ذنوب الخلوات - ذنوب الخلوات ( المقال الثالث )

منذ 2018-07-29

يا عزيزي لا تكره نفسك وضع الأشياء في نصابها ولا تجعل شيئا يحول بينك وبين ربك حتى لو كان تقصيرك وضعفك والأهم إياك واليأس والقنوط فهما أعظم أماني شيطانك ومطالبه من ذنبك إياك..

ولعل اليأس هو أخطر تلك المشاعر التي قد تصاحب معصية السر مرة بعد مرة وسقطة تتلوها أخرى لا يطمح الشيطان من وراء تكرارها بشيء مثلما يطمح في أن يسرب هذا الشعور إلى قلبك وهو في الحقيقة قد يكون شعورا مريحا للبعض..

 

إحساسك أنه لا فائدة وأنك مهما فعلت ومهما حاولت فلن تغير شيئا من نفسك سيورثك استرخاءً وهدوءاً مرحليا لا شيء عليك ولا قيمة لكل ما تنوي أن تفعله ما دمت كل مرة تسقط من جديد فلماذا إذاً تفعله؟

 

ترتاح ظاهريا كلما سخرت من فكرة الأمل وممن يحاولون بثها شعور باللامبالاة سيخيم عليك كلما رددت عبارات الإحباط وستجد تسكينا مؤقتا كلما دندنت بشعارات ترسخ لفكرة القنوط المطلق وستحصل على خدر لذيذ كلما نشرت ثقافة العدمية و الهروب من مواجهة واقعك وتقصيرك وقررت إقناع نفسك إن (مافيش فايدة) و (خلاص بايظة بايظة) ومن الحماقة أن تتعب نفسك لأجل إصلاح شيء قد تم تدميره للأبد هكذا يفرح الشيطان وينتشي بتلك الأفكار المدمرة..

 

إذا اختفى بصيص الأمل ففعلا لا تغيير يرتجى ولكي يستطيع المرء أن يتغير ويغير ينبغي ألا ينطفيء في قلبه وميض الأمل وجذوة اليقين أن الأمر ممكن وأن التغيير مستطاع ومن هنا يبدأ العمل ويبذل الجهد..

 

من دون هذا فليس إلا راحة اليأس المؤقتة لأجل ذلك جاءت الآية واضحة حاسمة قاطعة آية لا تخاطب مجرد عاصٍ ولا تبث الأمل في قلب اعتراه فتور عابر أو زل زلة استثنائية إنها آية تخاطب المسرف {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}..

لا تقنطوا.. هذا هو التوجية الأول والتأسيس المبدئي الذي يسبق الإصلاح والتغيير القادم في الآيات التي جاءت بعد ذلك..

 

البداية هاهنا.. نبذ اليأس ونفض غبار القنوط هذا أيضا هو نفس ما رسخه النبي صلى الله عليه وسلم ترك الإغراق في المشاعر السلبية التي لا جدوى منها والالتفات إلى الحلول العملية هكذا بيّن في تصويره لحال المؤمن العاصي في الحديث "لكل عبد مؤمن ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه حتى يفارق الدنيا تأمل..

 

هذا عبد مؤمن بشهادة الحبيب صلى الله عليه وسلم لكنه مع ذلك يزل ويخطيء وتتكرر نفس الأخطاء والحل لخصه النبى بعد ذلك حين ذكر ما ينبغي أن تكون عليه صفة المؤمن تجاه الذنب الذى ضعف أمامه واعتاده الفينة بعد الفينة لقد لخص تلك الصفات فى جملة جامعة رائعة جمعت صفات أربعة تتوازن سويا فقال " إن المؤمن خلق مفتنا توابا نسيا إذا ذكر تذكر "

 

فمفتنا تعدلها توابا... هو عرضة للفتن وقد يقع فيها لكنه يسارع بالتوبة وهو نسيٌّ يقع فى الغفلة ويعتريه النسيان كما اعترى أباه الأول عليه السلام لكنه في النهاية يقبل التذكرة والنصح..

 

ويتذكر.. حينئذ لا يعد ما هو عليه إصرارا ولا فجورا ما دامت جذوة الندم متقدة والرغبة في الإصلاح والتغيير لم تزل حية؛ لكنه الضعف البشري وعلى المؤمن أن يحاول اكتساب القوة في مواجهته ولا يكون ذلك إلا باستمدادها ممن لا حول ولا قوة إلا به..

 

يا عزيزي لا تكره نفسك وضع الأشياء في نصابها ولا تجعل شيئا يحول بينك وبين ربك حتى لو كان تقصيرك وضعفك والأهم إياك واليأس والقنوط فهما أعظم أماني شيطانك ومطالبه من ذنبك إياك..

المقال السابق
ذنوب الخلوات ( المقال الثاني )
المقال التالي
ذنوب الخلوات ( المقال الرابع )