وقفات مع فصل الصيف (4-5)

منذ 2019-04-17

إنها عوازل أخبر بها رسولنا صلى الله عليه وسلم ليست من البرولايت ولا من الفلِّين، وإنما هي أعمال صالحة أمرنا بالتحلي بها لنستظل بسببها تحت ظل عرش الرحمن في ذلك اليوم العصيب، ومن استظل تحت ظل العرش سيمر عليه يوم القيامة كقدر الانتظار ما بين الظهر والعصر.

 

وهل يمكن أن ننقل معنا العوازل الحرارية التي صنعناها في دنيانا؟ هل سالت عن الأعمال والعوازل التي تنجي صاحبها من حر شمس يوم القيامة، وتحفظه في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله؟

إنها عوازل أخبر بها رسولنا صلى الله عليه وسلم ليست من البرولايت ولا من الفلِّين، وإنما هي أعمال صالحة أمرنا بالتحلي بها لنستظل بسببها تحت ظل عرش الرحمن في ذلك اليوم العصيب، ومن استظل تحت ظل العرش سيمر عليه يوم القيامة كقدر الانتظار ما بين الظهر والعصر.

فقد أخرج الحاكم عن أبي هريرة t  مرفوعا قال: يوم القيامة على المؤمنين كقدر ما بين الظهر والعصر.

رسولنا r أنبئنا عن أفضل عوازل حرارية تقينا شمس يوم القيامة. أذكر لكم أحد عشر عازلا كلها موجبة لظل عرش الرحمن عَلَّنا أن نسارع إليها بعد أن أدركنا وتصورنا وآمنا بأهميتها يوم القيامة.

العازل الأول: إنظار المعسر حتى يسدد دينه أو تخفيف الدين عنه. فقد روى أبو هريرة  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا، أَوْ وَضَعَ لَهُ، أَظَلَّهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ» » [رواه الإمام أحمد والترمذي] . وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: " «إن أول من يستظلُ في ظل الله يوم القيامة لرجل أنظر معسرا أو تصدق عنه» " [رواه الطبراني] .

ومن يسر على غريمه المعسر فسييسر الله عليه ليس في الآخرة فحسب وإنما في الدنيا والآخرة، والجزاء من جنس العمل، فقد روى أبو هريرة t أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ..» » [رواه الإمام مسلم] .

لقد كان السلف الصالح حريصين على بذل المعروف وتفريج كرب الناس آملين أن يعاملهم الله تعالى يوم القيامة بمثل ذلك. فقد أقرض أبو قتادة  رجلا فلما حل الدين كان يأتيه يتقاضاه فيختبئ منه فَجَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ فَخَرَجَ صَبِيٌّ فَسَأَلَهُ عَنْهُ فَقَالَ: نَعَمْ. هُوَ فِي الْبَيْتِ يَأْكُلُ خَزِيرَةً فَنَادَاهُ يَا فُلَانُ، اخْرُجْ فَقَدْ أُخْبِرْتُ أَنَّكَ هَاهُنَا فَخَرَجَ إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا يُغَيِّبُكَ عَنِّي؟ قَالَ: إِنِّي مُعْسِرٌ وَلَيْسَ عِنْدِي. قَالَ: آللَّهِ إِنَّكَ مُعْسِرٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَبَكَى أَبُو قَتَادَةَ ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: « «مَنْ نَفَّسَ عَنْ غَرِيمِهِ أَوْ مَحَا عَنْهُ كَانَ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» » رواه الإمام مسلم وأحمد.

ولا تقتصر فائدة إنظار المعسر أو التجاوز عنه إظلال صاحبها في أرض المحشر وإنما من أنظر معسرا حل دينه فله عن كل يوم يمضي قدر ضعفي الدين كصدقة، فقد روى بريدة  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلُهُ صَدَقَةً قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلاَهُ صَدَقَةً» " [رواه الإمام أحمد وابن ماجه والحاكم وصححه الألباني]

     فلو أقرضت شخصا عشرة آلاف ريال ثم أعسر، كتب الله لك ثواب من يتصدق يوميا بعشرة آلاف ريال إلى أن يحل الدين، فإذا حل دينه فأمهلته كتب الله لك ثواب من يتصدق يوميا بعشرين ألف ريال!

