نشأة المذاهب الفكرية في الغرب

منذ 2018-12-16

ثم ملء الفراغ الذي أحس به الأوروبيون بعد إقصاء الدين ورجاله والرغبة في إشغال الناس بأي جديد في المعتقدات

ليس في المذاهب الفكرية الضالة ما يغري العقلاء باعتناقها إلا أنه كما يقال: " لكل بضاعة سوق ولكل صائح صدى" وقبل أن نبدأ بذكر الأسباب لابد أن يعلم القارئ أن المذاهب الفكرية منشؤها وموطنها المضياف هو الغرب النصراني الذي تهيأ له ما لم يتهيأ لغيره من الدول من أسباب الاندفاع إلى الثورات العارمة على كل الأوضاع والمعتقدات نتيجة أحوال تعيسة أفرزتها أسباب مجتمعة أدت إلى ظهور مذاهب فكرية عديدة كما يظهر الطفح الجلدي على المريض. ومن تلك الأسباب ما هو ظاهر ومنه ما هو خفي.
أما الأسباب الخفية: 
فقد تعود إلى أمور سياسية في أكثرها من حب السيطرة والتوسع وانتشار مواضع النفوذ وكذلك الرغبة في الانفلات من كل القيود التي كانت قائمة في ظل حكم رجال الدين النصراني ثم ملء الفراغ الذي أحس به الأوروبيون بعد إقصاء الدين ورجاله والرغبة في إشغال الناس بأي جديد في المعتقدات وخلط الأمور وربما توجد أسباب أخرى هي أهم من هذه الأمور تحتاج إلى بحث وتدقيق ووقت بعد التأكيد على أن أبرزها كان بسبب الرغبة في الانفلات من قبضة رجال الدين النصراني وخرافاتهم، وكذلك سوء الأحوال في الحياة الأوروبية المتمثلة في الحالة الاجتماعية والثقافية والدينية التي كان يعيش الأوروبيون في عهود سيطرة رجال الكنيسة من عداوات وتنافر ومن انتشار الجهل والخرافات الجاهلية ومن بعد عن الدين الصحيح، وكذلك اختلاط المفاهيم الفكرية الدينية النصرانية – الخرافية أساسا – وإظهارها بالمظهر الديني مما كان له الأثر البالغ في تشجيع أصحاب الآراء الثائرة على الدين النصراني على اختراع الآراء المضادة له وإلصاقها بالدين في البداية والتي نشأت في أشكال مذاهب ونظريات مختلفة بعد ذلك مقتدية بانحراف الديانة النصرانية من الأساس وقيامها على يد بولس اليهودي الوثني، الذي أقام النصرانية على مفاهيم بشرية وقوانين وضعية مملوءة بالتناقضات والخرافات التي كانت محل ازدراء أصحاب العقول الناضجة وتبرمهم منها سواء كانوا في الغرب أوفي الشرق بعد أن فقد النصارى إنجيل عيسى عليه السلام بعد رفعه على أنه لم يكن ظهور الخرافات وحدها هي التي أزعجت الأوروبيين بل كان لزوال طغيان رجال الكنيسة الحافز القوي لظهور مختلف الأفكار والمذاهب بعد الإطاحة بطغاة الكنيسة وتخلص الناس من قبضتهم الفولاذية، فإن كل شيء له رد فعل، فإن الأوروبيين وهم في مرحلة جديدة ماسة إلى كل الآراء لسد الفراغ ببديل عن الدين النصراني وتحقق بعد ذلك ما يقال من أن " لكل صائح صدى" فإنه بعد انفلات الناس عن قبضة الكنيسة وتحولهم إلى مارد جبار ما كان أحد يظهر رأيا إلا وجد من يستمع له ويأخذ به في البناء الجديد للحياة الأوروبية وأن يكون فيه إسهام في زيادة الابتعاد عن قبضة رجال الكنيسة وقد انضاف إلى تلك الأسباب أيضا ما قام به رجال الكنيسة قبل الإطاحة بهم من الوقوف بحزم وكبرياء أمام كل المفكرين من علماء الغرب والحكم عليهم بأنهم هراطقة يجب قتلهم لردتهم – كما يرى الجامدون رجال الكنيسة – فأي عالم كان يظهر رأيا جديدا في أي شيء في هذا الكون يخالف عقلية رجال الدين كان يعتبر قوله كفرا وردة فقامت المذابح لكل من كان يتصف بأنه حر أو مفكر وقتل الآلاف لأتفه الأسباب إلى أن تغلب الثائرون ومرغوا أنوف رجال الدين النصراني الخرافي في الوحل وقامت على أنقاضه مفاهيم ومذاهب شتى.
