البذخ والاسراف في المجتمع
العاقبة : ( {فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها} ) وللأسف أن يكون التفاخر أمام كاميرات الجوال فالكرم حقيقة هو إغاثة الملهوف وسد جوعة الفقير وإخراج زكاة المال وأداء الحقوق قولاً وفعلاً.
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
أنتشرت في الآونة الأخيرة عبر مقاطع "الفيديو" في برامج التواصل الإجتماعي مقاطع آثارة شريحة كبيرة من المجتمع وسببت أشمئزاز لطبقة كبيرة من الفقراء والعاطلين ، وهذي المقاطع لشرذمة قليلة من الناس يتلاعبون بالنعم ويستحقرونها من اجل تكريم ( فلان و فلان )!. ويعتقدون أنه من صميم الكرم والجود.
ومن تلك المقاطع شاهدنا من يقوم يتنشيف أنفه بالفلوس و من يحرق فلوسه ومن يدهس فلوس فئة " خمسمائة " ريال من مشاهد مقززة.
اتمنى ان نتسابق لإستنكار هذه التصرفات
في وسائل التواصل الإجتماعي ومحاربة مظاهر المجاهرة بالإسراف بما يغضب الله تعالى ، فديننا يأمرنا أن نبرأ من أفعال هؤلاء السفهاء ، وهذا يتزامن مع الوقت الذي تعج فيه وسائل الإعلام بصور ومقاطع من حولنا من إخواننا في بلدان مجاورة يموتون جوعاً وهلاكاً ودمار وحروب ، وفي المقابل هؤلاء بالمقاطع يضحكون ويبطرون بالنعم في غفلة وفرح. شتان بين الفريقين من أعطاه الله النعمة ومن سلبها منه.
وشاهدنا عبر وسائل التواصل شخص يجز شعر ابنه من أجل الضيف ، وهذه عادات جاهلية.
يقول أحد العلماء "مازلت أحلم بمجتمع لا يستحي فيه الفقير من فقره , بل يستحي فيه الغني من التباهي بالترف".
وشاهدنا كذلك من تستعرض مالها ومجوهراتها امام الناس والذي أحرق سيارته بقيمة ٢٥٠ ألف ، وهذا تبذير نتمنى وضع عقوبة تصل بهذا الجاحد لنعمة ربه للحجر والحجز على أملاكه ، وتوكيل من يدير ويدبر أمواله بدلاً عنه ، يقول احد كبار السن لأولاده :
يا أبنائي قد حدثناكم عن جوع مرّ بنا
وإني لأخشى أن تحدثو أبنائكم عن نعمة مرّت بكم !
وشاهدنا كذلك من يجلس كل واحد منهم على مائدة بمفرده ، بحد زعمهم أن هذا غاية الكرم!! ولم يتخيل هذا المسكين لو كان بمحل أحد الفقراء الذين يشاهدونه وقلوبهم منكسرة وربما دعاء عليه وحسده.
وشاهدنا كذلك من يرمي الفلوس على الإبل لكي تأكلها ، وأتمنى لو نرسل هذا المسرف لأحد الدول الفقيرة ويشاهد الفقراء بعينه ليعرف نعمة الله عليه.
وشاهدنا كذلك من يستخدم الفلوس ممسكاً بيده للقهوة الحارة تفاخراً وكذلك من يرمي الفلوس بداخل دلة القهوة بدلاً عن "الهيل" ، قال الله تعالى ( {إن المبذرين كانوا إخوان الشّيَـٰاطين وكان الشيطـاٰنُ لربِّه كفُورًا} ) وهذي الآية تكفي علامة عن ألف موعظة ، لتشابه المبذر بالشيطان كأخ له في عمله المشين ، قال رسول الله ﷺ -: " «كلوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة» " حديث صحيح رواه النسائي وابن ماجه .
وشاهدنا كذلك من ينثر "الهيل" بالمجلس إكراماً للضيف!! وهذا ليس من الكرم في شي فالكرم هو أن تشبعه من غير إسراف ولامخيلة ورياء وسمعة ، فالبعض من الناس لايجد عمل ووظيفة ، ونخشى أن يكون من هؤلاء المسرفين من يتمنى الوظيفة والمال غداً فلايجده ، فوالله إننا في نعمة نسأل الله أن لا يغيّرها علينا وكل صاحب نعمة محسود ، فَاتَّقُوا الله يا عباد الله في نعمة الله ، وفضله عليكم.
وشاهدنا كذلك من يشتري لأبنته طقم حمام مطرز بالذهب الخالص ، تفاخراً ومباهاة للناس ، فالذي رصيده بالبنك مليان ليس كالذي بطنه جوعان .
قيل ليوسف عليه السلام : لماذا تصوم وأنت على خزائن الأرض؟ قال أخشى أن اشبع فانسى الجائع.
وفي عام الرمادة في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أوشك الناس على الهلاك من الجوع فكان عمر وهو يخطب على المنبر وبطنه يقرقر من الجوع فيضع اصبعه على بطنه ويقول قرقر او لاتقرقر والله لاتشبع حتى يشبع أطفال المسلمين .
وفي عام ١٣٢٧ في نجد وماحولها وقع جوع وقحط بالأمطار كاد الموت يفتك بالناس من الجوع حتى أكلو الميته وورق الشجر وطبخو الجلود والعظام ، ومازال البعض من كبار السن يتذكر هذي المجاعة ، بل من قبل كانت تأتي الزكاة من السودان والصومال ومصر لجزيرة العرب لكثرة الفقراء حول الحرم المكي الذي يفدون له من كل مكان.
وشاهدنا كذلك من يشعل حطب قيمته عالية ومن يسكب السمن الكثير على الموائد وشاهدنا كذلك من يغسلون أيديهم بعد الطعام بدهن العود وشاهدنا كذلك من يصب دهن العود في المجالس بطريقة فيها إسراف وإثارة للمشاهدين ، يقول أحد الحكماء "من حفظ ماله فقد حفظ الأكرمين: الدين والعرض" ، ويقول أحد الأشخاص قابلت عامل آسيوي يبكي وسألته مابك فقال أنظر إلى القمامة عندكم ، وكنا في نعيم أكثر منكم ولم نشكره فعاقبنا الله على البطر وكفران النعمة.
وفعلاً من يتأمل حال بعض البلدان التي عاشت رغداً من العيش ثم افتقدت تلك النعمة والأمن وصار أهلها لايجدون لقمة العيش ، لايملك إلا استنكار مايفعله بعض المبذرين في بلدانا ، قال الله تعالى : { {وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون } }. وحتى تدوم النعم لابد من المحافظة عليها ، يقول الله تعالى :﴿ {ومن شكر فإنما يشكر لنفسه} }.
وما كان منا من الشكر فهو لنا ، وما كان من الله من النعمة فهو إلينا وله المنة والفضل علينا. قال الله تعالى ( ومن يشكر فإنما لنفسه )
قال الله تعالى : { {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} }. يقول أحد هؤلاء المسرفين هذي عادات وتقاليد وأقول لو سمع هذا حال هذا البلد ومامر به من فقر وغربة أهله قديماً عن الأهل والوطن من أجل البحث عن لقمة عيشه لأعتبر وانزجر ، فالخبز الذي يكافح من أجله الفقراء يضعه الأغنياء زينة على المائده ! المرأة في حفلات الزواج تشتري فستان بأعلى الأثمان تلبسه مره أو مرتين ثم ترمية هذا مع ماتشتريه من مكياج وأجهزة ومتاع وأثاث وتجهيزات للحفلات ومناسبات الزواج كلها محاكات ومضاهات للناس والله المستعان ، و ليس كل الأغنياء مسرفين بل وجد أغنياء يعرفون نعمة الله عليهن ويقدرونها حق قدرها ، بعكس من أعطاه الله النعمة ولم يقدرها ويشكرها قال تعالى : ( {وما بكم من نعمة فمن الله} ) ونحن مسؤولون عن هذه النعم هل شكرنا الله عليها ؟ والنعم إذا شكرت قرت وإذا كفرت فرت.
اللهم لك الحمد على نعمك التي لاتعد ولاتحصى اللهم اجعلنا شاكرين محافظين على نعمك ، فلابد من ردع هؤلاء ولابد من تربية الجيل على حفظ النعمة ولابد من حملة إعلامية ومحاربة هذا الإسراف الذي يعتقد صاحبة أنها من "سلوم" وكرم الرجال فيتفاخرون بالمال والأولاد.
وهذا الذي شاهدناه من سمى أسم ابنه على اسم ضيفه أو من يهدي أبناءه للضيف أو من ينحر ابنه للضيف، قال تعالى حكاية عن أمثالهم
( {أنا أكثر منك مالاً و أعز نفراً } )
العاقبة : ( {فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها} ) وللأسف أن يكون التفاخر أمام كاميرات الجوال فالكرم حقيقة هو إغاثة الملهوف وسد جوعة الفقير وإخراج زكاة المال وأداء الحقوق قولاً وفعلاً.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك ، اللهم لاتؤخذنا بما فعل السفهاء منا.
منصور بن محمد فهد الشريده
- التصنيف: