وفي ذكر الله تعالى حياة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً
بقلم/ ماهر جعوان
الذكر حياة القلوب وبهاء الأرواح وتركه سبب الموت وإن كان يسير صاحبه مع الأحياء
قال ﷺ: «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ» [متفق عليه]
والأساس الأول الذي تُبنى عليه نهضات الأمم والشعوب وتقام الحضارات
هو تربية النفوس، وتقوية الأخلاق، وتنمية الرجولة الصحيحة في نفوس الأمة
ولا سبيل إلى ذلك إلا السبيل الذي سلكه ﷺ وهو إيقاظ الأرواح، وتوصيلها بالله رب العالمين؛ عن طريق أفضل الأعمال وهو الذكر، قال ﷺ" «أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا في دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ"، قَالُوا: بَلَى. قَالَ: "ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى» " (الترمذي)
وعدَّ ﷺ كثرة الذكر سبب السبق والفوز فقال: ( «سَبَقَ الْمُفْرِدُونَ" قَالُوا: وَمَا الْمُفْرِدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ الْمُسْتَهْتَرُونَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ (أي المولعون بكثرة الذكر) يَضَعُ الذِّكْرُ عَنْهُمْ أَثْقَالَهُمْ، فَيَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِفَافًا» ) [الترمذي]
والذكر سبب في طمأنينة القلوب ﴿ {الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} ﴾
ذلك أنَّ قلب المؤمن شديد التأثر بالذكر ﴿ {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} ﴾
ولذلك فلا شيء يشغل المؤمن عن الذكر،
فالمؤمنون ﴿ {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} ﴾
والذكر يردّ المخطئ إلى الصواب فيسارع في الرجوع إلى الحق
﴿ {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} ﴾
والذكر سبب لاستحقاق معية الله للعبد ﴿ {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} ﴾ وهي معيَّة بالقرب والولاية والمحبة والفتح والنصرة والقوة والمعونة والتوفيق، وكفى بهذا فضلاً وشرفًا عظيما.
قَالَ ﷺ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ» [مسلم]
فالذاكر يقابل المحن بالشجاعة حتى يغلبها ولذلك فالذكر أساس نجاح المسلم الصادق وشجاعته في مواجهة المحن، فالذاكر لله يدرك أن المقادير تجري بأمره، ويمتلئ قلبه بهيبة الله وعظمته، فلا يتردَّد في الجهر بالحق، وبهذا أمر الله موسى وهارون فقال: ﴿ {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي} ﴾
وترك الذكر وإهماله قسوة للقلب ومن ثم فشل وضلال ﴿ {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} ﴾
وقَالَ ﷺ « لاَ تُكْثِرُوا الْكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ؛ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلاَمِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ، وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ الْقَلْبُ الْقَاسِي» [الترمذي]
ولهذا فالشيطان شديد الحرص على شغل العبد بغير ذكر الله ليتمكن من قيادته إلى الهلاك،
﴿ {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ} ﴾
﴿ {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} ﴾
وفي ضوء ذلك يمكنك أن ترى التخبط والارتباك في صفوف الظالمين الذين قست قلوبهم وغلظت أكبادهم، ولم تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق.
الذكر معنى شامل لكثير من الطاعات.. يقول الإمام الشهيد "اعلم يا أخي أن الذكر ليس المقصود به الذكر القولي فحسب، بل إن التوبة ذكر، والتفكُّر من أعلى أنواع الذكر، وطلب العلم ذكر، وطلب الرزق إذا حسُنت فيه النية ذكر، وكل أمر راقبتَ فيه ربك وتذكَّرتَ نظرَه إليك ورقابتَه فيه عليك ذكر، ولهذا كان العارف ذاكرًا على كل حالاته" قَالَ قَتَادَة (كَانَ الْقَوْمُ يَتَبَايَعُونَ، وَيَتَّجِرُونَ، وَلَكِنَّهُمْ إِذَا نَابَهُمْ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ لَمْ تُلْهِهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، حَتَّى يُؤَدُّوهُ إِلَى اللَّهِ) البخاري
لهذا كان من أصول التربية الروحية المحافظة على الذكر جميعه سواء كان مقيدا أو مطلقا
كأذكار الصباح والمساء، ثم المحافظة على الذكر الدائم في كل المناسبات والأحوال،
بل وفي كل الأوقات، وعلى كل الهيئات والأحوال ﴿ {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} ﴾ ﴿ {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} ﴾
وقَالَتْ عَائِشَةُ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ» (متفق عليه)
وقَالَ رجل: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ، فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ، وفي رواية: إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيْنَا فَبَابٌ نَتَمَسَّكُ بِهِ جَامِعٌ، قَالَ" « لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّ» هِ" الترمذي وأحمد
قال ابن عباس رضي الله عنهما (كل عبادة فرضها الله تعالى جعل لها وقتًا مخصوصًا، وعذر العباد في غير أوقاتها، إلا الذكر لم يجعل الله له وقتًا مخصوصًا)
﴿ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} ﴾
فأقبلوا على الذكر بقلوب لله خاشعة، ونفوس في رحمة الله طامعة
فلولا ذكر الله لماتت قلوبنا وانطفأت أرواحنا هما وكمدا.
﴿ {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ﴾
- التصنيف: