الحذر من الشكليات (1-2)

منذ 2019-07-11

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم : ( «إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ»   [رواه مسلم]

 

    الحمد لله الذي يعلم ما تخفي القلوب والخواطر، ويرى خائنة الأعين وخفيات السرائر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مقلّب القلوب، وغفّار الذنوب، وساتر العيوب، ومفرج الكروب.

 وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، سيد المرسلين، وجامع شمل الدين، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.

أما بعد: أقف معكم عند حديث عظيم من أحاديث النبي  صلى الله عليه وسلم  الذي يؤكد فيه أن واجب المسلم أن يهتم بباطنه أكثر من اهتمامه بظاهره، فقد روى أبو هُرَيْرَةَ  رضي الله عنه  قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم : ( «إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ»   [رواه مسلم]

فقوله  صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ)، أي لا ينظر نظر اعتبار إلى صورنا، إذ لا اعتبار بحسنها أو قبحها، ولن يجازينا على ذلك؛ لأن الله هو الذي صورنا في الأرحام بهذه الصورة، وهي ليست من كسبنا، وإنما هي قدر الله علينا.

وكذلك فإن الله -عز وجل- لن ينظر إلى أموالنا هل هي كثيرة أم قليلة، ولن يدخلك الله الجنة لكثرة مالك، علما بأنك محاسبٌ عن هذا المال من أين اكتسبته وفيما أنفقته؟

 ولكن الله سيرى نيتك التي في قلبك، ويرى صواب عملك.

فالحديث يدل على أن المسلم محاسب ومسئول عن نيته وعمله؛ لذلك ينبغي علينا أن نصلح أعمالنا ونياتنا، ولا نجعل همتنا متعلقة بالبدن والمال، فإن الله تعالى لا يقبل المرء ولا يقربه لحسن صورته وكثرة ماله. وقد قال الله -عز وجل- وَ {مَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ

لقد اهتم الإسلام بظاهر المسلم وباطنه؛ ولكن كانت عنايته بالباطن أكثر؛ لأن الباطن هو الأساس وهو المقصود، فالإنسان في نظر الإسلام مظهر ومخبر، صورة وحقيقة؛ لكن المشكلة هي أننا أصبحنا في هذا الزمان نعتني بالمظهر ونهمل المخبر.

فبعض الناس قد يهتم بظاهره ويهمل باطنه، فتراه يهتم ويحرص على هندامه وثيابه وشكله، وتراه يكرر النظر في المرآة ليتأكد بأن شكله مقبول عند الناس؛ لئلا يُزدرى أو يَضحكَ عليه أحد، بينما لا نجد مثل هذا الاهتمام بقلبه وإخلاصه وتقواه لله –عزوجل- والحرص على تتبع سنن النبي  صلى الله عليه وسلم  وزيادة إيمانه، فهو يهتم بالظاهر وهو موضع نظر الناس ومدحهم، ولا يهتم بالباطن وهو موضع نظر الرب جل جلاله.

نحن لا نقول لا تهتم بهندامك، فإن الله جميل يحب الجمال، ولكن لا يكون ذلك على حساب تفريطك في أمر الله -عز وجل-، فإن الباطن هو الأصل، ولا خير في مظهر بلا مخبر.

إنك تجد الفرد يتجمل ويتعطر في الصباح الباكر حتى يستحسنه زملاؤه في العمل، ولكنه قد يكون ممقوتا عند الله؛ لأنه صلى الفجر بعد طلوع الشمس، أو لأنه بات ساهرا على معصية، فلو كان يعلم بأن الله -عز وجل- لا ينظر إلى صورنا وأموالنا وإنما ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا لبادر إلى التوبة والإنابة قبل تحسين مظهره أمام الناس.

ومن الناس من تراه يقبل على صلاته ويحافظ عليها في المسجد ويهتم بحركاتها ومظهرها،  وهذا محمود، لكنه لا يهتم بخشوعه ومدى إقبال قلبه على ربه.

ومن الناس من يحذر أن تصدر منه رائحة غير زكية، فيسارع إلى التنظف والتعطر، لئلا يشم منه الناس رائحة تنفرهم منه، وهذا حسن؛ ولكن لا نرى مثل هذا الاهتمام في الخوف من الوقوع في سائر المعاصي، والسبب هو غفلة هذا المسلم عن موضع نظر الرب واهتمامه فقط بموضع نظر الناس.

وبعض الناس اعتاد أن يذهب هو وأولاده إلى مكة في كل رمضان، وهذا طيب؛ لكن السؤال ما هو حالهم هناك؟ هل فعلا تفرغ هو وأهله للعبادة والانقطاع بإقبال وتذلل واعتكاف ليحصل المرجو والمقصود؟ أم أن الواقع جلسات وسمر وأنس وحديث وزائر ومزور وسواليف وعزايم وولائم، فأصبحت أسفارا عادية أكثر من أن تكون أسفاراً لقصد التقرب إلى الله، فسيطر الظاهر على الباطن، وظهرت الصورة وغابت الحقيقة، ولذلك ترى البعض منهم يرجع إلى بلده كما ذهب تماما، لم يتغير إيمانه وإقباله على ربه -عز وجل-.

   هذا الحديث النبوي استدل به بعض الناس على ترك صالح الأعمال اتكالا على صلاح النية، فأخذوا رواية من روايات الحديث التي تقول (إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ) فركزوا على القلب فقط، وهذا سلاح يستخدمه البطالون أو المتسترون بالمعاصي؛ لأن الكل يحسن أن يقول أنه من الأتقياء وأنه يحب الله ورسوله، ولكن الذي يفضح هؤلاء هي الرواية التي رواها الإمام مسلم عندما قال  صلى الله عليه وسلم  (وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ).

فبعضهم إذا نصحته بترك محرم أو بفعل واجب؛ كإعفاء اللحية أو عدم إسبال الثوب، قال أهم شيء النية، وأصل التقوى في القلب، وهذه قشور لا تؤثر على إيمان المسلم، وغير ذلك من كلمات تنم عن تهربه من الاستجابة لأمر الله وأمر رسوله  صلى الله عليه وسلم ، وما علم أن النبي  صلى الله عليه وسلم  لا يأمر بقشور، وأنه لا بد من صلاح النية وصلاح العمل.