ومن أعظم ثمرات إنظار المعسر أو التجاوز عنه أنها تنجي صاحبها من دخول النار. فقد روى أبو هريرة   أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " «كَانَ رَجُلٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَكَانَ يَقُولُ لِفَتَاهُ: إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِرًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ، لَعَلَّ اللهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا، فَلَقِيَ اللهَ فَتَجَاوَزَ عَنْهُ» " [متفق عليه] . وفي رواية لابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « «حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ شَيْءٌ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ، وَكَانَ مُوسِرًا، فَكَانَ يَأْمُرُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُعْسِرِ» »، قَالَ: " قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: « نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ، تَجَاوَزُوا عَنْهُ» " [رواه مسلم] . فحري بنا أن نتخلق بهذا الخلق الكريم.

 

أما العازل الثاني: فهو تعلم سورتي البقرة وآل عمران وحفظهما.

 فقد روى بريدة الأسلمي  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " «تعلموا البقرة وآل عمران فإنهما الزهراوان يظلان صاحبهما يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف» : [رواه الإمام أحمد] .

وروى النواس بن سمعان  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " «يأتي القرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة و آل عمران يأتيان كأنهما غيابتان وبينهما شرق أو كأنهما غمامتان سوداوان أو كأنهما ظلتان من طير صواف يجادلان عن صاحبهما» . ‌ [رواه الإمام مسلم وأحمد والترمذي] .

  فهاتين السورتين هما المحاميان والمدافعان عنك في عرصات يوم القيامة فاحرص كل الحرص على تعلمهما ومصاحبتهما وحفظهما بدلا من حفظ الأغاني التي لا تزيد القلب إلا نفاقا وفسوقا وبعدا عن الله -عز وجل-.

وروى أبو أمامة  قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « «اقْرَأُوا الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ، اقْرَأُوا الزَّهْرَاوَيْنِ: الْبَقَرَةَ، وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَأُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ» » . ومعنى البطلة أي السحرة ، وقيل البطَّالون وهم العاجزون، أي لا يستطيع حفظها العاجزون لطولها عن باقي السور .

وكأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحثنا على حفظ هاتين السورتين بالذات لنجني منهما فوائد عديدة، ولسورة البقرة بالذات فضائل جمة لا تجدها في سور أخرى، أجملها فيما يلي :

  1. أنها تُحاج عن صاحبها يوم القيامة، وتشفع له كما جاء في الحديث السابق.
  2. أنها تطرد الشيطان من المنزل الذي تُتلى فيه، حيث روى أبو هريرة t أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال    « «لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ» » [رواه مسلم] .
  3. أنها تحتوي على أعظم آية في كتاب الله هي آية الكرسي، التي تحفظ قارئها من الشيطان.
  4. أن خواتيمها تحوي على آيتين من قرأهما في ليلته كفتاه، وذلك لما رواه أبو مسعود عقبة بن عمرو t أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " «من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه » " .   قال ابن حجر رحمه الله تعالى : معنى كفتاه أي كفتاه عن قيام الليل بالقرآن ، وقيل أجزأتاه عن قراءة القرآن مطلقا ، سواء كان داخل  الصلاة أو خارجها ، وقيل كفتاه فيما يتعلق بالاعتقاد لما اشتملت عليه هاتين الآيتين من الإيمان والأعمال إجمالا ، وقيل كفتاه كل سوء ، وقيل شر الشيطان ، ويحتمل الجميع  وفضل الله واسع اهـ.
  5. ومن قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة ثلاثة أيام في بيته لا يدخله شيطان بإذن الله تعالى، حيث روى النعمان بن بشير t أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِأَلْفَيْ عَامٍ، أَنْزَلَ مِنْهُ آيَتَيْنِ خَتَمَ بِهِمَا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَلَا يُقْرَآنِ فِي دَارٍ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَيَقْرَبُهَا شَيْطَانٌ» » [رواه الترمذي والحاكم] .
  6. أنَّ الله -عَزَّ وَجَلَّ- خص قرابة ثلث السورة عن جرائم اليهود، فكشف عن خبثهم ومؤامراتهم، ومكابرتهم للحق، وقتلهم للأنبياء، ونقضهم للعهود والمواثيق حتى مع أنبيائهم، مما يكشف للمسلمين عن خطر هذه الشرذمة على العالم الإسلامي خاصة وعلى العالم أجمع عامة.

 فلو تدبر المسلمون هذه السورة، وكانوا من أصحابها حقا، لتغيرت أحوال وتبدلت أحوال.