صور الكذب:المقال الأول

منذ 2018-11-21

وأما إذا تعمَّد أن يفسِّر كلام الله بغير ما أراد الله، اتباعًا لهواه أو إرضاء لمصالح أو ما أشبه ذلك، فإنَّه كاذب على الله عزَّ وجلَّ. [ابن عثيمين]

للكذب صور كثيرة منها:
1- الكذب على الله تعالى ورسوله: 
وهذا أعظم أنواع الكذب، والكذب على الله نوعان:
 النوع الأول أن يقول: قال الله كذا، وهو يكذب.
والنوع الثاني: أن يفسر كلام الله بغير ما أراد الله، لأن المقصود من الكلام معناه، فإذا قال: أراد الله بكذا كذا وكذا، فهو كاذب على الله، شاهد على الله بما لم يرده الله عزَّ وجلَّ، لكن الثاني إذا كان عن اجتهاد وأخطأ في تفسير الآية، فإنَّ الله تعالى يعفو عنه؛ لأنَّ الله قال:  {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}   [الحج: 78] وقال:  {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وأما إذا تعمَّد أن يفسِّر كلام الله بغير ما أراد الله، اتباعًا لهواه أو إرضاء لمصالح أو ما أشبه ذلك، فإنَّه كاذب على الله عزَّ وجلَّ)  [ابن عثيمين]   .
 وقال تعالى:  {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ } [الأنعام: 93].
(يقول تعالى: لا أحد أعظم ظلمًا، ولا أكبر جرمًا، ممن كذب على الله. بأن نسب إلى الله قولًا أو حكمًا، وهو تعالى بريء منه، وإنما كان هذا أظلم الخلق، لأنَّ فيه من الكذب، وتغيير الأديان أصولها، وفروعها، ونسبة ذلك إلى الله ما هو من أكبر المفاسد.
ويدخل في ذلك، ادعاء النبوة، وأنَّ الله يوحي إليه، وهو كاذب في ذلك، فإنه -مع كذبه على الله، وجرأته على عظمته وسلطانه يوجب على الخلق أن يتبعوه، ويجاهدهم على ذلك، ويستحل دماء من خالفه وأموالهم.
ويدخل في هذه الآية، كل من ادعى النبوة، كمسيلمة الكذاب، والأسود العنسي، والمختار، وغيرهم ممن اتصف بهذا الوصف)   . وقال صلى الله عليه وسلم: (( «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبًا مِنْ ثلاثين كلُّهم يزعم أنَّه رسول الله» ))  [رواه البخاري]  .
قال الله تعالى:  {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ}  [الزمر: 60].
وقال سبحانه:  {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ}  [الأعراف: 37].
وقوله تعالى:  {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [الأعراف: 33].
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم  «من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار»  [متفق عليه]  .
وقال: (( «من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين» ))   [رواه مسلم]  .
(وأكثر الناس كذبًا على رسول الله هم الرافضة الشيعة، فإنه لا يوجد في طوائف أهل البدع أحد أكثر منهم كذبًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما نص على هذا علماء مصطلح الحديث رحمهم الله، لما تكلموا على الحديث الموضوع قالوا: إن أكثر من يكذب على الرسول هم الرافضة الشيعة، وهذا شيء مشاهد ومعروف لمن تتبع كتبهم)   .
2- الكذب على الناس بادِّعاء الإيمان
(كذب يظهر الإنسان فيه أنَّه من أهل الخير والصلاح، والتقى والإيمان، وهو ليس كذلك، بل هو من أهل الكفر والطغيان - والعياذ بالله - فهذا هو النفاق، النفاق الأكبر الذين قال الله فيهم:  {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ}  [البقرة: 8] لكنَّهم يقولون بألسنتهم، ويحلفون على الكذب وهم يعلمون، وشواهد ذلك في القرآن والسنة كثيرة، إنهم - أعني المنافقين أهل الكذب يكذبون على الناس في دعوى الإيمان وهم كاذبون، وانظر إلى قول الله تعالى في سورة (المنافقون) حيث صدر هذه السورة ببيان كذبهم حيث قال تعالى:  {إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ}  [المنافقون: 1] أكدوا هذه الجملة بكم مؤكد؟ بثلاثة مؤكدات، (نشهد) (إن) (اللام) ثلاثة مؤكدات، يؤكدون أنهم يشهدون أنَّ محمدًا رسول الله، فقال الله تعالى:  {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } [المنافقون: 1] في قولهم (نشهد إنك لرسول الله) هذا أيضًا من أنواع الكذب، وهو أشدُّ أنواع الكذب على الناس؛ لأنَّ فاعله والعياذ بالله منافق)   .
3- الكذب في الحديث بين الناس: 
(الكذب في الحديث الجاري بين الناس يقول: قلت لفلان كذا. وهو لم يقله. قال فلان كذا. وهو لم يقله. جاء فلان. وهو لم يأت وهكذا، هذا أيضًا محرم ومن علامات النفاق، كما قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: (( «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب» ))...)   .
4- الكذب لإضحاك الناس: 
روي عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( «ويل للذي يحدث بالحديث، ليضحك به القوم فيكذب، ويل له، ويل له» ))  [رواه أحمد والترمذي وأبو داود] .
قال المناوي في شرحه للحديث: (كرره إيذانًا بشدة هلكته؛ وذلك لأنَّ الكذب وحده رأس كلِّ مذموم، وجماع كلِّ فضيحة، فإذا انضم إليه استجلاب الضحك الذي يميت القلب، ويجلب النسيان، ويورث الرعونة كان أقبح القبائح، ومن ثم قال الحكماء: إيراد المضحكات على سبيل السخف نهاية القباحة)   .
قال ابن عثيمين: (وهذا يفعله بعض الناس ويسمونها النكت، يتكلم بكلام كذب ولكن من أجل أن يضحك الناس، هذا غلط، تكلم بكلام مباح من أجل أن تدخل السرور على قلوبهم، وأما الكلام الكذب فهو حرام)   .
(والحكمة من هذا المنع أنَّه يجر إلى وضع أكاذيب ملفقة على أشخاص معينين، يؤذيهم الحديث عنهم، كما أنه يعطي ملكة التدرب على اصطناع الكذب، وإشاعته فيختلط في المجتمع الحق بالباطل، والباطل بالحق)