أما عصر سلطة الكنيسة هذا فسوف يتضح لك بعض حقائقه من خلال ما يلي بعد أن تعرف معنى الهرطقة.
الهرطقة:   
أساس التسمية في بداية إطلاقها هو بنز أطلقته الكنيسة على كل مخالف لهم في باطلهم للبطش به. ومعناها عندهم الكذب والفجور والخروج عن الدين والمراد بها الفتك بمن ينسبون إليه هذه التسمية ولاستباحة دمه " فرأي يراه عالم في الكون هرطقة، ومحاولة فهم الكتاب المقدس لرجل غير كنسي هرطقة، وانتقاد شيء يتصل بالكنيسة هرطقة، ومساعدة واحد من هؤلاء أو الرضا عن اتجاهه هرطقة... وهكذا". ولقد كان من ضحايا هذا البنز كثير من المفكرين منهم من أحرق حيا ومنهم من أحرقت كتبه ومنهم من سجن وعذب عذابا شديدا مثل:
1ـ " ويكلف" الذي نبش قبره وأحرقت جثته.
2ـ " جون هيس" عميد جامعة براج الذي أحرق حيا.
3ـ "لوثر كنج" وقد عانى الكثير منهم.
4ـ " كلفن".
ثم تتابع المفكرون إلى أن استطاعوا انتزاع سلطة الكنيسة وإخفات أصوات رجالها.
أما عصر سلطة الكنيسة:
فهذه السلطة برزت في القرون الوسطى حين كانت أوروبا تعاني من انتشار الجهل وسيطرة الخرافات بسبب سيطرة رجال الكنيسة وشدة قبضتهم على أتباعهم إذ كانوا بمثابة الدولة الطاغية فقرروا لأنفسهم صلاحيات لا حدود لها صلاحيات دينية وسياسية فوق ما يتصور العقل فلا حق إلا ما قرره البابا وأعضاؤه ولا باطل إلا ما أبطلوه ولا حلال ولا حرام إلا ما جاء عنهم، والويل كل الويل لمن حاول الخروج عن قبضتهم في أي ناحية دينية كانت أو دنيوية فإنه ينال عقابا لا هوادة فيه تحت بنزه بالهرطقة التي اخترعوها لتبرير جرائمهم بالمخالفين كما عرفت.
ومن الأمثلة على مظاهر ذلك الطغيان وعلى مدى صلاحيات رجال الدين في تلك الحقبة التاريخية ما يلي:
1ـ اختراعهم الأسماء التي يستحلون بها دماء مخالفيهم ومنها تسمية الهرطقة.
ولقد تسلط رجال الكنيسة على كال من حاول أي نوع من إصلاح مفاهيم الكنيسة الخاطئة ورموه بالهرطقة وكان من أولئك الرواد في مجابهة الكنيسة وكل ما يتعلق بها وكانوا ضحية هذا البنز من تقدم ذكر أسمائهم.
2ـ فرض هيمنة رجال الدين على كل شيء دنيوي أو أخروي فربطوا كل شيء بأيديهم فلا ينال ما عند الله إلا بإرضائهم وطاعتهم.
3ـ فرضوا على الناس احترام وطاعة رجال الدين طاعة عمياء قائمة على الذل والخضوع المطلق والاستسلام وعدم الاعتراض في أي أمر كان.
4ـ قرروا أنه لا يستطيع الإنسان أن يصل إلى ملكوت الله إلا عن طريق واسطة وتلك الواسطة هم رجال الدين البابوات فهم و حدهم الذين فوضهم الله تعالى وعلى لسان المسيح – وقد كذبوا على الله عز وجل وعلى المسيح.
5ـ لم يجوزوا لأي شخص كان، مهما كان ذكاؤه وعلمه، أن يجرؤ على تفسير الكتاب المقدس إذا لم يكن من أعضاء مجلس البابا.
6ـ جعلوا من مراسيم العبادة المتقبلة عند الله والطريق إلى قبول التوبة الاعتراف بالخطأ أمام الكاهن الذي بيده محو وغفران الذنوب فور سرد المخطئ لأخطائه سرية أو جهرية وهو على كرسي الاعتراف الذي شبه دائرة المباحث العامة.
7- أنشأوا فكرة صكوك الغفران وجعلوها من أهم ما ينبغي أن يفكر فيه الشخص لمستقبل حياته الأخروية، وهي في حقيقتها حيلة لنهب أموال الناس بالباطل، ولولا أن الناس قد سلبوا حتى مجرد التفكير لما قبل أحد منهم هذه المهزلة ولكن الذي يعتقد بوجود ثلاثة آلهة من السهل أن يقبل كل مستحيل وقد عرفت أنهم احتكروا كل شيء من الأمور الدينية والدنيوية وجعلوها قصرا عليهم وبالتالي فليس على الإنسان إذا أراد السعادة في الدنيا والآخرة إلا أن يقدم الهدايا العينية والنقدية والأموال المفروضة عليه وغير المفروضة ويشتري صكوك الغفران بأي ثمن يكون ويتحبب إلى رجال الدين ويتودد إليهم وهم يتولون ما يهمه لمستقبل حياته في الآخرة أو إرضاء الله عنه حسب زعمهم بسبب الصلاحيات الممنوحة له من المسيح عليه السلام وحاشاه من أكاذيبهم.
8ـ فرضوا على الناس نظام السُخرة والعشور وذلك بأن يعملوا في الأرض التي تملكها الكنيسة يوما كل أسبوع بدون أجر وأن يدفعوا عشر أموالهم هبة لرجال الدين الذين أصبحوا يأكلون ولا يشبعون.
9ـ وقف رجال الدين ضد العلم وحقائقه النظرية والتجريبية موقفا عدائيا لأنه خارج عن نطاق الكتاب المقدس الذي أعطى البابوات صلاحية التدخل في كل أمور الحياة ونشأ عن هذا الموقف العداء المستحكم فيما بعد بين الدين الذي لا يعترف بالاختراعات التجريبية ويعتبرها هرطقة وبين العلم الذي شق طريقه وسط تلك الظلمات ونجح.
10ـ تبنت الكنيسة أفكارا ونظريات في علوم الجغرافيا والأحياء وغيرها وقدستها ولم تسمح لأحد بمخالفتها وحكمت على من خالفها بالكفر والإلحاد وإباحة دمه.
وكان من نتيجة تلك الصلاحيات والهيمنة الكهنوتية أن عاش رجال الدين. البابا وأعضاؤه، عيشة البذخ والتهتك والفجور فوق ما كان يعيشه الأباطرة والملوك وحينما قوي الفكر الحر لرجال العلم والتجارب كان لهؤلاء حسابا قاسيا مع رجال الدين، ابتلى الله الظالمين بعضهم ببعض سنة الله ولن تجد لسنة الله تحويلا.
ولقد تبرم بعض كبار أتباع الكنائس من طغيان رجال الكنيسة من أصغر رتبهم إلى أكبرها ومدى ما وصلوا إليه من جرائم واستهتار بالقيم والأخلاق وبذخ لا حد له وحتى تكون الشهادة منهم على حد قوله تعالى: وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا[يوسف:26] فقد قالت عنهم "كاترين السينائية " كما ينقل عنها "ول ديروانت ": "إنك أينما وليت وجهك سواء نحو القساوسة أو الأساقفة أو غيرهم من رجال الدين أو الطوائف الدينية المختلفة أو الأحبار من الطبقات الدنيا أو العليا سواء كانوا صغارا في السن أو كبارا لم تر إلا شرا ورذيلة تزكم أنفك ورائحة الخطايا الآدمية البشعة إنهم كلهم ضيقو العقل شرهون.. تخلوا عن رعاية الأرواح.. اتخذوا بطونهم آلهة لهم يأكلون ويشربون في الولائم الصاخبة حيث يتمرغون في الأقذار ويقضون حياتهم في الفسق والفجور".
كما يصفهم "ماستيشو" بأنهم: " خدم الشيطان منغمسون في الفسق واللواط والشره وبيع الوظائف الدينية والخروج عن الدين ويقر بأنه وجد رجال الجيش أرقى خلقا من رجال الدين".
وبعد أن ذكر " ديوارانت " ما سبق ذكر كذلك أن سجلات الأديرة احتوت على عشرين مجلدا من المحاكمات بسبب الاتصال الجنسي بين الرهبان والراهبات"   
11ـ أنشؤوا محاكم التفتيش:
ومحاكم التفتيش أسوأ وصمة عار ارتكبها رجال الدين في حق العلم التجريبي والفكر الحر والناس عموما، فلقد كان الجهل والغباء والعناد سمة عقول الباباوات وأعضاء مجالسهم ينظرون إلى كل جديد بعين الريبة والتخوف على مراكزهم الدينية أن تذهب بها فكرة أو حركة أدراج الرياح ليقينهم بأنها قائمة على شفا جرف هار لذلك طلب الراهب " ثور كماندا" إنشاء التفتيش لمقاومة العلم والفكر الحر والنظريات العلمية وكل من يخالفهم، فتم ذلك الكابوس فعاش رجال الفكر في خوف شديد ولم يجرؤ الكثير منهم أن يعلن نظرياته واكتشافاته خوفا من سلطة الكنيسة التي كانت لا ترحم أحدا خالف ما قررته.
ولقد كانت تلك المحاكم سيفا مسلطا على رقاب أصحاب الفكر وعلى المسلمين بعد ذلك بخصوصهم فحكمت في المدة من عام 1481م – 1499م أي في حدود ثمانية عشر عاما على عشرة آلاف ومئتين وعشرين شخصا بأن يحرقوا وهم أحياء فأحرقوا وعلى ستة آلاف وثمانية وستين بالشنق فشنقوا وعلى سبعة وتسعين ألفا وثلاثة وعشرين شخصا بعقوبات مختلفة فنفذت   "
وكان أبرز العلماء الذين حاكمتهم الكنيسة في العصور الوسطى " جاليليو" الذي قال "بدوران الأرض حول الشمس" وقال كذلك "بأن السماء أكثر من سبعة كواكب " مخالفا ما جاء في رؤيا يوحنا في سفره الذي اضطره البابا " أريان الثامن" إلى أن يجثو على ركبتيه وهوفي السبعين من عمره وأن يعلن عن رجوعه عن آرائه وأنها هرطقة.
وصفة اعترافه هكذا " أنا غليليوفي السبعين من عمري سجين جاث على ركبتيه وبحضور فخامتك وأمامي الكتاب المقدس الذي ألمسه الآن بيدي أعلن أني لا أشايع بل ألعن وأحتقر خطأ القول وهرطقة الاعتقاد أن الأرض تدور"   
 ومثله " بافون" الذي أعلن عن رجوعه عن رأيه في تكوين الأرض مما يخالف ما جاء في قصة موسى. وصفة رجوعه " أعلن إقلاعي عن كل ما جاء في كتابي خاصا بتكوين الأرض" وحمله عن كل ما جاء به مخالفا لقصة موسى   
 وكذا " جيورد أنو برونو" الذي أحرقته الكنيسة حيا وذرته في الرياح و" شيكو داسكولي" الذي كان له شهرة في علم الفلك بجامعة كولولينا الذي أحرقته الكنيسة حيا في لفورنسا، و" دي رومينس" الذي قال إن قوس قزح ليس ميثاقا بين الله وبين خلقه وليس قوسا حربية بيد الله ينتقم بها من عباده إذا شاء كما قرره الكتاب المقدس بل هو من انعكاس ضوء الشمس في نقط الماء. فجلب إلى روما وحبس حتى مات ثم حوكمت جثته وكتبه وحكم عليها وألقيت في النار. وهذه الأهمية لقوس قزح إشارة لما جاء في خرافات الكتاب المقدس من أنه علامة لله يتذكر به أهل الأرض فلا يجعل المطر عليهم طوفانا يغرقهم به كما أفادته النصوص الآتية من سفر التكوين.
وكلم الله نوحا وبنيه معه قائلا: "وها أنا مقيم ميثاقي معكم ومع نسلكم من بعدكم. ومع كل ذوات الأنفس الحية التي معكم. الطيور والبهائم وكل وحوش الأرض التي معكم من جميع الخارجين من الفلك أيضا بحياة الطوفان ولا يكون أيضا طوفان ليخرب الأرض وقال الله هذه علامة الميثاق الذي أنا واضعه بيني وبينكم وبين كل ذوات الأنفس الحية التي معكم إلى أجيال الدهر وضعت قوسي في السحاب فتكون علامة ميثاق بيني وبين الأرض فيكون متى أنشر سحابا على الأرض وتظهر القوس في السحاب إني أذكر ميثاقي الذي بيني وبينكم وبين كل نفس حية في كل جسد فلا تكون أيضا المياه طوفانا لتهلك كل ذي جسد فمتى كانت القوس في السحاب أبصرها لأذكر ميثاقا أبديا بين الله وبين كل نفس حية في كل جسد على الأرض"   وقال الله لنوح "هذه علامة الميثاق الذي أنا أقمته بيني وبين كل ذي جسد على الأرض"   
ومن المفكرين الذين شملهم عقاب رجال الدين" لينيوس" الذي استطاع بتحليله للماء أن يعرف سبب احمراره وأنه يرجع إلى تكاثر نوع من الجينات فيه. ولكن حينما علم بذلك رجال الكنيسة ثاروا عليه وناصبوه العداء لأن التعليل عندهم لذلك هو أن ذلك خارقة من الخوارق الربانية، تحدث عند غضب الله تعالى وقد اضطر " لينيوس" إلى التراجع خوفا من رجال الكنيسة  
ومنهم " كوبرنيوكس" الذي كانت له آراء فكرية تخالف ما عليه الجامدون من رجال الكنيسة الذي أفلته الموت من قبضتهم ولكنهم لعنوه وهوفي قبره وصادروا كتبه وأحرقوها وحرموا قراءتها.
ومنهم " نيوتن" الذي تبنى القول بقانون الجاذبية فقد عوقب من قبل الكنيسة لأن هذا القول معناه من وجهة نظر الكنيسة انتزاع قوة التأثير من الله عز وجل إلى قوى مادية   
ومنهم " بلاج" الذي أظهر رأيه في أن الموت كان موجودا قبل آدم عليه السلام وقامت لذلك ضوضاء وجلبة وانتهى الأمر بصدور أمر إمبراطوري بقتل كل شخص يعتقد ذلك ولعل السبب في هذا الحكم هو اعتقادهم أن الموت إنما وجد من أجل خطيئة آدم فوجوده قبل آدم يعتبر أمرا لا مبرر له وعبثا وأن الخطيئة كانت موجودة قبل آدم.
وغير هؤلاء كثيرون لقوا مصارعهم قتلا وحرقا وشنقا وسجنا مؤبدا إلى الموت بسبب ما كانوا يعلنونه من اكتشافات أو آراء علمية قابلة للتجربة والبحث يستحق صاحبها المكافأة إن كانت صادقة أو عدم الاهتمام بها إذا كانت غير صحيحة لكن حكم الكنيسة يختلف.
ولهذا فقد شُلت الحركة الفكرية في أوروبا زمنا طويلا إلى أن جاء القرن الخامس عشر وبدأ المفكرون ينفضون عن الناس غبار جاهلية البابوات وطغيانهم فنادى " مارتن لوثر" بحركته لإصلاح الكنيسة سنة 1483م- 1546م واعتبر صكوك الغفران من وسائل الذل والعبودية التي يجب أن تنتهي ثم جاء بعده كالفن سنة 1509م – 1564م على نفس الاتجاه ورغم أن حركة لوثر ومن سار على طريقته غيرت كثيرا من المفاهيم الخاطئة واعتبرت العقل مصدرا من مصادر الفهم أيضا إلا أنه يلاحظ أن تلك الحركات لم تتحرر من تعاليم الكتاب المقدس بل جعلته مصدر الحقيقة فيما يتصل بالإيمان وله الكلمة الأخيرة ولو خرجوا عن هذا لكانوا على جانب من الإصلاح والتحرر من الخرافات.
ومن أسباب قيام المذاهب الفكرية في الغرب ما أحس به الأوروبيون من التخلف الذي كانوا يعيشونه والغبن الفاحش الذي كانوا يعاملون به وقد كان من الأسباب التي أيقظتهم على هذا الواقع المؤلم هو اتصال الغربيين عن طريق طلب العلم في البلدان الإسلامية واحتكاكهم كذلك بالمسلمين عن طريق التجارة أو غير ذلك من الأسباب التي جعلتهم يطلعون على الأوضاع تحت ظل الإسلام والأوضاع التي يعيشونها في ظل حكامهم ورجال دينهم.
ومنها ما قام به مفكرو الغرب من نبش الحضارات القديمة وإحياء الفلسفات اليونانية والاستفادة منها لقيام نظريات ومفاهيم سموها جديدة لإغراء الناس بها كالديمقراطية والعلمانية الرأسمالية وغيرها من الأفكار التي أرادوا أن يسدوا بها فراغ بعدهم عن الكنيسة.
ومنها مكائد اليهود وحبكهم المؤامرات لإثارة الفتن في عامة العالم الغربي لتغيير كل المفاهيم السائدة في ذلك الوقت وتحطيم كل ما كان معاديا لليهود والانتصاف من كل من أسهم بأي نوع من الأذى لليهود حتى تم لهم ما كانوا يخططون له فقامت الثورات التي تسفك فيها الدماء والثورات التي يداس فيها الدين وتداس الأخلاق وجميع النظم المخالفة لليهود.
وواقع الغرب اليوم أقوى شاهد على هذا. 
وإذا كان ما تقدم يدل على أسباب انتشار المذاهب الفكرية في أوروبا فما هي أسباب انتشارها في العالم الإسلامي.