في تونس...يوم من أيام الله

منذ 2011-01-22

هذا الشاعر أبو القاسم الشابي، ربما يكون قد أنطقه الله سبحانه وتعالى بأبيات، ولا نستطيع أن نقول أنه كان عنده جهاز استشعار عن بعد قبل ثمانين سنة، ترى لو أنه الآن في قبره علم ما آلت إليه قصديته وكيف أثـَّرت على قومه؟ إذن لقرَّت عينه..


الحمد لله الذي أخمد ذكر الطواغيت فصار بعز التوحيد والإسلام مطموساً، وأذلَّ بقهره منهم أعناقاً ورؤوساً، وصرف عن أهل طاعته بلطفه وإسعاده أذى وبوساً، ورفع كيد الشياطين الإنس والجن عن قلوب أهل الإيمان فأصبح عنها محبوساً.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مخلص في معتقده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، صلِّ اللهم وسلم عليه وعلى آله وصحبه، وعلى سائر التابعين مقصده، الصابرين من البلاء على أشده.

أما بعد،،،

فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

ثم أما بعد،،،

هناك شاعر تونسي مشهور يدعى أبا القاسم الشابّي، ولد عام 1909 وتوفي 1934، يعني عاش 25 سنة رحمه الله، وكان ذا شاعرية ملهمة تـُعدُّ من أروع وأخصب ما عرفه الشعر التونسي الحديث، ولشعره ميزات عظيمة جداً، فقد امتاز بالإشراق وغنى الجو الانفعالي وصفاء الخيال، كما امتاز أيضاً بالثورة المحتدمة على الظلم والظالمين.

كان الشاعر يشكو مرضاً في صدره واعتلـَّت له صحته، فكانت هذه العلة إلى جانب ما عانى من سوء الحال مصدر ما شاع في شعره من بعض المشاعر الحزينة، ومات في الخامسة والعشرين من عمره تاركاً تراثاً شعرياً مَلأ الحياة.

هذا الشاعر أبو القاسم الشابي، ربما يكون قد أنطقه الله سبحانه وتعالى بأبيات، ولا نستطيع أن نقول أنه كان عنده جهاز استشعار عن بعد قبل ثمانين سنة، ترى لو أنه الآن في قبره علم ما آلت إليه قصديته وكيف أثـَّرت على قومه؟ إذن لقرَّت عينه.


يقول الشابي رحمه الله تعالى :

ألا أيها الظَّالمُ المستبدُ *** حَبيبُ الفَنَاءِ عَدوُّ الحياهْ
سَخَرْتَ بأنّاتِ شَعْبٍ ضَعيفٍ *** وكفُّكَ مخضوبةٌ من دِماهُ
وَسِرْتَ تُشَوِّه سِحْرَ الوجودِ *** وتبدرُ شوكَ الأسى في رُباهُ
رُوَيدَكَ لا يخدعنْك الربيعُ *** وصحوُ الفَضاءِ وضَوءُ الصباحْ
ففي الأفُق الرحب هولُ الظلام *** وقصفُ الرُّعودِ وعَصْفُ الرِّياحْ
حذارِ فتحتَ الرّمادِ اللهيبُ *** ومَن يَبْذُرِ الشَّوكَ يَجْنِ الجراحْ
تأملْ هنالِكَ أنّى حَصَدْتَ *** رؤوسَ الورى وزهورَ الأمَلْ
ورَوَيَّت بالدَّم قَلْبَ التُّرابِ *** وأشْربتَه الدَّمعَ حتَّى ثَمِلْ
سيجرفُكَ السيلُ سيلُ الدماء *** ويأكلُك العاصفُ المشتعِلْ


كان لأبي القاسم الشابّي أشعار جميلة جداً في هذه المعاني، منها هذا البيت المشهور الذي يكاد كل الناس يحفظونه وإن كنا نستنكر منه لفظة فيها سوء أدب مع الله سبحانه وتعالى ومع أقدار الله، وهي قوله:

إذا الشعب يوماً أراد الحياة *** فلابد أن يستجيب القدر


وطبعاً هذه العبارة الأخيرة غير مقبولة لأن فيها سوء أدب، بل إرادة البشر تابعة لإرادة الله وليس العكس والعياذ بالله.

ولابد لليل أن ينجلي *** ولابد للقيد أن ينكسر
ومن لم يعانقه شوك الحياة *** تبخّر في جوّها واندثر
ومن لا يحبَّ صعود الجبال *** يعش أبَدَ الدهر بين الحفر


تابعنا كلنا ما جرى في تونس في هذه الأيام القليلة، وفوجئ العالم أجمع وفوجئ الناس كلهم كيف بهذه السرعة ولـّى زين العابدين بن علي هارباً من بطش شعبه حين دارت عليه الدوائر بعدما بغى وظلم وتجبّر وتخصص وفـَاقَ كل المتخصصين في محاربة الإسلام.

ومعظم الناس تقول أن الشعب التونسي عانى من ظلم هذا الدكتاتور الظالم الباغي لمدة ثلاث وعشرين سنة، وهذا خطأ فادح، لأن معاناة أهل تونس لم تبدأ من زين العابدين بن علي، بل إن هذا الشبل من ذاك الأسد، فهو تلميذ مقرّب من عدو الله وعدو الإسلام المدعو الحبيب بورقيبة الذي حكم تونس لمدة إحدى وثلاثين سنة، حارب فيها الإسلام أيضاً وتعدّى على شرع الله تبارك وتعالى، وارتكب من الجرائم ما ارتكب، وكان هذا في نهاية حقبته وزير الداخلية، فلما حصل وابْتـُلِي بورقيبة بمرض الخرف الذي يأتي مع كبر السن واختلـّت قواه العقلية، قام بنوع من الانقلاب واستبد هو بالسلطة وحكم منذ ذلك الوقت.

فمعاناة المسلمين في تونس لم تبدأ منذ ثلاثة وعشرين سنة وإنما ترجع إلى أربع وخمسين سنة: إحدى وثلاثين مع بورقيبة ثم ثلاث وعشرين مع هذا الرجل.

بورقيبة له ملف خاص حافل بالجرائم، وليس المقام مقام التفصيل في أحواله، ولكننا نتذكر حديث أبي قتادة المتفق عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ عليه بجنازة فقال: « مستريح أو مستراح منه » قالوا: يا رسول الله ما المستريح والمستراح منه؟ قال: «العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب».

فالمؤمن يستريح من عناء الدنيا وكربها وبلائها، والمستراح منه هو الشرير الظالم المستبد المتجبر الذي يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب وكل شيء يستريح منه.


بورقيبة صرّح لمجلة لوموند الفرنسية في يوليوا سنة 1976 بأنه قام بأمر عظيم، فهو يتكلم مع الفرنسيين ويقول لهم أنكم لا تـُقـَدِّرُون من يخدمكم فأنا أغلقت جامع الزيتونة، فهو كان يُعاتب الفرنسيين أنه لم ينل منهم الثناء الكافي والتثمين والتقدير لهذه الجريمة التاريخية، وطبعاً جامع الزيتونة هو شقيق الجامع الأزهر هنا في مصر ومسجد القيروان العتيق، فتونس كانت إذا ذكرت ذكر معها مسجد الزيتونة، خرّج أجيالاً وأجيالاً من العلماء الأئمة الكبار، تخرّج منه من المتأخرين الإمام عبد الحميد بن باديس الذي أحيا الله به الإسلام في تونس ثم في سائر بلاد المغرب الإسلامي، ومن خريجيه البشير الإبراهيمي من الجزائر، من خريجيه أيضاً إمام الجامع الأزهر الشيخ محمد الخضر حسين وهو تونسي ولكنه تولى مشيخة الجامع الأزهر، من خريجيه العلامة الطاهر بن عاشور، منهم محمد بن حبيب الخوجة أمين عام مجمع الفقه الإسلامي في مكة، فمسجد الزيتونة كان منارة أضاءت في القديم والحديث في العالمين، فبورقيبة يفخر بما فعله بمسجد الزيتونة وأنه أغلقه، ولم يغلقه بحسب ولكنه حوله إلى مرقص وملهى وحفر في صحنه حمام السباحة، فكان يتكلم مع جريدة لوموند سنة 1976 فيقول أنه قام بأمر عظيم عندما أغلق جامع الزيتونة وأن هذا العمل منه لم تفهمه أوروبا ولم تقدّر فرنسا قيمته.

صرح بورقيبة في الأهرام في 20/12/1975 بأنه أصدر في سنة 1956 قانوناً يمنع تعدد الزوجات ويعتبر التعدد جنحة يعاقب مرتكبها بالسجن لمدة سنة وغرامة مالية قدرها 240 ديناراً.

حتى أنه حدثت واقعة في تونس أن رجلاً تزوج امرأة ثانية فقـُبض عليه وحوكم، فمحاميه برّأه بأن هذه خليلته وعشيقته وليست زوجته فأخلي سبيله .

وكان بورقيبة يردد في مجالسه: "ياليت تونس تقع جغرافياً قرب السويد أو الدينمارك لتخرج نهائياً من هذا المحيط العربي والإسلامي ".

فهو يتأفف من الهوية الإسلامية والعربي لتونس.


هذه الثورة سُمّيت في الأيام القليلة الماضية ثورة الخبز والحرية، وتنفس الناس فيها الصعداء، وإن كان غير مضمون ما سوف تؤول إليه، ولكن لا شك أنه يصعب جداً أن يتكرر أنموذج زين العابدين في التاريخ.

فمن الصعب أن يتكرر هذا الأنموذج الفظّ الذي يشابه شاه إيران ويشابه شوشيسكو ويشابه غيره من الجبابرة.

طال الليل على أهل تونس في هذا العناء الشديد وآن للجور أن ينتهي وآن للعدل أن يبتدي.

فنحن لابد أن يكون استبشارنا بحذر، لماذا؟

لأن الثورة لها طبيعة غريبة جداً، فهي أول ثورة شعبية في بلد عربي أو إسلامي ليست بانقلاب عسكري، ولكنها ثورة أطاحت بهذا الجبار المستبد الدكتاتور بهذه الصورة التي رآها الجميع.

لأن رؤوس الحكم الموجودين الآن سواء صاحب البرلمان أو رئيس الوزراء هم رجال زين العابدين بن علي فيمكن أن يتغير القناع فقط ولكن يبقى هو هو عن طريق رجاله، فيمكن أن يبدأ الحاكم الجديد في صورة المصلح ثم يُجرّ جرّاً إلى بيت الطاعة الأمريكي أو الفرنسي، فهم في الحقيقة قطعوا جزءاً من الطريق وليس كل الطريق، لأن الوزير الأول كما يقولون عندهم استدعى جميع الأحزاب المعترف بها للتشاور حول تشكيل حكومة مؤقتة.

فمن الذي حدد أن هذا معترف به وأن هذا غير معترف به؟ زين العابدين بن علي.

على أي الأحوال هذه الثورة تجمع كل أنواع الساخطين على هذا النظام الإجرامي الذي لا نظير له في العصر الحالي في الظلم والقهر والاستبداد والفساد.

فكل الساخطين اجتمعوا على هذا الأمر، وكانت حادثة الشاب المعروفة كالقشة التي قصمت ظهر البعير، فالحقيقة يبدو أن الناس كانوا من الظلم والقهر معبئين تعبئة بحيث أنها خرجت بهذه الصورة العجيبة، والتي تثبت أن الشعوب عملاق مخيف يمكن أن يعاقب بقسوة إذا طال الاستهتار بغضبها وأشواقها للحرية.

حوّل زين العابدين بن علي تونس إلى "غابة الخوف والرعب"، ووصل في كراهية الإسلام إلى كراهية من كل قلبه، ومحاربته بأبشع أنواع الحرب على دين الله تبارك وتعالى وعلى صميم دعوة الإسلام إلى أن أصبح معترفاً به عالمياً بأنه أقوى خبير في محاربة الإسلام، ولذلك كان يشتغل بتصدير خبراته إلى من يريدون أن يستفيدوا منها، فهو كان يصدر الخبرة في محاربة الإسلام.
مجلة جون إفريك الفرنسية وصفته يوم تـَوَلى الرئاسة بأنه محسوب على الغرب قلباً وقالباً.


إذا أردت أن تعرف الرجل انظر من يتأسف عليه، وإن كان صوت التأسف الآن صوتاً نشازاً، فكل الدول تقول نحن نحترم خيار الشعب التونسي. ولكن في الحقيقة أن الصوت الوحيد الذي نشذ هو صوت الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة وعبر التلفزيون الإسرائيلي عن أسفه لرحيل ابن علي واعتبره من أهم الرؤساء والأنظمة العربية المؤيدة سراً لسياستها بالمنطقة.
من تصريحات زين العابدين بن علي المشهورة وهو يتكلم عن الأصوليين أي المتشددين أو المتدينين في زعمه فيقول: "ليس عندي أصولي صالح معتدل وآخر سيء متشدد، فالأصولي الطيب هو الميت فقط".

فهو يذكرنا بالشعار الذي رفعه الأوربيون لما غزوا ودخلوا إلى أمريكا مع الهنود الحمر فكانوا يرفعون شعار better dead than red ، أي أفضل لك من أن تكون هندياً أحمر أن تكون ميتاً ولا خيار آخر، لأن الموت لك أفضل من أن تكون حياً وتكون هندياً أحمر .

وهو نفس الشعار الذي استعملوه بصورة جديدة مع الشيوعيين في إبان الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي وبين أمريكا، بإعتبار أن اللون الأحمر هو لون للشيوعيين أيضاً.

فمن أجل ذلك ـ من أجل أنه ليس عنده أصولي صالح معتدل وآخر سيء متشدد فالأصولي الطيب هو الميت فقط، ولهذا قضى على التعليم الإسلامي في المدارس.

وكان يحارب صوم رمضان كما فعل بورقيبة لأنه يؤثر في زعمه على الإنتاج.

الحقيقة أن الحوادث منذ زمن تحكى والله تعالى أعلم أن الأيام ستمضي ثم يُطالـَب بمحاكمته. فقد يحاكم داخل تونس بجرائمه، وقد يُصعّد الأمر بأن يحاكم كمجرم أو عدو للإنسانية وعدو من أعداء البشرية، بسبب ما فعله في شعبه.

فالإنسان يسمع أشياء يستغرب لها جداً، وأكيد هناك أشياء ستكشف وتُضم لهذه الإنجازات في حرب الإسلام.

فمثلاً الإخوة التونسيون يطالبون باعتبار يوم الجمعة إجازة رسمية، طبعاً هذا أمر لا يستطيع الإنسان أن يتخيله!! فمعناه أن يوم الجمعة لم يكن إجازة رسمية!! ومعناه أن الناس تكون في العمل فإذا جاء وقت صلاة الجمعة أين كانوا يذهبون؟! ما أدري كيف يكون هذا؟؟

وطبعاً كان الذهاب للمسجد تهمة، فكونك تصلي في المسجد هذه تعتبر تهمة، وتقتضي الاشتباه لو تكرر.

وحدثت حادثة أن ابن السفير السعودي في تونس كان هناك وهَمَّ بدخول أحد المساجد للصلاة فقبض عليه، ثم بعد أن عرفوا من هو وأنه ابن السفير السعودي أفرج عنه .


وأنا قابلت في فيينا أحد الإخوة التونسيين وحكا لي أشياء ما كنت أصدقها حتى حلفوا على صدقهم في هذا، فقد شرّد شعبه في آفاق الأرض، شرّد الشعب التونسي وجعل أعداد ضخمة جداً يفرون إلى أي مكان من الجحيم الذي يعيشونه هناك ومن الضنك والفقر والمعاناة، فكان الإخوة يقولون أن الشرطة كانت تتجول وقت الفجر في الشوارع وتبحث عن الشقق والبيوت التي يضاء فيها النور في وقت آذان الفجر، يعني ليس فقط أن الناس أصبحوا يخافون من الصلاة في المسجد بل وأيضاً من يصلي داخل بيته، فكانوا يحاولون معرفة الشقق التي يصلي أهلها فيها وقت الفجر، حتى يمكنهم معرفة أن هؤلاء الناس متطرفين أو متشددين إلى آخره.

وحلف لي الأخ لأني ما صدقته أنهم كانوا يُخبئون المصاحف تحت البلاط، وأن الشرطة لو دخلوا ووجدوا سجادة الصلاة حتى معلقة على الحائط تكون تهمة في حد ذاتها.

وطبعاً اللحية شيء غير مسموح به على الإطلاق.

والإجرام وصل إلى حد لو أنك مصري مثلاً وستذهب إلى تونس لتجارة أو شيء من هذا وملتحي ترفض السفارة أن تخرج لك الفيزا لأنك ملتحي، يعني حتى على الأجانب!

فلو كانت هذه الحكومة -حكومة زين الهاربين- تفتخر بأنها أول حكومة عربية وضعت وثيقة حقوق للطفل ـوهذا كلام لزوم "الديكور"ـ وأنها كانت تدرس حقوق الطفل في المدارس وحقوق الإنسان.

أليس من حق الطفل ألا تحرمه من أبيه؟ ألا تحبسه تعسفاً بدون أي جريمة؟ أليست هذه من حقوق الطفل؟ ألا تحرمه ممن يعتني به؟ أليس من حق الطفل ألا تيتـّمه وأن تترك له أبوه حي يرزق؟ فهذا خرق لحقوق الطفل.


أما موضوع الحجاب فيبدوا أنه كان عنده مشكلة معينة لسبب يعرفه بعض الناس وبعض الناس لا تعرفه، وأنا ما أفضل أن أتكلم فيه، وهو أمر يرجع إلى زوجته.

فموضوع الحجاب خصوصاً كان من أبغض الأشياء إلى قلب بورقيبة وإلى قلب زين العابدين .

وحورب الحجاب في تونس في عهد بورقيبة، والعبارة التي استعملها بورقيبة استعملها أيضاً زين العابدين وهو أن الحجاب زي طائفي، وأصدر القرارات بأن يتعقب أي امرأة تلبس ملبساً يوحي بإيحاءات طائفية.

نقول الإيحاءات الطائفية لو أنهم في بلد فيها طوائف أخرى كثيرة هندوس أو نصارى أو غيره مع المسلمين، أما تونس فمن مميزاتها أنها بلد متجانسة، وكل شعبها مسلم سني مالكي، وهم من أهل السنة في العموم، فمن أين الطائفية والطائفية تكون على من؟

ولكنهم كانوا يعتبرون الحجاب زياً طائفياً ويرفضون كونه فريضة دينية، ولذلك حرّم ارتداء الحجاب في الجامعات ومعاهد التعليم الثانوي.


أحد المدافعين عن الحجاب في تونس وهو خالد ساسي يروي أنه اعتقل لمدة خمسة عشر يوماً، والسبب أنه تدخّل لحماية فتاتين محجبتين كانت الشرطة بصدد خطفهما، فهو كان موجوداً في محل تجاري يملكه شقيقه، إذ بسيارة شرطة توقف فتاتين كانت إحداهما منقبة أما الثانية فكانت ترتدي خماراً، وطالبت الشرطة منهما مرافقتها لمقر الأمن فخافتنا وأجهشتا بالبكاء، والتف سكان الحي حول السيارة، يقول خالد: فلم أتردد في الاستفسار عن سبب اعتقالهما، فقال لي أحد الضباط: إن هذا الأمر لا يهمك.
بعد ذلك حُلت بين رجال الأمن وبين الفتاتين وأمرتهما بالفرار فلم تترددا في ذلك، ولذت أنا بدوري بالفرار وما هي إلا ساعة زمن حتى حوصرت المنطقة برجال الأمن الذين داهموا بيتنا واعتقلوا أخي للتحقيق معه، فذهبت من الغد لأسلـّم نفسي للبوليس، وما أن رأوني حتى انهالوا علي ضرباً ثم أمروني بنزعي ملابسي ليعلقوني فرفضت، فقاموا بنزعها عنوة وتم تجريدي منها بالكامل، وأخذوا بضربي وبسكب الماء على جسمي وهم يسبّون الجلالة ويتلفظون بأبشع الألفاظ .

من "إنجازات" بورقيبة أيضاً أنه في قانون سنة 1956 أعلن المساواة التامة بين الرجل والمرأة، بما في ذلك الميراث فجعل المرأة ترث مثل الرجل وأيضاً منع تعدد الزوجات وشرع عقوبة شديدة للمخالفين. ومنع أيضاً وقوع الطلاق من جانب واحد الذي هو الرجل .

كما ذكرنا أن المحجبات خصوصاً في تونس وضع يلفت النظر جداً، فهن يحرمن من العمل ومن التعليم ويتعرضن للعنف ونزع الحجاب بالقوة مع الشتم والسب أمام أزواجهن أو إخوانهن ويُجبرن على توقيع التزام بعدم ارتدائه مستقبلاً.


ومنشور الآن في النت تقرير مصوّر عثروا عليه في أحد مراكز الشرطة عن هيئة تسمى الأمن الوطني ففي جزء من الكلام يقولون:
"عملاً بالتعليمات الإدارية القاضية بتكوين فريق خاص بمراقبة الأعوان -الموظفين- الذين يؤدون الصلاة والمترددين على الجوامع ولاسيما منهم من الفئة الشبابية" والتقرير يتكلم عن أشخاص ذكرهما بأسمائهم، يقول: "عرفا بأدائهما للصلاة ومواظبتهما عليها، حيث لوحظ أن المذكور الأول يتردد على جامع سيدي عبد القادر لأداء صلاتي المغرب والعشاء خارج أوقات عمله، في حين أن المذكور الثاني يؤدي فرائضه الدينية بمنزله" ولا أدري كيف تمكنوا من معرفة أنه يؤديها في منزله!!

وفي آخر الصفحة تجد جدول مختص بأقارب هؤلاء الرجال المتهمين بأداء الصلاة باسم "جدول متابعة مرتديات الزى الطائفي من زوجات وبنات". في تونس الشرطة كانت تخطف المحجبات فالمرأة التي تلبس جلبابًا تُجر من ثيابها إلى مركز الشرطة وينزعونه عنها بالقوة وتخرج إلى الشارع بما تلبس تحت الجلباب. فهذا الجبار المجرم الطاغية قام باستبدادات لا مثيل لها في العالم، وكان من أحب الناس إلى ساركوزي ولذلك لجأ لصديقه في وقت الشدة .

ففي الأسابيع الأخيرة عندما حدثت مظاهرات وضرب نار شديد على المتظاهرين حوالي 70 فرد قُتلوا، فرأى ساركوزي أن عليه أن يتدخّل لأن بلده فرنسا بلد الحريات والتنوير! فقال: أن الدول الفرنسية تستنكر "الإفراط في استخدام القوة" أوالاستخدام المفرط للقوة، فقط! شعب أعزل أمام جيش مسلح يقتل هذا العدد الكبير من المسلمين، فساركوزي الساكت عن كل هذه الجرائم الواقعة في بلد مسلم وليس فيها أي طوائف أخرى هو نفسه الذي سال لُعابه لما حدثت حادثة كنيسة الاسكندرية في مصر وصرّح بأنه مطلوب التدخل لحماية الأقباط في مصر، فهذا يدل على تلون الوجوه وتعدد المعايير، فأين الدفاع عن حقوق الإنسان الذي يعرفها العالم أجمع، ذلك العالم الغربي المنافق ذو الوجهين يعرف جرائم هذا الرجل في حق شعبه.

هناك طالبة متفوقة كانت تدرس هندسة التجهيز الريفي فرفضوا تسلميها شهادة التخرج، فقال لها عميد الكلية: "إنك مخالفة للقانون بارتدائك لغطاء فوق شعرك ولا يمكنني أن أعطيك هذه الشهادة ما لم تكشفي عن شعر رأسك"، وأي محجبة تنزع حجابها تلزم بكتابة إقرار على نفسها بأنها لن تعود مرة أخرى لارتداء الحجاب.


وحكى بعض الناس عن زوجة أحد إخوانه في أوروبا أنها كانت كلما أرادت أن تعود إلى تونس لتزور أهلها أباها وأمها المسنين، فكانت تبكي وهي تحزم الحقائب لأنها تعرف ماذا سيحصل، وبمجرد أن تقترب الطائرة من مطار تونس تخلع الحجاب لئلا تتعرض للإهانة ونزعه بالقوة .

ماذا نقول؟ بلغ من جنون هذا المجرم الطاغية وكراهيته للإسلام ومحاربته للتدين أنه شنَّ حربًا على دمية اسمها "فُلّة" تباع في محلات لعب الأطفال، تلبس على رأسها حجاب وتغطي شعرها، بدلاً من "باربي" وغيرها، فتخيلوا رئيس دولة يشن حربًا على لعبة أطفال لأن "فُلّة" محجبة، كان إعتقلها بالمرة!

وأمر بمصادرة هذه اللعبة من جميع محلات لعب الأطفال.

في الأمس تم إحراق سجن برج الرومي في بنزرت، هذا السجن الذي كان يُداس فيه القرآن الكريم والعياذ بالله .

الإخوة في تونس في منتهى الفرح، قال بعض الإخوة التونسيين: "بكيت وأنا أسمع الأذان لأول مرة ينطلق من التليفزيون التونسي".

ففعلاً حُقَّ لنا أن نفرح في مثل هذا الطاغية المجرم المعادي لله ولرسوله وللإسلام، لا شك أن هذا يوم من أيام الله، بغذ النظر حتى عما يحصل بعد، فيكفي أن يرى الناس العبرة والدرس في هذا الأمر .

الأخ العقيد هرّبه في طائرة إلى مالطة فرفضته، ويقول أنه ذلك حدث لأنه لم يأخذ بنظام الجماهيرية الليبية العربية الاشتراكية، ويقول: "لأنك لم تقتدِ بنا في الحكم الجماهيري لذلك فشلت تونس وفشل زين العابيدن".

ويعاتب الشعب التونسي ويسألهم لماذا لم يعطوه فرصة أخرى لمدة 3 سنوات، ليست كثيرة !!


وأعجبتني كلمة قالها الأستاذ راشد الغنوشي تعليقًا على أنه كيف للبلاد التي نبعت منها دعوة التوحيد، البلاد التي بها الحرمان الشريفان، كيف تؤوي مثل هذا المجرم عدو الله ورسوله وعدو الإسلام والمسلمين وعدو البشرية والإنسانية؟ كيف تؤويه؟ أي إنسانية مع مثل هذا الإنسان؟

كان من الأفضل أن يذهب عند أحبابه: فالصوت الوحيد الذي تألم عليه رسمياً هو التلفزيون الإسرائيلي، كان يذهب عندهم هناك في تل أبيب ولا بأس أن يقيموا له تمثالاً في أعظم ميادين تل أبيب، فهذا هو مكانه، أما أن يُؤوى هذا المحدث «من آوى محدثًا فعليه لعنة الله وملائكته والناس أجمعين» (رواه النسائي وابو داود) كيف يُؤوى محدث ومجرم وقاتل وعدو للإسلام والمسلمين بهذه الصورة بحجة أن هذه إنسانية أو موقف إنساني؟

فالحقيقة كان تعليق الأستاذ راشد الغنوشي تعليقًا جميلاً، قال: "إن الشعب التونسي لا يُرضيه أبدًا أن يكون هذا الطاغية في محل قبلته" لأننا جميعاً نستقبل القبلة في أرض الحجاز حينما نصلي، فالشعب التونسي كاره أن يقوم للصلاة وقلبه يتجه للكعبة المشرفة وفي محيطها هذا الطاغية المجرم.

على أي الأحوال طبعاً هذه سنة عجيبة جدًا من سنن الله سبحانه وتعالى، ويوم من أيام الله، حتى لو حدث مهما حدث بعد ذلك، لأن الذي سيحكم تونس بعد ذلك سيأخذ العبرة والدرس، حتى لو وضع قناعًا على وجهه أنه مصلح وأنه سيعدل وكذا، فالتفاؤل يجب أن يكون حذرًا، فهذه الثورة لكل الساخطين وكل الناس ساخطون. والجزاء من جنس العمل، وتلاحظ كثيرًا من تصرفاته قوبل بمثلها، فمثلاً أغلق المطارات في وجوه المستضعفين ممن شردهم من التونسيين فأغلقت المطارات أيضًا في وجهه، عندما ذهب إلى مالطة رفضوه، ذهب إلى ايطاليا فرفضوه، طلب من فرنسا فرفضوه، وأظنه طلب من مصر ورُفض أيضًا، لكنه بعد ذلك استقر في الجزيرة العربية.


أيضا كان من السنة قبل الماضية التي كان فيها موضوع انفلونزا الخنازير، وضُخِّم جداً جداً بصورة مبالغ فيها، فانتهزها فرصة ومنع الحج تماماً، ومنع أي تونسي من أن يحج إلى بيت الله الحرام بحجة إنفلوانزا الخنازير، فهل فعل نفس الشيء في مباريات كرة القدم والحفلات بحجة إنفلوانزا الخنازير؟! ومنع التونسيين من الذهاب إلى موسم الحج.

هو نفسه وفي نفس السنة أصيب بإنفلوانزا الخنازير وهو جالس في قصره، لم يحج ولم يعتمر ولم يخرج، والعجيب -وسبحان الله من سنة الله - أنه أُعلن خبر إصابته بإنفلوانزا الخنازير يوم عرفات يوم التاسع من ذي الحجة أكثر الأيام زحاماً في الحج.

فأُعلن عن مرضه لأنه في أسبانيا جريدتان أعلنتا في ذلك اليوم أن "الزيارة الرسمية التي كان مقررًا أن يقوم بها ملك أسبانيا إلى تونس أُلغيت بسبب إصابة الرئيس التونسي زيد العابدين بن علي بمرض انفلوانزا الخنازير، وأن الفيروس انتقل إليه عن طريق حفيدته."

فها هو قارون العصر وامرأته حمّالة الحطب، يخسف الله به وبداره الأرض مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم « إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته» (رواه البخاري).

ونتذكر قول خالد البرمكي لما سأله ولده: "يا أبتِ أبعد العز الذي كنا فيه يكون مصيرنا في القيد والحبس؟" فقال له: "يا بني لعلها دعوة مظلوم في جنح الليل والناس نيام غفلنا نحن عنها ولم يغفل الله عنها" .


أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .

سبحانك اللهم ربنا وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

محمد إسماعيل المقدم

من مشاهير الدعاة بالإسكندرية (مصر) وحاصل على ليسانس الشريعة الإسلامية من جامعة الأزهر