تثبيت المرتفع الجوى في منطقة بعينها لمدة تقرب من الشهرين.
وفي السياق ذاته، قال ألكسندر جينزبورج القائم بأعمال مدير معهد طبعة المناخ في موسكو إن ارتفاع حرارة الأرض يبقى السبب الرئيس في اندلاع كل الكوارث المناخية، مشيرًا إلى أن ثورات البراكين أو تسرب النفط في خليج المكسيك، على سبيل المثال، لا يمكن أن تكون سببًا في اندلاع مثل هذه الكوارث.
وفي محاولة لمواجهة الكوارث المستقبلية، أطلقت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) بوابة شبكية لمعلومات الحرائق، تهدف إلى رصد بدء اندلاعها ومساعدة البلدان في السيطرة على النيران عمليًا، وحماية الممتلكات والموارد الطبيعية قبل انتشار الأضرار على نطاق واسع، وفي وسع "النظام العالمي لإدارة معلومات الحرائق" (GFIMS)، اكتشاف "البقع الساخنة" عبر التوابع الفضائية (الأقمار الاصطناعية) التي تديرها "هيئة الأجواء والفضاء الأميركية" (ناسا).
ويعرض النظام العالمي لإدارة معلومات الحرائق الذي طور أيضًا بالتعاون مع جامعة "مريلاند" الأمريكية، واجهة خرائطية شبكية عبر الإنترنت لإبراز مناطق "البقع الساخنة" فور اندلاعها، وبتأخير واقعي في حدود ساعتين ونصف الساعة، من مرور التابع الفضائي فوق المنطقة والتقاط صوره، ويؤمن كافة البيانات حول الحريق للمشاهدة عبر الشبكة الدولية، ويسمح أيضًا للمستخدمين المشاركين، بتلقي تنبيهات عبر البريد الإلكتروني، في ما يخص مناطق معينة جديرة بالاهتمام بالنسبة إليهم، لتعبئة إمكانات الاستجابة السريعة من جانبهم.
المصدر: مفكرة الإسلام
- التصنيف: