أعلام وأقزام .. يوسف شاهين (4)
عندما نتطرق لأزمة الثقافة العربية المعاصرة لا نقصد التجريح أو التشهير، بل المقصود عرضٌ لمسيرة النخبة المثقفة التي تضخمت في الإعلام العربي (مصر نموذجاً)، وأخذت حيزاً وزخماً كبيراً، فرَصدُ واقع هذه النخبة يشير إلى أن وراء الأكمة شيئاً ماكراً يدبر لهذه الأمة، سواءًا كان هذا التدبير داخلياً أو خارجياً، إلا أن المحصلة أن أكثرية هذه النخبة المثقفة لم تكن على المستوى المطلوب الذي يرضاه الدين والعقل والعرف، وأنها أقحمت المجتمع العربي في أمور منافية لعقيدتنا الصافية وأعرافنا الراقية وتقاليدنا السامية، بل وصَدَرَت لنا من غُثاء الغرب الفكري والسلوكي الكثير والكثير، في الوقت الذي كنا في أشد الحاجة لنتعرف على مقومات النهضة العالمية، والاستفادة من خبرات الشعوب المتقدمة في مسيرتها التنموية، في إطار ثوابتنا الدينية الإسلامية الغالية
عندما نتطرق لأزمة الثقافة العربية المعاصرة لا نقصد التجريح أو التشهير، بل المقصود عرضٌ لمسيرة النخبة المثقفة التي تضخمت في الإعلام العربي (مصر نموذجاً)، وأخذت حيزاً وزخماً كبيراً، فرَصدُ واقع هذه النخبة يشير إلى أن وراء الأكمة شيئاً ماكراً يدبر لهذه الأمة، سواءًا كان هذا التدبير داخلياً أو خارجياً، إلا أن المحصلة أن أكثرية هذه النخبة المثقفة لم تكن على المستوى المطلوب الذي يرضاه الدين والعقل والعرف، وأنها أقحمت المجتمع العربي في أمور منافية لعقيدتنا الصافية وأعرافنا الراقية وتقاليدنا السامية، بل وصَدَرَت لنا من غُثاء الغرب الفكري والسلوكي الكثير والكثير، في الوقت الذي كنا في أشد الحاجة لنتعرف على مقومات النهضة العالمية، والاستفادة من خبرات الشعوب المتقدمة في مسيرتها التنموية، في إطار ثوابتنا الدينية الإسلامية الغاليةز
أما أبرز التعديلات التي أدخلها المخرج على نص «يوسف وإخوته» فتتمثل في عودة رام وإخوته إلى موطنهم. وهو ما تقول بخلافه وقائع قصة يوسف عليه السلام كما وردت في القرآن الكريم.
وهكذا أصبحت القصة مستلهمة كما قال في مقدمة الفيلم من التراث الإنساني، أو كما قال في التنويه الفرنسي "كيوسف بن يعقوب في الكتب السماوية، يواجه الشاب رام ضراوة الطبيعة، وقسوة أهل قبيلته، فيسافر إلى مصر الفرعونية بحثًا عن العلم وعن النور".
وقال الناقد السينمائي (مصطفى درويش) لـ «الوسط»: "إن رسالة الفيلم تتفق ومناخ التطبيع الحالي، كما أنها تأكيد جديد لدعوة يوسف شاهين إلى الانفتاح على الآخر"، مشيراً إلى أن ذلك "يفسر اهتمام شاهين أكثر من أي وقت بضرورة أن يصل الفيلم إلى الجمهور المصري".
وأكد الناقد السينمائي الذي عمل في الستينات مديراً للرقابة على المصنفات الفنية أن ثمة "خلطاً" حدث لدى كل من شاهد الفيلم وكتب عنه، وهو أنه يروي جانباً من سيرة يوسف الصديق عليه السلام، أو هو مستوحى من هذه السيرة، وأضاف: "الشائعة التي رَوَج لها شاهين كاذبة وخبيثة في آن، فقد رجعتُ إلى التوراة واتضح لي أن (رام) بطل «المهاجر» شخصية حقيقية وموجودة، وأنه جد الملك داود، ملك اليهود. أي أنه ليس بالشخصية العادية. كما أنه لا يمت إلى يوسف الصديق بأية صلة. الأمر الذي فسّر لي جانباً مهماً من رسالة الفيلم".
وتساءل درويش: "هل سألت نفسك لماذا يتحرك رام في بلاط آلهة الفراعنة وكهنتهم بهذه الحرية؟ اعتقد بأن السبب يكمن في أنه من عائلة مالكة".
وعن الإيرادات الكبيرة التي حققها «المهاجر» بخلاف كل أفلام شاهين الأخيرة، قال درويش: "إنه الفضول"، مشيراً إلى أن الجمهور تأثر كثيراً بالدعاية الضخمة التي سبقت الفيلم، وكانت من بينها شائعات تؤكد أن الفيلم مأخوذ عن قصة سيدنا يوسف.
وأضاف: "معظم الجمهور الذي ذهب لمشاهدة الفيلم كان مدفوعاً بالرغبة في مشاهدة أحد أنبياء الله على الشاشة، وهذا لم يحدث من قبل".
وفي النهاية كان حكم القضاء في القضية التي شغلت الرأي العام في مصر والسينمائيين في الكثير من دول العالم برفض دعوة الحسبة (دعوى الأمر بالمعروف إذا ظهر تركه، والنهي عن المنكر إذا ظهر فعله) المقدمة من المحامي واستمرار عرض الفيلم، ليربح شاهين معركته كالعادة.
ويقول الأثري زاهي حواس: "إن عبقرية المخرج يوسف شاهين أفسدت فيلم «المهاجر» الذي قام ببطولته محمود حميدة وخالد النبوي وصفية العمري، وأوضح أن أسباب فشل الفيلم في رأيه أن يوسف شاهين قدم أغلب الشخصيات غير سوية جنسياً وخصوصاً أحد الكهنة والذي كان مثلياً"، ولا أدري أين العبقرية في هذا التصرف يا رواد العار ومثقفي الشنار؟
ومن إيجابيات الفيلم أن فيه نقداً واضحاً وصريحاً للحضارة المصرية الفرعونية، فهو لم ينكر عظمتها ولكنه أنكر الطريقة التي قامت بها، فهي قامت علي حساب أرواح الكثير والكثير من البشر، فما كان من الفقير إلا أنه يزداد فقراً، وما كان من الغني إلا أنه يزداد غني علي غناه، فما الذي يكسبه الفقير من تشييد الأهرامات الخالدة لآلاف السنين؟ هل ستسد جوعه؟ أيهم الأفيد أن يتعلم الناس الزراعة أم يتعلموا التحنيط؟
نعم قالها وبكل وضوح: الحضارة الفرعونية بالرغم من عظمتها إلا أنها ظلمت العديد من المصريين، فمن أجل تخليد اسم الفرعون يهلك الآلاف من المصريين في تشييد المعابد والمسلات والأهرامات، ومن أجل سيطرة الفرعون نفوذه علي الدول المجاورة يهلك المصريين في الحروب، وفي النهاية يحتفل الفرعون المفدى وحده بالنصر!
يوسف شاهين والمثلية
يستعرض أحد الكتاب المشبوهين تجارب السينما المصرية مع المثلية فيقول: أصرّت السينما المصرية عبر تاريخها على تجاهل شخصية المثلي واستبدلتها بها شخصية «الرجل المائع» الذي يلتصق بالراقصة أو يعمل في أحد بيوت الدعارة.
ومن النماذج المعروفة (شخصية كرشة) في رواية «زقاق المدق» للكاتب (نجيب محفوظ) التي جسّدها رجل مثلي «يصطاد الرجال»، عندما تحوّلت «زقاق المدق» إلى السينما، خشي كاتب المخرج حسن الإمام من ردود فعل الجمهور، فحوّر شخصية (كرشة) ليصير رجلاً «مائعاً» فقط.
في عام 1983، قدّم الممثل النصراني (فاروق فلوكس) شخصية (سكسكة) في فيلم «درب الهوى» فعلقت الشخصية في ذهن الجمهور الذي صار يُطلق اسم (سكسكة) على كل رجل يُشتبه في ميوله الجنسية الشاذة.
لكن الصدمة جاءت مع فيلم صلاح أبو سيف الشهير «حمام الملاطيلي» (1973) الذي تدور أحداثه في حمام شعبي يتردد عليه مثليين، من بينهم رسام، جسد دوره الممثل (يوسف شعبان) وكان من أجرأ الشخصيات التي قدمتها السينما المصرية ولم يتقبلها الجمهور، حتى أنّ يوسف شعبان هوجم بقسوةٍ وتدنّت شعبيته.
هذا الهجوم جعل المخرجين يحسبون ألف حساب لدى الاقتراب من شخصية المثلي، فوجدوا في كيفية معالجة المسألة المخرج المناسب. حيث انتهى فيلم «قطة على صفيح ساخن» (1977) للممثل (نور الشريف وبوسي)، من إخراج (سمير سيف)، بانتحار صديق البطل صاحب الميول الجنسية المنحرفة، هذا الحل أرضى بالطبع الجمهور.
إلا أن صورة المثلي في أفلام يوسف شاهين، بدءاً من «الناس والنيل» «إسكندرية ليه» «حدوتة مصرية» «إسكندرية كمان وكمان»، تجلّت في شخصيات إيجابية، من دون الاهتمام بتحليل سبب مثليتها!!.
ولم يتعمّق فيلما «سرقات صيفية» و «مرسيدس» لـ (يسري نصر الله)، وفيلم «شحاذون ونبلاء» لـ (أسماء البكري)، في شخصية المثلي إلى أن جاء فيلم «ذيل السمكة» لـ (وحيد حامد) ليصوّرها (رءوف مصطفى) بتعاطفٍ شديدٍ، وبتفهّم درامي لمنطق تلك الشخصية. [ثقافة وناس العدد ١٨ السبت ٢ أيلول ٢٠٠٦]
كما خرج بحث أمريكي يتناول أسلوب معالجة السينما المصرية لتلك الظاهرة حيث تناول البحث تلك الظاهرة من خلال أفلام المخرج الراحل يوسف شاهين، واعتبروه أبرز من قدم صورة المثليين بشكل إيجابي من خلال أفلام «الناس والنيل» «حدوتة مصرية» «إسكندرية كمان وكمان»، مما يمثل نقلة وشكلاً مميزًا ومختلفًا في طرح تلك القضية شديدة الحساسية بمعتقدات وتقاليد المجتمع.
وفي جريدة الواقع، كتب (محمد خليل):
"رعب داخل عالم الفن خاصة الفنانين الذين عملوا مع المخرج يوسف شاهين بعد تصريحات عمر الشريف عنه بأنه شاذ!، قال عنه أنه فنان عالمي ومخرج سينمائي معروف بأعماله المثيرة للجدل، وبرباعيته السينمائية التي تتناول سيرته الذاتية (إسكندرية ليه؟، حدوتة مصرية، إسكندرية كمان وكمان، إسكندرية نيويورك). وما كان يُقال دائماً همساً أو سرا، أو في الكواليس الخلفية لاسم يوسف شاهين وعالميته لم يجرؤ ممثل يوماً على إطلاقه على أي فنان من الذين داروا في فلك عالميّة شاهين وأمام عدسة كاميراته، إنها المرّة الأولى التي يتجرّأ فيها نجم متزّن وذو سمعةٍ عالميةٍ أيضاً على زحزحة هذا الستار الكثيف الذي ظلل اسم يوسف شاهين".
وقد قال الممثل (عمر الشريف) أن يوسف شاهين كان شاذا جنسياً، وكان يطلب منه ممارسة ذلك معه ولكنه رفض. وقال عمر الشريف في حواره مع إحدى الجرائد المصرية «الوفد»: "صداقتي بيوسف شاهين انتهت سريعاَ، وهو عرض علي كذا فيلم وأنا رفضت، ومحصلش منه حاجة، بس هو يعني كان عنده حاجات جنسية أنا ما أقدرش عليها، مش عايز أقولها".
خالد سعد النجار
كاتب وباحث مصري متميز
- التصنيف: