مع القرآن - "أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ"

منذ 2017-01-23

احبس نفسك على طاعة الله، وعن معصيته، وإلزامها لذلك، واستمر ولا تضجر

هي صلةٌ بين العبد وربه، نورٌ يصل القلب بالسماء ويحولها من منبت الطين إلى مصدر الضياء، حسناتٌ يذهب الله بها قبيح فعال العبد وعلاجُ كل همٍ وشكوى ستجده في سجدة ودعاء بقلبٍ ملهوف.
فما أقبح تركها وما أقسى قلب مُهمِلها.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» (أخرجه الإمام أحمد: 22789) وأهل السنن بإسنادٍ صحيح، وقال صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة» (أخرجه الإمام مسلم في صحيحه: 82).
وعن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أرأيتم لو أن نهرا باب أحدكم يغتسل منه كل يومٍ خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه. قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا». (رواه البخاري: 505)
وعن عثمان رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من امرئٍ مسلمٍ تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة وذلك الدهر كله». (رواه مسلم: 405 وأحمد في مسنده)
وعن ابن عمر رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إ «ن العبد إذا قام يصلى أتى بذنوبه كلها فوضعت على رأسه وعاتقيه فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه» (صححه الألباني في صحيح الجامع:1671والصحيحة:1398).

قال تعالى:
{وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [هود: 114 - 115] .
قال السعدي في تفسيره:
يأمر تعالى بإقامة الصلاة كاملة {طَرَفَيِ النَّهَارِ} أي: أوله وآخره، ويدخل في هذا، صلاة الفجر، وصلاتا الظهر والعصر، {وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} ويدخل في ذلك، صلاة المغرب والعشاء، ويتناول ذلك قيام الليل، فإنها مما تزلف العبد، وتقربه إلى الله تعالى.
{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} أي: فهذه الصلوات الخمس، وما ألحق بها من التطوعات من أكبر الحسنات، وهي: مع أنها حسنات تقرب إلى الله، وتوجب الثواب، فإنها تذهب السيئات وتمحوها، والمراد بذلك: الصغائر، كما قيدتها الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل قوله: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر"، بل كما قيدتها الآية التي في سورة النساء، وهي قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلا كَرِيمًا}.
ذلك لعل الإشارة، لكل ما تقدم، من لزوم الاستقامة على الصراط المستقيم، وعدم مجاوزته وتعديه، وعدم الركون إلى الذين ظلموا، والأمر بإقامة الصلاة، وبيان أن الحسنات يذهبن السيئات، الجميع {ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} يفهمون بها ما أمرهم الله به، ونهاهم عنه، ويمتثلون لتلك الأوامر الحسنة المثمرة للخيرات، الدافعة للشرور والسيئات، ولكن تلك الأمور، تحتاج إلى مجاهدة النفس، والصبر عليها، ولهذا قال:
{وَاصْبِرْ} أي: احبس نفسك على طاعة الله، وعن معصيته، وإلزامها لذلك، واستمر ولا تضجر. {فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} بل يتقبل الله عنهم أحسن الذي عملوا، ويجزيهم أجرهم، بأحسن ما كانوا يعملون، وفي هذا ترغيب عظيم، للزوم الصبر، بتشويق النفس الضعيفة إلى ثواب الله، كلما ونت وفترت.

#مع_القرآن

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

المقال السابق
"وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ"
المقال التالي
"نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ"