ذكورية الفقهاء

منذ 2019-04-01

المشكلة في الكتابات النسوية ليست مع الفقهاء فحسب بل و مع الثقافة و المجتمع و اللغة و مع الأديان كافة مما حذا بأحد أطياف النسوية للسعي لإنشاء ديانة خاصة  تدعى " الوثنية النسوية " التي تجعل من الأنثى إلهًا ،و أدب نسائي خاص و منظور لغوي نسوي يهدف لجندرة اللغة .

 

منة الله علي

 لطالما تحدث كُتّاب الحداثة و مروجوها عن السلطة الذكورية للفقهاء ، و قـتـلوا كتب التراث بحثاً و استخراجاً للأمثلة التي تؤيد طرحهم بدءًا من خلق المرأة ، و انتهاءًا  بتوليها للولايات و السلطات  ، و كأن الفقهاء يستنبطون الأحكام الشرعية من أهوائهم و آرائهم الشخصية دون انضباط بنصوص الشرع و أدلته .

         و إذا ما حاولنا تحليل انتشار مثل هذه الدعوى تواجهنا مستويين متباينين منهجيًّا :  فالفقيه يستبط الحكم منطلقًا من  موضوعية النص ، فالنص الشرعي بنظر الفقيه يجب أن يُعمل على ما هو عليه دون أن يشوبه هوى ، أو مصلحة ،  أو تحيُّز ؛  فالحقيقة قائمة في النص بذاتها بغض النظر عن النفس المُدرِكة ( نفس الفقيه )  .

  بينما ينتقده الحداثي بناءً على ذاتية القارئ و رد كل شيء إلى الفكر وحده حيث النسبية ، و الاعتبارية المتَجاوَزَة ؛ فيتوصل الحداثي إلى أن الفقيه هو العلة القائمة وراء هذه الثقافة الذكورية .

 فهي إذن فجوة و انفصال بين ذاتيتين الأولى في النص و الثانية في الفقيه ، وعليه فمن اجل هذا التباين لا يمكن اعتماد إحدى هاتين المنهجيتين للحكم على الأخرى ،  فمن الإنصاف عند الحكم على الفقهاء  و منتجاتهم المعرفية ينبغي استخدام أسسهم المنهجية لبيان تناقضهم مع ذاتهم ، أما و كونهم منسجمين مع أنفسهم فلا يمكن الحكم عليهم بمعايير دخيلة على منهجهم الابستمي المعتمد لديهم  .

       و قد أبرزت هذه التفاوتات في المناهج نسقاً ثقافيًا يشيع فيه أن المرأة مضطهدة و منتقصة  ثقافيًا و دينيًّا ، حتى مع انتشار الكتابات الفقهية الإحيائية المتأخرة التي عملت على إعادة صياغة الفقهيات المتعلقة بالمرأة إلا أن ذلك بقي عبثًا على أساس أن الفقهيات الأساسية و المتقدمة هي التي تصوغ ثقافة الأمة و التي تعد محل ثقة أبنائها .

 و قد عزز من هذا الطرح انتشار الكتابات عن تحرير المرأة بدءًا من زمن قاسم أمين و التي تهدف  لجعل  المرأة متساوية مع الرجل في الحقوق و الواجبات ، و انتهاءً بسيادة الكتابة النسوية التي روجت لاعتبار عدة نماذج للمرأة : فامرأة الفقهاء المقهورة و المقموعة  تختلف عن امرأة الحداثة  كما ترى ريتا فرج في عرضها لأبرز ما كتبته النسويات عن المرأة في كتابها "  امرأة الفقهاء و امرأة الحداثة " .

 المشكلة في الكتابات النسوية ليست مع الفقهاء فحسب بل و مع الثقافة و المجتمع و اللغة و مع الأديان كافة مما حذا بأحد أطياف النسوية للسعي لإنشاء ديانة خاصة  تدعى " الوثنية النسوية " التي تجعل من الأنثى إلهًا ،و أدب نسائي خاص و منظور لغوي نسوي يهدف لجندرة اللغة .

     و عودًا على بدء فقد ساهمت مثل هذه الدعوى [ ذكورية الفقهاء ]  بإيجاد مناهج تفسيرية اعتُبِرت المُخلِّصة من هذا الرهاب الفكري كما يحلو لهم أن يشيعوه ، حيث عُدت  أقوال الفقهاء مجرد أقوال بشرية مشحونة بالاعتبارات الظرفية الزمانية و المكانية التي عفا عنها الزمان و التي جعلت من النصوص التأسيسية [ القرآن و السنة ] نصوصاً مثقلة بطبقات تفسيرية حجبت روح التشريع ، و ليس هذا فحسب بل تجاوزت هذه المناهج التفسيرية أقوال الفقهاء إلى النصوص التأسيسية فأحد هذه المناهج : التاريخانية التي تعتبر الآيات القرآنية و حتى الأحاديث النبوية قد أتت في ظروف مكانية و زمانية تختلف عن زماننا ؛ و عليه فهي غير صالحة لأن يعمل بها في هذا الزمان ، و كذلك الهرمنيوطيقا كمبدأ تأويلي و  التي تعمل على حفريات في طبقات الفهم لتوصلنا إلى معرفة الظروف المواتية لكل  تفسير عرض للنص من جهة  ، و من جهة أخرى تعتني بفهم الفهم و بالمعنى الذاتي الذي يراه القارئ ، و بغض النظر عن مؤهلاته ، و التي تكرس من حالة  الشد و الجذب بين من عليه تقرير المعنى هل المؤسسات العلمية (المتمثلة بالفقهاء )أم الأفراد ؟ ؛ لندخل في وهم الفردانية  .

     بناء على ما سبق ظهرت و تكاثرت الكتابات الترويجية للنسوية و الحداثة عن ذكورية الفقهاء و أخذت عدة نماذج قد يطول الحديث عنها بالظهور و الترعرع وما يلفتنا هو أن هناك نماذج من إنصاف الفقهاء للمرأة لم  تنشرها كتابات الحداثة التي تنوي مجاوزة التراث ، و لا كتب النسوية العابرة للأديان .